فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال قتادة وعطية: {على أمةٍ} على دِين؛ ومنه قول قيس بن الخطِيم:
كنا على أمّة أبائنا ** ويقتدي الآخر بالأوّل

قال الجوهري: والأمّة الطريقة والدِّين، يقال: فلان لا أمة له؛ أي لا دين له ولا نِحْلة.
قال الشاعر:
وهل يستوي ذو أمّة وكَفُورُ

وقال مجاهد وقطرب: على دين على ملة.
وفي بعض المصاحف {قالوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى مِلَّة} وهذه الأقوال متقاربة.
وحكي عن الفرّاء على ملة على قِبْلة.
الأخفش: على استقامة، وأنشد قول النابغة:
حَلَفْتُ فلم أترك لنفسك ريبةً ** وهل يأثَمْنَ ذو أُمَّة وهو طائع

الثانية {وَإِنَّا على آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ} أي نهتدي بهم.
وفي الآية الأخرى {مُقْتَدُون} أي نقتدي بهم، والمعنى واحد.
قال قتادة: مقتدون متبعون.
وفي هذا دليل على إبطال التقليد؛ لذمّه إياهم على تقليد آبائهم وتركهم النظر فيما دعاهم إليه الرسول صلى الله عليه وسلم.
وقد مضى القول في هذا في (البقرة) مستوفى.
وحكى مقاتل أن هذه الآية نزلت في الوليد بن المغيرة وأبي سفيان وأبي جهل وعتبة وشيبة ابني ربيعة من قريش؛ أي وكما قال هؤلاء فقد قال مَن قبلهم أيضًا.
يُعَزِّي نبيّه صلى الله عليه وسلم؛ ونظيره: {مَّا يُقال لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ} [فصلت: 43].
والمترف: المنعم؛ والمراد هنا الملوك والجبابرة.
قوله تعالى: {قُلْ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بأهدى} أي قل يا محمد لقومك: أوليس قد جئتكم من عند الله بأهدى؛ يريد بأرشد.
{مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قالوا إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} يعني بكل ما أرسل به الرسل.
فالخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم ولفظه لفظ الجمع؛ لأن تكذيبه تكذيب لمن سواه.
وقرىء {قُلْ وَقال وَجِئْتُكُمْ وجِئْنَاكُمْ} يعني أتتبعون آباءكم ولو جئتكم بدين أهدى من دين آبائكم؟ قالوا: إنا ثابتون على دين آبائنا لا ننفك عنه وإن جئتنا بما هو أهدى.
وقد مضى في (البقرة) القول في التقليد وذمه فلا معنى لإعادته.
قوله تعالى: {فانتقمنا مِنْهُمْ} بالقحط والقتل والسبي {فانظر كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المكذبين} آخر أمر من كذب الرسل.
وقراءة العامة {قُلْ أَولَوْ جِئْتُكُمْ}.
وقرأ ابن عامر وحفص {قال أَوَلَوْ} على الخبر عن النذير أنه قال لهم هذه المقالة.
وقرأ أبو جعفر {قُلْ أَوَلَوْ جِئْنَاكُمْ} بنون وألف؛ على أن المخاطبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جميع الرسل. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَجَعَلُواْ الملائكة الذين هُمْ عِبَادُ الرحمن إناثا}.
