فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ثم وصف سبحانه نفسه بما يدلّ على عظيم نعمته على عباده وكمال قدرته في مخلوقاته فقال: {الذى جَعَلَ لَكُمُ الأرض مهادا} وهذا كلام مبتدأ غير متصل بما قبله، ولو كان متصلًا بما قبله من جملة مقول الكفار لقالوا: الذي جعل لنا الأرض مهادًا، والمهاد: الفراش والبساط، وقد تقدّم بيانه، قرأ الجمهور: {مهادًا} وقرأ الكوفيون (مهدًا) {وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا} أي طرقًا تسلكونها إلى حيث تريدون، وقيل: معايش تعيشون بها {لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} بسلوكها إلى مقاصدكم ومنافعكم.
{والذى نَزَّلَ مِنَ السماء مَاء بِقَدَرٍ} أي: بقدر الحاجة وحسبما تقتضيه المصلحة ولم ينزل عليكم منه فوق حاجتكم حتى يهلك زرائعكم ويهدم منازلكم ويهلككم بالغرق، ولا دونها حتى تحتاجوا إلى الزيادة، وعلى حسب ما تقتضيه مشيئته في أرزاق عباده بالتوسيع تارة والتقتير أخرى {فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا} أي: أحيينا بذلك الماء بلدة مقفرة من النبات.
قرأ الجمهور: {ميتًا} بالتخفيف.
وقرأ عيسى وأبو جعفر بالتشديد {كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ} من قبوركم، أي: مثل ذلك الإحياء للأرض بإخراج نباتها بعد أن كانت لا نبات بها تبعثون من قبوركم أحياء، فإن من قدر على هذا قدر على ذلك، وقد مضى بيان هذا في آل عمران والأعراف.
قرأ الجمهور: {تخرجون} مبنيًا للمفعول، وقرأ الأعمش، ويحيى بن وثاب، وحمزة، والكسائي، وابن ذكوان عن ابن عامر مبنيًا للفاعل.
{والذى خَلَقَ الأزواج كُلَّهَا} المراد بالأزواج هنا: الأصناف، قال سعيد بن جبير: الأصناف كلها.
وقال الحسن: الشتاء والصيف، والليل والنهار، والسموات والأرض، والجنة والنار.
وقيل: أزواج الحيوان من ذكر وأنثى، وقيل: أزواج النبات، كقوله: {وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [ق: 7] و: {مِن كُلّ زَوْجٍ كَرِيمٍ} [الشعراء: 7] وقيل: ما يتقلب فيه الإنسان من خير وشرّ، وإيمان وكفر، والأوّل أولى {وَجَعَلَ لَكُمْ مّنَ الفلك والأنعام مَا تَرْكَبُونَ} في البحر والبرّ، أي: ما تركبونه {لِتَسْتَوُواْ على ظُهُورِهِ} الضمير راجع إلى ما قاله أبو عبيد.
وقال الفراء: أضاف الظهور إلى واحد، لأن المراد به: الجنس، فصار الواحد في معنى الجمع بمنزلة الجنس فلذلك ذكر، وجمع الظهر لأن المراد ظهور هذا الجنس، والاستواء: الاستعلاء، أي: لتستعلوا على ظهور ما تركبون من الفلك والأنعام {ثُمَّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبّكُمْ إِذَا استويتم عَلَيْهِ} أي: هذه النعمة التي أنعم بها عليكم من تسخير ذلك المركب في البحر والبرّ.
وقال مقاتل والكلبي: هو أن يقول: الحمد لله الذي رزقني هذا وحملني عليه {وَتَقولواْ سبحان الذي سَخَّرَ لَنَا هذا} أي: ذلل لنا هذا المركب، وقرأ عليّ بن أبي طالب: (سبحان من سخر لنا هذا) قال قتادة: قد علمكم كيف تقولون إذا ركبتم، ومعنى {وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ}: ما كنا له مطيقين، يقال: أقرن هذا البعير: إذا أطاقه.
وقال الأخفش وأبو عبيدة: مقرنين: ضابطين، وقيل: مماثلين له في القوّة، من قولهم: هو قرن فلان إذا كان مثله في القوّة، وأنشد قطرب قول عمرو بن معديكرب:
لقد علم القبائل ما عقيل ** لنا في النائبات بمقرنينا

وقال آخر:
ركبتم صعبتي أشرًا وحيفا ** ولستم للصعاب بمقرنينا

والمراد بالأنعام هنا: الإبل خاصة، وقيل الإبل والبقر، والأوّل أولى {وَإِنَّا إلى رَبّنَا لَمُنقَلِبُونَ} أي: راجعون إليه، وهذا تمام ما يقال عند ركوب الدابة أو السفينة.
