فصل: قال النسفي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{فَلَوْلاَ أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ} يريد لولا ألقاها الله إليه كرامة له ودلالة على نبوّته، والأسورة جمع سوار وأسوار، وهو ما يجعل في الذراع من الحلي، وكان الرجال حينئذ يجعلونه {مُقْتَرِنِينَ} أي مقترنين به لا يفارقونه، أو متقارنين بعضهم مع بعض ليشهدوا له ويقيموا الحجة.
{فاستخف قَوْمَهُ} أي طلب خفتهم بهذه المقالة واستهوى عقولهم {آسَفُونَا} أي أغضبونا {فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِّلآخِرِينَ} السلف بفتح السين واللام جمع سالف، وقرأ حمزة والكسائي: سُلُفًا بضمها جمع سليف ومعناه متقدم: أي تقدم قبل الكفار ليكون موعظة لهم، ومثلًا يعتبرون به لئلا يصيبهم مثل ذلك. اهـ.

.قال النسفي:

{حم والكتاب المبين}.
أقسم بالكتاب المبين وهو القرآن، وجعل قوله: {إِنَّا جعلناه} صيرناه {قُرْءَانًا عَرَبِيًّا} جوابًا للقسم وهو من الأيمان الحسنة البديعة لتناسب القسم والمقسم عليه، والمبين البين للذين أنزل عليهم لأنه بلغتهم وأساليبهم أو الواضح للمتدبرين أو الذي أبان طرق الهدى من طرق الضلالة وأبان كل ما تحتاج إليه الأمة في أبواب الديانة {لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} لكي تفهموا معانيه {وَإِنَّهُ في أُمِّ الكتاب لَدَيْنَا} وإن القرآن مثبت عند الله في اللوح المحفوظ، دليله قوله: {بَلْ هُوَ قُرْءانٌ مَّجِيدٌ في لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ} [البروج: 21- 22].
وسمي أم الكتاب لأنه الأصل الذي أثبتت فيه الكتب منه تنقل وتستنسخ.
{أُمُّ الكتاب} بكسر الألف: علي وحمزة {لَّعَلِىٌّ} خبر (إن) أي في أعلى طبقات البلاغة أو رفيع الشأن في الكتب لكونه معجزًا من بينها {حَكِيمٌ} ذو حكمة بالغة {أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذكر} أفننحي عنكم الذكر ونذوده عنكم على سبيل المجاز من قولهم (ضرب الغرائب عن الحوض).
والفاء للعطف على محذوف تقديره أنهملكم فنضرب عنكم الذكر إنكارًا لأن يكون الأمر على خلاف ما قدم من إنزاله الكتاب؟ وجعله قرآنا عربيًا ليعقلوه وليعلموا بمواجبه {صَفْحًا} مصدر من صفح عنه إذا أعرض، منتصب على أنه مفعول له على معنى أفنعزل عنكم إنزال القرآن وإلزام الحجة به إعراضًا عنكم.
ويجوز أن يكون مصدرًا على خلاف الصدر لأنه يقال (ضربت عنه) أي أعرضت عنه كذا قاله الفراء {إِن كُنتُمْ} لأن كنتم {إِن كُنتُمْ} مدني وحمزة.
وهو من الشرط الذي يصدر عن المدل بصحة الأمر المتحقق لثبوته كما يقول الأجير: إن كنت عملت لك فوفني حقي وهو عالم بذلك {قَوْمًا مُّسْرِفِينَ} مفرطين في الجهالة مجاوزين الحد في الضلالة.
{وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِن نَّبِيٍّ في الأولين} أي كثيرًا من الرسل أرسلنا من تقدمك {وَمَا يَأْتِيهِم مّنْ نَّبِىٍّ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ} هي حكاية حال ماضية مستمرة أي كانوا على ذلك وهذه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن استهزاء قومه.
{فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشًا} تمييز، والضمير للمسرفين لأنه صرف الخطاب عنهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره عنهم {ومضى مَثَلُ الأولين} أي سلف في القرآن في غير موضع منه ذكر قصتهم وحالهم العجيبة التي حقها أن تسير مسير المثل، وهذا وعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم ووعيد لهم.
{وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ} أي المشركين {مَّنْ خَلَقَ السماوات والأرض لَيَقولنَّ خَلَقَهُنَّ العزيز العليم الذي جَعَلَ لَكُمُ الأرض مَهْدًا} كوفي وغيره مهادًا أي موضع قرأر {وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا} طرقًا {لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} لكي تهتدوا في أسفاركم.
{والذى نَزَّلَ مِنَ السماء مَاءً بِقَدَرٍ} بمقدار يسلم معه العباد ويحتاج إليه البلاد {فَأَنشَرْنَا} فأحيينا عدول من المغايبة إلى الإخبار لعلم المخاطب بالمراد {بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا} يريد ميّتًا {كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ} من قبوركم أحياء {تُخْرَجُونَ} حمزة وعلي ولا وقف على {العليم} لأن {الذى} صفته، وقد وقف عليه أبو حاتم على تقدير (هو الذي)، لأن هذه الأوصاف ليست من مقول الكفار لأنهم ينكرون الإخراج من القبور فكيف يقولون {كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ} بل الآية حجة عليهم في إنكار البعث {والذى خَلَقَ الأزواج} الأصناف {كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ الفلك والأنعام مَا تَرْكَبُونَ} أي تركبونه.
يقال: ركبوا في الفلك وركبوا الأنعام فغلب المتعدي بغير واسطة لقوته على المتعدي بواسطة فقيل تركبونه {لِتَسْتَوُواْ على ظُهُورِهِ} على ظهور ما تركبونه وهو الفلك والأنعام {ثُمَّ تَذْكُرُواْ} بقلوبكم {نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا استويتم عَلَيْهِ وَتَقولواْ} بألسنتكم {سبحان الذي سَخَّرَ لَنَا هذا} ذلل لنا هذا المركوب {وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} مطيقين.
يقال: أقرن الشيء إذا أطاقه وحقيقة أقرنه وجده قرينته لأن الصعب لا يكون قرينة للضعيف {وَإِنَّا إلى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ} لراجعون في المعاد.
قيل: يذكرون عند ركوبهم مراكب الدنيا آخر مركبهم منها وهو الجنازة.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا وضع رجله في الركاب قال: بسم الله.
فإذا استوى على الدابة قال: الحمد لله على كل حال، {سبحان الذي سَخَّرَ لَنَا هذا} إلى قوله: {لَمُنقَلِبُونَ} وكبر ثلاثًا وهلل ثلاثًا.
وقالوا: إذا ركب في السفينة قال: {بِسْمِ الله مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبّى لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} [هود: 41] وحكي أن قومًا ركبوا وقالوا {سبحان الذي سَخَّرَ لَنَا هذا} الآية.
وفيهم رجل على ناقة لا تتحرك هزالًا فقال: إني مقرن لهذه فسقط منها لوثبتها واندقت عنقه.
وينبغي أن لا يكون ركوب العاقل للتنزه والتلذذ بل للاعتبار، ويتأمل عنده أنه هالك لا محالة ومنقلب إلى الله غير منفلت من قضائه.
{وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا} متصل بقوله: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ} أي ولئن سألتهم عن خالق السماوات والأرض ليعترفن به وقد جعلوا له مع ذلك الاعتراف من عباده جزأ أي قالوا الملائكة بنات الله فجعلوهم جزأ له وبعضًا منه كما يكون الولد جزأ لوالده {جُزُؤًا} أبو بكر وحماد {إِنَّ الإنسان لَكَفُورٌ مُّبِينٌ} لجحود للنعمة ظاهر جحوده لأن نسبة الولد إليه كفر والكفر أصل الكفران كله {أَمِ اتخذ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وأصفاكم بالبنين} أي بل أتخذ والهمزة للإنكار تجهيلًا لهم وتعجيبًا من شأنهم حيث ادعوا أنه اختار لنفسه المنزلة الأدنى ولهم الأعلى {وَإِذَا بُشّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ للرحمن مَثَلًا} بالجنس الذي جعله له مثلًا أي شبهًا لأنه إذا جعل الملائكة جزءًا لله وبعضًا منه فقد جعله من جنسه ومماثلًا له لأن الولد لا يكون إلا من جنس الوالد {ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ} يعني أنهم نسبوا إليه هذا الجنس، ومن حالهم أن أحدهم إذا قيل له قد ولدت لك بنت اغتم واربد وجهه غيظًا وتأسفًا وهو مملوء من الكرب والظلول بمعنى الصيرورة {أَوْ مَن يُنَشَّؤُا في الحلية وَهُوَ في الخصام غَيْرُ مُبِينٍ} أي أو يجعل للرحمن من الولد من هذه الصفة المذمومة صفته وهو أنه ينشأ في الحلية أي يتربى في الزينة والنعمة، وهو إذا احتاج إلى مجاناة الخصوم ومجاراة الرجال كان غير مبين، ليس عنده بيان ولا يأتي ببرهان وذلك لضعف عقولهن.
قال مقاتل: لا تتكلم المرأة إلا وتأتي بالحجة عليها.
وفيه أنه جعل النشأة في الزينة من المعايب، فعلى الرجل أن يجتنب ذلك ويتزين بلباس التقوى، و{من} منصوب المحل والمعنى أو جعلوا من ينشأ في الحلية يعني البنات لله عز وجل {يُنَشَّأُ} حمزة وعلي وحفص أي يربي قد جمعوا في كفرهم ثلاث كفرات، وذلك أنهم نسبوا إلى الله الولد، ونسبوا إليه أخس النوعين، وجعلوه من الملائكة المكرمين فاستخفوا بهم.
{وَجَعَلُواْ الملئكة الذين هُمْ عِبَادُ الرحمن إناثا} أي سموا وقالوا إنهم إناث {عِندَ الرحمن} مكي ومدني وشامي، أي عندية منزلة ومكانة لا منزل ومكان.
والعباد جمع عبد وهو ألزم في الحجاج مع أهل العناد لتضاد بين العبودية والولاد {أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ} وهذا تهكم بهم يعني أنهم يقولون ذلك من غير أن يستند قولهم إلى علم، فإن الله لم يضطرهم إلى علم ذلك ولا تطرقوا إليه باستدلال ولا أحاطوا به عن خبر يوجب العلم ولم يشاهدوا خلقهم حتى يخبروا عن المشاهدة {سَتُكْتَبُ شهادتهم} التي شهدوا بها على الملائكة من أنوثتهم {وَيُسْئَلُونَ} عنها وهذا وعيد.
{وَقالواْ لَوْ شَاءَ الرحمن مَا عبدناهم} أي الملائكة.
تعلقت المعتزلة بظاهر هذه الآية في أن الله تعالى لم يشأ الكفر من الكافر وإنما شاء الإيمان، فإن الكفار ادعوا أن الله شاء منهم الكفر وما شاء منهم ترك عبادة الأصنام حيث قالوا {لَوْ شَاءَ الرحمن مَا عبدناهم} أي لو شاء منا أن نترك عبادة الأصنام لمنعنا عن عبادتها، ولكن شاء منا عبادة الأصنام، والله تعالى رد عليهم قولهم واعتقادهم بقوله: {مَّا لَهُم بِذَلِكَ} المقول {مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ} أي يكذبون، ومعنى الآية عندنا أنهم أرادوا بالمشيئة الرضا وقالوا: لو لم يرض بذلك لعجل عقوبتنا، أو لمنعنا عن عبادتها منع قهر واضطرار، وإذ لم يفعل ذلك فقد رضي بذلك، فرد الله تعالى عليهم بقوله: {مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ} الآية.
أو قالوا ذلك استهزاءً لا جدًا واعتقادًا، فأكذبهم الله تعالى فيه وجهلهم حيث لم يقولوا عن اعتقاد كما قال مخبرًا عنهم.
{أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاء الله أَطْعَمَهُ} [يس: 47].
