فصل: قال الشوكاني في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{إِنَّهُ عَلِىٌّ} متعالٍ عن صفاتِ المخلوقينَ لا يتأتَّى جَرَيانُ المفاوضةِ بينَهُ تعالى وبينَهم إلا بأحدِ الوجوهِ المذكورةِ {حَكِيمٌ} يُجْري أفعالَهُ على سُنَنِ الحكمةِ فيكلمُ تارةً بواسطةٍ وأُخرى بدونِها إمَّا إلهامًا وإما خطابًا.
{وكذلك} أيْ ومثلَ ذلكَ الإيحاء البديعِ {أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مّنْ أَمْرِنَا} هو القرآن الذي هو للقلوب بمنزلةِ الروحِ للأبدانِ حيثُ يُحيَيها حياةً أبديةً، وقيلَ: هُو جبريلُ عليهِ السَّلامُ. ومَعْنى إيحائِه إليه عليهما السَّلامُ إرسالُه إليه بالوحي {مَا كُنتَ تَدْرِى} قبلَ الوَحي {مَا الكتاب} أيْ أيُّ شيء هُو {وَلاَ الإيمان} أيْ الإيمانُ بتفاصيلِ ما في تضاعيفِ الكتابِ من الأمورِ التي لا تهتدِي إليها العقول لا الإيمانُ بما يستقلُّ به العقلُ والنظرُ فإنَّ درايتَهُ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ له مما لا ريبَ فيهِ قطعًا {ولكن جعلناه} أي الرُّوحَ الذي أوحيناهُ إليكَ {نُورًا نَّهْدِى بِهِ مَن نَّشَاء} هدايتَهُ {مّنْ عِبَادِنَا} وهُو الذي يصرف اختيارَهُ نحو الاهتداء بهِ.
وقوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِى} تقريرٌ لهدايتهِ تعالى وبيانٌ لكيفيتِها. ومفعولُ لتهدِي محذوفٌ ثقةً بغايةِ الظهورِ أيْ إنكَ لتهدِي بذلكَ النورِ من نشاء هدايَتهُ {إلى صراط مُّسْتَقِيمٍ} هو الإسلامُ وسائرُ الشرائعِ والأحكامِ. وقرئ لتُهدَى أي لَيَهديكَ الله، وقرئ لتدعُو {صراط الله} بدلٌ من الأولِ وإضافتُه إلى الاسمِ الجليلِ ثمَّ وصفُه بقوله تعالى: {الذي لَهُ مَا في السماوات وَمَا فِي الأرض} لتفخيمِ شأنِه وتقريرِ استقامتِه وتأكيدِ وجوبِ سلوكِه فإنَّ كونَ جميعِ ما فيهما من الموجوداتِ له تعالى خَلْقًا ومِلْكًا وتصرُّفًا مما يوجبُ ذلكَ أتمَّ إيجابٍ.
{أَلاَ إِلَى الله تَصِيرُ الأمور} أي أمورُ ما فيهما قاطبةً لا إلى غيرِه ففيهِ من الوعدِ للمهتدينَ إلى الصراطِ المستقيمِ والوعيدِ للضالينَ عنه ما لا يَخْفي. اهـ.

.قال الشوكاني في الآيات السابقة:

قوله: {وَتَرَى الظالمين} أي: المشركين المكذبين بالبعث {لَمَّا رَأَوُاْ العذاب} أي: حين نظروا النار، وقيل: نظروا ما أعده الله لهم عند الموت {يَقولونَ هَلْ إلى مَرَدّ مّن سَبِيلٍ} أي: هل إلى الرجعة إلى الدنيا من طريق؟ {وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خاشعين مِنَ الذل} أي: ساكنين متواضعين عند أن يعرضوا على النار لما لحقهم من الذلّ، والهوان، والضمير في عليها راجع إلى العذاب، وأنثه، لأن العذاب هو: النار، وقوله: {يُعْرَضُونَ} في محل نصب على الحال، لأن الرؤية بصرية، وكذلك خاشعين، ومن الذلّ يتعلق بخاشعين، أي: من أجله {يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِىّ} {من} هي التي لابتداء الغاية، أي: يبتدئ نظرهم إلى النار، ويجوز أن تكون تبعيضية، والطرف الخفيّ الذي يخفى نظره كالمصبور ينظر إلى السيف لما لحقهم من الذلّ، والخوف، والوجل.
قال مجاهد: {مِن طَرْفٍ خَفِىّ} أي: ذليل قال: وإنما ينظرون بقلوبهم؛ لأنهم يحشرون عميًا، وعين القلب طرف خفيّ.
وقال قتادة، وسعيد بن جبير، والسدّي، والقرظي: يسارقون النظر من شدّة الخوف.
