فصل: قال نظام الدين النيسابوري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال نظام الدين النيسابوري:

{وَقالوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا القرآن عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31)}.
التفسير: هذه حكاية شبهة لكفار قريش، وذلك أنهم ظنوا أن الفضيلة في المال والجاه الدنيوي فقالوا {لولا نزل هذا القرآن} وفي الإشارة ههنا نوع استخفاف منهم لكتاب الله {على رجل من القريتين} أي من إحداهما يعنون مكة أو الطائف. قال المفسرون: الذي بمكة هو الوليد بن المغيرة، والذي بالطائف هو عروة بن مسعود الثقفي. ومنهم من قال غير ذلك. وأرادوا بعظم الرجل رياسته وتقدمه في الدنيا فألزمهم الله تعالى بأجوبة أوّلها قوله على سبيل الإنكار {أهم يقسمون رحمة ربك} أي النبوّة فيضعوها حيث شاؤا {نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضًا سخريًا} أي خدمًا وتابعًا ومملوكًا. واللام لام العاقبة فإن الإنسان خلق مدنيًا بالطبع. وقالت المعتزلة: للغرض وإذا كانت المعايش الدنيوية مع حقارتها وخساستها مفوّضة إلى تدبير الله وتسخيره وتقديره دون أحد من خلقه، فالأمور الدينية والمناصب الحقيقية الأخروية أولى بذلك. وقيل: الرحمة الرزق. ومعنى الآية إنكار أن الرزق منهم فيكف تكون النبوّة منهم؟ واستدلال السني بالآية ظاهر في أن كل الأرزاق من الله حلالًا كانت أو حرامًا.
وقالت المعتزلة: الله تعالى قاسم ولكن العباد هم الذين يكسبونها صفة الحرمة بسوءتنا ولهم. والجواب أنه كما قسم الرزق عن الجهة التي بها يصل الرزق إليه فكل بقدره. وثانيها قوله: {وحمة ربك خير مما يجمعون} لأن الدنيا منقضية فانية ودين الله وما يتبعه من السعادات باقٍ لا يزول، فكيف يجعل العاقل ما هو الأخس أفضل مما هو الأشرف؟ وثالثها قوله: {ولولا} كراهة {أن يكون الناس أمة واحدة} مجتمعين على الكفر {لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم} هو بدل اشتمال وقيل: هما كقولك: وهبت له ثوبًا لقميصه في أن اللام للغرض. والمعارج المصاعد أو المراقي جمع معرج كمخلب {عليها} أي على المعارج {يظهرون} يعلون السطوح. والزخرف الزينة أي جعلنا لهم زينة عظيمة في كل باب. وقيل: الذهب أي جعلنا لهم مع ذلك ذهبًا كثيرًا. أو وجه آخر على هذا التفسير وهو أن يكون معطوفًا على قوله: {من فضة} إلا أنه نصب بنزع الخافض أي بعضها من فضة وبعضها من ذهب. والحاصل أنه سبحانه إن وسع على الكافرين كل التوسعة أطبق الناس على الكفر لحبهم الدنيا وتهالكهم عليها مع حقارة الدنيا عند الله تعالى، وفي معناه قول نبينا صلى الله عليه وسلم: «لو كانت الدنيا تزن عند الله تعالى جناح بعوضة ما سقى كافرًا منها شربة ماء» وإنما لم يوسع على المسلمين كلهم لتكون رغبة الناس في الإسلام لمحض الإخلاص لا لأجل الدنيا. ثم بشر المؤمنين بقوله: {وإن كل ذلك} إلى آخره. قالت المعتزلة: في الآية دلالة على أن اللطف من الله تعالى واجب، وفيه أنه تعالى لما لم يفعل بالناس التوسعة لئلا يجتمعوا على الكفر، فلأن لا يخلق فيهم الكفر أولى. والجواب أن وقوع كل الناس في طريق القهر محذور، وأما وقوع البعض فضروري كما مر في أول البقرة، فشتان بين الممتنع الوجود والضروري الوجود فكيف يقاس أحدهما على الآخر؟ ثم بين أن مادة كل الآفات وأصل جميع البليات هو السكون إلى الدنيا والركون إلى أهلها فإن ذلك بمنزلة الرمد للبصر ويصير بالتدريج كالعشى ثم كالعمى فقال: {ومن يعش عن ذكر الرحمن} أي عن القرآن أي يعرف أنه الحق ولكنه يتجاهل. قال جار الله: قرئ بفتح الشين أيضًا. والفرق أنه إذا حصلت آفة في بصره يقال عشي بالكسر أي عمى يعشى بالفتح، وإذا نظر نظر العشي ولا آفة به قيل عشا أي تعامى. وفيه معنى الإعراض فلهذا عدي بـ: (عن) ومعنى {نقيض} نقدر كما مر في (حم السجدة) {وإنهم} أي الشياطين {ليصدونهم} أي العشي عن دين الله {ويحسبون} أي الكفار أن الشياطين والكافرين {مهتدون} وإنما جمع الضميرين لأن {من} عام و{شيطانًا} تابع له.