أي سموا وقالوا: إنهم أناث، قال الزجاج: الجعل في مثله بمعنى القول والحكم على الشيء تقول: جعلت زيدًا أعلم الناس أي وصفته بذلك وحكمت به، واختار أبو حيان أن المعنى صيروهم في اعتقادهم إناثًا اعتراض وارد لإثبات مناقضتهم أيضًا وادعاء ما لا علم لهم به المؤيد لجعله معتمد الكلام على ما سبق آنفًا فإنهم أنثوهم في هذا المعتقد من غير استناد إلى علم فارشد إلى أن ما هم عليه من إثبات الولد مثل ما هم عليه من تأنيث الملائكة عليهم السلام في أنهما سخف وجهل كانا كفرين أولًا، نعم هما في نفس الأمر كفران، أما الأول: فظاهر، وأما الثاني: فللاستخفاف برسله سبحانه أعني الملائكة وجعلهم أنقص العباد رأيًا وأخسهم صنفًا وهم العباد المكرمون المبرأون من الذكورة والأنوثة فإنهما من عوارض الحيوان المتغذي المحتاج إلى بقاء نوعه لعدم جريان حكمة الله تعالى ببقاء شخصه وليس ذلك عطفًا على قوله سبحانه: {وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ} [الزخرف: 15] لما علمت من أن الجملة في موضع الحال من فاعل {لَّيَقولنَّ} [الزخرف: 9] ولا يحسن بحسب الظاهر أن يقال: لَيَقولنَّ خَلَقَهُنَّ العزيز العليم وقد جعلوا الملائكة إناثًا، وقرىء عبيد جمع عبد وكذا {عِبَادِ} وقيل: عباد جمع عابد كصائم وصيام وقائم وقيام.
وقرأ عمر بن الخطاب والحسن وأبو رجاء وقتادة وأبو جعفر وشيبة والأعرج والابنان ونافع {عِندَ الرحمن} ظرفًا وهو أدل على رفع المنزلة وقرب المكانة، والكلام على الاستعارة في المشهور لاستحالة العندية المكانية في حقه سبحانه، وقرأ أبي عبد الرحمن بالباء مفرد عباد، والمعنى على الجمع بإرادة الجنس.
وقرأ الأعمش {عِبَادِ} بالجمع والنصب حكاها ابن خالويه وقال: هي في مصحف ابن مسعود كذلك، وخرج أبو حيان النصب على إضمار فعل أي الذين هم خلقوا عباد الرحمن، وقرأ زيد بن علي {إناثا} بضمتين ككتب جمع إناثًا فهو جمع الجمع، وعلى جميع القراءات الحصر إذا سلم إضافي فلا يتم الاستدلال به على أفضلية الملك على البشر.
{أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ} أي أحضروا خلق الله تعالى إياهم فشاهدوهم إناثًا حتى يحكموا بأنوثتهم فإن ذلك مما يعلم بالمشاهدة، وهذا كقوله تعالى: {أَمْ خَلَقْنَا الملائكة إناثا وَهُمْ شاهدون} [الصافات: 150] وفيه تجهيل لهم وتهكم بهم، وإنما لم يتعرض لنفي الدلائل النقلية لأنها في مثل هذا المطلب مفرعة على القول بالنبوة وهم الكفرة الذين لا يقولون بها ولنفي الدلائل العقلية لظهور انتفائها والنفي المذكور أظهر في التهكم فافهم، وقرأ نافع {أأشهدوا} بهمزة داخلة على أشهد الرباعي المبني للمفعول، وفي رواية أنه سهل هذه الهمزة فجعلها بين الهمزة والواو وهي رواية عن أبي عمرو، وروي ذلك عن علي كرم الله تعالى وجهه وابن عباس ومجاهد، وفي أخرى أنه سهلها وأدخل بينها وبين الأولى ألفًا كراهة اجتماع همزتين ونسبت إلى جماعة، والاكتفاء بالتسهيل أوجه، وقرأ الزهري وناس: {فَقولواْ اشهدوا} بغير استفهام مبنيًا للمفعول رباعيًا فقيل المعنى على الاستفهام نحو قوله:
قالوا تحبها قلت بهرا

وهو الظاهر، وقيل: على الإخبار، والجملة صفة {إناثا} وهم وإن لم يشهدوا خلقهم لكن نزلوا لجراءتهم على ذلك منزلة من أشهد أو المراد أنهم أطلقوا عليهم الإناث المعروفات لهم اللاتي اشهدوا خلقهن لا صنفًا آخر من الإناث؛ ولا يخفى ما في كلا التأويلين من التكلف {سَتُكْتَبُ} في ديوان أعمالهم {شهادتهم} التي شهدوا بها على الملائكة عليهم السلام، وقيل: سألهم الرسول صلى الله عليه وسلم ما يدريكم أنهم إناث فقالوا: سمعنا ذلك من آبائنا ونحن نشهد أنهم لم يكذبوا فقال الله تعالى: {سَتُكْتَبُ شهادتهم} {وَيُسْئَلُونَ} عنها يوم القيامة، والكلام وعيد لهم بالعقاب والمجازاة على ذلك والسين للتأكيد، وقيل: يجوز أن تحمل على ظاهرها من الاستقبال ويكون ذلك إشارة إلى تأخير كتابة السيآت لرجاء التوبة والرجوع كما ورد في الحديث إن كاتب الحسنات أمين على كاتب السيآت فإذا أراد أن يكتبها قال له: توقف فيتوقف سبع ساعات فإن استغفر وتاب لم يكتب فلما كان ذلك من شأن الكتابة قرنت بالسين، وكونهم كفارًا مصرين على الكفر لا يأباه.