وقال يونس: إن {من} في {مِن طَرْفٍ} بمعنى الباء، أي: ينظرون بطرف ضعيف من الذلّ، والخوف، وبه قال الأخفش {وَقال الذين ءامَنُواْ إِنَّ الخاسرين الذين خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ القيامة} أي: أن الكاملين في الخسران هم: هؤلاء الذين جمعوا بين خسران الأنفس، والأهلين في يوم القيامة.
أما خسرانهم لأنفسهم، فلكونهم صاروا في النار معذّبين بها، وأما خسرانهم لأهليهم، فلأنهم إن كانوا معهم في النار، فلا ينتفعون بهم، وإن كانوا في الجنة، فقد حيل بينهم، وبينهم.
وقيل: خسران الأهل: أنهم لو آمنوا لكان لهم في الجنة أهل من الحور العين {أَلاَ إِنَّ الظالمين في عَذَابٍ مُّقِيمٍ} هذا يجوز أن يكون من تمام كلام المؤمنين.
ويجوز أن يكون من كلام الله سبحانه أي: هم في عذاب دائم لا ينقطع.
{وَمَا كَانَ لَهُم مّنْ أَوْلِيَاء يَنصُرُونَهُم مّن دُونِ الله} أي: لم يكن لهم أعوان يدفعون عنهم العذاب، وأنصار ينصرونهم في ذلك الموطن من دون الله، بل هو المتصرّف سبحانه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن {وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِن سَبِيلٍ} أي: من طريق يسلكها إلى النجاة.
ثم أمر سبحانه عباده بالاستجابة له، وحذرهم، فقال: {استجيبوا لِرَبّكُمْ مّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ الله} أي: استجيبوا دعوته لكم إلى الإيمان به، وبكتبه، ورسله من قبل أن يأتي يوم لا يقدر أحد على ردّه، ودفعه، على معنى: من قبل أن يأتي من الله يوم لا يردّه أحد، أو لا يردّه الله بعد أن حكم به على عباده، ووعدهم به، والمراد به: يوم القيامة، أو يوم الموت {مَا لَكُمْ مّن مَّلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ} تلجئون إليه، {وَمَا لَكُمْ مّن نَّكِيرٍ} أي: إنكار، والمعنى: ما لكم من إنكار يومئذٍ، بل تعترفون بذنوبكم.
وقال مجاهد {وَمَا لَكُمْ مّن نَّكِيرٍ} أي: ناصر ينصركم.
وقيل: النكير بمعنى: المنكر، كالأليم بمعنى: المؤلم، أي: لا تجدون يومئذٍ منكرًا لما ينزل بكم من العذاب قاله الكلبي، وغيره، والأوّل أولى.
قال الزجاج: معناه: أنهم لا يقدرون أن ينكروا الذنوب التي يوقفون عليها {فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَمَا أرسلناك عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} أي: حافظًا تحفظ أعمالهم حتى تحاسبهم عليها، ولا موكلًا بهم رقيبًا عليهم {إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ البلاغ} أي: ما عليك إلاّ البلاغ لما أمرت بإبلاغه، وليس عليك غير ذلك، وهذا منسوخ بآية السيف.
{وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الإنسان مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا} أي: إذا أعطيناه رخاء، وصحة، وغنى فرح بها بطرًا، والمراد بالإنسان: الجنس، ولهذا قال: {وَإِن تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ} أي: بلاء، وشدّة، ومرض {بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} من الذنوب {فَإِنَّ الإنسان كَفُورٌ} أي: كثير الكفر لما أنعم به عليه من نعمه، غير شكور له عليها، وهذا باعتبار غالب جنس الإنسان.
ثم ذكر سبحانه سعة ملكه، ونفاذ تصرّفه، فقال: {للَّهِ مُلْكُ السماوات والأرض} أي: له التصرّف فيهما بما يريد، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع {يَخْلُقُ مَا يَشَاء} من الخلق {يَهَبُ لِمَن يَشَاء إناثا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذكور}.
قال مجاهد، والحسن، والضحاك، وأبو مالك، وأبو عبيدة: يهب لمن يشاء إناثًا لا ذكور معهنّ، ويهب لمن يشاء ذكورًا لا إناث معهم.
قيل: وتعريف الذكور بالألف، واللام للدّلالة على شرفهم على الإناث، ويمكن أن يقال: إن التقديم للإناث قد عارض ذلك، فلا دلالة في الآية على المفاضلة بل هي مسوقة لمعنى آخر.
وقد دلّ على شرف الذكور قوله سبحانه: {الرجال قَوَّامُونَ عَلَى النساء بِما فَضَّلَ الله} [النساء: 34]، وغير ذلك من الأدلة الدّالة على شرف الذكور على الإناث.
وقيل: تقديم الإناث لكثرتهنّ بالنسبة إلى الذكور.