ولا شك أن هذا القرين ملازم له في الآخرة لقوله: {حتى إذا جاءنا} الآية وأما في الدنيا فمحتمل بل لازم لقوله صلى الله عليه وسلم: «كما تعيشون تموتون وكما تموتون تبعثون» ويروى أن الكافر إذا بعث يوم القيامة من قبره أخذ شيطان بيده ولم يفارقه حتى يصيرهما الله إلى النار فذلك حيث يقول: {يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين} أي بعد ما بين المشرق والمغرب فغلب كالقمرين. وقيل: المغرب أيضًا مشرق بالنسبة إلى الحركة الثانية وهذا قول أهل السنة. وقيل: مشرق الصيف ومشرق الشتاء وفيه ضعف لأنه لا يفيد مبالغة، فبين الله تعالى أن ذلك التمني لا ينفعهم وعلله بقوله: {أنكم} من قرأ بالكسر فظاهر، ومن قرأ بالفتح فعلى حذف اللام أي لن ينفعكم تمنيكم لأن حقكم أن تشتركوا أنتم وقرناؤكم في العذاب كما كنتم مشتركين في سببه وهو الكفر، ويحتمل أن يكون أن في قراءة الفتح فاعل ينفع أي لن ينفعكم كونكم مشتركين في العذاب. وإن قيل: المصيبة إذا عمت طابت وذلك أن كل أحد مشغول في ذلك اليوم عن حال غيره بحال نفسه.
{وإذ} بدل من اليوم ومعناه إذ ظلمكم تبين ووضح لكل أحد.
ثم إنه صلى الله عليه وسلم كان يتحزن على فقد الإيمان منهم فسلاه بقوله: {أفأنت} إلى آخره.
وقوله: {فأما نذهبن بك} أراد به قبض روحه كقوله في (يونس) وفي (المؤمن) {فأما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك} [الآية: 77] الانتقام إما في الآخرة وهو قول الجمهور أو في الدنيا. عن جابر أنه قال: لما نزلت {فإنا منهم منتقمون} قال النبي صلى الله عليه وسلم بعلي بن أبي طالب رضي الله عنه أورده في تفسير اللباب. وقيل: فأما نذهبن بك من مكة فإنا منهم منتقمون يوم بدر. والحاصل أنه تعالى توعد الكفار بعذاب الدنيا والآخرة جميعًا. ثم قال لنبيه صلى الله عليه وسلم سواء عجلنا لك الظفر والغلبة أو أخرناه إلى الآخرة فكن متمسكًا بما أوحينا إليك فإنه الدين الذي لا عوج له، وإنه لشرف لك ولقومك أي لجميع أمتك أو لقريش وسوف تسألون هل أديتم شكر هذه النعمة أم لا. قال أهل التحقيق: في الآية دلالة على أن الذكر الجميل أمر مرغوب فيه لعموم أثره وشموله كل مكان وكل زمان خلاف الحياة المستعارة فإن أثرها لا يجاوز مسكن الحي. قلت: الذكر الجميل جميل ولكن الذكر الحاصل من القرآن أجمل رزقنا الله طرفًا من ذلك بعميم فضله. ثم إن السبب الأقوى في بغض الكفار وعداوتهم للنبي صلى الله عليه وسلم إنكاره لأصنامهم، فبين تعالى أنه غير مخصوص بهذه الدعوة وهذا الإنكار ولكنه دين أطبق كل الأنبياء على الدعاء إليه، وفي الآية أقوال: أحدها أن المضاف محذوف تقديره واسأل يا محمد أمم من أرسلنا.