وقرأ الزهري {سيكتب} بالياء التحتية مبنيًا للمفعول، وقرأ الحسن كالجمهور إلا أنه قرأ {شهاداتهم} بالجمع وهي قولهم: إن لله سبحانه جزأ وإن له بنات وإنها الملائكة، وقيل: المراد ما أريد بالمفرد والجمع باعتبار التكرار.
وقرأ ابن عباس. وزيد بن علي. وأبو جعفر. وأبو حيوة. وابن أبي عبلة. والجحدري. والأعرج {أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ} بالنون مبنيًا للفاعل {شهادتهم} بالنصب والإفراد.
وقرأت فرقة {سيكتب} بالياء التحتية مبنيًا للفاعل وبإفراد {سَتُكْتَبُ شهادتهم} ونصبها أي سيكتب الله تعالى شهادتهم.
وقرىء {يساءلون} من المفاعلة للمبالغة.
{وَقالواْ لَوْ شَاء الرحمن مَا عبدناهم} عطف على قوله سبحانه: {وَجَعَلُواْ الملائكة} [الزخرف: 19] الخ إشارة إلى أنه من جنس ادعائهم أنوثة الملائكة في أنهم قالوه من غير علم، ومرادهم بهذا القول على ما قاله بعض الأجلة الاستدلال بنفي مشيئة الله تعالى ترك عبادة الملائكة عليهم السلام على امتناع النهي عنها أو على حسنها فكأنهم قالوا: إن الله تعالى لم يشأ ترك عبادة الملائكة عليهم السلام على امتناع النهي عنها أو على حسنها فكأنهم قالوا: إن الله تعالى لم يشأ ترك عبادتنا الملائكة ولو شاء سبحانه ذلك لتحقق بل شاء جل شأنه العبادة لأنها المتحققة فتكون مأمورًا بها أو حسنة ويمتنع كونها منهيًا عنها أو قبيحة، وهو استدلال باطل لأن المشيئة لا تستلزم الأمر أو الحسن لأنها ترجيح بعض الممكنات على بعض حسنًا كان أو قبيحًا فلذلك جهلوا بقوله سبحانه: {مَّا لَهُم بِذَلِكَ} القول على الوجه الذي قصدوه منه، وحاصله يرجع إلى الإشارة إلى زعمهم أن المشيئة تقتضي طباق الأمر لها أو حسن ما تعلقت به {مِنْ عِلْمٍ} يستند إلى سند ما.
{إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ} أي يكذبون كما فسره به غير واحد، ويطلق الخرص على الحزر وهو شائع بل قيل: إنه الأصل وعلى كل هو قول عن ظن وتخمين، وقوله تعالى: {أَمْ ءاتيناهم كتابا مّن قَبْلِهِ فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ} إضراب عن نفي أن يكون لهم بذلك علم من طريق العقل إلى إبطال أن يكون لهم سند من جهة النقل؛ فأم منقطعة لا متصلة معادلة لقوله تعالى: {اشهدوا} [الزخرف: 19] كما قيل لبعده.