وقيل: لتطييب قلوب آبائهنّ، وقيل لغير ذلك مما لا حاجة إلى التطويل بذكره {أَوْ يُزَوّجُهُمْ ذُكْرَانًا وإناثا} أي: يقرن بين الإناث، والذكور، ويجعلهم أزواجًا فيهبهما جميعًا لبعض خلقه.
قال مجاهد: هو أن تلد المرأة غلامًا، ثم تلد جارية، ثم تلد غلامًا، ثم تلد جارية.
وقال محمد ابن الحنفية: هو: أن تلد توأمًا غلامًا، وجارية.
وقال القتيبي: التزويج هنا هو الجمع بين البنين، والبنات تقول العرب: زوّجت إبلي: إذا جمعت بين الصغار، والكبار، ومعنى الآية أوضح من أن يختلف في مثله، فإنه سبحانه أخبر أنه يهب لبعض خلقه إناثًا، ويهب لبعض ذكورًا، ويجمع لبعض بين الذكور، والإناث {وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا} لا يولد له ذكر، ولا أنثى، والعقيم الذي لا يولد له، يقال: رجل عقيم، وامرأة عقيم، وعقمت المرأة تعقم عقمًا، وأصله القطع، ويقال: نساء عقم، ومنه قول الشاعر:
عقم النساء فما يلدن شبي ** هه إن النساء بمثله عقم

{إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} أي: بليغ العلم عظيم القدرة {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلّمَهُ الله إِلاَّ وَحْيًا} أي: ما صح لفرد من أفراد البشر أن يكلمه الله بوجه من الوجوه إلاّ بأن يوحي إليه، فيلهمه، ويقذف ذلك في قلبه قال مجاهد: نفث ينفث في قلبه، فيكون إلهامًا منه كما أوحى إلى أمّ موسى، وإلى إبراهيم في ذبح ولده {أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ} كما كلم موسى، يريد أن كلامه يسمع من حيث لا يرى، وهو: تمثيل بحال الملك المحتجب الذي يكلم خواصه من وراء حجاب {أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِىَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء} أي: يرسل ملكًا، فيوحي ذلك الملك إلى الرّسول من البشر بأمر الله، وتيسيره ما يشاء أن يوحى إليه.
قال الزجاج: المعنى: أن كلام الله للبشر: إما أن يكون بإلهام يلهمهم، أو يكلمهم من وراء حجاب كما كلم موسى، أو برسالة ملك إليهم.
وتقدير الكلام: ما كان لبشر أن يكلمه الله إلاّ أن يوحي وحيًا، أو يكلمه من وراء حجاب، أو يرسل رسولًا.
ومن قرأ: {يرسل} رفعًا أراد: وهو يرسل، فهو ابتداء، واستئناف. ا ه.
قرأ الجمهور بنصب: {أَوْ يُرْسِلَ}، وبنصب: {فَيُوحِىَ} على تقدير أن، وتكون أن، وما دخلت عليه معطوفين على وحيًا، ووحيًا في محلّ الحال، والتقدير: إلاّ موحيًا، أو مرسلًا، ولا يصح عطف، أو يرسل على أن يكلمه لأنه يصير التقدير: وما كان لبشر أن يرسل الله رسولًا، وهو فاسد لفظًا، ومعنى.
وقد قيل: في توجيه قراءة الجمهور غير هذا مما لا يخلو عن ضعف.
وقرأ نافع: {أو يرسل} بالرفع، وكذلك: {فيوحى} بإسكان الياء على أنه خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: أو هو يرسل كما قال الزجاج، وغيره، وجملة: {إنه عليٌّ حكيم} تعليل لما قبلها، أي: متعال عن صفات النقص، حكيم في كل أحكامه.
قال المفسرون: سبب نزول هذه الآية: أن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: ألا تكلم الله، وتنظر إليه إن كنت نبيًّا كما كلمه موسى، فنزلت {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مّنْ أَمْرِنَا} أي: وكالوحي الذي أوحينا إلى الأنبياء قبلك أوحينا إليك روحًا من أمرنا، المراد به: القرآن.
وقيل: النبوّة.
قال مقاتل: يعني: الوحي بأمرنا، ومعناه: القرآن، لأنه يهتدى به، ففيه حياة من موت الكفر.
ثم ذكر سبحانه صفة رسوله قبل أن يوحى إليه، فقال: {مَا كُنتَ تَدْرِى مَا الكتاب} أي: أيّ شيء هو، لأنه صلى الله عليه وسلم كان أميا لا يقرأ، ولا يكتب، وذلك أدخل في الإعجاز، وأدلّ على صحة نبوّته، ومعنى: {وَلاَ الإيمان}: أنه كان لا يعرف تفاصيل الشرائع، ولا يهتدي إلى معالمها، وخص الإيمان؛ لأنه رأسها، وأساسها.
وقيل: أراد بالإيمان هنا: الصلاة.