وقال القفال: المحذوف صلة التقدير واسأل من أرسلنا إليهم من قبلك رسولًا من رسلنا. والمراد أهل الكتابين لأنهم كانوا يرجعون إليهم في كثير من أمورهم نظيره {فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرأون الكتاب من قبلك} [يونس: 94] ثانيها أن حقيقة السؤال ههنا ممتنعة ولكنه مجاز عن النظر في أديانهم والفحص عن مللهم. وثالثها أن التقدير: واسأل جبرائيل عمن أرسلنا. ورابعها أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع له الأنبياء ليلة المعراج في السماء أو في بيت المقدس فأمهم. وقيل له صلى الله عليه وسلم: سلهم. فلم يسأل. وقد قال صلى الله عليه وسلم: «إني لا أشك في ذلك» قاله ابن عباس. وعن ابن مسعود «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أتاني ملك فقال: يا محمد سل من أرسلنا من قبلك من رسلنا علام بعثوا؟ قال: قلت علام بعثوا؟ قال: على ولايتك وولاية علي بن أبي طالب رضي الله عنه» رواه الثعلبي. ولكنه لا يطابق قوله سبحانه: {أجعلنا} الآية. وجوز بعضهم أن يكون {من} مبتدأ والاستفهامية خبره والعائد محذوف أي على ألسنتهم، ومعنى الجعل التسمية والحكم. واعلم أن كفار قريش إنما طعنوا في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم من جهة كونه فقيرًا خاملًا وكان فرعون اللعين قد طعن في موسى بمثل ذلك حيث قال: {أليس لي ملك مصر} إلى قوله: {مهين} [الزخرف: 52] فلا جرم أورد قصة موسى ههنا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم قوله: {فلما جاءهم} معطوف على محذوف تقديره فقال إني رسول رب العالمين. فطالبوه إقامة البينة على دعواه فلما جاءهم إلى آخره. قال جار الله: فعل المفاجأة مع إذا مقدر وهو عامل النصب في محلها كأنه قيل: فلما جاءهم بآياتنا فاجأ وقت ضحكهم استهزاء أو سخرية. قوله: {وما نريهم} حكاية حال ماضية. وفي قوله: {هي أكبر من أختها} وجهان: أحدهما أن كلًا منها مثل شبيهتها التي تقدمت، وكل من رأى واحدة منها حكم بأنها حكم كبراها لتكافؤ كل منها في الكبر.
وإذا كان هذا الحكم صادقًا على كل منها فكلها كبار كما قال الحماسي: من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم. مثل النجوم التي يسري بها الساري وثانيها أن يقال: إن الآية الأولى كبيرة والتي تليها أكبر من الأولى، والثالثة أكبر من الثانية، وكذلك ما بعدها. هذا القدر مستفاد من الآية، وأما تفصيل هذا التفضيل فلعله لا يطلع عليه إلا خالقها ومظهرها.
{وأخذناهم بالعذاب} السنين ونقص من الثمرات إلى سائر ما ابتلوا به. قالت المعتزلة: {لعلهم يرجعون} أي إرادة أن يرجعوا فورد عليهم أنه لو أراد رجوعهم لكان.
وأجابوا بأنه لو أراد قسرًا لكان ولكنه أراد مختارًا، وزيف بأنه لو أراد أن يقع طريق الاختيار لزم أن يقع أيضًا مختارًا. أما الفرق فالصواب أن يقال: (لعل) للترجي ولكن بالنسبة إلى المكلف كما مر مرارًا {وقالوا يا أيه الساحر} أي العالم الماهر ولم يكن السحر عندهم ذمًا بل كانوا يستعظمونه ولهذا قالوا {إننا لمهتدون} وقيل: كانوا بعد على كفرهم فلهذا سموه ساحرًا.
وقولهم {إننا لمهتدون} وعد منوي إخلافه.
