فصل: (سورة الزخرف: آية 40):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقرئ: {يعشو}، على أنّ من موصولة غير مضمنة معنى الشرط. وحق هذا القارئ أن يرفع نقيض. ومعنى القراءة بالفتح: ومن يعم {عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ وهو القرآن}، كقوله تعالى: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ} وأما القراءة بالضم فمعناها: ومن يتعام عن ذكره، أى: يعرف أنه الحق وهو يتجاهل ويتغابى، كقوله تعالى: {وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ}، {نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطانًا} نخذله ونخل بينه وبين الشياطين، كقوله تعالى: {وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ}، {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ} وقرئ: {يقيض}، أى: يقيض له الرحمن ويقيض له الشيطان. فإن قلت: لم جمع ضمير من وضمير الشيطان في قوله: {وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ} قلت: لأنّ {مَنْ} مبهم في جنس العاشى، وقد قيض له شيطان مبهم في جنسه، فلما جاز أن يتناولا لإبهامهما غير واحدين: جاز أن يرجع الضمير إليهما مجموعا {حَتَّى إِذا جاءَنا} العاشى. وقرئ: {جاءانا}، على أنّ الفعل له ولشيطانه. قال لشيطانه {يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ} يريد المشرق والمغرب، فغلب. كما قيل: العمران والقمران. فإن قلت: فما {بعد المشرقين} قلت: تباعدهما، والأصل: بعد المشرق من المغرب، والمغرب من المشرق. فلما غلب وجمع المفترقين بالتثنية: أضاف البعد إليهما {أَنَّكُمْ} في محل الرفع على الفاعلية، يعنى: ولن ينفعكم كونكم مشتركين في العذاب كما ينفع الواقعين في الأمر الصعب اشتراكهم فيه، لتعاونهم في تحمل أعبائه وتقسمهم لشدّته وعنائه، وذلك أنّ كل واحد منكم به من العذاب ما لا تبلغه طاقته، ولك أن تجعل الفعل للتمني في قوله: {يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ} على معنى: ولن ينفعكم اليوم ما أنتم فيه من تمنى مباعدة القرين.
وقوله: {أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ} تعليل، أى: لن ينفعكم تمنيكم، لأنّ حقكم أن تشتركوا أنتم وقرناؤكم في العذاب كما كنتم مشتركين في سببه وهو الكفر. وتقوّيه قراءة من قرأ: {إنكم} بالكسر. وقيل: إذا رأى الممنوّ بشدّة من منى بمثلها: روّحه ذلك ونفس بعض كربه، وهو التأسى الذي ذكرته الخنساء:
أعزى النّفس عنه بالتّأسى

فهؤلاء لا يؤسيهم اشتراكهم ولا يروّحهم، لعظم ما هم فيه. فإن قلت: ما معنى قوله تعالى: {إِذْ ظَلَمْتُمْ}؟ قلت: معناه: إذ صح ظلمكم وتبين ولم يبق لكم ولا لأحد شبهة في أنكم كنتم ظالمين، وذلك يوم القيامة. وإذ: بدل من اليوم. ونظيره:
إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمة

أى: تبين أنى ولد كريمة.

.[سورة الزخرف: آية 40]:

{أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (40)}.
كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يجد ويجتهد ويكدّ روحه في دعاء قومه، وهم لا يزيدون على دعائه إلا تصميما على الكفر وتماديا في الغىّ، فأنكر عليه بقوله: {أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ} إنكار تعجيب من أن يكون هو الذي يقدر على هدايتهم، وأراد أنه لا يقدر على ذلك منهم إلا هو وحده على سبيل الإلجاء والقسر، كقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ}.

.[سورة الزخرف: الآيات 41- 43]:

{فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (41) أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (42) فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (43)}.
(ما) في قوله: {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ} بمنزلة لام القسم: في أنها إذا دخلت دخلت معها النون المؤكدة، والمعنى: فإن قبضناك قبل أن ننصرك عليهم ونشفى صدور المؤمنين منهم {فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ} أشد الانتقام في الآخرة، كقوله تعالى: {أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ} وإن أردنا أن ننجز في حياتك ما وعدناهم من العذاب النازل بهم وهو يوم بدر، فهم تحت ملكتنا وقدرتنا لا يفوتوننا: وصفهم بشدة الشكيمة في الكفر والضلال ثم أتبعه شدة الوعيد بعذاب الدنيا والآخرة.
وقرئ: {نرينك}، بالنون الخفيفة. وقرئ: {بالذي أوحى إليك}، على البناء للفاعل، وهو اللّه عز وجل والمعنى: وسواء عجلنا لك الظفر والغلبة أو أخرنا إلى اليوم الآخر. فكن مستمسكا بما أوحينا إليك وبالعمل به فإنه الصراط المستقيم الذي لا يحيد عنه إلا ضال شقى، وزد كل يوم صلابة في المحاماة على دين اللّه، ولا يخرجك الضجر بأمرهم إلى شيء من اللين والرخاوة في أمرك، ولكن كما يفعل الثابت الذي لا ينشطه تعجيل ظفر، ولا يثبطه تأخيره.

