فصل: قال ابن جزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قوله تعالى: {وجعلوا له من عباده جزءًا} يعني ولدًا وهو قولهم الملائكة بنات الله لأن الولد جزء من الأب ومعنى جعلوا هنا حكموا وأثبتوا {إن الإنسان لكفور مبين} أي لجحود نعم الله تعالى عليه {أم اتخذ مما يخلق بنات} هذا استفهام إنكار وتوبيخ يقول اتخذ ربكم لنفسه البنات {وأصفاكم} أي أخلصكم {بالبنين وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلًا} أي بالجنس الذي جعله للرحمن شبهًا لأن الولد لا يكون إلا من جنس الوالد والمعنى أنهم نسبوا إليه البنات ومن حالهم أن أحدهم إذا قيل له وقد ولد لك بنت اغتم وتربد وجهه غيظًا وأسفًا وهو قوله تعالى: {ظل وجهه} أي صار وجهه {مسودًا وهو كظيم} أي من الحزن والغيظ قيل إن بعض العرب ولد له أنثى فهجر بيت امرأته التي ولدت فيه الأنثى فقالت المرأة:
{وجعلوا} أي وحكموا وأثبتوا {الملائكة الذين هم عباد} وقرئ عند {الرحمن إناثًا أشهدوا خلقهم} أي حضروا خلقهم حين خلقوا وهذا استفهام إنكار أي لم يشهدوا ذلك {ستكتب شهادتهم} أي على الملائكة أنهم بنات الله {ويسألون} أي عنها، قيل لما قالوا هذا القول سألهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: وما يدريكم أنهم بنات الله، قالوا: سمعنا من آبائنا ونحن نشهد أنهم لم يكذبوا، فقال الله تعالى: {ستكتب شهادتهم} ويسألون عنها في الآخرة {وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم} يعني الملائكة وقيل الأصنام وإنما لم يعجل عقوبتنا على عبادتنا إياها لرضاه منا بذلك قال الله تعالى ردًا عليهم.
{ما لهم بذلك من علم} أي فيما يقولون {إن هم إلا يخرصون} يعني ما هم إلا كاذبون في قولهم إن الله رضي منا بعبادتها، وقيل يكذبون في قولهم إن الملائكة إناث وإنهم بنات الله {أم آتيناهم كتابًا من قبله} أي من قبل القرآن بأن يعبدوا غير الله {فهم به مستمسكون} أي يأخذون بما فيه {بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة} أي على دين وملة {وإنا على آثارهم مهتدون} يعني أنهم جعلوا أنفسهم مهتدين باتباع آبائهم وتقليدهم من غير حجة ثم أخبر أن غيرهم قد قال هذه المقالة بقوله تعالى: {وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها} أغنياؤها ورؤساؤها {إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون} أي بهم.
{قال أولو جئتكم بأهدى} أي بدين هو أصوب {مما وجدتم عليه آباءكم} فأبوا أن يقبلوا {قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون فانتقمنا منهم فانظر كيف كان عاقبة المكذبين} قوله تعالى: {وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء} أي بريء {مما تعبدون إلا الذي فطرني} معناه أنا أتبرأ مما تعبدون إلا من الله الذي خلقني {فإنه سيهدين} أي يرشدني إلى دينه {وجعلها} أي وجعل إبراهيم كلمة التوحيد التي تكلم بها وهي لا إله إلا الله {كلمة باقية في عقبه} أي في ذريته فلا يزال فيهم من يوحد الله تعالى ويدعو إلى توحيده {لعلهم يرجعون} أي لعل من أشرك منهم يرجع بدعاء من وحد منهم وقيل لعل أهل مكة يتبعون هذا الدين ويرجعون عما هم عليه من الشرك إلى دين إبراهيم {بل متعت هؤلاء} يعني كفار مكة {وآباءهم} في الدنيا بالمد في العمر والنعمة ولم أعاجلهم بالعقوبة على كفرهم {حتى جاءهم الحق} يعني القرآن وقيل الإسلام {ورسول} هو محمد صلى الله عليه وسلم: {مبين} أي يبين لهم الأحكام وقيل بين الرسالة وأوضحها بما معه من الآيات والمعجزات وكان من حق هذا الإنعام أن يطيعوه فلم يفعلوا بل كذبوا وعصوا وسموه ساحرًا وهو قوله تعالى: {ولما جاءهم الحق} يعني القرآن {قالوا هذا سحر وإنا به كافرون} قوله: {وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم} معناه أنهم قالوا منصب النبوة منصب عظيم شريف لا يليق إلا برجل شريف عظيم كثير المال والجاه من إحدى القريتين وهما مكة والطائف واختلفوا في هذا الرجل العظيم قيل الوليد بن المغيرة بمكة وعروة بن مسعود الثقفي بالطائف وقيل عتبة بن ربيعة من مكة وكنانة بن عبد ياليل الثقفي من الطائف، وقال ابن عباس: الوليد بن المغيرة من مكة ومن الطائف حبيب بن عمير الثقفي قال الله تعالى ردًا عليهم.