وهذا حق في الأصل، ولكن لما قالوا ذلك استهزاءً كذبهم الله بقوله: {إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ في ضلال مُّبِينٍ} [يس: 47] وكذلك قال الله تعالى: {قالواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ الله} ثم قال: {والله يَشْهَدُ إِنَّ المنافقين لكاذبون} [المنافقون: 1] لأنهم لم يقولوه عن اعتقاد وجعلوا المشيئة حجة لهم فيما فعلوا باختيارهم، وظنوا أن الله لا يعاقبهم على شيء فعلوه بمشيئته، وجعلوا أنفسهم معذورين في ذلك، فرد الله تعالى عليهم {أَمْ ءاتيناهم كتابا مِّن قَبْلِهِ} من قبل القرآن أو من قبل قولهم هذا {فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ} آخذون عاملون.
وقيل: فيه تقديم وتأخير تقديره أشهدوا خلقهم أم آتيناهم كتابًا من قبله فيه أن الملائكة إناث {بَلْ قالوآ} بل لا حجة لهم يتمسكون بها لا من حيث العيان ولا من حيث العقل ولا من حيث السمع إلا قولهم {إِنَّا وَجَدْنَآ ءابَاءَنَا} على دين فقلدناهم وهي من الأم وهو القصد فالأمة الطريقة التي تؤم أي تقصد {وإِنّا على آثَارِهِمْ مُّهْتَدُونَ} الظرف صلة المهتدون أو هما خبران.
{وَكَذَلِكَ مَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ في قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ} نبي {إِلاَّ قال مُتْرَفُوهَآ} أي متنعموها وهم الذين أترفتهم النعمة أي أبطرتهم فلا يحبون إلا الشهوات والملاهي ويعافون مشاق الدين وتكاليفه {إِنَّا وَجَدْنَا ءَابَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وإِنَّا عَلَى ءاثارهم مُّقْتَدُونَ} وهذا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وبيان أن تقليد الآباء داء قديم {قال} شامي وحفص أي النذير، {قُلْ}: غيرهما أي قيل للنذير قل {أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بأهدى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ ءَابَاءَكُمْ} أي أتتبعون آباءكم ولو جئتكم بدين أهدى من دين آبائكم؟ {قالوآ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافرون} إنا ثابتون على دين آبائنا وإن جئتنا بما هو أهدى وأهدى {فانتقمنا مِنْهُمْ} فعاقبناهم بما استحقوه على إصرارهم {فانظر كَيْفَ كَانَ عاقبة المكذبين وَإِذْ قال إبراهيم لأَِبِيهِ وَقَوْمِهِ} أي واذكر إذ قال: {إِنَّنِى بَرَاءٌ} أي بريء وهو مصدر يستوي فيه الواحد والاثنان والجمع والمذكر والمؤنث كما تقول: رجل عدل وامرأة عدل وقوم عدل والمعنى ذو عدل وذات عدل {مِّمَّا تَعْبُدُونَ إِلاَّ الذي فَطَرَنِى} استثناء منقطع كأنه قال: لكن الذي فطرني {فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ} يثبتني على الهداية {وَجَعَلَهَا} وجعل إبراهيم عليه السلام كلمة التوحيد التي تكلم بها وهي قوله: {إِنَّنِى بَرَاء مّمَّا تَعْبُدُونَ إِلاَّ الذي فَطَرَنِى} {كَلِمَةً باقية في عَقِبِهِ} في ذريته فلا يزال فيهم من يوحد الله ويدعو إلى توحيده {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} لعل من أشرك منهم يرجع بدعاء من وحد منهم والترجي لإبراهيم.
{بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلاءِ وَءَابَاءَهُمْ} يعني أهل مكة وهم من عقب إبراهيم بالمد في العمر والنعمة فاغتروا بالمهلة وشغلوا بالتنعم واتباع الشهوات وطاعة الشيطان عن كلمة التوحيد {حتى جَاءَهُمُ الحق} أي القرآن {وَرَسُولٌ} أي محمد عليه السلام {مُّبِينٌ} واضح الرسالة بما معه من الآيات البينة.