ثم رجع سبحانه إلى ذكر الكفار الذين تقدّم ذكرهم، فقال: {وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءا} قال قتادة: أي: عدلًا، يعني: ما عبد من دون الله.
وقال الزجاج والمبرد: الجزء هنا: البنات، والجزء عند أهل العربية: البنات، يقال: قد أجزأت المرأة: إذا ولدت البنات، ومنه قول الشاعر:
إن أجزأت حرّة يومًا فلا عجب ** قد تجزىء الحرّة المذكار أحيانًا

وقد جعل صاحب الكشاف تفسير الجزء بالبنات من بدع التفسير، وصرح بأنه مكذوب على العرب.
ويجاب عنه بأنه قد رواه الزجاج والمبرد، وهما إماما اللغة العربية وحافظاها ومن إليهما المنتهى في معرفتها، ويؤيد تفسير الجزء بالبنات ما سيأتي من قوله: {أَمِ اتخذ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ} وقوله: {وَإِذَا بُشّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ للرحمن} وقوله: {وَجَعَلُواْ الملئكة الذين هُمْ عِبَادُ الرحمن إناثا} وقيل: المراد بالجزاء هنا: الملائكة؛ فإنهم جعلوهم أولادًا لله سبحانه قاله مجاهد والحسن.
قال الأزهري: ومعنى الآية: أنهم جعلوا لله من عباده نصيبًا، على معنى: أنهم جعلوا نصيب الله من الولدان {إِنَّ الإنسان لَكَفُورٌ مُّبِينٌ} أي: ظاهر الكفران مبالغ فيه، قيل: المراد بالإنسان هنا: الكافر، فإنه الذي يجحد نعم الله عليه جحودًا بينًا.
ثم أنكر عليهم هذا فقال: {أَمِ اتخذ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ} وهذا استفهام تقريع وتوبيخ.
وأم هي: المنقطعة، والمعنى: أتخذ ربكم لنفسه البنات {وأصفاكم بالبنين} فجعل لنفسه المفضول من الصنفين ولكم الفاضل منهما، يقال: أصفيته بكذا، أي: آثرته به، وأصفيته الودّ: أخلصته له، ومثل هذه الآية قوله: {أَلَكُمُ الذكر وَلَهُ الأنثى تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضيزى} [النجم: 21، 22] وقوله: {أفأصفاكم رَبُّكُم بالبنين} [الإسراء: 40] وجملة: {وأصفاكم} معطوفة على {اتخذ} داخلة معها تحت الإنكار.
ثم زاد في تقريعهم وتوبيخهم فقال: {وَإِذَا بُشّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ للرحمن مَثَلًا} أي بما جعله للرحمن سبحانه من كونه جعل لنفسه البنات، والمعنى: أنه إذا بشر أحدهم بأنها ولدت له بنت اغتمّ لذلك وظهر عليه أثره، وهو معنى قوله: {ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّا} أي: صار وجهه مسودًّا بسبب حدوث الأنثى له حيث لم يكن الحادث له ذكرًا مكانها {وَهُوَ كَظِيمٌ} أي: شديد الحزن كثير الكرب مملوء منه.
قال قتادة: حزين.
وقال عكرمة: مكروب، وقيل: ساكت، وجملة {وَهُوَ كَظِيمٌ} في محل نصب على الحال.
ثم زاد في توبيخهم وتقريعهم فقال: {أَوْ من يُنَشَّأُ في الحلية وَهُوَ في الخصام غَيْرُ مُبِينٍ} معنى ينشأ: يربى، والنشوء: التربية، والحلية: الزينة، و{من} في محل نصب بتقدير مقدّر معطوف على {جعلوا}؛ والمعنى: أو جعلوا له سبحانه من شأنه أن يربى في الزينة وهو عاجز عن أن يقوم بأمور نفسه، وإذا خوصم لا يقدر على إقامة حجته ودفع ما يجادله به خصمه لنقصان عقله وضعف رأيه؟ قال المبرد: تقدير الآية: أو يجعلون له من ينشأ في الحلية، أي: ينبت في الزينة؟ قرأ الجمهور: {ينشأ} بفتح الياء وإسكان النون، وقرأ ابن عباس والضحاك، وابن وثاب، وحفص، وحمزة، والكسائي، وخلف بضم الياء وفتح النون وتشديد الشين.
