فصل: بحث حول معنى الهداية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج عبد بن حميد، عن أبي مالك رضي الله عنه: {يهب لمن يشاء إناثًا} قال: يكون الرجل لا يولد إلا الإِناث.
{ويهب لمن يشاء الذكور} قال: يكون الرجل لا يولد له إلا الذكور {أو يزوجهم ذكرانًا وإناثًا} قال: يكون الرجل يولد له الذكور والإِناث {ويجعل من يشاء عقيمًا} قال: يكون الرجل لا يولد له.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر، عن محمد بن الحنفية: {أو يزوّجهم ذكرانًا وإناثًا} قال: التوأم.
وأخرج ابن المنذر، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {ويجعل من يشاء عقيمًا} قال: الذي لا يولد له ولد.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن ابن عباس {ويجعل من يشاء عقيمًا} قال: لا يلقح.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف، عن عبد الله بن الحرث بن عمير، «أن أبا بكر رضي الله عنه أصاب وليدة له سوداء فعزلها ثم باعها، فانطلق بها سيدها، حتى إذا كان في بعض الطريق أرادها، فامتنعت منه، فإذا هو براعي غنم فدعاه، فراطنها، فاخبرها أنه سيدها، قالت: إني قد حملت من سيدي الذي كان قبل هذا، وأنا في ديني أن لا يصيبني رجل في حمل من آخر، فكتب سيدها إلى أبي بكر أو عمر، فأخبره الخبر، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم بمكة، فمكث النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان من الغد، وكان مجلسهم الحجر، قال النبي صلى الله عليه وسلم: جاءني جبريل في مجلسي هذا، عن الله: إن أحدكم ليس بالخيار على الله إذا شجع المشجع، ولكنه {يهب لمن يشاء إناثًا ويهب لمن يشاء الذكور} فاعترف بولدك، فكتب بذلك فيها».
وأخرج عبد الرزاق عن غيلان عن أنس رضي الله عنه قال: «ابتاع أبو بكر رضي الله عنه جارية أعجمية من رجل؛ قد كان أصابها، فحملت له، فأراد أبو بكر رضي الله عنه أن يطأها، فأبت عليه وأخبرت أنها حامل، فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنها حفظت فحفظ الله لها أن أحدكم إذا شجع ذلك المشجع، فليس بالخيار على الله، فردها إلى صاحبها الذي باعها».
وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات، عن يونس بن يزيد رضي الله عنه قال: سمعت الزهري رضي الله عنه، سئل عن قول الله {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيًا} الآية قال: نزلت هذه الآية تعم من أوحى الله إليه من النبيين، فالكلام كلام الله الذي كلم به موسى من وراء حجاب، والوحي ما يوحي الله به إلى نبي من أنبيائه، فيثبت الله ما أراد من وحيه في قلب النبي، فيتكلم به النبي ويعيه وهو كلام الله ووحيه ومنه ما يكون بين الله ورسله لا يكلم به أحدًا من الأنبياء ولكنه سر غيب بين الله ورسله، ومنه ما يتكلم به الأنبياء عليهم السلام ولا يكتبونه لأحد ولا يأمرون بكتابته، ولكنهم يحدثون به الناس حديثًا، ويبينون لهم أن الله أمرهم أن يبينوه للناس، ويبلغوهم، ومن الوحي ما يرسل الله به من يشاء من اصطفى من ملائكته، فيكلمون أنبياءه، ومن الوحي ما يرسل به إلى من يشاء، فيوحون به وحيًا في قلوب من يشاء من رسله.
وأخرج البخاري ومسلم والبيهقي، عن عائشة: أن الحارث بن هشام سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يأتيك الوحي؟ قال: «أحيانا يأتيني الملك في مثل صلصلة الجرس، فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال، وهو أشده علي وأحيانًا يتمثل لي الملك رجلًا فيكلمني فأعي ما يقول» قالت عائشة رضي الله عنها: ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم، وإن جبينه ليتفصد عرقًا.
وأخرج أبو يعلى والعقيلي والطبراني والبيهقي في الأسماء والصفات وضعفه، عن سهل بن سعد وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دون الله سبعون ألف حجاب من نور وظلمة ما يسمع من نفس من حس تلك الحجب إلا زهقت نفسه».
{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا}.
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وكذلك أوحينا إليك روحًا من أمرنا} قال: القرآن.
وأخرج أبو نعيم في الدلائل وابن عساكر، عن علي رضي الله عنه، قال: «قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: هل عبدت وثنًا قط؟ قال: لا قالوا: فهل شربت خمرًا قط؟ قال: لا وما زلت أعرف الذي هم عليه كفر، (وما كنت أدري ما الكتاب ولا الإِيمان) وبذلك نزل القرآن {ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإِيمان}».
وأخرج ابن المنذر، عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله: {وإنك لتهدي} قال: لتدعو.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير، عن قتادة رضي الله عنه {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم} قال: قال الله {ولكل قوم هاد} [يوسف: 7]. قال: داع يدعو إلى الله تعالى.
وأخرج ابن جرير، عن قتادة رضي الله عنه {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم} قال: تدعو. اهـ.

