فصل: فصل في الإسرائيليات في قصة قتل داود جالوت:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فصل في الإسرائيليات في قصة قتل داود جالوت:

قال الدكتور محمد أبو شهبة:
ومن الإسرائيليات: ما يذكره المفسرون في قصة قتل داود، وهو: جندي صغير في جيش طالوت جالوتَ الملك الجبار، وذلك عند تفسير قوله تعالى: {فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ}.
فقد ذكر الثعلبي، والبغوي، والخازن، وصاحب الدر المنثور، وغيرهم، في تفاسيرهم ما خلاصته: أنه عبر النهر فيمن عبر مع طالوت ملك بني إسرائيل إيشا: أبو داود في ثلاثة عشر ابنا له وكان داود أصغرهم، وكان يرمي بالقذافة فلا يخطئ، وأنه ذكر لأبيه أمر قذافته تلك، وأنه دخل بين الجبال، فوجد أسدا فأخذ بأذنيه، فلم يهجه، وأنه مشى بين الجبال، فسبح، فما بقي جبل حتى سبح معه، فقال له أبوه: أبشر؛ فإن هذا خير أعطاك الله تعالى إياه.
فأرسل جالوت إلى طالوت: أن ابرز إليَّ، أو أبرز إليَّ من يقاتلني، فإن قتلني فلكم ملكي، وإن قتلته فلي ملككم، فشق ذلك على طالوت، فنادى في عسكره: من قتل جالوت زوجته ابنتي، وناصفته ملكي، فهاب الناس جالوت، فلم يجبه أحد.
فسأل طالوت نبيهم أن يدعو الله تعالى فدعا الله في ذلك، فأتى بقرن فيه دهن القدس، وتنور من حديد، فقيل: إن صاحبكم الذي يقتل جالوت هو الذي يوضع هذا القرن على رأسه، فيغلي الدهن حتى يدهن منه رأسه، ولا يسيل على وجهه، بل يكون على رأسه كالإكليل، ويدخل هذا التنور فيملؤه، ولا يتقلقل فيه.
فدعا طالوت بني إسرائيل، فجربهم، فلم يوافقه منهم أحد، فأوحى الله إلى نبيهم:
إن في ولد إيشا من يقتل الله به جالوت، فدعا طالوت إيشا، فقال: اعرض هذا على بنيك، فأخرج له اثنى عشر رجلا أمثال السواري، فجعل يعرضهم على القرن، فلا يرى شيئا فقال لإيشا: هل بقي لك ولد غيرهم؟ فقال: لا فقال نبي هذا الزمان: يا رب إنه زعم أن لا ولد له غيرهم، فقال الله: كذب، فقال هذا النبي لإيشا: إن الله كذبك!
فقال إيشا: صدق الله، يا نبي الله، إن لي ابنا صغيرا، يقال له: داود، استحييت أن يراه الناس لقصر قامته وحقارته فخلفته في الغنم يرعاها، وهو في شعب كذا وكذا، وكان داود رجلا قصيرا، مسقاما، مصغارا، أزرق أمعر، فدعاه طالوت، ويقال: بل خرج إليه، فوجد الوادي قد سال بينه وبين الزريبة التي كان يريح إليها، فوجده يحمل شاتين يجيز بهما السيل، ولا يخوض بهما الماء، فلما رآه قال: هذا هو لا شك فيه، هذا يرحم البهائم، فهو بالناس أرحم، فدعاه، ووضع القرن على رأسه، ففاض يعني من غير أن يسيل على وجهه فقال طالوت: هل لك أن تقتل جالوت، وأزوجك ابنتي، وأجري خاتمك في ملكي؟ قال: نعم، قال: وهل آنست من نفسك شيئا تتقوى به على قتله؟ قال: نعم، وذكر بعض ذلك.
فأخذ طالوت داود، ورده إلى عسكره، وفي الطريق مر داود بحجر، فناداه: يا داود احملني؛ فإني حجر هارون الذي قتل بي ملك كذا، فحمله في مخلاته، ثم مر بآخر، فناداه قائلا: إنه حجر موسى الذي قتل به ملك كذا، فأخذه في مخلاته، ثم مر بحجر ثالث، فناداه قائلا له: احملني؛ فإني حجرك الذي تقتل بي جالوت، فوضعه في مخلاته.
