فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قوله جلّ ذكره: {فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللهُ المُلْكَ وَالحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ}.
هيب الله الأعداء بطالوت لما زاده من البسطة في الجسم ولكن عند القتال جعل الظفر على يدي داود. وكان كما في القصة رَبْعَ القامة غير عظيم الجثة، مختصر الشخص، ولم يكن معه من السلاح إلا مقلاع، ولكن الظفر كان له لأن نصرة الله سبحانه كانت معه.
قوله جلّ ذكره: {فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللهِ}.
فلم يبق منهم أثر ولا عين، وقتل داودُ جالوتَ وداود بالإضافة إلى جالوت في الضخامة والجسامة كان بحيث لا تُتَوهَم غلبته إياه ولكن كما قال قائلهم:
استقبلني وسيفه مسلول ** وقال لي واحدنا معذول

قوله جلّ ذكره: {وَلَوْلاَ دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى العَالَمِينَ}.
لو تظاهر الخلْق وتوافقوا بأجمعهم لهلك المستضعفون لغلبة الأقوياء ولكن شغل بعضهم ببعض ليدفع بتشاغلهم شرَّهم عن قوم. اهـ.

.من فوائد ابن عرفة في الآية:

قوله تعالى: {مِمَّا يَشَاءُ}.
قوله تعالى: {وَلَوْلاَ دَفْعُ الله الناس بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأرض}.
قال ابن عطية: أي لولا دفعه لكفر بالمؤمنين لفسدت الأرض بعموم الكفر من أقطارها، لكنه لا يخلو زمان من داع إلى الله ومقاتل عليه إلى أن جعله في أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
وقال مكي: أكثر المفسرين على أن المراد لولا أن يدفع الله بمن يصلي عمن لا يصلي وبمن يتقي عمن لا يتقي لأهلك لأناس بذنوبهم.
وضعفه ابن عطية قال: والحديث الذي ذكر عن ابنِ عمر رضي الله عنهما المعارض للآية لا يصح.
قلت: انظره في تفسير مكي.
قال ابن عرفة: وكان بعضهم يبدي في هذه الآية معنى ذكره البيانيون وهو الفرق بين قولك: أكلت بعض الرغيف وبين قولك: أكلت الّرغيف بعضه. وكذلك: أكلت بعض الشاة، وأكلت الشاة بعضها. فما تقول إلا إذا كان المأكول أكثرها أو كان أفضلها، لأنه من باب إطلاق اسم الكل على الجزء ولا يكون إلا لمعنى. قال: وفي الآية حجة على من يجعل لفظ البعض لا يطلق إلا على الأقل وهو خلاف نقله الآمدي في شرح الجزولية في باب التثنية والجمع لأن البعض الأول عبر به عن الدافع والبعض الثاني عن المدفوع، والدافع إما أقل من المدفوع أو أكثر أو مساو.
وأجيب بأن هذا لازم إذا كانا قسمين فقط ولعلها ثلاثة أقسام دافع ومدفوع عنه ومدفوع.
قال ابن عرفة: وفي الآية حجة لمن قال: إن العقل ما خلا عن سمع قط لاقتضائها أنّه لولا ذهاب الفساد بالصلاح المرشد إلى اتباع أوامر الله ونواهيه لعمّ الكفر والفساد الأرض، فلو خلا العقل من سمع في زمن من الأزمان لهلك الخلق كلهم.
فقال: بعض الطلبة بمحضره: إنّما يتم هذا على أحد تفسيري ابن عطية.
فقال ابن عرفة: والآية دالة على أنّ الفساد هو الأصل والأكثر فيستفاد منها فيما إذا كنّا شككنا في صفته، واحتملت الصحة والفساد أنّها تحمل على الفساد كقولهم في فداء المسلمين من أيدي الكفار بالسلاح والكراع هل يجوز؟ وتغلب مصلحة استخلاص المسلمين منهم على مفسدة تقوي الكافرين بالسّلاح أو يمتنع؟ وكذلك إذا تترّس الكفار بالمسلمين هل يباح قتل الترس أم لا؟
قوله تعالى: {ولكن الله ذُو فَضْلٍ عَلَى العالمين}.
قال ابن عرفة: هذا احتراس وهو حجة لأهل السنة لأن ما قبلها تضمّن أنّ الله تعالى يذهب الفاسد بالصالح فلو اقتصر عليه لأوهم وجوب مراعاة الأصلح على الله تعالى فبين بهذه الآية أن ذلك محض تفضل من الله تعالى ولا يجب عليه شيء.
قال ابو حيان: وَلَكِنّ استدراك بإثبات الفضل على جميع العالمين لما يتوهمه من يريد الفساد أن الله غير متفضل عليه إذ لم يبلغه مقاصده.
قال ابن عرفة: هذا بناء على أنّ ما بعد لَكِنّ لا يكون مضادا لما قبلها، ومن يجيز كونه مخالفا له لا يحتاج إلى هذا بل نقول: معناه لهلك النّاس كلّهم بغلبة الفساد. وعلّل تفضله بالجميع لأنّه عام يناله المفسد والمصلح والمدفوع عنه، أما نيله المدفوع فظاهر وأما المفسد فلأن منعه من ذلك منقذ له من الهلاك ودخول النّار فيصير صالحا. اهـ.