{وَلَمَّا جَاءَهُمُ الحق} القرآن {قالواْ هذا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كافرون وَقالواْ} فيه متحكمين بالباطل {لَوْلاَ نُزِّلَ هذا القرءان} فيه استهانة به {على رَجُلٍ مِّنَ القريتين عَظِيمٍ} أي رجل عظيم من إحدى القريتين كقوله: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ} [الرحمن: 22] أي من أحدهما، والقريتان: مكة والطائف.
وعنوا بعظيم مكة الوليد بن المغيرة، وبعظيم الطائف عروة بن مسعود الثقفي، وأرادوا بالعظيم من كان ذا مال وذا جاه ولم يعرفوا أن العظيم من كان عند الله عظيمًا.
{أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتِ رَبِّكَ} أي النبوة، والهمزة للإنكار المستقل بالتجهيل والتعجيب من تحكمهم في اختيار من يصلح للنبوة {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ} ما يعيشون به وهو أرزاقهم {فِى الحياوة الدنيأ} أي لم نجعل قسمة الأدون إليهم وهو الرزق فكيف النبوة؟ أو كما فضلت البعض على البعض في الرزق فكذا أخص بالنبوة من أشاء {وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ درجات} أي جعلنا البعض أقوياء وأغنياء وموالي والبعض ضعفاء وفقراء وخدماء {لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا} ليصرف بعضهم بعضًا في حوائجهم ويستخدموهم في مهنهم ويتسخروهم في أشغالهم حتى يتعايشوا ويصلوا إلى منافعهم هذا بماله وهذا بأعماله {وَرَحْمَتُ رَبِّكَ} أي النبوة أو دين الله وما يتبعه من الفوز في المآب {خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} مما يجمع هؤلاء من حطام الدنيا.
ولما قلل أمر الدنيا وصغرها أردفه بما يقرر قلة الدنيا عنده فقال.
{وَلَوْلآ أَن يَكُونَ الناس أُمَّةً واحدة} ولولا كراهة أن يجتمعوا على الكفر ويطبقوا عليه {لَّجَعَلْنَا} لحقارة الدنيا عندنا {لِمَن يَكْفُرُ بالرحمن لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ وَلِبُيُوتِهِمْ أبوابا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ وَزُخْرُفًا} أي لجعلنا للكفار سقوفًا ومصاعد وأبوابًا وسررًا كلها من فضة، وجعلنا لهم زخرفًا أي زينة من كل شيء.
والزخرف الذهب والزينة، ويجوز أن يكون الأصل سقفًا من فضة وزخرف أي بعضها من فضة وبعضها من ذهب فنصب عطفًا على محل {مِن فِضَّةٍ} لبيوتهم بدل اشتمال من {لِمَن يَكْفُرُ}.
{سَقْفًا} على الجنس: مكي وأبو عمرو ويزيد.
والمعارج جمع معرج وهي المصاعد إلى العلالي عليها يظهرون على المعارج يظهرون السطوح أي يعلونها {وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا متاع الحياة الدنيا} (إن) نافية و{لما} بمعنى إلا أي وما كل ذلك إلا متاع الحياة الدنيا، وقد قرئ به.
وقرأ {لَمَا} غير عاصم وحمزة على أن اللام هي الفارقة بين (إن) المخففة والنافية و(ما) صلة أي وإن كل ذلك متاع الحياة الدينا {والآخرة} أي ثواب الآخرة {عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} لمن يتقي الشرك.
{وَمَن يَعْشُ} وقرئ {وَمَن يعش} والفرق بينهما أنه إذا حصلت الآفة في بصره قيل عشى يعشى، وإذا نظر نظر العشي ولا آفة به قيل عشا يعشو.
ومعنى القراءة بالفتح ومن يعم {عَن ذِكْرِ الرحمن} وهو القرآن كقوله: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ} ومعنى القراءة بالضم: ومن يتعام عن ذكره أي يعرف أنه الحق وهو يتجاهل كقوله: {وَجَحَدُواْ بِهَا واستيقنتها أَنفُسُهُمْ} [النمل: 14] {نُقَيّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} قال ابن عباس رضي الله عنهما: نسلطه عليه فهو معه في الدنيا والآخرة يحمله على المعاصي.