فصل: (سورة الشورى: آية 47).

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



لا يقدر أن يفتح أجفانه عليها ويملأ عينيه منها، كما يفعل في نظره إلى المحاب. وقيل: يحشرون عميا فلا ينظرون إلا بقلوبهم. وذلك نظر من طرف خفى. وفيه تعسف {يَوْمَ الْقِيامَةِ} إما أن يتعلق بخسروا، ويكون قوله المؤمنين واقعا في الدنيا، وإما أن يتعلق بقال، أى: يقولون يوم القيامة إذا رأوهم على تلك الصفة.

.[سورة الشورى: آية 47].

{اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (47)}.
{مِنَ اللَّهِ} {من} صلة {لا مردّ}، أى: لا يرده اللّه بعد ما حكم به. أو من صلة {يأتى}، أي: من قبل أن يأتى من اللّه يوم لا يقدر أحد على ردّه. و{النكير}: الإنكار، أى: ما لكم من مخلص من العذاب ولا تقدرون أن تنكروا شيئا مما اقترفتموه ودوّن في صحائف أعمالكم.

.[سورة الشورى: آية 48].

{فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاغُ وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ (48)}.
أراد بالإنسان الجمع لا الواحد، لقوله: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ} ولم يرد إلا المجرمين، لأن إصابة السيئة بما قدّمت أيديهم إنما تستقيم فيهم. والرحمة: النعمة من الصحة والغنى والأمن. والسيئة: البلاء من المرض والفقر والمخاوف. والكفور: البليغ الكفران، ولم يقل: فإنه كفور، ليسجل على أن هذا الجنس موسوم بكفران النعم، كما قال: {إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}، {إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ} والمعنى أنه يذكر البلاء وينسى النعم ويغمطها.

.[سورة الشورى: الآيات 49- 50].

{لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ ما يَشاء يَهَبُ لِمَنْ يَشاء إِناثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاء الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرانًا وَإِناثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50)}.
لما ذكر إذاقة الإنسان الرحمة وإصابته بضدّها: أنبع ذلك أنّ له الملك وأنه يقسم النعمة والبلاء كيف أراد، ويهب لعباده من الأولاد ما تقتضيه مشيئته، فيخص بعضا بالإناث وبعضا بالذكور، وبعضا بالصنفين جميعا، ويعقم آخرين فلا يهب لهم ولدا قط. فإن قلت: لم قدّم الإناث أوّلا على الذكور مع تقدّمهم عليهنّ، ثم رجع فقدّمهم، ولم عرف الذكور بعد ما نكر الإناث؟
قلت: لأنه ذكر البلاء في آخر الآية الأولى وكفران الإنسان بنسيانه الرحمة السابقة عنده، ثم عقبه بذكر ملكه ومشيئته وذكر قسمة الأولاد، فقدم الإناث لأنّ سياق الكلام أنه فاعل ما يشاؤه لا ما يشاؤه الإنسان، فكان ذكر الإناث اللاتي من جملة ما لا يشاؤه الإنسان أهم، والأهم واجب التقديم، وليلى الجنس الذي كانت العرب تعدّه بلاء ذكر البلاء، وأخر الذكور فلما أخرهم لذلك تدارك تأخيرهم، وهم أحقاء بالتقديم بتعريفهم، لأن التعريف تنويه وتشهير، كأنه قال: ويهب لمن يشاء الفرسان الأعلام المذكورين الذين لا يخفون عليكم، ثم أعطى بعد ذلك كلا الجنسين حقه من التقديم والتأخير، وعرّف أن تقديمهنّ لم يكن لتقدّمهنّ، ولكن لمقتض آخر فقال: {ذُكْرانًا وَإِناثًا} كما قال: {إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى}، {فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى} وقيل: نزلت في الأنبياء صلوات اللّه عليهم وسلامه، حيث وهب لشعيب ولوط إناثا، ولإبراهيم ذكورا، ولمحمد ذكورا وإناثا، وجعل يحيى وعيسى عقيمين {إِنَّهُ عَلِيمٌ} بمصالح العباد {قَدِيرٌ} على تكوين ما يصلحهم.

.[سورة الشورى: آية 51].

{وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِنْ وَراء حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاء إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51)}.
{وَما كانَ لِبَشَرٍ} وما صح لأحد من البشر {أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا} على ثلاثة أوجه: إما على طريق الوحي وهو الإلهام والقذف في القلب أو المنام، كما أوحى إلى أم موسى وإلى إبراهيم عليه السلام في ذبح ولده. وعن مجاهد: أوحى اللّه الزبور إلى داود عليه السلام في صدره.
قال عبيد بن الأبرص:
وأوحى إلىّ الله أن قد تأمّروا ** بإبل أبى أوفى فقمت على رجل

أى: ألهمنى وقذف في قلبي.
وإما على أن يسمعه كلامه الذي يخلقه في بعض الأجرام، من غير أن يبصر السامع من يكلمه، لأنه في ذاته غير مرئى.
وقوله: {مِنْ وَراء حِجابٍ} مثل أى، كما يكلم الملك المحتجب بعض خواصه وهو من وراء الحجاب، فيسمع صوته ولا يرى شخصه، وذلك كما كلم موسى ويكلم الملائكة. وإما على أن يرسل إليه رسولا من الملائكة فيوحى الملك إليه كما كلم الأنبياء غير موسى. وقيل: وحيا كما أوحى إلى الرسل بواسطة الملائكة {أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا} أي نبيا كما كلم أمم الأنبياء على ألسنتهم. ووحيا، وأن يرسل: مصدران واقعان موقع الحال، لأنّ: أن يرسل، في معنى إرسالا. ومن وراء حجاب: ظرف واقع موقع الحال أيضا، كقوله تعالى: {وَعَلى جُنُوبِهِمْ} والتقدير: وما صح أن يكلم أحدا إلا موحيا، أو مسمعا من وراء حجاب، أو مرسلا. ويجوز أن يكون: وحيا، موضوعا موضع: كلاما، لأنّ الوحي كلام خفى في سرعة، كما تقول: لا أكلمه إلا جهرا وإلا خفانا، لأنّ الجهر والخفات ضربان من الكلام، وكذلك إرسالا: جعل الكلام على لسان الرسول بمنزلة الكلام بغير واسطة. تقول: قلت لفلان كذا، وإنما قاله وكيلك أو رسولك.
وقوله: {أَوْ مِنْ وَراء حِجابٍ} معناه: أو إسماعا من وراء حجاب، ومن جعل {وَحْيًا} في معنى: أن يوحى، وعطف يرسل عليه، على معنى {وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا} أي: إلا بأن يوحى. أو بأن يرسل، فعليه أن يقدر قوله: {أَوْ مِنْ وَراء حِجابٍ} تقديرا يطابقهما عليه، نحو: أو أن يسمع من وراء حجاب. وقرئ: {أو يرسل رسولا فيوحى} بالرفع، على: أو هو يرسل. أو بمعنى مرسلا عطفا على وحيا في معنى موحيا. وروى أنّ اليهود قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: ألا تكلم اللّه وتنظر إليه إن كنت نبيا كما كلمه موسى ونظر إليه، فإنا لن نؤمن لك حتى تفعل ذلك، فقال: «لم ينظر موسى إلى اللّه»، فنزلت. وعن عائشة رضي الله عنها: من زعم أنّ محمدا رأى ربه فقد أعظم على اللّه الفرية، ثم قالت: أو لم تسمعوا ربكم يقول: فتلت هذه الآية. {إِنَّهُ عَلِيٌّ} عن صفات المخلوقين {حَكِيمٌ} يجرى أفعاله على موجب الحكمة، فيكلم تارة بواسطة، وأخرى بغير واسطة: إما إلهاما، وإما خطابا.

.[سورة الشورى: الآيات 52- 53].

{وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاء مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِراطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (53)}.
{رُوحًا مِنْ أَمْرِنا} يريد: ما أوحى إليه، لأن الخلق يحيون به في دينهم كما يحيى الجسد بالروح. فإن قلت: قد علم أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: ما كان يدرى ما القرآن قبل نزوله عليه، فما معنى قوله: {وَلَا الْإِيمانُ} والأنبياء لا يجوز عليهم إذا عقلوا وتمكنوا من النظر والاستدلال أن يخطئهم الإيمان باللّه وتوحيده، ويجب أن يكونوا معصومين من ارتكاب الكبائر ومن الصغائر التي فيها تنفير قبل المبعث وبعده، فكيف لا يعصمون من الكفر؟ قلت:
الإيمان اسم يتناول أشياء: بعضها الطريق إليه العقل، وبعضها الطريق إليه السمع، فعنى به ما الطريق إليه السمع دون العقل، وذاك ما كان له فيه علم حتى كسبه بالوحي. ألا ترى أنه قد فسر الإيمان في قوله تعالى: {وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ} بالصلاة، لأنها بعض ما يتناوله الإيمان {مَنْ نَشاء مِنْ عِبادِنا} من له لطف ومن لا لطف له، فلا هداية تجدى عليه صِراطِ اللَّهِ بدل. وقرئ: {لتهدي}، أى: يهديك اللّه. وقرئ: {لتدعو}.
عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «من قرأ {حم عسق} كان ممن تصلى عليه الملائكة ويستغفرون له ويسترحمون له». اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {ولو بَسَطَ اللهُ الرِّزق لعباده}.
قال خَبَّاب ابن الأرتّ: فينا نزلت هذه الآية، وذلك أنّا نَظَرْنا إلى أموال بني قريظة والنَّضير فتمنَّيناها، فنزلت هذه الآية.
ومعنى الآية: لو أوسَع اللهُ الرِّزق لعباده لبَطِروا وعَصَوْا وبغى بعضُهم على بعض، {ولكن ينزِّل بقَدَرٍ ما يشاء} أي: ينزل أمره بتقدير ما يشاء مما يُصلح أمورَهم ولا يُطغيهم {إِنه بعباده خبيرٌ بصيرٌ} فمنهم من لا يُصلحه إلا الغنى، ومنهم من لا يُصلحه إلا الفقر.
{وهو الذي ينزِّل الغيث} يعني: المطر وقت الحاجة {مِنْ بَعْدِ ما قَنَطوا} أي: يئسوا، وذلك أدعى لهم إلى شكر مُنزله {ويَنْشُر رحمتَه} في الرحمة هاهنا قولان.
أحدهما: المطر، قاله مقاتل.
والثاني: الشمس بعد المطر، حكاه أبو سليمان الدمشقي.
وقد ذكرنا {الوليَ} في سورة [النساء: 45] و{الحميد} في [البقرة: 267].
قوله تعالى: {وما أصابكم من مصيبة} وهو ما يلحق المؤمن من مكروهٍ {فبما كسَبَتْ أيديكم} من المعاصي.
وقرأ نافع، وابن عامر: {بما كسَبَتْ أيديكم} بغير فاء وكذلك هي في مصاحف أهل المدينة والشام {ويعفوا عن كثير} من السيئات فلا يُعاقِبُ بها.
وقيل لأبي سليمان الداراني: ما بال العقلاء أزالوا اللَّوم عمَّن أساء إليهم؟ قال: إنهم علموا أن الله تعالى إنما ابتلاهم بذنوبهم، وقرأ هذه الآية.
قوله تعالى: {وما أنتم بُمْعِجِزين في الأرض} إن أراد الله عقوبتكم، وهذا يدخل فيه الكفار والعصاة كلُّهم.
قوله تعالى: {مِنْ آياته الجَواري في البحر} والمراد بالجوارِ: السفن.
قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو: {الجواري} بياء في الوصل، إِلاّ أن ابن كثير يقف أيضًا بياء، وأبو عمرو بغير ياء، ويعقوب يوافق ابن كثير، والباقون بغير ياء في الوصل والوقف؛ قال أبو علي: والقياس ما ذهب إليه ابن كثير، ومن حذف، فقد كَثُر حذف مثل هذا كلامهم.
{كالأعلام} قال ابن قتيبة: كالجبال، واحدها: عَلَم.
وروي عن الخليل بن أحمد أنه قال: كل شيء مرتفع عند العرب فهو عَلَم.
قوله تعالى: {إِن يشأْ يُسْكِنِ الرِّيح} التي تُجريها {فيَظْلَلْنَ} يعني الجواري {رواكدَ على ظهره} أي: سواكن على ظهر البحر {لا يَجْرِينْ}.