.قال أبو حيان:

الحكمة وضع الأمور مواضعها على الصواب، وكمال ذلك إنما يحصل بالنبوّة، ولم يكن ذلك لغيره قبله، كان الملك في سبط والنبوّة في سبط، فلما مات شمويل وطالوت اجتمع لداود الملك والنبّوة.
وقال مقاتل: الحكمة الزبور، وقيل: العدل في السيرة؟ وقيل: الحكمة العلم والعمل به.
وقال الضحاك: هي سلسلة كانت متدلية من السماء لا يمسكها ذو عاهة إلاَّ برىء، يتحاكم إليها، فمن كان محقًا تمكن منها حتى إن رجلًا كانت عنده درة لرجل، فجعلها في عكازته ودفعها إليه أن احفظها حتى أمس السلسلة، فتمكن منها لأنه ردها، فرفعت لشؤم احتياله.
وإذا كانت الحكمة كان ذكر الملك قبلها.
والنبوّة بعده من باب الترقي. اهـ.

.قال الفخر:

الحكمة هي وضع الأمور مواضعها على الصواب والصلاح، وكمال هذا المعنى إنما يحصل بالنبوة، فلا يبعد أن يكون المراد بالحكمة هاهنا النبوة، قال تعالى: {أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكًا عظيمًا} [النساء: 54] وقال فيما بعث به نبيه عليه السلام {وَيُعَلّمُهُمُ الكتاب والحكمة} [آل عمران: 146].
فإن قيل: فإذا كان المراد من الحكمة النبوة، فلم قدم الملك على الحكمة؟ مع أن الملك أدون حالًا من النبوة.
قلنا: لأن الله تعالى بين في هذه الآية كيفية ترقي داود عليه السلام إلى المراتب العالية، وإذا تكلم المتكلم في كيفية الترقي، فكل ما كان أكثر تأخرًا في الذكر كان أعلى حالًا وأعظم رتبة. اهـ.

.قال الألوسي:

الضمير المستتر راجع إلى الله تعالى، وعوده إلى داود كما قال السمين ضعيف لأن معظم ما علمه تعالى له مما لا يكاد يخطر ببال، ولا يقع في أمنية بشر ليتمكن من طلبه ومشيئته. اهـ.

.قال البقاعي:

