فصل: قال ابن عطية في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقوله: {ميتًا} تذكيره بتأويل المكان. والأزواج الأصناف وقد مر في قوله: {سبحان الذي خلق الأزواج} [يس: 36] والعائد إلى ما في قوله: {ما تركبون} محذوف فلك أن تقدره مؤنثًا أو مذكرًا باعتبارين. قال في الكشاف: يقال: ركبت الأنعام وركبت في الفلك إلا أنه غلب المتعدي بغير واسطة على المتعدي بواسطة. قلت: يجوز أن يكون كقوله (ويوم شهدناه) والضمير في ظهوره عائد إلى ما. والاستواء في الآية بمعنى التمكن والاستقرار وذكر النعمة بالقلب ويحتمل كونه باللسان وهو تقديم الحمد لله. يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا وضع رجله في الركاب قال: الحمد لله على كل حال {سبحان الذي سخر لنا هذا} إلى قوله: {لمنقلبون} وكبر ثلاثًا وهلل ثلاثًا. وإذا ركب في السفينة قال: {بسم الله مجريها ومرساها أن ربي لغفور رحيم} [هود: 41] ومعنى {مقرنين} مطيقين أو ضابطين مع صعوبة خلقه وخلقه.
وقيل: لا يطيق أن يقرن بعضها ببعض حتى يسيرها إلى حيث يريد {وإنا إلى ربنا لمنقلبون} أي في آخر عمرنا كأنه يتذكر ركوب الجنازة أو عثور الدابة أو انكسار السفينة فليستعد للقاء الله عز وجل بخلاف من يركب الخيول والزوارق لأجل التنزه والاشتغال بالملاهي والمناهي فيكون غافلًا عن المبدأ والمعاد. عن بعضهم أنه أدخل في البحر ههنا خلاف ما في (الشعراء) لأن ركوب الدابة أو السفينة أو الجنازة عام لكل أحد. وما في (الشعراء) خاص بالسحرة.
ثم عاد إلى ما انجر الكلام منه وهو قوله: {ولئن سألتهم} والمقصود التنبيه على سخافة عقولهم وقلة محصولهم فإنهم مع الإقرار بأن خالق السموات والأرض هو الله جعلوا له من عباده جزءًا أي أثبتوا له ولدًا، وذلك أن ولد الرجل جزء منه. قال صلى الله عليه وسل: «فاطمة بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها» وفي قوله: {من عباده} إشارة إلى أن ما عداه ممكن الوجود فإن الولد متأخر في الوجود عن الأب والمتأخر عن الواجب ممكن، والممكن مفتقر إلى الواجب في الوجود والبقاء والذات والصفات. وقيل: هو إنكار على مثبتي الشركاء لأنهم جعلوا بعض العبادة لغير الله، وفيه نوع تكلف. والكفور البليغ الكفران لأنه يجحد ربه وخالقه ولا يجتهد في تنزيهه وتقديسه. وحين وبخهم على إثبات الولد زاد في توبيخهم وتجهيلهم والتعجيب من حالهم حيث جعلوا ذلك الولد بنتًا مع أنها مكروهة عندهم فقال: {أم اتخذ مما يخلق} وفائدة تنكير {بنات} وتعريف البنين كما مر في آخر السورة المتقدمة في تنكير {إناثًا} وتعريف {الذكور} [الشورى: 49] وقوله: {بما ضرب للرحمن مثلًا} أي بالجنس الذي جعله شبهًا لله لأن الولد لا يكون إلا من جنس الوالد، والمراد أنه إذا بشر بالأنثى كما سبق في (النحل) اغتم ويسود وجهه وملىء غيظًا وكربًا. ثم زاد في الإنكار بتعديد طرف من نقصان الإناث قائلًا {أو من ينشأ} والتقدير أهو كضده. قال جار الله: تقديره أو يجعل للرحمن من الولد من له هذه الصفة الدنيئة الذميمة وهي أنه يربى أو يتربى في الزينة والنعومة، وهو إذا احتاج إلى المخاصمة لا يبين ولا يعرب عما في ضميره لعجزه عن البيان ولقلة عقله. قالت العقلاء: قلما تكلمت امرأة فأرادت أن تعرب عن حجتها إلا نطقت بما هو حجة عليها. وفيه أن النشء في الزينة والإمعان في التنعم من خصائص ربات الحجال لا من خواص الرجال. وإنما ينبغي أن يكون تلبسهم بلباس التقوى وتزينهم باستعداد الزاد للدار الأخرى.
