فصل: قال ابن جزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{أو يوبقهن} أي يغرقهن ويهلكهن {بما كسبوا} أي بما كسبت ركابها من الذنوب {ويعف عن كثير} أي من ذنوبهم فلا يعاقب عليها {ويعلم الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من محيص} يعني يعلم الذين يكذبون بالقرآن إذا صاروا إلى الله تعالى ما لهم من مهرب من عذابه {فما أوتيتم من شيء} أي من زينة الدنيا {فمتاع الحياة الدنيا} أي ليس هو من زاد المعاد {وما عند الله} أي من الثواب {خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون} والمعنى أن المؤمن والكافر يستويان في متاع الحياة الدنيا فإذا صارا إلى الله تعالى كان ما عند الله من الثواب خيرًا وأبقى للمؤمن {والذين يجتنبون كبائر الإثم} يعني كل ذنب تعظم عقوبته كالقتل والزنا والسرقة وشبه ذلك {والفواحش} يعني ما عظم قبحه من الأقوال والأفعال {وإذا ما غضبوا هم يغفرون} يعني يكظمون الغيظ ويجهلون {والذين استجابوا لربهم} يعني أجابوا إلى ما دعاهم إليه من طاعته {وأقاموا الصلاة} يعني المفروضة {وأمرهم شورى بينهم} يعني يتشاورون فيما يبدو لهم ولا يعجلون ولا ينفردون برأي ما لم يجتمعوا عليه قيل.
ما تشاور قوم إلا هدوا إلى أرشد أمرهم {ومما رزقناهم ينفقون والذين إذا أصابهم البغي} يعني الظلم والعدوان {هم ينتصرون} يعني ينتقمون من ظالمهم من غير تعد قال ابن زيد جعل الله تعالى المؤمنين صنفين صنف يعفون عمن ظلمهم فبدأ بذكرهم وهو قوله تعالى: {وإذا ما غضبوا هم يغفرون} وصنف ينتصرون من ظالمهم وهم الذين ذكروا في هذه الآية، وقال إبراهيم النخعي: كانوا يكرهون أن يذلوا أنفسهم فإذا قدروا عفوا.
وقيل: إن العفو إغراء للسفيه وقال عطاء: هم المؤمنون الذين أخرجهم الكفار من مكة وبغوا عليهم ثم مكنهم الله في الأرض حتى انتصروا ممن ظلمهم ثم بين الله تعالى أن شرعة الانتصار مشروطة برعاية المماثلة {وجزاء سيئة سيئة مثلها} سمي الجزاء سيئة وإن لم يكن سيئة لتشابههما في الصورة وقيل لأن الجزاء يسوء من ينزل به، وقيل هو جزاء القبيح إذا قال أخزاك الله فقل له أخزاك الله ولا تزد وإذا شتمك فاشتمه بمثلها ولا تعتدوا وقيل هو في القصاص في الجراحات والدماء يقتص بمثل ما جنى عليه وقيل إن الله تعالى لم يرغب في الانتصار بل بين أنه مشروع ثم بين أن العفو أولى بقوله تعالى: {فمن عفا} أي عمن ظلمه {وأصلح} أي بالعفو بينه وبين الظالم {فأجره على الله} قال الحسن: إذا كان يوم القيامة نادى مناد من كان له على الله أجر فليقم فلا يقوم إلا من عفا ثم قرأ هذه الآية {إنه لا يحب الظالمين} قال ابن عباس: الذين يبدؤون بالظلم {ولمن انتصر بعد ظلمه} أي بعد ظلم الظالم إياه {فأولئك} يعني المنتصرين {ما عليهم من سبيل} أي بعقوبة ومؤاخذة {إنما السبيل على الذين يظلمون الناس} أي يبدؤون بالظالم {ويبغون في الأرض بغير الحق} أي يعملون فيها بالمعاصي {أولئك لهم عذاب أليم ولمن صبر} أي لم ينتصر {وغفر} تجاوز عن ظالمه {إن ذلك} أي الصبر والتجاوز {لمن عزم الأمور} يعني تركه الانتصار لمن عزم الأمور الجيدة التي أمر الله بها وقيل إن الصابر يؤتي بصبره الثواب فالرغبة في الثواب أتم عزمًا {ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده} يعني ما له من أحد يلي هدايته بعد إضلال الله إياه أو يمنعه من عذابه {وترى الظالمين لما رأوا العذاب} يعني يوم القيامة {يقولون هل إلى مرد من سبيل} يعني أنهم يسألون الرجعة إلى الدنيا.