فلما تصافوا للقتال، وبرز جالوت، وسال المبارزة، انتدب له داود، فأعطاه طالوت فرسا، ودرعا، وسلاحا، فلبس السلاح، وركب الفرس، وسار قريبا، ثم لم يلبث أن نزع ذلك، وقال لطالوت: إن لم ينصرني الله لم يغنِ عني هذا السلاح شيئا!!، فدعني أقاتل جالوت كما أريد، قال: فافعل ما شئت، قال: نعم.
فأخذ داود مخلاته، فتقلدها، وأخذ المقلاع، ومضى نحو جالوت، وكان جالوت من أشد الرجال، وأقواهم، وكان يهزم الجيش وحده، وكان له يبضة فيها ثلاثمائمة رطل حديدا فلما نظر إلى داود ألقى الله في قلبه الرعب، وبعد مقاومة بينهما، وتوعد كل منهما الآخر، أخرج داود حجرا من مخلاته، ووضعه في مقلاعه وقال: باسم إله إبراهيم، ثم أخرج الآخر وقال: باسم إله إسحاق، ووضعه في مقلاعه، ثم أخرج الثالث وقال:
باسم إله يعقوب، ووضعه في مقلاعه، فصارت كلها حجرا واحدا، ودور داود المقلاع، ورمى به، فسخر له الله الريح، حتى أصاب الحجر أنف البيضة، فخلص إلى دماغه، وخرج من قفاه، وقتل من ورائه ثلاثين رجلا، وهزم الله تعالى الجيش، وخر جالوت قتيلا، فأخذه يجره، حتى ألقاه بين يدي طالوت، ففرح جيش طالوت فرحا شديدا، وانصرفوا إلى مدينتهم، والناس يذكرون بالخير داود.
فجاء داود طالوت، وقال له: أنجز لي ما وعدتني، فقال: وأين الصداق؟، فقال له داود: ما شرطت على صداقا غير قتل جالوت، ثم اقترح عليه طالوت أن يقتل مائتي رجل من أعدائهم، ويأتيه بغلفهم، ففعل، فزوجه طالوت ابنته، وأجرى خاتمه في ملكه، فمال الناس إلى داود، وأحبوه، وأكثروه ذكره، فحسده طالوت، وعزم على قتله، فأخبر ابنة طالوت رجل من أتباعه، فحذرت داود، وأخبرته بما عزم أبوها عليه، وبعد مغامرة من طالوت لقتل داود، ومكيدة وحيلة من داود، أنجى الله داود منه، فلما أصبح الصباح، وتيقن طالوت أن داود لم يقتل، خاف منه، وتوجَّس خيفة، واحتاط لنفسه، ولكن الله أمكن داود منه ثلاث مرات، ولكن لم يقتله، ثم كان أن فر داود من طالوت في البرية، فرآه طالوت ذات يوم فيها، فأراد قتله، ولكن داود دخل غارًا، وأمر الله العنكبوت، فنسجت عليه من خيوطها، وبذلك نجا من طالوت، ولجأ إلى الجبل، وتعبد مع المتعبدين.
فطعن الناس في طالوت بسبب داود، واختفائه، فأسرف طالوت في قتل العلماء والعباد، ثم كان أن وقعت التوبة في قلبه، وندم على ما فعل، وحزن حزنا طويلا، وصار يطلب من يفتيه أن له توبة فلم يجد حتى دل على امرأة عندها اسم الله الأعظم، فذهب إليها، وأمن روعها، فانطلقت به إلى قبر شمويل، فخرج من قبره وأرشده إلى طريق التوبة، وهو أن يقدم ولده ونفسه في سبيل الله حتى يقتلوا، ففعل، وجاء قاتل طالوت إلى داود لخيبره بقتله، فكانت مكافأته على ذلك: أن قتله، وأتى بنو إسرائيل إلى داود، وأعطوه خزائن طالوت، وملكوه على أنفسهم، وقد استغرق ذلك من تفسير البغوي بضع صحائف.