ثم خصص أن البنات التي نسبن إليه تعالى من أي جنس من بعدما عمم في قوله: {مما يخلق} فقال: {وجعلوا} أي سموا {الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثًا} وفي إثبات العبودية لهم نفي الجزئية عنهم كما مر آنفًا.
وقوله: {أشهدوا خلقهم} كقوله: {ما أشهدتم خلق السموات والأرض} [الكهف: 51] وفيه تهكم بهم لأنه لم يدل على ذلك عقل ولا نقل صحيح فلم يبق إلا الإخبار عن المشاهدة يعني مشاهدتهم خلق الله إياهم أو مشاهدة صور الملائكة. ثم أوعدهم بقوله: {ستكتب شهادتهم} على أنوثية الملائكة {ويسئلون} ثم حكى نوعا آخر من كفرهم وشبهاتهم وهو أنهم {قالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم} أي الملائكة والأصنام نظير ما مر في آخر الأنعام {سيقول الذين أشركوا} [الآية: 148] واستدلال المعتزلة به ظاهر لأنه ذمهم بقوله: {ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون} أجاب الزجاج عنه بأن قوله: {ما لهم بذلك من علم} عائد إلى قولهم الملائكة بنات الله، والمراد لو شاء الرحمن ما أمرنا بعبادتهم كقولهم {والله أمرنا بهم} [الأعراف: 28] فلهذا أنكر الله عليهم قاله الواحدي في بسيطه. وقيل: قالوها استهزاء، وزيفه جار الله بأنه لا يتمشى في أقوالهم المتقدمة وإلا كانوا صادقين مؤمنين. وجعل هذا الأخير وحده مقولا على وجه الهزء دون ما قبله تعويج لكتاب الله. وتمام البحث بين الفريقين مذكور في (الأنعام) وإنما قال في الجاثية {إن هم إلا يظنون} لأن هذا كذب محض وهناك خلطوا الصدق بالكذب، صدقوا في قولهم {نموت ونحيى} وكذبوا في قولهم {وما يهلكنا إلا الدهر} [الجاثية: 24] وكانوا شاكين في أمر البعث، ثم زاد في الإنكار عليهم بقوله: {أم آتيناهم كتابًا من قبله} أي من قبل القرآن أو الرسول {فهم به مستمسكون} ثم أضرب عن ذلك وأخبر أنه لا مستند لهم في عقائدهم وأقوالهم الفاسدة الا التقليد. والأمة الدين والطريقة التي تؤم أي تقصد. ثم سلى نبيه صلى الله عليه وسلم بأن هذا دأب أسلافهم وداء قديم في جهال بني آدم. وإنما قال أولًا {مهتدون} وبعده {مقتدون} لأن العرب كانوا يخاصمون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويزعمون الاهتداء، ولعل الأمم قبلهم لم يزعموا إلا الاقتداء بالآباء دون الاهتداء. ثم أخبر أن النذير {قال} أو أمر النذير أو محمدًا أن يقول: {أو لو جئتكم} أي أتتبعون آباءكم ولو جئتكم بدين أهدى من دين آبائكم فاصروا على التكذيب ولم يقبلوا فانتقم الله منهم.
ثم بين بقصة إبراهيم عليه السلام أن القول بالتقليد يوجب المنع من التقليد، وذلك أن إبراهيم عليه السلام كان أشرف آباء العرب وأنه ترك دين الآباء لأجل الدليل، فلو كانوا مقلدين لآبائهم وجب أن يتبعوه في الاعتماد على الدليل لا على مجرد التقليد. والبراء بالفتح مصدر أي ذو براء.