{أهم يقسمون رحمة ربك}.
{أهم يقسمون رحمة ربك} معناه أبأيديهم مفاتيح الرسالة فيضعوها حيث شاؤوا وفيه الإنكار الدال على تجهيلهم والتعجب من اعتراضهم وتحكمهم وأن يكونوا هم المدبرين لأمر النبوة ثم ضرب لهذا مثلًا فقال تعالى: {نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا} أي نحن أوقعنا هذا التفاوت بين العباد فجعلنا هذا غنيًا وهذا فقيرًا وهذا مالكًا وهذا مملوكًا وهذا قويًا وهذا ضعيفًا ثم إن أحدًا من الخلق لم يقدر على تغيير حكمنا ولا على الخروج عن قضائنا فإذا عجزوا عن الاعتراض في حكمنا في أحوال الدنيا مع قلتها وذلتها فكيف يقدرون على الاعتراض على حكمنا في تخصيص بعض عبادنا بمنصب النبوة والرسالة والمعنى كما فضلنا بعضهم على بعض كما شئنا كذلك اصطفينا بالرسالة من شئنا ثم قال تعالى: {ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضًا سخريًا} يعني لو أننا سوينا بينهم في كل الأحوال لم يخدم أحد أحدًا ولم يصر أحد منهم مسخرًا لغيره، وحينئذ يقضي ذلك إلى خراب العالم وفساد حال الدنيا ولكنا فعلنا ذلك ليستخدم بعضهم بعضًا فتسخر الأغنياء بأموالهم الأجراء الفقراء بالعمل فيكون بعضهم لبعض سبب المعاش فهذا بماله وهذا بعمله فيلتئم قوام العالم وقيل يملك بعضهم بما له بعضًا بالملك {ورحمة ربك} يعني الجنة {خير} يعني للمؤمنين {مما يجمعون} أي يجمع الكفار من الأموال لأن الدنيا على شرف الزوال والانقرأض وفضل الله ورحمته يبقى أبد الآبدين.
قوله: {ولولا أن يكون الناس أمة واحدة} أي لولا أن يصيروا كلهم كفارًا فيجتمعون على الكفر ويرغبون فيه إذا رأوا الكفار في سعة من الخير والرزق لأعطيت الكفار أكثر الأسباب المفيدة للتنعم وهو قوله تعالى: {لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفًا من فضة ومعارج} يعني مصاعد ودرجات من فضة {عليها يظهرون} يصعدون ويرتقون عليها {ولبيوتهم أبوابًا} أي من فضة {وسررًا} أي ولجعلنا لهم سررًا من فضة {عليها يتكئون وزخرفًا} أي ولجعلنا من ذلك زخرفًا وهو الذهب وقيل الزخرف الزينة من كل شيء {وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا} يعني أن الإنسان يستمتع بذلك قليلًا ثم ينقضي لأن الدنيا سريعة الزوال والذهاب {والآخرة عند ربك للمتقين} يعني الجنة خاصة للمتقين الذين تركوا الدنيا.
عن سهل بن سعد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لو كانت الدنيا عند الله تزن جناح بعوضة ما سقى كافرًا منها شربة ماء» أخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب.
وعن المستورد بن شداد جد بني فهر قال: «كنت في الركب الذين وقفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على السخلة الميتة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أترون هذه هانت على أهلها حين ألقوها قالوا من هوانها ألقوها يا رسول الله قال فإن الدنيا أهون على الله من هذه الشاة على أهلها» أخرجه الترمذي وقال حديث حسن.
وعن قتادة بن النعمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أحبَّ الله عبدًا حماه من الدنيا كما يظل أحدكم يحمي سقيمه الماء» أخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب (م) عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر».