{أو يُوبِقْهُنَّ} أي: يُهْلِكْهُنَّ ويُغْرِقْهُنَّ، والمراد أهل السفن، ولذلك قال: {بما كَسَبوا} أي: من الذُّنوب {ويَعْفُ عن كثير} من ذنوبهم، فيُنجيهم من الهلاك.
{ويَعْلَمَ الذين يُجادِلون} قرأ نافع، وابن عامر: {ويَعْلَمُ} بالرفع على الاستئناف وقطعه من الأول؛ وقرأ الباقون بالنصب.
قال الفراء: هو مردود على الجزم، إِلاّ أنه صُرف، والجزم إِذا صُرف عنه معطوفه نُصب.
وللمفسرين في معنى الآية قولان.
أحدهما: ويعلم الذين يخاصِمون في آيات الله حين يؤخَذون بالغرق أنه لا ملجأَ لهم.
والثاني: أنهم يعلمون بعد البعث أنه لا مهرب لهم من العذاب.
قوله تعالى: {فما أُوتيتم من شيء} أي: ما أُعطيتم من الدنيا فهو متاع تتمتَّعون به، ثم يزول سريعًا {وما عند الله خيرٌ وأبقى للذين آمنوا} لا للكافرين، لأنه إنما أعدَّ لهم في الآخرة العذاب.
قوله تعالى: {والذين يَجْتَنِبون كبائرَ الإِثم} وقرأ حمزة، والكسائي: {كبيرَ الإِثم} على التوحيد من غير ألف، والباقون بألف. وقد شرحنا الكبائر في سورة [النساء: 31].
وفي المراد بالفواحش هاهنا قولان:
أحدهما: الزنا.
والثاني: موجبات الحدود.
قوله تعالى: {وإِذا ما غَضِبوا هم يَغْفِرون} أي: يَعْفُون عمَّن ظَلَمهم طلبًا لثواب الله تعالى.
{والذين استجابوا لربِّهم} أي: أجابوه فيما دعاهم إليه.
{وأمرُهم شُورى بينَهم} قال ابن قتيبة: أي يتشاورون فيه بينهم.
وقال الزجاج: المعنى أنهم لا ينفردون برأي حتى يجتمعوا عليه.
قوله تعالى: {والذين إِذا أصابهم البَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرون} اختلفوا في هذا البَغْي على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه بَغْيُ الكفار على المسلمين، قال عطاء: هم المؤمنون الذين أخرجهم الكفار من مكة وبَغَوْا عليهم، ثم مَكنَّهم الله منهم فانتصروا.
وقال زيد بن أسلم: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقتين بمكة، فرقة كانت تُؤذَى فتَعفو عن المشركين، وفرقة كانت تُؤذَى فتنتصر، فأثنى اللهُ عز وجل عليهم جميعًا، فقال في الذين لم ينتصروا: {وإِذا ما غَضِبوا هم يَغْفِرون}، وقال في المنتصِرين: {والذين إِذا أصابهم البَغْيُ هم ينتصرون} أي: من المشركين.
وقال ابن زيد: ذكر المهاجرين، وكانوا صنفين، صنفًا عفا، وصنفًا انتصر، فقال: {وإِذا ما غَضِبوا هم يَغْفِرون}، فبدأ بهم، وقال في المنتصرين: {والذين إِذا أصابهم البَغْي هم ينتصِرون} أي: من المشركين؛ وقال: {والذين استجابوا لربِّهم} إلى قوله: {يُنْفِقون} وهم الأنصار؛ ثم ذكر الصِّنف الثالث فقال: {والذين إِذا أصابهم البَغْيُ هم ينتصِرون} من المشركين.
والثاني: أنه بَغْيُ المسلمين على المسلمين خاصة.
والثالث: أنه عامّ في جميع البُغاة، سواء كانوا مسلمين أو كافرين.
فصل:
واختلف في هذه الآية علماء الناسخ والمنسوخ، فذهب بعض القائلين بأنها في المشركين إلى أنها منسوخة بآية السيف، فكأنهم يشيرون إلى أنها أثبتت الانتصار بعد بَغْي المشركين، فلمّا جاز لنا أن نبدأَهم بالقتال، دَلَّ على أنها منسوخة.
وللقائلين بأنها في المسليمن قولان:
أحدهما: أنها منسوخة بقوله: {ولَمَنْ صَبَرَ وغَفَرَ} [الشورى: 43] فكأنها نبَّهتْ على مدح المنتصِر، ثم أعلمنا أن الصبر والغفران أمدح، فبان وجه النسخ.
والثاني: أنها محكَمة، لأن الصبر والغفران فضيلة، والانتصار مباح، فعلى هذا تكون محكمة، وهو الأصح.
فإن قيل: كيف الجمع بين هذه الآية وظاهرُها مدح المنتصِر وبين آيات الحَثِّ على العفو؟ فعنه ثلاثة أجوبة.