وقوله: {إلا الذي فطرني} قيل: متصل، وكان فيهم من يعبد الله مع الأصنام. وقيل: منقطع بمعنى لكن، ويحتمل أن يكون مجرورًا بدلًا من ما أي إلا من الذي وجوز في الكشاف أن تكون (إلا) صفة بمعنى غير و(ما) موصوفة تقديره إنني براء من آلهة تعبدونها غير الذي فطرني {فإنه سيهدين} أي يثبتني على الهداية أو يرشدني إلى طريق الجنة، ولا ريب أن قوله: {إنني براء مما تعبدون} بمنزلة لا إله وقوله: {إلا الذي فطرني} بمثابة (إلا الله) وهي كلمة التوحيد فلذلك أنّث الضمير في قوله: {وجعلها} أي وجعل إبراهيم أو الله {كلمة} التوحيد {باقية في عقبه} فلا يزال في ذريته من يوحد الله عز وجل ويدعو إلى توحيده نظيره {ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب} [البقرة: 132] {لعلهم} أي لعل من أشرك منهم يرجع إلى التوحيد أو عن الشرك بدعاء الموحدين منهم. ثم أضرب عن رجاء الرجوع منهم إلى أن تمتيعهم بالعمر وسعة الرزق صار سببًا لعظم كفرهم وشدة عنادهم. قال جار الله: أراد بل اشتغلوا عن التوحيد {حتى جاءهم الحق} وهو القرآن {ورسول مبين} الرسالة واضحها فخيل بهذه الغاية أنهم تنبهوا عندها من غفلتهم لاقتضائها التنبيه. ثم ابتدأ قصتهم عند مجيء الحق قائلًا {ولما جاءهم الحق} جاؤا بما هو شر من غفلتهم وهو أن ضموا إلى شركهم معاندة الحق ومكابرة الرسول وإنكار القرآن والله أعلم. اهـ.

.قال ابن عطية في الآيات السابقة:

وقوله تعالى: {ولئن سألتهم} الآية ابتداء احتجاج على قريش يوجب عليهم التناقض في أمرهم، وذلك أنهم يقرون أن الخالق الموجد لهم وللسماوات والأرض هو الله تعالى، وهم مع ذلك يعبدون أصنامًا ويدعونها آلهتهم، ومقتضى جواب قريش أن يقولوا (خلقهن الله) فلما ذكر تعالى المعنى جاءت العبارة عن الله بـ: {العزيز العليم} ليكون ذلك توطئة لما عدد بعد من أوصافه التي ابتدأ الإخبار بها وقطعها من الكلام الذي حكى معناه عن قريش.
{الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (10)}.
هذه أوصاف فعل، وهي نعم من الله تعالى على البشر، تقوم بها الحجة على كل كافر مشرك بالله تعالى.
وقوله: {الذي جعل لكم} ليس من قول المسؤولين، بل هو ابتداء إخبار من الله تعالى.
وقرأ جمهور الناس: {مهادًا} وقرأ ابن مسعود وطلحة والأعمش: {مهدًا}، والمعنى واحد، أي يتمهد ويتصرف فيها.
والسبل: الطرق. و: {تهتدون} معناه في المقاصد من بلد إلى بلد ومن قطر إلى قطر، ويحتمل أن يريد: {تهتدون} بالنظر والاعتبار.
وقوله تعالى: {من السماء} هو المطر بإجماع، واختلف المتأولون في معنى قوله: {بقدر} فقالت فرقة معناه: بقضاء وحتم في الأزل. وقال آخرون المعنى: بقدر في الكفاية للصلاح لا إكثار فيفسد ولا قلة فيقصر، بل غيثًا مغيثًا سبيلًا نافعًا. وقالت فرقة معناه: بتقدير وتحرير، أي قدرًا معلومًا، ثم اختلف قائلو هذه المقالة، فقال بعضهم: ينزل كل عام ماء قدرًا واحدًا لا يفضل عام عامًا، لكن يكثر مرة هنا ومرة هاهنا. وقالت فرقة: بل ينزل الله تقديرًا ما في عام، وينزل في آخر تقديرًا آخر بحسب ما سبق به قضاؤه، لا إله غيره. و: {أنشرنا} معناه: أحيينا، يقال: نشر الميت، وأنشره الله. و: {بلدة} اسم جنس، ووصفها بـ: {ميتًا} دون ضمير من حيث هي واقعة موقع قطر ونحوه، إذ التأنيث فيها غير حقيقي.