قال بهذا: جماعة من أهل العلم منهم: إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة، واحتجّ بقوله تعالى: {وَمَا كَانَ الله لِيُضِيعَ إيمانكم} [البقرة: 143] يعني: الصلاة، فسماها إيمانًا.
وذهب جماعة إلى أن الله سبحانه لم يبعث نبيًّا إلاّ وقد كان مؤمنًا به، وقالوا: معنى الآية: ما كنت تدري قبل الوحي كيف تقرأ القرآن، ولا كيف تدعو الخلق إلى الإيمان.
وقيل: كان هذا قبل البلوغ حين كان طفلًا، وفي المهد.
وقال الحسين بن الفضل: إنه على حذف مضاف، أي: ولا أهل الإيمان.
وقيل: المراد بالإيمان دين الإسلام.
وقيل: الإيمان هنا عبارة عن الإقرار بكل ما كلف الله به العباد {ولكن جعلناه نُورًا نَّهْدِى بِهِ مَن نَّشَاء} أي: ولكن جعلنا الروح الذي أوحيناه إليك ضياء، ودليلًا على التوحيد، والإيمان نهدي به من نشاء هدايته {مّنْ عِبَادِنَا} ونرشده إلى الدين الحقّ {وَإِنَّكَ لَتَهْدِى إلى صراط مُّسْتَقِيمٍ} قال قتادة، والسدّي، ومقاتل: وإنك لتدعو إلى الإسلام، فهو: الصراط المستقيم.
قرأ الجمهور: {لتهدي} على البناء للفاعل.
وقرأ ابن حوشب على البناء للمفعول.
وقرأ ابن السميفع بضمّ التاء، وكسر الدّال من أهدي، وفي قراءة أبيّ: (وإنك لتدعو)، ثم بيّن الصراط المستقيم بقوله: {صراط الله الذي لَهُ مَا في السماوات وَمَا فِي الأرض}، وفي هذه الإضافة للصراط إلى الاسم الشريف من التعظيم له، والتفخيم لشأنه ما لا يخفى، ومعنى: {لَّهُ مَا فِي السماوات وَفِى الأرض}: أنه المالك لذلك، والمتصرّف فيه {أَلاَ إِلَى الله تَصِيرُ الأمور} أي: تصير إليه يوم القيامة لا إلى غيره جميع أمور الخلائق، وفيه وعيد بالبعث المستلزم للمجازاة.
وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِىّ} قال: ذليل.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد مثله.
وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن المنذر عن محمد بن كعب قال: يسارقون النظر إلى النار.
وأخرج ابن مردويه، وابن عساكر عن واثلة بن الأسقع، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من بركة المرأة ابتكارها بالأنثى، لأن الله قال: {يَهَبُ لِمَن يَشَاء إناثا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذكور}» وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا} قال: الذي لا يولد له.
وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلّمَهُ الله إِلاَّ وَحْيًا} قال: إلاّ أن يبعث ملكًا يوحي إليه من عنده، أو يلهمه، فيقذف في قلبه، أو يكلمه من وراء حجاب.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه أيضًا في قوله: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مّنْ أَمْرِنَا} قال: القرآن.
وأخرج أبو نعيم في الدلائل، وابن عساكر عن عليّ قال: قيل لمحمد: هل عبدت وثنًا قط؟ قال: «لا» قالوا: فهل شربت خمرًا قط؟ قال: «لا، وما زلت أعرف أن الذي هم عليه كفر، وما كنت أدري ما الكتاب، ولا الإيمان» وبذلك نزل القرآن {مَا كُنتَ تَدْرِى مَا الكتاب وَلاَ الإيمان}. اهـ.

.قال القاسمي:

{وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ} أي: تجاوزوا الحدّ الذي حدّه لهم إلى غيره، بركوبهم ما حظره عليهم؛ لأن الغنى مبطرةً مأشرة: {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَاْن لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق: 6- 7]، {وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاء} أي: ولكن ينزل من رزقه ما يشاؤه بقدرٍ، لكفايتهم: {إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ} قال الزمخشري: أي: يعرف ما يؤول إليه أحوالهم، فيقدّر لهم ما هو أصلح لهم، وأقرب إلى جمع شملهم، فيُفقر ويُغني، ويمنع ويعطي، ويقبض ويبسط، كما توجبه الحكمة الربانية، ولو أغناهم جميعًا لبلغوا، ولو أفقرهم لهلكوا.
{وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ} أي: بركات الغيث، ومنافعه، وآثاره من الخصب، والرخاء: {وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} أي: الذي يتولى الخلق بإحسانه، والمحمود على أياديه عندهم.
{وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ} أي: حشرهم يوم القيامة: {إِذَا يَشَاء قَدِيرٌ} أي: متمكن منه، لا يتعذر عليه وإن تفرقت أوصالهم.