فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



أحدهما: جوازه، وهو قول مالك، والشافعي.
الثاني: المنع، قاله أبو حنيفة.
قوله عز وجل: {إِنَّما السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ} فيه قولان:
أحدهما: يظلمون الناس بعدوانهم عليهم وهو قول كثير منهم.
الثاني: يظلمونهم بالشرك المخالف لدينهم، قاله ابن جريج.
{وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه بغيهم في النفوس والأموال، وهو قول الأكثرين.
الثاني: عملهم بالمعاصي، قاله مقاتل.
الثالث: هو ما يرجوه كفار قريش أن يكون بمكة غير الإسلام دينًا، قاله أبو مالك.
قوله عز وجل: {وَلَمِنَ صَبَرَ وَغَفَرَ} يحتمل وجهين:
أحدهما: صبر على الأذى وغفر للمؤذي.
الثاني: صبر عن المعاصي وستر المساوىء.
ويحتمل قوله: {إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} وجهين:
أحدهما: لمن عزائم الله التي أمر بها.
الثاني: لمن عزائم الصواب التي وفق لها.
وذكر الكلبي والفراء أن هذه الآية نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه مع ثلاث آيات قبلها وقد شتمه بعض الأنصار فرد عليه ثم أمسك، وهي المدنيات من هذه السورة.
قوله عز وجل: {وَتَرَاهُمْ يُعْرَضَونَ عَلَيهَا} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنهم المشركون جميعًا يعرضون على جهنم عند إطلاقهم إليها، قاله الأكثرون.
الثاني: آل فرعون خصوصًا تحبس أرواحهم في أجواف طير سود تغدو على جهنم وتروح، فهم عرضهم، قاله ابن مسعود.
الثالث: أنهم عامة المشركين ويعرضون على العذاب في قبورهم، وهذا معنى قول أبي الحجاج.
{خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ} قال السدي: خاضعين من الذل.
{يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: ينظرون بأبصار قلوبهم دون عيونهم لأنهم يحشرون عميًا، قاله أبو سليمان.
الثاني: يسارقون النظر إلى النار حذرًا، قاله محمد بن كعب.
الثالث: بطرفٍ ذليل، قاله ابن عباس.
قوله عز وجل: {مَا لَكُم مِّن مَّلْجَإِ يَوْمَئِذٍ} فيه وجهان:
أحدهما: من منج.
الثاني: من حرز، قاله مجاهد.
{وَمَا لَكُم مِّن نِّكيرٍ} فيه وجهان:
أحدهما: من ناصر ينصركم، قاله مجاهد.
الثاني: من منكر يغير ما حل بكم، حكاه ابن أبي حاتم وقاله الكلبي.
قوله عز وجل: {وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحخَ بِهَا} فيها وجهان:
أحدهما: أن الرحمة المطر، قاله مقاتل.
الثاني: العافية، قاله الكلبي.
{وَإِن تُصِبْهُمْ سِّيئةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} فيها وجهان:
أحدهما: أنه السنة القحط، قاله مقاتل.
الثاني: المرض، قاله الكلبي.
{فَإِنَّ الإِنسَانَ كَفُورٌ} يحتمل وجهين:
أحدهما: بالنعمة.
الثاني: بالله.
قوله عز وجل: {يَهَبُ لِمَن يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ} قال عبيدة: يهب لمن يشاء إناثًا لا ذكور فيهن، ويهب لمن يشاء ذكورًا لا إناث فيهم. وأدخل الألف على الذكور دون الإناث لأنهم أشرف فميزهم بسمة التعريف.
{أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا} فيه وجهان:
أحدهما: هو أن تلد غلامًا ثم تلد جارية ثم تلد غلامًا ثم تلد جارية، قاله مجاهد.
الثاني: هو أن تلد توأمين غلامًا وجارية، قاله محمد بن الحنفية، والتزويج هنا الجمع بين البنين والبنات. قال ابن قتيبة: تقول العرب زوجني إبلي إذا جمعت بين الصغار والكبار.
{وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا} أي لا يولد له. يقال عقم فرجه عن الولادة أي منع.
وحكى النقاش أن هذه الآية نزلت في الأنبياء خصوصًا وإن عم حكمها، فوهب للوط البنات ليس فيهن ذكر، ووهب لإبراهيم الذكور ليس معهم أنثى، ووهب لإسماعيل وإسحاق الذكور والإناث، وجعل عيسى ويحيى عقيمين.
قوله عز وجل: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْيًا} الآية. سبب نزولها ما حكاه النقاش أن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم ألا تكلم الله وتنظر إليه إن كنت نبيًّا صادقًا كما كلمه موسى ونظر إليه؟ فنزلت هذه الآية.
وفي قوله: {وَحْيًا} وجهان:
أحدهما: أنه نفث ينفث في قلبه فيكون إلهامًا، قاله مجاهد.
الثاني: رؤيا يراها في منامه، قاله زهير بن محمد.