{وتراهم يعرضون عليها} أي على النار {خاشعين من الذل} أي خاضعين متواضعين {ينظرون من طرف خفي} يعني يسارقون النظر إلى النار خوفًا منها وذلة في أنفسهم، وقيل ينظرون بطرف خفي أي ضعيف من الذل، وقيل ينظرون إلى النار بقلوبهم لأنهم يحشرون عميًا والنظر بالقلب خفي {وقال الذين آمنوا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم} يعني بأن صاروا إلى النار.
{وأهليهم يوم القيامة} يعني وخسروا أهليهم بأن صاروا لغيرهم في الجنة {ألا إن الظالمين في عذاب مقيم وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون الله ومن يضلل الله فما له من سبيل} أي وصول إلى الحق في الدنيا والجنة في العقبى فقد استدت عليهم طرق الخير {استجيبوا لربكم} أي أجيبوا داعي الله يعني محمدًا صلى الله عليه وسلم: {من قبل من أن يأتي يوم لا مرد له من الله} أي لا يقدر أحد على دفعه وهو يوم القيامة وقيل هو يوم الموت {ما لكم من ملجأ يومئذ} أي ما لكم من مخلص من العذاب وقيل من الموت {وما لكم من نكير} أي ينكر حالكم وقيل النكير الإنكار يعني لا تقدرون أن تنكروا من أعمالكم شيئًا {فإن أعرضوا} أي عن الإجابة {فما أرسلناك عليهم حفيظًا} أي تحفظ أعمالهم {إن عليك إلا البلاغ} أي ليس عليك إلا البلاغ وفيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم: {وإنا أذا أذقنا الإنسان منا رحمة} قال ابن عباس: يعني الغنى والصحة {فرح بها وإن تصبهم سيئة} أي قحط {ما قدمت أيديهم} أي من الأعمال الخبيثة {فإن الإنسان كفور} أي لما تقدم من نعمة الله تعالى عليه.
قوله: {لله ملك السماوات والأرض} يعني له التصرف فيهما بما يريد {يخلق ما يشاء} أي لا يقدر أحد أن يعترض عليه في ملكه وإرادته {يهب لمن يشاء إناثًا} أي فلا يولد له ذكر {ويهب لمن يشاء الذكور} أي فلا يولد له أنثى.
{أو يزوجهم ذكرانًا وإناثًا} أي يجمع بينهما فيولد له الذكور والإناث {ويجعل من يشاء عقيمًا} أي فلا يولد له ولد، وقيل هذا في الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
فقوله يهب لمن يشاء إناثًا يعني لوطًا لم يولد له ذكر إنما ولد له ابنتان ويهب لمن يشاء الذكور يعني إبراهيم لم يولد له أنثى {أو يزوجهم ذكرانًا وإناثًا} يعني محمدًا صلى الله عليه وسلم ولد له أربع بنين وأربع بنات ويجعل من يشاء عقيمًا يعني يحيى وعيسى عليهما الصلاة والسلام لم يولد لهما وهذا على وجه التمثيل وإلا فالآية عامة في جميع الناس {إنه عليم} أي بما يخلق {قدير} أي على ما يريد أن يخلق.
قوله تعالى: {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيًا} قيل في سبب نزولها: إن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم تكلم الله وتنظر إليه إن كنت نبيًّا كما كلمه موسى صلى الله عليه وسلم ونظر إليه فقال لم ينظر موسى إلى الله تعالى فأنزل الله تعالى: {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيًا} أي يوحي إليه في المنام أو بالإلهام كما رأى إبراهيم في المنام أن يذبح ولده وهو وحي وكما ألهمت أم موسى أن تقذفه في البحر {أو من وراء حجاب} أي يسمعه كلامه من وراء حجاب ولا يراه كما كلم موسى {أو يرسل رسولًا} يعني من الملائكة إما جبريل أو غيره {فيوحي بإذنه ما يشاء} يعني يوحي ذلك الرسول إلى المرسل إليه بإذن الله ما يشاء وهذه الآية محمولة على أنه لا يكلم بشرًا إلا من وراء حجاب في الدنيا ويأتي بيان هذه المسألة إن شاء الله تعالى في سورة النجم {إنه على} أي عن صفات المخلوقين {حكيم} أي في جميع أفعاله.