وقرأ الجمهور: {ميْتًا} بسكون الياء. وقرأ أبو جعفر بن القعقاع: {ميِّتًا} بياء مكسورة مشددة، وهي قراءة عيسى بن عمر، والأول أرجح لشبه لفظها: بزور، وعدل، فحسن وصف المؤنث بها.
وقرأ أكثر السبعة والأعرج وأبو جعفر: {كذلك تُخرَجون} بضم التاء وفتح الراء. وقرأ حمزة والكسائي وابن وثاب وعبد الله بن جبير المصيح: {وكذلك تَخرُجون} بفتح التاء وضم الراء.
و: {الأزواج} الأنواع من كل شيء، و{من} في قوله: {من الفلك} للتبعيض، وذلك أنه لا يركب من الأنعام غير الإبل، وتدخل الخيل والبغال والحمير فيما يركب بالمعنى. واللام في قوله: {لتستووا} لام الأمر، ويحتمل أن تكون لام كي، و{ما} في قوله: {ما تركبون} واقعة على النوع المركوب، والضمير في: {ظهوره} عائد على النوع الذي وقعت عليه {ما}.
وقد بينت آية ما يقال عند ركوب الفلك، وهو: {باسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم} [هود: 41] وإنما هذه خاصة فيما يركب من الحيوان، ويقال (-) عند النزول منها: اللهم أنزلنا منزلًا مباركًا وأنت خير المنزلين. والسنة للراكب إذا ركب أن يقول: الحمد لله على نعمة الإسلام، أو على النعمة بمحمد صلى الله عليه وسلم، أو على النعمة في كل حال، وقد روي هذا اللفظ عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: {سبحان الذي} الآية، وركب أبو مجلز لاحق بن حميد وقال: {سبحان الله} الآية، ولم يذكر نعمة، وسمعه الحسن بن علي رضي الله عنهما فقال: ما هكذا أمرتم، قال أبو مجلز، فقلت له: كيف أقول؟ قال: قل الحمد لله الذي هدانا للإسلام، أو نحو هذا، ثم تقول بعد ذلك: {سبحان الذي} الآية، وكان طاوس إذا ركب قال: اللهم هذا من منك وفضلك، ثم يقول: {سبحان الذي} الآية، وإن قدرنا أن ذكر النعمة هو بالقلب والتذكير بدأ الراكب: بـ: {سبحان الذي سخر}، وهو يرى نعمة الله في ذلك وفي سواه.
والمقرن: الغالب الضابط المستولي على الأمر المطيق له. وروي أن بعض الأعراب ركب جملًا فقيل له قل: {سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين} فقال: أما والله إني لمقرن تياه، فضرب به الجمل فوقصه فقتله.
وقوله: {وإنا إلى ربنا لمنقلبون} أمر بالإقرار بالبعث وترداد القول به، وذلك داعية إلى استشعار النظر فيه، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الإنسان إذا ركب ولم يقل هذه الآية جاءه الشيطان فقال: (تغنه، فإن اكن يحسن غنى، وإلا قال له تمنه، فيتمنى الأباطيل ويقطع زمنه بذلك).
{وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (15)}.
الضمير في: {جعلوا} لكفار قريش والعرب، والضمير في: {له} لله تعالى: والجزء: القطع من الشيء، وهو بعض الكل، فكأنهم جعلوا جزءًا من عباده نصيبًا له وحظًا، وذلك في قول كثير من المتأولين قول العرب: الملائكة بنات الله، وقال بعض أهل اللغة الجزء: الإناث، يقال أجزأت المرأة إذا ولدت أنثى، ومنه قول الشاعر: البسيط:
إن أجزأتْ حرة يومًا فلا عجب ** قد تجزئ المرأة المذكار أحيانا

وقد قيل في هذا البيت إنه بيت موضوع. وقال قتادة: المراد بالجزء: الأصنام وفرعون وغيره ممن عبد من دون الله، أي جزءًا ندًا، فعلى هذا التأويل فتعقيب الكفرة في فصلين في أمر الأصنام وفي أمر الملائكة، وعلى هذا التأويل الأول فالآية كلها في أمر الملائكة.