قوله تعالى: {ومن يعش} أي يعرض {عن ذكر الرحمن} أي فلم يخف عقابه ولم يرد ثوابه وقيل يول ظهره عن القرآن {نقيض له شيطانًا} أي نسبب له شيطانًا ونضمه إليه ونسلطه عليه {فهو له قرين} يعني لا يفارقه يزين له العمى ويخيل إليه أنه على الهدى {وإنهم} يعني الشياطين {ليصدونهم عن السبيل} يعني يمنعونهم عن الهدى {ويحسبون أنهم مهتدون} يعني ويحسب كفار بني آدم أنهم على الهدى {حتى إذا جاءنا} يعني الكافر وحدة وقرئ {جاءنا} على التثنية يعني الكافر وقرينه وقد جعلا في سلسلة واحدة {قال} الكافر لقرينه الشيطان {يا ليت بيني وبينك بُعد المشرقين} أي بعد ما بين المشرق والمغرب، فغلب اسم أحدهما على الآخر كما يقال للشمس والقمر القمران ولأبي بكر وعمر العمران، وقيل: أراد بالمشرقين مشرق الصيف ومشرق الشتاء، والقول الأول أصح {فبئس القرين} يعني الشيطان قال أبو سعيد الخدري: إذا بعث الكافر زوج بقرينه من الشياطين فلا يفارقه حتى يصير إلى النار {ولن ينفعكم اليوم إذا ظلمتم} يعني أشركتم {أنكم في العذاب مشتركون} يعني لا ينفعكم الاشتراك في العذاب ولا يخفف عنكم شيئًا، لأن كل واحد من الكفار والشياطين له الحظ الأوفر من العذاب وقيل لن ينفعكم الاعتذار والندم اليوم فأنتم وقرناؤكم اليوم مشتركون في العذاب كما كنتم مشتركين في الكفر.
{أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي ومن كان في ضلال مبين} يعني الكافرين الذين حقت عليهم كلمة العذاب أنهم لا يؤمنون.
قوله: {فإما نذهبن بك} أي بأن نميتك قبل أن نعذبهم {فإنا منهم منتقمون} أي بالقتل بعدك {أو نرينك} أي في حياتك {الذي وعدناهم} أي من العذاب {فإنا عليهم مقتدرون} أي قادرون على ذلك متى شئنا عذبناهم، وأراد به مشركي مكة وقد انتقم منهم يوم بدر وهذا يفيد التسلية للنبي صلى الله عليه وسلم لأنه وعده الانتقام له منهم إما حال حياته أو بعد وفاته، وهذا قول أكثر المفسرين وقيل عني به ما يكون في أمته وقد كان بعد النبي صلى الله عليه وسلم نقمة شديدة في أمته ولكن أكرم الله نبيه صلى الله عليه وسلم وذهب به ولم يره في أمته إلا الذي تقربه عينه وأبقى النقمة بعده وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم أري ما يصيب أمته بعده فما رئي ضاحكًا منبسطًا حتى قبضه الله تعالى: {فاستمسك بالذي أوحي إليك} يعني القرآن {إنك على صراط مستقيم} أي على دين مستقيم لا يميل عنه إلا الضال {وإنه} يعني القرآن {لذكر} أي لشرف عظيم {لك ولقومك وسوف تسألون} يعني عن حقه وأداء شكره وروى ابن عباس «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سئل لمن هذا الأمر بعدك لم يخبر بشيء حتى نزلت هذه الآية فكان بعد ذلك إذا سئل قال لقريش» (ق).
عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان» (خ) عن معاوية قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا أكبه الله تعالى على وجهه ما أقاموا الدين» وقيل القوم هم العرب والقرآن لهم شرف إذ نزل بلغتهم ثم يختص بذلك الشرف الأخص فالأخص من العرب حتى يكون الأكثر لقريش ولبني هاشم، وقيل ذكر لك أي ذلك شرف لك بما أعطاك الله من النبوة والحكمة ولقومك يعني المؤمنين بما هداهم الله تعالى به وسوف تسألون عن القرآن وعما يلزمكم من القيام بحقه.
قوله تعالى: {واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون} اختلف العلماء من هؤلاء والمسؤولون فروي عن ابن عباس في رواية عنه «لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم بعث الله له آدم وولده من المرسلين فأذن جبريل ثم أقام وقال يا محمد تقدم فصل بهم فلما فرغ من الصلاة قال له جبريل سل يا محمد من أرسلنا من قبلك من أرسلنا الآية فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا أسأل قد اكتفيت».
وهذا قول الزهري وسعيد بن جبير وابن زيد قالوا جمع له الرسل ليلة أسري به وأمر أن يسال فلم يشك ولم يسأل فعلى هذا القول قال بعضهم هذه الآية نزلت ببيت المقدس ليلة أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم وقال أكثر المفسرين معناه سل مؤمني أهل الكتاب الذين أرسلت إليهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام هل جاءتهم الرسل إلا بالتوحيد وهو قول ابن عباس في أكثر الروايات عنه ومجاهد وقتادة والضحاك والسدي والحسن ومقاتل ومعنى الأمر بالسؤال التقرير لمشركي قريش أنه لم يأت رسول ولا كتاب بعبادة غير الله.