وفي هذا الذي ذكروه الحق والباطل، والصدق، والكذب، ونحن في غنية عنه بما في أيدينا من القرآن والسنة، وليس في كتاب الله ما يدل على ما ذكروه، ولسنا في حاجة إلى شيء من هذا في فهم القرآن وتدبره، فلا تلقِ إليه بالا، وارم به دبر أذنيك، فإن فيه تجنِّيًا على من اصطفاه الله ملكا عليهم، وكذبا على نبي الله داود، ويرحم الله الإمام العلامة ابن كثير فقد أعرض عن ذكره، ونبه إلى أنه من الإسرائيليات، فقال في قوله تعالى: {وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوت} ذكروا في الإسرائيليات أنه قتله بمقلاع كان في يده رماه به، فأصابه، فقتله، وكان طالوت قد وعده إن قتل جالوت أن يزوجه ابنته، ويشاطره نعمته، ويشركه في أمره، فوفى له ثم آل الملك إلى داود عليه السلام مع ما منحه الله من النبوة العظيمة، ولهذا قال تعالى: {وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ} الذي كان بيد طالوت، {وَالْحِكْمَةَ} أي: النبوة بعد شمويل، {وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ} من العلم الذي اختصه به عليه الصلاة والسلام. اهـ.

.التفسير الإشاري:

قال نظام الدين النيسابوري:
التأويل: فقوله: {ألم تر إلى الملأ} أن القوم لما أظهروا خلاف ما أضمروا وزعموا غير ما كتموا، عرض نقد دعواهم على محك معناهم فما أفلحوا عند الامتحان إذ عجزوا عن البرهان، وعند الامتحان يكرم الرجل أو يهان، وهذا حال أكثر مدّعي الإسلام والإيمان والذين يزعمون نصلي ونصوم ونحج ونزكي لله وفي الله باللسان دون صدق الجنان، وسيظهر ما كان لله وما كان للهوى في كفتي الميزان {فلما كتب عليهم القتال} تبين الأبطال من البطال {فتولوا إلا قليلًا منهم} وأن أهل الحق أعز من العنقاء وأعوز من الكيمياء.
تعيرنا أنا قليل عديدنا ** فقلت لها إن الكرام قليل

تعيرنا أنا قليل وجارنا ** عزيز وجار الأكثرين ذليل

وإنما لم ينل المدعون مقصودهم لأنه لم تخلص لله قصودهم ولو أنهم قالوا: {وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله} وقد أمرنا ربنا وأوجب القتال علينا وأنه سيدنا ومولانا فلعل الله صدق دعواهم وأعطى مناهم وأكرم مثواهم كما قال قوم من السعداء في أثناء البكاء والصعداء {وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين} [المائدة: 84] فلا جرم أثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء المحسنين. {إن الله قد بعث لكم طالوت ملكًا} فيه إشارة إلى أن الحكم الإلهية حلت وتجلت في جلباب تعاليها عن إدراك العقول البشرية كنه معنى من معانيها، ولهذا. قالوا: {أنى يكون له الملك علينا} وليس هذا بأعجب من قول المقرّبين المؤيدين بالأنوار القدسية {أتجعل فيها من يفسد فيها} [البقرة: 30] واستحقارًا لشأن آدم واحتجابًا بحجب الأنانية والنحنية، فلما تكبر بنو إسرائيل وقالوا: {نحن أحق بالملك} وضعهم الله وحرموا الملك، ولما تواضع طالوت لله وقال: كيف أستحق الملك وسبطي أدنى أسباط بني إسرائيل وبيتي أدنى بيوت بني إسرائيل، رفعه الله وأعطاه الملك. ولما تفوقت الملائكة وترفعوا بقولهم: {ونحن نسبح بحمدك} [البقرة: 30] أمرهم بالسجود لآدم، ولما عرضت الخلافة على آدم فتواضع لله وقال: ما للتراب ورب الأرباب أكرمه الله تعالى بسجود الملائكة وحمل أعباء الأمانة {إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت} فيه إشارة إلى أن آية خلافة العبد أن يظفر بتابوت قلب {فيه سكينة} من ربه وهي الطمأنينة بالإيمان والأنس مع الله: {ألا بذكر الله تطمئن القلوب} [الرعد: 28] {بقية مما ترك آل موسى} هو عصا الذكر كلمة لا إله إلا الله وهي الثعبان الذي إذا فغر فاه تلقف عظيم سحر سحرة صفات فرعون النفس. وإن تابوتهم الذي فيه سكينتهم كان يتداوله أيدي الحدثان، وتابوت قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن، وإن كان في تابوتهم بعض التوراة ففي تابوت قلب المؤمن جميع القرآن، وإن كان في تابوتهم صور الأنبياء ففي تابوت المؤمن رب الأرض والسماء كما قال: «لا يسعني أرضي ولا سمائي ولكن يسعني قلب عبدي المؤمن» فإذا حصل لطالوت الروح الإنساني تابوت القلب الرباني سلم له ملك الخلافة، وإنقاد له جميع أسباط صفات الإنسان فلا يركن إلى الدنيا ويتجهز لقتال جالوت النفس الأمارة {إن الله مبتليكم بنهرٍ} هو نهر الدنيا وما زين للخلق فيها {زين للناس حب الشهوات} [آل عمران: 14] ليظهر المحسن من المسيء ويميز الخبيث من الطيب {إلا من اغترف غرفة بيده} قنع من متاع الدنيا بما لابد له منه من المأكول والمشروب والملبوس والمسكن وصحبة الخلق على حد الاضطرار، وكان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم اجعل قوت آل محمد كفافًا» أي ما يمسك رمقهم {لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده} لأن من شرب من نهر الدنيا ماء شهواتها ولذاتها وتجاوز عن حد الضرورة فيها لا يطيق قتال جالوت النفس وجنود صفاتها وعسكر هواها، لأنه صار معلولًا مريض القلب فبقي على شط نهر الدنيا {رضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها} [يونس: 7] {ولما برزوا لجالوت وجنوده} فيه إشارة إلى أن المجاهد في الجهاد الأكبر لا يقوم بحوله وقوته لقتال النفس إلا إذا رجع إلى ربه مستعينًا به مستغنيًا عن غيره قائلًا {ربنا أفرغ علينا صبرًا} على الائتمار بطاعتك والانزجار عن معاصيك ومخالفة الهوى والإعراض عن زينة الدنيا {وثبت أقدامنا} على التسليم في الشدة والرخاء ونزول البلاء وهجوم أحكام القضاء في السراء والضراء {وانصرنا على القوم الكافرين} وهم أعداؤنا في الدين عمومًا، والنفس الأمارة وصفاتها التي هي أعدى عدونا بين جنبينا خصوصًا {فهزموهم بإذن الله} بنصرته وقوته {وقتل داود} القلب {جالوت} النفس الخ. وأخذ حجر الحرص على الدنيا وحجر الركون إلى العقبى وحجر تعلقه إلى نفسه بالهوى حتى صار الثلاثة حجرًا واحدًا وهو الالتفات إلى غير المولى، فوضعه في مقلاع التسليم والرضا فرمى به جالوت النفس، فسخر الله له ريح العناية حتى أصاب أنف بيضة هواها، وخالط دماغها فأخرج منه الفضول وخرج من قفاها وقتل من روائها ثلاثين من صفاتها وأخلاقها ودواعيها، وهزم الله باقي جيشها وهي الشياطين وأحزابها، وآتاه الله ملك الخلافة وحكمه الإلهامات الربانية، وعلمه مما يشاء من حقائق القرآن وإشاراته {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض} يعني أرباب الطلب بالمشايخ البالغين الواصلين الهادين المهتدين كما قال: {ولكل قوم هاد} [الرعد: 7] لفسدت أرض استعداداتهم المخلوقة في أحسن التقويم عن استيلاء جالوت النفس بتبديل أخلاقها وتكدير صفائها {ولكن الله ذو فضلٍ على العالمين} فمن كمال فضله ورحمته حرك سلسلة طلب الطالبين وألهم أسرارهم إرادة المشايخ الكاملين، ووفقهم للتمسك بذيول تربيتهم ووقفهم على التشبث بأهداب سيرهم، وثبتهم على الرياضات في حال تزكيتهم كما قال: {ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدًا ولكن الله يزكي من يشاء} [النور: 21]. اهـ.