قوله: {وكذلك} أي وكما أوحينا إلى سائر رسلنا {أوحينا إليك روحًا من أمرنا} قال ابن عباس: نبوة، وقيل: قرآنًا لأن به حياة الأرواح، وقيل: رحمة وقيل جبريل {ما كنت تدري} أي قبل الوحي {ما الكتاب} يعني القرآن {ولا الإيمان} اختلف العلماء في هذه الآية مع اتفاقهم على أن الأنبياء قبل النبوة كانوا مؤمنين فقيل معناه ما كنت تدري قبل الوحي شرائع الإيمان ومعالمه.
وقال محمد بن إسحاق عن ابن خزيمة الإيمان في هذا الموضع الصلاة دليله {وما كان الله ليضيع إيمانكم} يعني صلاتكم ولم يرد به الإيمان الذي هو الإقرار بالله تعالى لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان قبل النبوة يوحد الله تعالى ويحج ويعتمر ويبغض اللات والعزى ولا يأكل ما ذبح على النصب وكان يتعبد على دين إبراهيم ولم تتبين له شرائع دينه إلا بعد الوحي إليه {ولكن جعلناه نورًا} قال ابن عباس يعني الإيمان وقيل القرآن لأنه يهتدي به من الضلالة وهو قوله تعالى: {نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي} أي لتدعو {إلى صراط مستقيم} يعني إلى دين الإسلام.
{صراط الله} يعني دين الله الذي شرعه لعباده {الذي له ما في السماوات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور} يعني أمور الخلائق في الآخرة فيثيب المحسن ويعاقب المسيء والله سبحانه وتعالى أعلم بمراده وأسرار كتابه. اهـ.

.قال ابن جزي:

{وَلَوْ بَسَطَ الله الرزق لِعِبَادِهِ لَبَغَوْاْ فِي الأرض} أي بغى بعضهم على بعض، وطغوا؛ لأن الغنى يوجب الطغيان، وقال بعض الصحابة: فينا نزلت لأنا نظرنا إلى أموال الكفار فتمنيناها.
{وَهُوَ الذي يُنَزِّلُ الغيث مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ} قيل لعمر رضي الله عنه: اشتد القحط وقنط الناس. فقال: الآن يمطرون، وأخذ ذلك من هذه الآية، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «اشتدي أزمة تنفرجي» {وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ} قيل: يعني المطر فهو تكرار للمعنى الأول بلفظ آخر، وقيل: يعني الشمس وقيل: بالعموم.
{وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَآبَّةٍ} لا إشكال؛ لأن الدواب في الأرض وأما في السماء فقيل: يعني الملائكة وقيل: يمكن أن تكون في السماء دواب لا نعلمها نحن وقيل: المعنى أنه بث في أحدهما فذكر الاثنين كما تقول في بني فلان كذا وإنما هو في بعضهم {وَهُوَ على جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاء قَدِيرٌ} يريد جمع الخلق في الحشر يوم القيامة.
{وَمَا أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} المعنى أن المصائب التي تصيب الناس في أنفسهم وأموالهم؛ إنما هي سبب الذنوب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يصيب ابن آدم خدش عود أو عثرة قدم ولا اختلاج عرق إلا بذنب وما يعفو الله عنه أكثر». وقرأ نافع وابن عامر {بما كسبت} بغير فاء على أن يكون {مَا أَصَابَكُمْ} بمعنى الذي وقرأ الباقون بالفاء على أن يكون ما أصابكم شرطًا.
{بِمُعْجِزِينَ} قد ذكر الجواري جمع جارية وهي السفينة {كالأعلام} جمع علم وهو الجبل.