واختار القراءة الأولى أبو حاتم، واختار الثانية أبو عبيد.
قال الهروي: الفعل على القراءة الأولى لازم، وعلى الثانية متعدّ.
والمعنى: يربى ويكبر في الحلية.
قال قتادة: قلما تتكلم امرأة بحجتها إلاّ تكلمت بالحجة عليها.
وقال ابن زيد والضحاك: الذي ينشأ في الحلية أصنامهم التي صاغوها من ذهب وفضة.
{وَجَعَلُواْ الملئكة الذين هُمْ عِندَ الرحمن إناثا} الجعل هنا بمعنى القول والحكم على الشيء كما تقول: جعلت زيدًا أفضل الناس، أي: قلت بذلك، وحكمت له به.
قرأ الكوفيون: {عباد} بالجمع، وبها قرأ ابن عباس.
وقرأ الباقون: {عند الرحمن} بنون ساكنة، واختار القراءة الأولى أبو عبيد، لأن الإسناد فيها أعلى، ولأن الله إنما كذبهم في قوله: إنهم بنات الله، فأخبرهم أنهم عباده، ويؤيد هذه القراءة قوله: {بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ} [الأنببياء: 26]، واختار أبو حاتم القراءة الثانية، قال: وتصديق هذه القراءة قوله: {إِنَّ الذين عِندَ رَبّكَ} [الأعراف: 206]، ثم وبخهم، وقرعهم، فقال: {أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ} أي: أحضروا خلق الله إياهم، فهو من الشهادة التي هي: الحضور، وفي هذا تهكم بهم، وتجهيل لهم.
قرأ الجمهور: {أشهدوا} على الاستفهام بدون واو.
وقرأ نافع: (أو اشهدوا).
وقرأ الجمهور: {سَتُكْتَبُ شهادتهم} بضم التاء الفوقية، وبناء الفعل للمفعول، ورفع شهادتهم، وقرأ السلمي، وابن السميفع، وهبيرة عن حفص بالنون، وبناء الفعل للفاعل، ونصب شهادتهم، وقرأ أبو رجاء: (شهاداتهم) بالجمع، والمعنى: سنكتب هذه الشهادة التي شهدوا بها في ديوان أعمالهم، لنجازيهم على ذلك {وَيُسْئَلُونَ} عنها يوم القيامة.
{وَقالواْ لَوْ شَاء الرحمن مَا عبدناهم} هذا فنّ آخر من فنون كفرهم بالله جاءوا به للاستهزاء، والسخرية، ومعناه: لو شاء الرحمن في زعمكم ما عبدنا هذه الملائكة، وهذا كلام حقّ يراد به باطل، وقد مضى بيانه في الأنعام، فبيّن سبحانه جهلهم بقوله: {مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ} أي: ما لهم بما قالوه من أن الله لو شاء عدم عبادتهم للملائكة ما عبدوهم من علم، بل تكلموا بذلك جهلًا، وأرادوا بما صورته صورة الحقّ باطلًا، وزعموا أنه إذا شاء، فقد رضي.
ثم بيّن انتفاء علمهم بقوله: {إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ} أي: ما هم إلاّ يكذبون، فيما قالوا، ويتمحلون تمحلًا باطلًا.
وقيل: الإشارة بقوله: {ذلك} إلى قوله: {وَجَعَلُواْ الملئكة الذين هُمْ عِبَادُ الرحمن إناثا}.
قاله قتادة، ومقاتل، والكلبي، وقال مجاهد، وابن جريج أي: ما لهم بعبادة الأوثان من علم.
وقد أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: إن أوّل ما خلق الله من شيء القلم، وأمره أن يكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة، والكتاب عنده، ثم قرأ {وَإِنَّهُ في أُمّ الكتاب لَدَيْنَا لَعَلِىٌّ حَكِيمٌ}.
وأخرج ابن مردويه نحوه عن أنس مرفوعًا.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذكر صَفْحًا} قال: أحببتم أن يصفح عنكم، ولم تفعلوا ما أمرتم به.
وأخرج مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، والحاكم، وابن مردويه عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر ركب راحلته، ثم كبر ثلاثًا، ثم قال: {سبحان الذي سَخَّرَ لَنَا هذا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إلى رَبّنَا لَمُنقَلِبُونَ}.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} قال: مطيقين.