ولعل ختام قصص بني إسرائيل بهذه القصة لما فيها للنبي صلى الله عليه وسلم من واضح الدلالة على صحة دعواه الرسالة لأنها مما لا يعلمه إلا القليل من حذاق علماء بني إسرائيل ثم عقبها بآية الكرسي التي هي العلم الأعظم من دلائل التوحيد فكان ذلك في غاية المناسبة لما في أوائل السورة في قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم} [البقرة: 21] إلى آخر تلك الآيات من دلائل التوحيد المتضمنة لدلائل النبوة المفتتح بها قصص بني إسرائيل فكانت دلائل التوحيد مكتنفة قصتهم أولها وآخرها مع ما في أثنائها جريًا على الآسلوب الحكيم في مناضلة العلماء ومجادلة الفضلاء، فكان خلاصة ذلك كأنه قيل: {ألم} تنبيهًا للنفوس بما استأثر العليم سبحانه وتعالى بعلمه فلما ألقت الأسماع وأحضرت الأفهام قيل يا أيها الناس فلما عظم التشوف قال: {اعبدوا ربكم} [البقرة: 21] ثم عينه بعد وصفه بما بينه بقوله: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} [البقرة: 255] كما سيجمع ذلك من غير فاصل أول سورة التوحيد آل عمران المنزلة في مجادلة أهل الكتاب من النصارى وغيرهم، وتختم قصصهم بقوله: {ربنا إننا سمعنا مناديًا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم} [آل عمران: 193] يعني بالمنادي والله سبحانه وتعالى أعلم القائل: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم} [البقرة: 21]- إلى آخرها، ومما يجب التنبه له من قصتهم هذه ما فيها لأنها تدريب لمن كتب عليهم القتال وتأديب في ملاقاة الرجال من الإرشاد إلى أن أكثر حديث النفس وأمانيها الكذب لاسيما بالثبات في مزال الأقدام فتشجع الإنسان، فإذا تورّط أقبلت به على الهلع حتى لا يتمنوا لقاء العدو كما أدبهم به نبيهم صلى الله عليه وسلم، وذلك أن بني إسرائيل مع كونهم لا يحصون كثرة سألوا نبيهم صلى الله عليه وسلم بعث ملك للجهاد، فلما بعث فخالف أغراضهم لم يفاجئوه إلا بالاعتراض، ثم لما استقر الحال بعد نصب الأدلة وإظهار الآيات ندبهم، فانتدب جيش لا يحصى كثرة، فشرط عليهم الشاب الفارغ بناء دار وبناء بامرأة، فلم يكن الموجود بالشرط إلا ثمانين ألفًا؛ ثم امتحنوا بالنهر فلم يثبت منهم إلا ثلاثمائة وثلاثة عشر وهم دون الثلث من ثمن العشر من المتصفين بالشرط من الذين هم دون الدون من المنتدبين الذين هم دون الدون من السائلين في بعث الملك، فكان الخالصون معه، كما قال بعض الأولياء المتأخرين لآخر قصده بالزيارة:
ألم تعلم بأني صيرفيّ ** أحك الأصدقاء على محك

فمنهم بهرج لا خير فيه ** ومنهم من أجوزه بشك

وأنت الخالص الذهب المصفى ** بتزكيتي ومثلي من يزكي

وهذا سر قول الصادق عليه الصلاة والسلام: «أمتي كالإبل المائة لا تكاد تجد فيها راحلة» وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا» فالحاصل أنه على العاقل المعتقد جهله بالعواقب وشمول قدرة ربه أن لا يثق بنفسه في شيء من الأشياء، ولا يزال يصفها بالعجز وإن ادعت خلاف ذلك، ويتبرأ من حوله وقوته إلى حول مولاه وقوته ولا ينفك يسأله العفو والعافية. اهـ.

.قال ابن القيم:

معلوم أن الصبر والتوفيق فعل اختياري للعبد وقد أخبر أنه به لا بالعبد وهذا لا ينبغي أن يكون فعلا للعبد حقيقة ولهذا أمر به وهو لا يأمر عبده بفعل نفسه سبحانه وإنما يؤمر العبد بفعله هو ومع هذا فليس فعله واقعا به وإنما هو بالخالق لكل شيء الذي ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن فالتصبير منه سبحانه وهو فعله والصبر هو القائم بالعبد وهو فعل العبد ولهذا أثنى على من يسأله أن يصبره فقال تعالى: {ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين فهزموهم بإذن الله}.
ففي الآية أربعة أدلة:
أحدها: قولهم أفرغ علينا صبرا، والصبر فعلهم الاختياري فسألوه ممن هو بيده ومشيئته وإذنه إن شاء أعطاهموه وإن شاء منعهموه.
والثاني قولهم وثبت أقدامنا، وثبات الأقدام فعل اختياري، ولكن التثبيت فعله والثبات فعلهم ولا سبيل إلى فعلهم إلا بعد فعله.
الثالث قولهم: {وانصرنا على القوم الكافرين} فسألوه النصر وذلك بأن يقوي عزائمهم ويشجعهم ويصبرهم ويثبتهم ويلقي في قلوب أعداهم الخور والخوف والرعب فيحصل النصر، وأيضا فإن كون الإنسان منصورا على غيره إما أن يكون بأفعال الجوارح وهو واقع بقدرة العبد واختياره، وإما أن يكون بالحجة والبيان والعلم وذلك أيضا فعل العبد وقد أخبر سبحانه أن النصر بجملته من عنده وأثنى على من طلبه منه وعند القدرية لا يدخل تحت مقدور الرب.
الرابع قوله: {فهزموهم بإذن الله} وإذنه هاهنا هو الإذن الكوني القدري أي بمشيئته وقضائه وقدره وليس هو الإذن الشرعي الذي بمعنى الأمر فإن ذلك لا يستلزم الهزيمة بخلاف إذنه الكوني وأمره الكوني فإن المأمور المكون لا يتخلف عنه ألبتة. اهـ.