{إِن يَشَأْ يُسْكِنِ الريح فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ على ظَهْرِهِ} الضمير في يظللن للجواري وفي ظهره للبحر، أي لو أراد الله أن يسكن الرياح لبقيت السفن واقفة على ظهر البحر، فالمقصود تعديد النعمة في إرسال الرياح أو تهديد بإسكانه {أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا} عطف على يسكن الريح، ومعنى يوبقهن يهلكهن بالغرق، من شدة الرياح العاصفة والضمير فيه للسفن، وفي {كَسَبُوا} لركابها من الناس والمعنى: أنه لو شاء لأغرقها بذنوب الناس.
{وَيَعْلَمَ الذين يُجَادِلُونَ في آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ} أي يعلمون أنه لا مهرب له من الله، وقرأ نافع وابن عامر {يعلم} بالرفع على الاستئناف، وقرأ الباقون بالنصب واختلف في إعرابه على قولين: أحدهما أنه نصب بإضمار أن بعد الواو لما وقعت بعد الشرط والجزاء؛ لأنه غير واجب. وأنكر ذلك الزمخشري وقال: إنه شاذ فلا ينبغي أن يحمل القرآن عليه، والثاني قول الزمخشري إنه معطوف على تعليل محذوف تقديره: لينتقم منهم ويعلم، قال: ونحوه من المعطوف على التعليل المحذوف في القرآن كثير، ومنه قوله: {وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلْنَّاسِ} [مريم: 21] {كَبَائِرَ الإثم} ذكرنا الكبائر في [النساء: 31] وقيل: كبائر الإثم: هو الشرك، والفواحش: هي الزنا واللفظ أعم من ذلك.
{والذين استجابوا لِرَبِّهِمْ} قيل: يعني الأنصار، لأنهم استجابوا لما دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام، ويظهر لي أن هذه الآية إشارة إلى ذكر الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، لأنه بدأ أولًا بصفات أبي بكر الصديق، ثم صفات عمر بن الخطاب، ثم صفات عثمان بن عفان، ثم صفات علي بن أبي طالب، فكونه جمع هذه الصفات، ورتبها على هذا الترتيب يدل على أنه قصد بها من اتصف بذلك، فأما صفات أبي بكر فقوله: {لِلَّذِينَ آمَنُواْ وعلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}، وإنما جعلناها صفة أبي بكر وإن جميعهم متصفًا بها، لأن أبا بكر كانت له فيها مزية لم تكن لغيره فقد روي: لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان الأمة لرجحهم وورد: أنا مدينة الإيمان وأبو بكر بابا. وقال أبو بكر: لو كشف الغطاء لما ازددت إلا يقينًا والتوكل إنما يقوى بقوة الإيمان. أما صفات عمر فقوله: {والذين يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإثم والفواحش} لأن ذلك هو التقوى، وقوله: إذا ما غضبوا هم يغفرون، وقوله: {قُل لِّلَّذِينَ آمَنُواْ يَغْفِرُواْ لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ الله} [الجاثية: 14] نزلت في عمر، وأما صفات عثمان فقوله: {والذين استجابوا لِرَبِّهِمْ} لأن عثمان لما دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإيمان تبعه، وبادر إلى الإسلام وقوله، {وَأَقَامُواْ الصلاة}، لأن عثمان كان كثير الصلاة بالليل، وفيه نزلت {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اليل سَاجدًّا وَقَآئِمًا} [الزمر: 9] الآية: وروي أنه كان يحيي الليل بركعة يقرأ فيها القرآن كله، وقوله: {وَأَمْرُهُمْ شورى بَيْنَهُمْ} لأن عثمان ولي الخلافة بالشورى، وقوله: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}، لأن عثمان كان كثير النفقة في سبيل الله، ويكفيك أنه جهّز جيش العسرة، وأما صفة عليّ فقوله: {والذين إِذَا أَصَابَهُمُ البغي هُمْ يَنتَصِرُونَ}، لأنه لما قاتلته الفئة الباغية قاتلها انتصارًا للحق، وانظر كيف سمّى رسول الله صلى الله عليه وسلم المقاتلين لعلي الفئة الباغية حسبما ورد في الحديث الصحيح أنه قال لعمار بن ياسر «تقتلك الفئة الباغية» فذلك هو البغي الذي أصابه وقوله: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى الله} إشارة إلى فعل الحسن بن عليّ حين بايع معاوية، وأسقط حق نفسه ليصلح أحوال المسلمين، ويحقن دماءهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحسن:
«إن ابني هذا سيّد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين».