.[سورة الزخرف: الآيات 44- 45]:

{وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ (44) وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (45)}.
{وَإِنَّهُ} وإنّ الذي أوحى إليك {لَذِكْرٌ} لشرف {لَكَ وَلِقَوْمِكَ}، {وَسوف تُسْئَلُونَ} عنه يوم القيامة، وعن قيامكم بحقه، وعن تعظيمكم له، وشكركم على أن رزقتموه وخصصتم به من بين العالمين، ليس المراد بسؤال الرسل حقيقة السؤال لإحالته، ولكنه مجاز عن النظر في أديانهم والفحص عن مللهم، هل جاءت عبادة الأوثان قط في ملة من ملل الأنبياء؟ وكفاه نظرا وفحصا: نظره في كتاب اللّه المعجز المصدّق لما بين يديه، وإخبار اللّه فيه بأنهم يعبدون من دون اللّه ما لم ينزل به سلطانا. وهذه الآية في نفسها كافية لا حاجة إلى غيرها، والسؤال الواقع مجازا عن النظر، حيث لا يصح السؤال على الحقيقة: كثير منه مساءلة الشعراء الديار والرسوم والأطلال. وقول من قال: سل الأرض من شق أنهارك وغرس أشجارك وجنى ثمارك؟ فإنها إن لم تجبك حوارا أجابتك اعتبارا. وقيل له: إن النبي صلى الله عليه وسلم جمع له الأنبياء ليلة الإسراء في بيت المقدس فأمّهم. وقيل له: سلهم، فلم يشكك ولم يسأل. وقيل: معناه سل أمم من أرسلنا وهم أهل الكتابين: التوراة والإنجيل.
وعن الفراء: هم إنما يخبرونه عن كتب الرسل، فإذا سألهم فكأنه سأل الأنبياء.

.[سورة الزخرف: الآيات 46- 47]:

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَقال إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ (46) فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ (47)}.
ما أجابوه به عند قوله: {إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ} محذوف، دل عليه قوله: {فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا} وهو مطالبتهم إياه بإحضار البينة على دعواه وإبراز الآية {إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ} أى يسخرون منها ويهزءون بها ويسمونها سحرا، وإذا للمفاجأة. فإن قلت: كيف جاز أن يجاب لما بإذا المفاجأة؟ قلت: لأنّ فعل المفاجأة معها مقدّر. وهو عامل النصب في محلها، كأنه قيل: فلما جاءهم بآياتنا فاجئوا وقت ضحكهم.

.[سورة الزخرف: آية 48]:

{وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها وَأَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (48)}.
فإن قلت: إذا جاءتهم آية واحدة من جملة التسع فما أختها التي فضلت عليها في الكبر من بقية الآيات؟ قلت: أختها التي هي آية مثلها. وهذه صفة كل واحدة منها فكان المعنى على أنها أكبر من بقية الآيات على سبيل التفصيل والاستقراء واحدة بعد واحدة، كما تقول: هو أفضل رجل رأيته، تريد: تفضيله على أمة الرجال الذين رأيتهم إذا قروتهم رجلا رجلا، فإن قلت: هو كلام متناقض، لأنّ معناه: ما من آية من التسع إلا هي أكبر من كل واحدة منها، فتكون واحدة منها فاضلة ومفضولة في حالة واحدة. قلت: الغرض بهذا الكلام أنهنّ موصوفات بالكبر، لا يكدن يتفاوتن فيه، وكذلك العادة في الأشياء التي تتلاقى في الفضل وتتفاوت منازلها فيه التفاوت اليسير أن تختلف آراء الناس في تفضيلها، فيفضل بعضهم هذا وبعضهم ذاك، فعلى ذلك بنى الناس كلامهم فقالوا: رأيت رجالا بعضهم أفضل من بعض، وربما اختلفت آراء الرجل الواحد فيها، فتارة يفضل هذا وتارة يفضل ذاك. ومنه بيت الحماسة:
من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم ** مثل النجوم الّتى يسرى بها السّارى