.بحث حول معنى الهداية:

للشيخ محمود غريب.
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى وسلام على النبيّ المصطفى.
أما بعد:
قال تعالى مخاطبا نبيه الكريم صلّ ياربّ عليه وآله وبارك وسلّم كما تحبه وترضاه: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ} [الشورى 50- 53] وقال تعالى في آية أخرى {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} القصص 56 نعيش هذا اللقاء مع الآيتين الكريمتين......... وموضوع هداية الله تعالى وقد قدمت آية الشّورى على آية القصص تقديما للإثبات على النفي ونحن نرى الآية الأولى تثبت الهداية للنبيّ صلّ ياربّ عليه وآله وبارك وسلّم كما تحبه وترضاه فتقول: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} ونرى الآية الثانية تنفي قدرة هداية الناس عن النبيّ. وتثبت ذلك لله تعالى وحده قال تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} وحتى لا تخطيء فهم القرآن أحب أن نتتبع معا كلمة الهداية في كل القرآن ليظهر لنا أنّ لهذه الكلمة معنيين:
الأول: هداية بمعنى الإرشاد إلى الخير، وهذا ما أثبته القرآن للنبيّ ولإخوانه من الأنبياء والصّالحين.
والثاني: هداية بمعنى التوفيق وانشراح الصدر للخير وهذه لا يقدر عليها إلا الله تعالى.
ومعلوم أنّ دور الهداية الثانية وهي التوفيق من الله تعالى يأتي بعد قبول الهداية الأولى وتسليم الوجه لله تعالى قال تعالى: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْء عَلِيمٌ} [التغابن: 11].
وقال تعالى: {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَّرَدًّا} مريم 76 وقال تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ} محّمد 17 فإذا رفض الناس قبول هداية الأنبياء حرموا أنفسهم من هداية الله تعالى وتوفيقه. قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ لاَ يَهْدِيهِمُ اللّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} النحل 104 وقد قدم القرآن الكريم نموذجا لهذا النوع من الناس وبين مصيرهم فقال تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِما كَانُوا يَكْسِبُونَ وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} فصلت 17- 18 ومثل ذلك كسائق سيّارة سألك عن الطريق فأرشدته فشكر لك وأراد أن يسير فقلت له أن أمامك الطريق وعر فركبت معه حتى أوصلته..... أترى هذا السائق لو رفض نصحك واتهمك بالجهل أيستحق مساعدتك؟؟ هذا ولله تعالى المثل الأعلى إن قبول الناس لهداية الأنبياء معناه صفاء فطرتهم وخضوعهم للخير فمثلهم جدير أن يوفق إلى الخير وأن ينشرح صدره له..... ومن حق القارئ أن يسأل.... ما دام الأمر كذلك: الهداية الأولى توصل للهداية الثانية فما بال القرآن الكريم علق الهداية والإضلال على مشيئة الله تعالى فقال تعالى: {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوء عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ} فاطر 8 ونقول: أن الأمر سهل لأن هناك آيات وضحت الذين شاء الله تعالى أن يضّلهم كما أن هناك آيات وضحت الذين شاء الله تعالى أن يهديهم والآن مع الآيات......... فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء من هم ياربّ؟؟ فيقول تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقولونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ} البقرة 26 {الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} البقرة 27 {وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} البقرة 258 {وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} التوبة 37 {وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} التوبة 24 {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ} غافر 28 {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} الزمر 3 {إِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ لاَ يَهْدِيهِمُ اللّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} النحل 104 فهل عرفت الذين شاء الله تعالى أن يضّلهم؟؟ إنهم الذين: آثروا الضلال على الهدى ورفضوا قبول هداية الله تعالى. ويهدي إليه من يشاء فسرتها آية أخرى وبينت الذين شاء الله هدايتهم فقال تعالى: {وَيَهْدِي إليه مَنْ أَنَابَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} الرعد 27- 28 فهل عرفت الذين شاء الله تعالى هدايتهم: إنهم الذين أنابوا إلى ربهم....... إنهم الذين آمنوا بربهم قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} يونس 9- 10 يهديهم ربهم بإيمانهم........ أي بسبب إيمانهم.... إنهم الذين جاهدوا من أجل دين ربهم قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} العنكبوت 69 وبعد: لعل الأمر قد ظهر جليا.... أنّ النبيّ صلّ ياربّ عليه وآله وبارك وسلّم كما تحبه وترضاه يهدي الناس هداية تعليم وإرشاد وهذه الهداية هي سبب الهداية العليا. فالتوفيق كل التوفيق لمن صدّق بالنبيّ واتبع هديه. والذين كفروا حرموا أنفسهم هداية الله تعالى. أقول ذلك: حتى لا نخطيء فهم القرآن. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}.
يهب لمن يشاء الذكور، ولمن يشاء الإناث، ولمن يشاء الجنين، ويجعل من يشاء عقيمًا، فلا اعترضَ عليه في تقديره، ولا افتياتَ في اختياره، فهو أَوْلَى بعباده من عباده.
{وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاء حِجَابٍ}.
لله بحقِّ مُلْكِه أن يفعل ما يشاء، ويعطي مَنْ يشاء مِنْ عباده ما يشاء، ولكن أجرى العادة وحَكَم بأنه لا يفعل إلا ما وَرَدَ في هذه الآية؛ فلم يُكَلِّم أحدًا إلا بالوحي، أو من وراء حجاب؛ يعني وهو لا يرى الحقَّ، فالمحجوبُ هو العبد لا الرب، والحجابُ أن يخلق في محل الرؤية ضد الرؤية.. تعالى اللَّهُ عن أن يكونَ من وراء حجاب؛ لأن ذلك صفةُ الأجسام المحدودة التي يُسْبَلُ عليها ستر. إنه {عَلِىٌّ}: في شأنه وقَدْرِه، {حكيمٌ}: في أفعاله.
قوله جلّ ذكره: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِى مَا الكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِى بِهِ مَنْ نَّشاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِى إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}.
أي ذلك مثلما أوحينا إليك {روحًا} من أمرنا يعني القرآن؛ سَمَّاه روحًا لأنه مَنْ آمن به صار به قلبُه حَيًّا.
ويقال: {رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا}: أي جبريل عليه السلام، ويسمى جبريل روح القدس.
{مَا كُنتَ تَدْرِى مَا الْكِتَابُ}: ما كنت تدري قبل هذا ما القرآن، {ولا الإيمان}: أي تفصيل هذه الشرائع.
{وَلَكِن جَعَلْنَاهُ}: أي القرآن {نورًا} نهدي به مَنْ نشاء من عبادنا المؤمنين.
{ألاَ إلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ}: لأن منه ابتداء الأمور. اهـ.