وضمير {قَبْلِهِ} للقرآن لعلمه من السياق أو الرسول عليه الصلاة والسلام، وسين مستمسكون للتأكيد لا للطلب أي بل أآتيناهم كتابًا من قبل القرآن أو من قبل الرسول صلى الله عليه وسلم ينطق بصحة ما يدعونه فهم بذلك الكتاب متمسكون وعليه معولون، وقوله جل وعلا: {بَلْ قالواْ إِنَّا وَجَدْنَا ءابَاءنَا على أُمَّةٍ وَإِنَّا على ءاثارهم مُّهْتَدُونَ} إبطال لأن يكون لهم حجة أصلًا أي لا حجة لهم على ذلك عقلية ولا نقلية وإنما جنحوا فيه إلى تقليد آبائهم الجهلة مثلهم، والأمة الدين والطريقة التي تؤم أي كالرحلة للرجل العظيم الذي يقصد في المهمات يقال: فلان لا أمة له أي لا دين ولا نحلة، قال الشاعر:
وهل يستوى ذو أمة وكفور

وقال قيس بن الحطيم:
كنا على أم آبائنا ** ويقتدي بالأول الآخر

وقال الجبائي: الأمة الجماعة والمراد وجدنا آباءنا متوافقين على ذلك، والجمهور على الأول وعليه المعول، ويقال فيها إمة بكسر الهمزة أيضًا وبها قرأ عمر بن عبد العزيز ومجاهد وقتادة والجحدري.
وقرأ ابن عياش {أُمَّةٍ} بفتح الهمزة، قال في (البحر): أي على قصد وحال، و{على أُمَّةٍ وَإِنَّا} قيل خبر إن لأن، وقيل: على آثارهم صلة {مُّهْتَدُونَ} ومهتدون هو الخبر، هذا وجعل الزمخشري الآية دليلًا على أنه تعالى لم يشأ الكفر من الكافر وإنما شاء سبحانه الايمان، وكفر أهل السنة القائلين بأن المقدورات كلها بمشيئة الله تعالى، ووجه ذلك بأن الكفار لما ادعوا أنه تعالى شاء منهم الكفر حيث قالوا: {لَوْ شَاء الرحمن} [الزخرف: 20] الخ أي لو شاء جل جلاله منا أن نترك عبادة الأصنام تركناها رد {الله} تعالى ذلك عليهم وأبطل اعتقادهم بقوله سبحانه: {مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ} [الزخرف: 20] الخ فلزم حقيقة خلافه وهو عين ما ذهب إليه، والجملة عطف على قوله تعالى: {وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ} [الزخرف: 15] أو على {جَعَلُواْ الملائكة} [الزخرف: 19] الخ فيكون ما تضمنته كفرًا آخر ويلزمه كفر القائلين بأن الكل بمشيئته عز وجل، ومما سمعت يعلم رده، وقيل: في رده أيضًا: يجوز أن يكون ذلك إشارة إلى أصل الدعوى وهو جعل الملائكة عليهم السلام بنات الله سبحانه وتعالى عن ذلك علوًا كبيرًا دون ما قصدوه من قولهم: {لَوْ شَاء} الخ وما ذكر بعد أصل الدعوى من تتمتها فإنه حكاية شبهتهم المزيفة لأن العبادة للملائكة وإن كانت بمشيئته تعالى لكن ذلك لا ينافي كونها من أقبح القبائح المنهي عنها وهذا خلاف الظاهر.