وقد فاضلت الأنمارية بين الكملة من بنيها، ثم قالت: لما أبصرت مراتبهم متدانية قليلة التفاوت. ثكلتهم إن كنت أعلم أيهم أفضل، هم كالحلقة المفرّغة لا يدرى أين طرفاها {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} إرادة أن يرجعوا عن الكفر إلى الإيمان. فإن قلت لو أراد رجوعهم لكان. قلت: إرادته فعل غيره ليس إلا أن يأمره به ويطلب منه إيجاده، فإن كان ذلك على سبيل القسر وجد، وإلا دار بين أن يوجد وبين أن لا يوجد على حسب اختيار المكلف، وإنما لم يكن الرجوع لأنّ الإرادة لم تكن قسرا ولم يختاروه. والمراد بالعذاب: السنون، والطوفان، والجراد، وغير ذلك.

.[سورة الزخرف: الآيات 49- 50]:

{وَقالوا يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ (49) فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ (50)}.
وقرئ: {يا أيه الساحر}، بضم الهاء، وقد سبق وجهه. فإن قلت: كيف سموه بالساحر مع قولهم {إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ} قلت: قولهم {إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ}: وعد منوي إخلافه، وعهد معزوم على نكثه، معلق بشرط أن يدعو لهم وينكشف عنهم العذاب. ألا ترى إلى قوله تعالى: {فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ} فما كانت تسميتهم إياه بالساحر بمنافية لقولهم: {إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ} وقيل: كانوا يقولون للعالم الماهر ساحر لاستعظامهم على السحر: {بِما عَهِدَ عِنْدَكَ} بعهده عندك: من أن دعوتك مستجابة. أو بعهده عندك وهو النبوّة. أو بما عهد عندك فوفيت به وهو الإيمان والطاعة. أو بما عهد عندك من كشف العذاب عمن اهتدى.

.[سورة الزخرف: الآيات 51- 53]:

{وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قال يا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ (52) فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (53)}.
{وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ} جعلهم محلا لندائه وموقعا له. والمعنى: أنه أمر بالنداء في مجامعهم وأما كنهم من نادى فيها بذلك، فأسند النداء إليه، كقولك: قطع الأمير اللص، إذا أمر بقطعه. ويجوز أن يكون عنده عظماء القبط، فيرفع صوته بذلك فيما بينهم، ثم ينشر عنه في جموع القبط، فكأنه نودي به بينهم فقال: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ} يعنى أنهار النيل ومعظمهما أربعة: نهر الملك، ونهر طولون، ونهر دمياط، ونهر تنيس: قيل: كانت تجرى تحت قصره. وقيل: تحت سريره لارتفاعه. وقيل: بين يدي في جناني وبساتينى. ويجوز أن تكون الواو عاطفة للأنهار على ملك مصر. و{تجري}: نصب على الحال منها، وأن تكون الواو للحال، واسم الإشارة مبتدأ، و{الأنهار} صفة لاسم الإشارة، و{تجري} خبر للمبتدإ وليت شعري كيف ارتقت إلى دعوة الربوبية همة من تعظم بملك مصر، وعجب الناس من مدى عظمته، وأمر فنودي بها في أسواق مصر وأزقتها، لئلا تخفى تلك الأبهة والجلالة على صغير ولا كبير وحتى يتربع في صدور الدهماء مقدار عزته وملكوته. وعن الرشيد: أنه لما قرأها قال: لأولينها أخس عبيدي، فولاها الخصيب، وكان على وضوئه. وعن عبد اللّه بن طاهر أنه وليها، فخرج إليها فلما شارفها ووقع عليها بصره قال: أهى القرية التي افتخر بها فرعون حتى قال: أليس لي ملك مصر، واللّه لهى أقل عندي من أن أدخلها، فثنى عنانه {أَمْ أَنَا خَيْرٌ} {أم} هذه متصلة، لأنّ المعنى: أفلا تبصرون أم تبصرون، إلا أنه وضع قوله: {أَنَا خَيْرٌ} موضع: {تبصرون}، لأنهم إذا قالوا له: أنت خير، فهم عنده بصراء، وهذا من إنزال السبب منزلة المسبب. ويجوز أن تكون منقطعة على: بل أأنا خير، والهمزة للتقرير، وذلك أنه قسم تعديد أسباب الفضل والتقدّم عليهم من ملك مصر وجرى الأنهار تحته، ونادى بذلك وملأ به مسامعهم، ثم قال: أنا خير كأنه يقول: أثبت عندكم واستقر أنى أنا خير وهذه حالى {مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ} أى ضعيف حقير. وقرئ: {أما أنا خير وَلا يَكادُ يُبِينُ} الكلام لما به من الرتة، يريد: أنه ليس معه من العدد وآلات الملك والسياسة ما يعتضد به، وهو في نفسه مخل بما ينعت به الرجال من اللسن والفصاحة، وكانت الأنبياء كلهم أبيناء بلغاء. وأراد بإلقاء الأسورة عليه:
إلقاء مقاليد الملك إليه، لأنهم كانوا إذا أرادوا تسويد الرجل سوّروه بسوار وطوّقوه بطوق من ذهب {مُقْتَرِنِينَ} إما مقترنين به من قولك: قرنته فاقترن به، وإما من: اقترنوا، بمعنى تقارنوا، لما وصف نفسه بالملك والعزة ووازن بينه وبين موسى صلوات اللّه عليه، فوصفه بالضعف وقلة الأعضاد اعترض فقال: هلا إن كان صادقا ملكه ربه وسوّده وسوّره، وجعل الملائكة أعضاده وأنصاره. وقرئ: {أساور} جمع أسورة، و{أساوير} جمع أسوار وهو السوار، و{أساورة} على تعويض التاء من ياء أساوير. وقرئ: {ألقى عليه أسورة} و{أساور}، على البناء للفاعل، وهو اللّه عز وجل.