.قال ابن القيم:

قوله عز وجل: {وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا}.
وقد قيل إن الضمير في (جعلناه) عائد إلى الأمر وقيل إلى الكتاب وقيل إلى الإيمان والصواب أنه عائد إلى الروح أي جعلنا ذلك الروح الذي أوحيناه إليك نورا فسماه روحا لما يحصل به من الحياة وجعله نورا لما يحصل به الاشراق والاضاءة وهما متلازمان فحيث وجدت هذه الحياة بهذا الروح وجدت الاضاءة والاستنارة وحيث وجدت الاستنارة والاضاءة وجدت الحياة فمن لم يقبل هذا الروح فهو ميت مظلم كما أن المائي والناري لما يحصل بالماء من الحياة وبالنار من الاشراق والنور كما ضرب ذلك في أول سورة البقرة. اهـ.

.من فوائد الجصاص في السورة الكريمة:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ}.
فِيهِ الدَّلَالَةُ عَلَى بُطْلَانِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى مَا سَبِيلُهُ أَنْ لَا يُفْعَلَ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ؛ لِإِخْبَارِهِ- تعالى- بِأَنَّ مَنْ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا فَلَا حَظَّ لَهُ فِي الْآخِرَةِ، فَيَخْرُجُ ذَلِكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ قِرْبَةً، فَلَا يَقَعُ مَوْقِعَ الْجَوَازِ.
وقوله تعالى-: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} قال ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ وَالسُّدِّيُّ: (مَعْنَاهُ إلَّا أَنْ تَوَدُّونِي لقرابتي مِنْكُمْ) قالوا: (كُلُّ قُرَيْشٍ كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قرابة).
وَقال عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: (إلَّا أَنْ تَوَدُّوا قرابتي).
وَقال الْحَسَنُ: {إلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} أَيْ إلَّا التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ وَالتَّوَدُّدَ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ.
وقوله تعالى-: {وَاَلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} يَدُلُّ عَلَى جَلَالَةِ مَوْقِعِ الْمَشُورَةِ لِذِكْرِهِ لَهَا مَعَ الْإِيمَانِ، وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّا مَأْمُورُونَ بِهَا.
قوله تعالى-: {وَاَلَّذِينَ إذَا أَصَابَهُمْ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِي مَعْنَى الْآيَةِ قال: (كَانُوا يَكْرَهُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُذِلُّوا أَنْفُسَهُمْ فَيَجْتَرِئُ عَلَيْهِمْ الْفُسَّاقُ).
وَقال السُّدِّيّ {هُمْ يَنْتَصِرُونَ} مَعْنَاهُ: مِمَّنْ بَغَى عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْتَدُوا عَلَيْهِمْ.
قال أَبُو بَكْرٍ: قَدْ نَدَبَنَا اللَّهُ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ إلَى الْعَفْوِ عَنْ حُقُوقِنَا قِبَلَ النَّاسِ، فَمِنْهُ قولهُ: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} وقوله تعالى في شَأْنِ الْقِصَاصِ: {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} وَقولهُ: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ}.