وقال بعض الأجلة: إن كفرهم بذلك لأنهم قالواه على جهة الاستهزاء، ورده الزمخشري بأن السياق لا يدل على أنهم قالوه مستهزئين؛ على الله تعالى قد حكى عنهم على سبيل الذم والشهادة بالكفر أنهم جعلوا له سبحانه جزأ وأنه جل وعلا اتخذ بنات واصطفاهم بالبنين وأنهم جعلوا الملائكة المكرمين أناثًا وأنهم عبدوهم وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم فلو كانوا ناطقين بها على طريق الهزء لكان النطق بالمحكيات قبل هذا المحكي الذي هو إيمان عنده لوجدوا بالنطق به مدحًا لهم من قبل أنها كلمات كفر نطقوا بها على طريق الهزء فبقي أن يكونوا جادين ويشترك كلها في أنها كلمات كفر، فإن جعلوا الأخير وحده مقولا على وجه الهزء دون ما قبله فما بهم إلا تعويج كتاب الله تعالى ولو كانت هذه كلمة حق نطقوا بها هزأ لم يكن لقوله سبحانه: {مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ} [الزخرف: 20] الخ معنى لأن الواجب فيمن تكلم بالحق استهزاء أن ينكر عليه استهزاؤه ولا يكذب، ولا يخفى أن رده بأنه لا يدل عليه السياق صحيح، وأما ما ذكر من حكاية الله سبحانه والتعويج فلا لأنه تعالى ما حكى عنهم قولا أولًا بل أثبت لهم اعتقادًا يتضمن قولا أو فعلًا وقد بين أنهم مستخفون في ذلك العقد كما أنهم مستخفون في هذا القول فقوله: لو نطقوا الخ لا مدخل له في السابق وليس فيه تعويج البتة من هذا الوجه وكذلك قوله: لم يكن لقوله تعالى: {مَّا لَهُم} الخ معنى مردود لأن الاستهزاء باب من الجهل كما يدل عليه قول موسى عليه السلام {أَعُوذُ بالله أَنْ أَكُونَ مِنَ الجاهلين} وقد تقدم في البقرة (67)، وأما الكذب فراجع إلى مضمونه والمراد منه كما سمعت فمن قال لا إله إلا الله استهزاء مكذب فيما يلزم من أنه اخبار عن إثبات التعدد لأنه إخبار عن التوحيد فافهم كذا في (الكشف).
وفيه أيضًا أن قولهم: {لَوْ شَاء الرحمن} [الزخرف: 20] الخ فهم منه كونه كفرًا من أوجه:
أحدها: أنه اعتذار عن عبادتهم الملائكة عليهم السلام التي هي كفر وإلزام أنه إذا كان بمشيئته تعالى لم يكن منكرًا.
والثاني: أن الكفر والايمان بتصديق ما هو مضطر إلى العلم بثبوته بديهة أو استدلالًا متعلقًا بالمبدأ والمعاد وتكذيبه لا بإيقاع الفعل على وفق المشيئة وعدمه.
والثالث: أنهم دفعوا قول الرسل بدعوتهم إلى عبادته تعالى ونهيهم عن عبادة غيره سبحانه بهذه المقالة ثم أنهم ملزمون على مساق هذا القول لأنه إذا استند الكل إلى مشيئته تعالى شأنه فقد شاء إرسال الرسل وشاء دعوتهم للعباد وشاء سبحانه جحودهم وشاء جل وعلا دخولهم النار فالإنكار والدفع بعد هذا القول دليل على أنهم قالوه لا عن اعتقاد بل مجازفة، وإليه الإشارة بقوله تعالى في مثله: {قُلْ فَلِلَّهِ الحجة البالغة فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأنعام: 149] وفيه أنهم يعجزون الخالق بإثبات التمانع بين المشيئة وضد المأمور به فيلزم أن لا يريد إلا ما أمر سبحانه به ولا ينهى جل شأنه إلا وهو سبحانه لا يريده وهذا تعجيز من وجهين:
إخراج بعض المقدورات عن أن يصير محلها وتضييق محل أمره ونهيه؛ وهذا بعينه مذهب إخوانهم من القدرية؛ ولهذه النكتة جعل قولهم: {وَقالواْ لَوْ شَاء الرحمن مَا عبدناهم}.