{أَوْ مِن وَرَاءي حِجَابٍ} قال زهير: كما كلم موسى.
{أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا} قال زهير: هو جبريل.
{فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء} وهذا الوحي من الرسل خطاب منهم للأنبياء يسمعونه نطقًا ويرونه عيانًا. وهكذا كانت حال جبريل إذا نزل بالوحي على النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن عباس: نزل جبريل على كل نبي فلم يره منهم إلا محمد وعيسى وموسى وزكريا صلوات الله عليهم أجمعين، فأما غيرهم فكان وحيًا إلهامًا في المنام.
قوله عز وجل: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: رحمة من عندنا، قاله قتادة.
الثاني: وحيًا من أمرنا، قاله السدي.
الثالث: قرأنًا من أمرنا، قاله الضحاك.
{مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ} فيه وجهان:
أحدهما: ما كنت تدري ما الكتاب لولا الرسالة، ولا الإيمان لولا البلوغ، قاله ابن عيسى.
الثاني: ما كنت تدري ما الكتاب لولا إنعامنا عليك، ولا الإيمان لولا هدايتنا لك وهو محتمل.
وفي هذا الإيمان وجهان:
أحدهما: أنه الإيمان بالله، وهذا يعرفه بعد بلوغه وقبل نبوته.
الثاني: أنه دين الإٍسلام، وهذا لا يعرفه إلا بعد النبوة.
{وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا} فيه قولان:
أحدهما: جعلنا القرآن نورًا، قاله السدي.
الثاني: جعلنا الإيمان نورًا. حكاه النقاش وقاله الضحاك.
{وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} فيه قولان:
أحدهما: معناه: وإنك لتدعو إلى دين مستقيم، قاله قتادة.
الثاني: إلى كتاب مستقيم، قاله علي رضي الله عنه.
وقرأ عاصم الجحدري: وإنك لتُهدى، بضم التاء أي لتُدْعَى.
قوله عز وجل: {صِرَاطِ اللَّهِ} فيه وجهان:
أحدهما: أن صراط الله هو القرآن، قاله علي كرم الله وجهه.
الثاني: الإٍسلام، رواه النواس بن سمعان الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم.
{أَلاَ إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ} يحتمل وجهين:
أحدهما: أنه وعيد بالبعث.
الثاني: أنه وعيد بالجزاء، والله أعلم. اهـ.

.قال الثعلبي:

{وَلَوْ بَسَطَ الله الرزق لِعِبَادِهِ}.
الآية نزلت في قوم من أهل الصفّة تمنوا سعة الدّنيا والغنى. قال خباب بن لادن: فينا نزلت هذه الآية وذلك إنّا نظرنا إلى بني قريظة والنضير وبني القينقاع، فتمنيناها فأنزل الله تعالى: {وَلَوْ بَسَطَ الله} أي وسع الرزق لعباده.
{لَبَغَوْاْ فِي الأرض} أي لطغوا وعصوا. قال ابن عباس: بغيهم ظلمًا، منزلة بعد منزلة ودابة بعد دابة ومركبًا بعد مركب وملبسًا بعد ملبس.
أخبرنا الحسين بن محمد بن إبراهيم التبستاني الإصبهاني، حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن العباس العصمي الهروي، أخبرني محمد بن علي بن الحسين، حدثنا أحمد بن صالح الكرابيسي، يقول: سمعت قصير بن يحيى يقول: قال: شقيق بن إبراهيم في قول الله تعالى: {وَلَوْ بَسَطَ الله الرزق لِعِبَادِهِ لَبَغَوْاْ فِي الأرض}، قال: لو رزق الله العباد من غير كسب وتفرغوا عن المعاش والكسب لطغوا في الأرض وبغوا وسعوا في الأرض فسادًا، ولكن شغلهم بالكسب والمعاش رحمة منه وامتنانًا.
{ولكن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاء} أرزاقهم {بِقَدَرٍ مَا يَشَاء} لكفايتهم. قال مقاتل: {ولكن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاء} فجعل واحدًا فقيرًا وآخرًا غنيًا.
{إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ}. قال قتادة: في هذه الآية كان يقال: خير الرزق ما لا يطغيك ولا يلهيك، وذكر لنا إنّ نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: «أخوف ما أخاف على أمتي، زهرة الدّنيا وكثرتها».