وقوله تعالى: {إن الإنسان لكفور} أي بلفظ الجنس العام، والمراد بعض الإنسان، وهو هؤلاء الجاعلون ومن أشبههم. و: {مبين} في هذا الموضع غير متعد.
وقوله تعالى: {أم اتخذ} إضراب وتقرير، وهذه حجة بالغة عليهم. إذ المحمود من الأولاد والمحبوب قد خوله الله بني آدم، فكيف يتخذ هو لنفسه النصيب الأدنى.
{وأصفاكم} معناه: خصكم وجعل ذلك صفوة لكم، ثم قامت الحجة عليهم في هذا المعنى وبانت بقوله تعالى: {وإذا بشر} الآية. و؛ {مسودًا} خبر: {ظل}. والكظيم: الممتلئ غيظًا الذي قد رد غيظه إلى جوفه، فهو يتجرعه ويروم رده، وهذا محسوس عند الغيظ، ثم زاد توبيخهم وإفساد رأيهم بقوله: {أو من ينشأ}. و: {من} في موضع نصب بفعل يدل عليه: {جعلوا} كأنه قال: أو من ينشأ في الحلية وهو الذي خصصتم به الله ونحو هذا، والمراد به: {من} النساء، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي، و: {ينشأ} معناه: ينبت ويكبر.
وقرأ جمهور القراء: {يَنشأ} بفتح الياء. وقرأ ابن عباس وقتادة: {يُنشىء} بضم الياء على تعدية الفعل بالهمزة. وقرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص: {يُنشأ} بضم الياء وفتح الشين على تعدية الفعل بالتضعيف، وهي قراءة ابن عباس أيضًا والحسن ومجاهد، وفي مصحف ابن مسعود: {أومن لا ينشأ إلا في الحلية}.
و: {الحلية} الحلي من الذهب والفضة والأحجار. و: {الخصام} المحاجة ومجاذبة المحاورة، وقل ما تجد امرأة إلا تفسد الكلام وتخلط المعاني، وفي مصحف ابن مسعود: {وهو في الكلام غير مبين}. و: {مبين} في هذه الآية متعد، والتقدير {غير مبين} غرضًا أو منزعًا ونحو هذا. وقال ابن زيد: المراد بـ:: {من ينشأ في الحلية} الآية: الأصنام والأوثان، لأنهم كانوا يتخذون كثيرًا منها من الذهب والفضة، وكانوا يجعلون الحلي على كثير منها.
ولما فرغ تعنيفهم على ما أتوا في جهة الله تعالى بقولهم: الملائكة بنات الله، بين تعالى فسادًا في مقالتهم بعينها من جهة أخرى من الفساد، وذلك شنيع قولهم في عباد الله مختصين مقربين أنهم إناث.
وقرأ أكثر السبعة وابن عباس وابن مسعود وابن جبير وعلقمة: {عباد الرحمن إناثًا}. وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر والحسن وأبو رجاء وأبو جعفر والأعرج وشيبة وقتادة وعمر بن الخطاب رضي الله عنه: {عند الرحمن إناثًا} وهذه القراءة أدل على رفع المنزلة وقربها في التكرمة كما قيل: ملك مقرب، وقد يتصرف المعنيان في كتاب الله تعالى في وصف الملائكة في غير هذه الآية فقال تعالى: {بل عباد مكرمون} [الأنبياء: 26]، وقال تعالى في أخرى: {فالذين عند ربك} [فصلت: 38]، وفي مصحف ابن مسعود: {وجعلوا الملائكة عبد الرحمن إناثًا}.
وقرأ نافع وحده {أَأُشهدوا} بالهمزتين وبلا مد بينهما، وبفتح الأولى وضم الثانية وتسهيلها بين الهمزة والواو، ورواها المفضل عن عاصم بتحقيق الهمزتين. وقرأ المسيبي عن نافع بمد بين الهمزتين. وقرأ أبو عمرو ونافع أيضًا وعلي بن أبي طالب وابن عباس ومجاهد: {أشهدوا} بتسهيل الثانية بلا مد. وقرأ جماعة من القراء بالتسهيل في الثانية ومدة بينهما. وقرأ آخرون: {أشهدوا} بهمزة واحدة بغير استفهام، وهي قراءة الزهري، وهي صفة الإناث، أي مشهدًا خلقهم.