.[سورة الزخرف: آية 54]:

{فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمًا فاسِقِينَ (54)}.
{فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ} فاستفزهم. وحقيقته: حملهم على أن يخفوا له ولما أراد منهم، وكذلك:
استفز، من قولهم للخفيف: فز.

.[سورة الزخرف: الآيات 55- 56]:

{فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ (55) فَجَعَلْناهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ (56)}.
{آسَفُونا} منقول من أسف أسفا إذا اشتد غضبه. ومنه الحديث في موت الفجأة: «رحمة للمؤمن وأخذة أسف للكافر». ومعناه: أنهم أفرطوا في المعاصي وعدوا طورهم، فاستوجبوا أن نعجل لهم عذابنا وانتقامنا، وأن لا نحلم عنهم. وقرئ: {سلفا} جمع سالف، كخادم وخدم.
و{سلفا}- بضمتين- جمع سليف، أى: فريق قد سلف. و{سلفا}: جمع سلفة، أى: ثلة قد سلفت.
ومعناه: فجعلناهم قدوة للآخرين من الكفار، يقتدون بهم في استحقاق مثل عقابهم ونزوله بهم، لإتيانهم بمثل أفعالهم، وحديثا عجيب الشأن سائرا مسير المثل، يحدثون به ويقال لهم: مثلكم مثل قوم فرعون. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {حم} قد تقدم بيانه المؤمن.
{والكتاب المُبينِ} قسمٌ بالقرآن.
{إِنّا جَعَلْناه} قال سعيد بن جبير: أنزَلْناه.
وما بعد هذا تقدم بيانه [النساء: 82] [يوسف: 2] إلى قوله: {وإِنَّه} يعني القرآن {في أُمِّ الكتاب} قال الزجاج: أي: في أصل الكتاب، وأصل كلِّ شيء: أُمُّه، والقرآن مُثْبَتٌ عند الله عز وجل في اللوح المحفوظ.
قوله تعالى: {لَدَيْنا} أي: عندنا {لَعَلِيٌّ} أي: رفيع.
وفي معنى الحكيم قولان:
أحدهما: مُحْكَم، أي: ممنوعٌ من الباطل، قاله مقاتل.
والثاني: حاكمٌ لأهل الإِيمان بالجنة ولأهل الكفر بالنار، ذكره أبو سليمان الدمشقي، والمعنى: إن كذَّبتم به يا أهل مكة فإنه عندنا شريفٌ عظيمُ المَحَلِّ.
قوله تعالى: {أَفَنَضْرِبُ عنكم الذِّكر صَفْحًا} قال ابن قتيبة: أي: نُمْسِكُ عنكم فلا نذكُركم صفحًا، أي: إِعراضًا.