أخبرنا الحسين بن محمد بن فنجويه، حدثنا عبد الله بن محمد بن شنبه، حدثنا أبو جعفر محمد بن الغفار الزرقاني، حدثنا محمد بن يحيى الأزدي، حدثنا أبو حفص عمر بن سعيد الدمشقي، حدثنا صدقة بن عبد الله، حدثنا عبد الكريم الجزري، عن أنس بن مالك، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جبريل (عليه السلام)، عن ربّه عزّ وجلّ قال: «من أهان لي وليًّا، فقد بارزني بالمحاربة، وإنّي لأسرع شيء إلى نصرة أوليائي، وإنّي لأغضب لهم كما يغضب الليث الحرد، وما ترددت عن شيء أنا فاعله، ترددي عن قبض روح عبدي المؤمن، يكره الموت وأنا أكره إساءته، ولا بد له منه، فإذا أحببته كنت له سمعًا وبصرًا ولسانا ويدًا ومؤيدًا، إن سألني أعطيته وإن دعاني استجبت له وإنَّ من عبادي المؤمنين لمن يسألني الباب من العبادة، ولو أعطيته إياه دخله العجب فأفسده، وإنّ من عبادي المؤمنين، لمن لا يصلحه إلاّ السقم ولو صححته لأفسدهُ ذلك، وإنّ من عبادي المؤمنين لمن لا يصلحه إلاّ الصحّة، ولو أسقمته لأفسده ذلك، وإنّ من عبادي المؤمنين لمن لا يصلحه إلاّ الغنى ولو أفقرته لأفسده ذلك، وإنَّ من عبادي المؤمنين لمن لا يصلحه إلاّ الفقر ولو أغنيته لأفسده ذلك. إنّي أدبر عبادي لعلمي بقلوبهم إنّي عليمٌ خبيرٌ».
قال صدقة: وسمعت أبان بن أبي عياش يحدث بهذا الحديث، عن أنس بن مالك ثمّ يقول: اللّهمّ إنّي من عبادك المؤمنين الّذين لا يصلحهم إلاّ الغنى فلا تفقرني.
{وَهُوَ الذي يُنَزِّلُ الغيث} يعني المطر، سمي بذلك لأنّه يغيث النّاس أي يجيرهم ويصلح حالهم.
قال الأصمعي: مررت ببعض قبائل العرب وقد مطروا، فسألت عجوز منهم، كم أتاكم المطر؟ فقالت: غثنا ما شئنا.
{مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ} ويبسط مطره نظيره قوله: {وَهُوَ الذي يُرْسِلُ الرياح بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} [الأعراف: 57].
أخبرنا شعيب بن محمد، أخبرنا أبو الأزهر، حدثنا روح، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: ذُكر لنا أنّ رجلًا أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: يا أمير المؤمنين قحط المطر وقنط النّاس. قال: مطرتم، ثمّ قال: {وَهُوَ الذي يُنَزِّلُ الغيث مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ}.
{وَهُوَ الولي الحميد}.
{وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السماوات والأرض وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَآبَّةٍ وَهُوَ على جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاء قَدِيرٌ وَمَا أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} من الإجرام والآثام.
{وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ} منها فلا يؤاخذكم بها.
وقرأ أهل المدينة والشام (بما) بغير (فاء)، وكذلك هي في مصاحفهم، وقرأ الباقون {فَبِمَا}، بالفاء، وكذلك في مصاحفهم وأختاره أبو عبيد وأبو حاتم.
أخبرنا الحسين بن محمد المقري، حدثنا عبيد الله بن أحمد بن يعقوب، حدثنا رضوان بن أحمد، حدثنا أحمد بن عبد الجبار، حدثنا أبو معاوية الضرير عن إسماعيل بن مسلم، عن الحسن، قال: لما نزلت هذه الآية {وَمَا أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من اختلاج عرق ولا خدش عود ولا نكبة حجر إلاّ بذنب ولما يعفو الله عنه أكثر».
أخبرنا الحسين بن محمد بن فنجويه، حدثنا أبو بكر بن مالك القطيعي، حدثنا بشر بن موسى الأسدي، حدثنا خلف بن الوليد، حدثنا مروان بن معاوية، حدثني الأزهر بن راشد الكاهلي، عن الخضر بن القواس العجلي، عن أبي سخيلة، قال: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ألا أخبركم بأفضل آية في كتاب الله حدثنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ}، قال: «وسأفسرها لك يا عليَّ: ما أصابكم في الدنيا من بلاء أو مرض أو عقوبة فاللّه أكرم من أن يثنّي عليكم العقوبة في الآخرة، وما عفا عنه في الدنيا فالله أحلم من أن يعود بعد عفوه».
قال: بإسناده عن خلف بن الوليد، عن المبرك بن فضالة، عن الحسن، قال: دخلنا على عمران بن الحصين في مرضه الشديد الّذي أصابه، فقال رجل منّا: إنّي لا بد أن أسألك عما أرى من الوجع بك، فقال عمران: يا أخي لا تفعل فوالله أن أحبّه إليَّ أحبّه إلى الله تعالى. قال الله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ}. هذا بما كسبت يداي وعفو ربّي تعالى فيما بقي.
أخبرنا الحسين بن محمد بن فنجويه، حدثنا موسى بن محمّد بن علي، حدثنا جعفر بن محمد الفرماني، حدثنا أبو خثيمه مصعب بن سعيد، حدثنا زهير بن معاوية، عن أبي إسحاق، عن مرة الهمذاني، قال: رأيت على ظهر كف شريح قرحة، قلت: يا أبا أمامة ما هذا؟ قال: {بِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ}.