وأخرج عبد بن حميد عنه {أَوْ مِن يُنَشَّأُ في الحلية} قال: هو النساء فرق بين زيهنّ، وزيّ الرجال، ونقصهنّ من الميراث، وبالشهادة، وأمرهنّ بالقعدة، وسماهنّ الخوالف.
وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه عن سعيد بن جبير قال: كنت أقرأ هذا الحرف {الذين هُمْ عِبَادُ الرحمن إناثا}، فسألت ابن عباس فقال: عباد الرحمن؟ قلت: فإنها في مصحفي (عند الرحمن) قال: فامحها، واكتبها {عِبَادُ الرحمن}. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قرآنا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3)}.
أخرج ابن مردويه، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نزلت بمكة سورة {حم} الزخرف.
أما قوله تعالى: {إنا جعلناه قرآنا عربيًا}.
أخرج ابن مردويه، عن طاوس رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى ابن عباس من حضرموت، فقال له: يا ابن عباس، أخبرني عن القرآن أكلام من كلام الله أم خلق من خلق الله؟ قال: بل كلام من كلام الله. أو ما سمعت الله يقول: {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله} [التوبة: 6] فقال له الرجل: أفرأيت قوله؟: {إنا جعلناه قرآنا عربيًا} قال: كتبه الله في اللوح المحفوظ بالعربية. أما سمعت الله يقول؟: {بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ} [البروج: 22]: المجيد هو العزيز، أي كتبه الله في اللوح المحفوظ.
وأخرج ابن أبي شيبة، عن مقاتل بن حيان رضي الله عنه، قال: كلام أهل السماء العربية. ثم قرأ {حموالكتاب المبين} {إنا جعلناه قرآنا عربيًا} الآيتين.
{وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4)}.
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن أول ما خلق الله من شيء القلم، فأمره أن يكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة، والكتاب عنده، ثم قرأ {وإنه في أم الكتاب لدينا لعليّ حكيم}.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير، عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {وإنه في أم الكتاب} قال: في أصل الكتاب وجملته.
وأخرج ابن المنذر، عن الحسن رضي الله عنه {وإنه في أم الكتاب} قال: القرآن عند الله {في أم الكتاب}.
وأخرج ابن المنذر، عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله: {وإنه في أم الكتاب لدينا} قال: الذكر الحكيم، فيه كل شيء كان، وكل شيء يكون، وما نزل من كتاب، فمنه.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وأبو الشيخ في العظمة، عن ابن سابط رضي الله عنه في قوله: {وإنه في أم الكتاب} ما هو كائن إلى يوم القيامة، وكل ثلاثة من الملائكة يحفظون، فوكل جبريل عليه السلام بالوحي، ينزل به إلى الرسل عليهم الصلاة والسلام، وبالهلاك إذا أراد أن يهلك قومًا كان صاحب ذلك، ووكل أيضًا بالنصر في الحروب إذا أراد الله أن ينصر، ووكل ميكائيل عليه السلام بالقطر أن يحفظه، ووكل ملك الموت عليه السلام بقبض الأنفس، فإذا ذهبت الدنيا جمع بين حفظهم وحفظ أهل الكتاب فوجده سواء.
{أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ (5)}.
أخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {أفنضرب عنكم الذكر صفحًا} قال: أحسبتم أن نصفح عنكم ولم تفعلوا ما أمرتم به؟
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر، عن مجاهد رضي الله عنه {أفنضرب عنكم الذكر صفحًا} قال: تكذبون بالقرآن ثم لا تعاقبون عليه.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير، عن أبي صالح رضي الله عنه {أفنضرب عنكم الذكر صفحًا} قال: والله لو أن هذا القرآن رفع حيث رده أوائل هذه الأمة لهلكوا، ولكن الله تعالى عاد عليهم بعائدته ورحمته، فكرره عليهم ودعاهم إليه.
وأخرج محمد بن نصر في كتاب الصلاة، عن الحسن رضي الله عنه قال: لم يبعث الله رسولًا إلا أن أنزل عليه كتابًا، فإن قبله قومه، وإلا رُفِعَ، فذلك قوله: {أفنضرب عنكم الذكر صفحًا إن كنتم قومًا مسرفين} لا تقبلونه، فيلقنه قلب نبيه. قالوا: قبلناه ربنا قبلناه ربنا ولو لم يفعلوا، لَرُفِعَ ولم يترك منه شيء على ظهر الأرض.