قوله تعالى: {ولقد أرسلنا موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه فقال إني رسول رب العالمين فلما جاءهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون} أي يسخرون {وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها} أي قرينتها التي قبلها {وأخذناهم بالعذاب} أي بالسنين والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والطمس، فكانت هذه آيات ودلالات لموسى وعذابًا لهم وكانت كل واحدة أكبر من التي قبلها {لعلهم يرجعون} أي عن كفرهم {وقالوا} يعني لموسى لما عاينوا العذاب {يا أيها الساحر} أي العالم الكامل الحاذق وإنما قالوا ذلك له تعظيمًا وتوقيرًا لأن السحر كان عندهم علمًا عظيمًا وصنعة ممدوحة وقيل معناه يا أيها الذي غلبنا بسحره {ادع لنا ربك بما عهد عندك} أي بما أخبرتنا عن عهده إليك أنا إن آمنا كشف عنا العذاب فاسأله أن يكشفه عنا {إننا لمهتدون} أي لمؤمنون فدعا موسى ربه فكشف عنهم فلم يؤمنوا فذلك قوله سبحانه وتعالى: {فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون} أي ينقضون عهدهم ويصرون على كفرهم.
{ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي} يعني أنهار النيل الكبار وكانت تجري تحت قصره وقيل معناه تجري بين يدي جناني وبساتيني، وقيل تجري بأمري {أفلا تبصرون} أي عظمتي وشدة ملكي {أما أنا} أي بل أنا {خير} وليس بحرف عطف على قول أكثر المفسرين وقيل فيه إضمار مجازه أفلا تبصرون أم تبصرون ثم ابتدأ فقال أنا خير {من هذا الذي هو مهين} أي ضعيف حقير يعني موسى {ولا يكاد يبين} أي يفصح بكلامه للثغته التي كانت في لسانه وإنما عابه بذلك لما كان عليه أولًا وقيل معناه ولا يكاد يبين حجته التي تدل على صدقه فيما يدعي ولم يرد به أنه لا قدرة له على الكلام {فلولا ألقي عليه} أي إن كان صادقًا {أسورة من ذهب} قيل إنهم كانوا إذا سودوا رجلًا سوروه بسوار من ذهب وطوقوه بطوق من ذهب يكون ذلك دلالة لسيادته، فقال فرعون هلا ألقى رب موسى عليه أسورة من ذهب إن كان سيدًا تجب طاعته {أو جاء معه الملائكة مقترنين} أي متتابعين يقارن بعضهم بعضًا يشهدون له بصدقه ويعينوه على أمره.
قال الله تعالى: {فاستخف} يعني فرعون {قومه} يعني القبط أي وجدهم جهالًا وقيل حملهم على الخفة والجهل {فأطاعوه} أي على تكذيب موسى {إنهم كانوا قومًا فاسقين} يعني حيث أطاعوا فرعون فيما استخفهم به {فلما آسفونا} أي أغضبونا وهو في حق الله وإرادته العقاب وهو قوله تعالى: {انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين فجعلناهم سلفًا ومثلًا للآخرين} يعني جعلنا المتقدمين الماضين عبرة وموعظة لمن يجيء من بعدهم. اهـ.

.قال ابن جزي:

{والكتاب المبين} يعني القرآن، و{المبين} يحتمل أن يكون بمعنى البيِّن، أو المبيِّن لغيره.
{وَإِنَّهُ في أُمِّ الكتاب لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} أم الكتاب، اللوح المحفوظ، والمعنى: أن القرآن وصف في اللوح بأنه عليّ حكيم، وقيل: المعنى أن القرآن نُسِخَ بجملته في اللوح المحفوظ، ومنه كان جبريل ينقله، فوصفه الله بأنه علي حكيم؛ لكونه مكتوب في اللوح المحفوظ. والأول أظهر وأشهر.
{أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذكر صَفْحًا} الهمزة للإنكار والمعنى: أنمسك عنكم الذكر، ونضرب من قولك: أضربت عن كذا: إذا تركته، والذكر يراد به: القرآن، أو التذكير، والوعظ. وصفحًا فيه وجهان: أحدهما أنه بمعنى الإعراض، تقول صفحت عنه إذا أعرضت عنه؛ فكأنه قال: أنترك تذكيركم إعراضًا عنكم؟ وإعراب صفحًا على هذا مصدر من المعنى، أو مفعول من أجله، أو مصدر في موضع الحال، والآخر أن يكون بمعنى العفو والغفران، فكأنه يقول: أنمسك عنكم الذكر عفوًا عنكم وغفرانًا لذنبوكم؟ وإعراب صفحًا على هذا مفعول من أجله، أو مصدر في موضع الحال {أَن كُنتُمْ قَوْمًا مُّسْرِفِينَ} قرأ نافع وحمزة والكسائي بكسر الهمزة على الشرط، والجواب في الكلام الذي قبله، وقرأ الباقون بالفتح على أنه مفعول من أجله.