وقوله: {وَلَمَنِ انتصر بَعْدَ ظُلْمِهِ}، فأولئك ما عليهم من سبيل إشارة إلى انتصار الحسين بعد موت الحسن، وطلبه للخلافة وقوله: {إِنَّمَا السبيل عَلَى الذين يَظْلِمُونَ الناس} إشارة إلى بني أمية، فإنهم استطالوا على الناس كما جاء في الحديث عنهم: «أنهم جعلوا عباد الله خولًا ومال الله دولًا» ويكفيك من ظلمهم أنهم كانوا يلعنون علي بن أبي طالب على منابرهم وقوله: {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ} الآية إشارة إلى صبر أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم على ما نالهم من الضر والذل، طول مدّة بني أمية {وَجَزاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} سمى العقوبة باسم الذنب، وجعلها مثلها تحرزًا من الزيادة عليها {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى الله} هذا يدل على أن العفو عن الظلمة أفضل من الانتصار، لأنه ضمن الأجر في العفو، وذكر الانتصار بلفظ الإباحة في قوله: {وَلَمَنِ انتصر بَعْدَ ظُلْمِهِ فأولئك مَا عَلَيْهِمْ مِّن سَبِيلٍ} وقيل: إن الانتصار أفضل، والأول أصح فإن قيل: كيف ذكر الانتصار في صفات المدح في قوله: {والذين إِذَا أَصَابَهُمُ البغي هُمْ يَنتَصِرُونَ} والمباح لا مدح فيه ولا ذم، فالجواب: من ثلاثة أوجه أحدها أن المباح قد يمدح لأنه قيام بحق لا بباطل، والثاني أن مدح الانتصار لكونه كان بعد الظلم، تحرزًا ممن بدأ بالظلم فكأن المدح إنما هو بترك الابتداء بالظلم، والثالث إن كانت الإشارة بذلك إلى علي بن أبي طالب حسبما ذكرنا فانتصاره محمود، لأن قتال أهل البغي واجب لقوله تعالى: {فَقَاتِلُواْ التي تَبْغِي} [الحجرات: 9] {يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا} أي على النار {خَاشِعِينَ مِنَ الذل} عبارة عن الذل والكآبة، ومن الذل يتعلق بخاشعين {يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ} فيه قولان: أحدهما أنه عبارة عن الذل، لأن نظر الذليل بمهابة واستكانة، والآخر أنهم يحشرون عميًا فلا ينظرون بأبصارهم، وإنما ينظرون بقلوبهم واستبعد هذا ابن عطية والزمخشري: والظرف يحتمل أن يريد به العين أو يكون مصدرًا {يَوْمَ القيامة} يتعلق بقال أو بخسروا {أَلاَ إِنَّ الظالمين} يحتمل أن يكون من كلام الذين آمنوا أو مستأنفًا من كلام الله تعالى.
{لاَّ مَرَدَّ لَهُ} ذكر في [غافر: 11] {مِّن نَّكِيرٍ} أي إنكار يعني لا تنكرون أعمالكم.
{يَهَبُ لِمَن يَشَاء إِنَاثًا} قدم الإناث اعتناء بهنّ وتأنيسًا لمن وهبهن له. قال واثلة بن الأسقع: من يمن المرأة تبكيرها بأنثى قبل الذكر، لأن الله بدأ بالإناث وقال بعضهم: نزلت هذه الآية في الأنبياء عليهم السلام فشعيب ولوط كان لهما إناث دون ذكور، وإبراهيم كان له ذكور دون إناث، ومحمد صلى الله عليه وسلم جمع الإناث والذكور، ويحيى كان عقيمًا، والظاهر أنها على العموم في جميع الناس، إذ كل واحد منهم لا يخلو عن قسم من هذه الأقسام الأربعة التي ذكر، وفي الآية من أدوات البيان التقسيم.