وقولهم {ادع لنا ربك بما عهد عندك} أي بعهده عندك من أن دعوتك مستجابة وقد مر في (الأعراف) {ونادى فرعون} أي أمر بالنداء {في} مجامع {قومه} أو رفع صوته بذلك فيما بين خواصه فانتشر في غيرهم. والأنهار أنهار النيل. قال المفسرون: كانت ثلثمائة وستين نهرًا ومعظمها أربعة: نهر الملك ونهر طالوت ونهر دمياط ونهر منفيس. كانت تجري تحت قصره وقيل: تحت سريره لارتفاعه. وقيل: بين يدي في جناتي وبساتيني. وعن عبد الله ابن المبارك الدينوري في تفسيره: أنه أراد بالأنهار الجياد من الخيل وهو موافق لما جاء في الحديث في فرس أبي طلحة (وإن وجدناه لبحرًا) وقال الضحاك: معناه وهذه القواد والجبابرة تحت لوائي. قال النحويون: إما أن تكون الواو عاطفة للأنهار على ملك مصر و{تجري} نصب على الحال، أو الواو للحال وما بعده جملة محلها نصب. وفي (أم) أقوال منها قول سيبويه إنها متصلة تقديره أفلا تبصرون أم تبصرون إلا أنه وضع قوله: {أنا خير} موضع {تبصرون} لأنهم إذا قالوا له أنت خير فهم عنده بصراء، فهذا من إنزال السبب منزلة المسبب لأن الإبصار سبب لهذا القول بزعمه. ومنها أنها منقطعة لأنه عدد عليهم أسباب الفضل ثم أضرب عن ذلك ثانيًا. أثبت عندكم أني خير. ومنها أن التقدير أفلا تبصرون أني خير أم أبصرتم ثم استأنف فقال أنا خير، والمهين من المهانة أي الحقارة والضعف أراد أنه فقير ولا عدد معه ولا عدد {ولا يكاد يبين}.
الكلام لأن عقدته لم تزل بالكلية كما شرحنا في (طه). وإلقاء الأسورة عليه عبارة عن تفويض مقاليد الملك إليه، كانوا إذا أرادوا تشريف الرجل سوروه بسوار وطوقوه بطوق من ذهب وغيره أي ليس معه آلات الملك والسياسة، أو ليس معه حلية وزي حسن كما أن الملوك يشهرون رسلهم بالخلع والمكرمات وبأشخاص يتبعونهم فلذلك قالوا {أو جاء معه الملائكة مقترنين} به أو يقترن بعضهم ببعض {فاستخف قومه} أي حملهم على أن يخفوا له في الطاعة أو استخف عقولهم واستجهلهم {فأطاعوه} وهذه من عادة اللئام كما قيل: العبد لا يردعه إلا العصا:
وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا

ومعنى {آسفونا} أغضبونا وأغضبوا رسلنا {فجعلناهم سلفًا} أي متقدمين وعبرة للمتأخرين ليعتبروا من حالهم فلا يقدموا على مثل أفعالهم وإليه المآب. اهـ.

.قال الخطيب الشربيني:

سورة الزخرف مكية وهي تسع وتسعون آية وثمانمائةوثلاثة وثلاثون كلمة وثلاثة آلاف وأربعمائة حرف.
{بِسْمِ الله} أي: الذي له مقاليد الأمور كلها فهو يعطي من يشاء وإن طال سؤله {الرحمن} الذي نال بره جميع خلقه على حسب منازلهم عنده {الرحيم} الذي يقرب إليه من يشاء زلفى وإن وصل في البعد إلى الحد الأقصى وقد تقدم الكلام على قوله تعالى: {حم} والواو في قوله تعالى: {والكتاب} أي: القرآن {المبين} أي: مظهر طريق الهدى وما يحتاج إليه من الشريعة عاطفة إن جعلت حم قسمًا وإلا كانت للقسم وقوله تعالى: {إنا جعلناه} أي: أوجدنا هذا الكتاب {قرآنا عربيا} أي: بلغة العرب جواب القسم وهذا عندهم من البلاغة وهو كون القسم والمقسم عليه من وادٍ واحد كقول أبي تمام:
وثناياك إنها إغريض

أي: طلع وبرد، وقيل: كل أبيض طري ولآل توم وبرق وميض والتوم جمع تومة وهي حبة تعمل من الفضة كالدرة، والوميض مصدر ومض أي: لمع لمعًا خفيفًا.
تنبيه:احتج القائلون بحدوث القرآن بهذه الآية من وجوه؛ الأول: أنها تدل على أن القرآن مجعول والمجعول هو المصنوع المخلوق، الثاني: أنه وصفه بكونه قرآنا وهو إنما سمي قرآنا لأنه جعل بعضه مقرونًا بالبعض وما كان كذلك كان مصنوعًا، الثالث: وصفه بكونه عربيًا وإنما يكون عربيًا لأن العرب اختصت بوضع ألفاظه في اصطلاحهم وذلك يدل على أنه مجعول والتقدير حم ورب الكتاب المبين، ويؤيد هذا قوله صلى الله عليه وسلم يا رب طه ويس ويا رب القرآن العظيم. وأجاب الرازي عن ذلك: بأن هذا الذي ذكرتموه حق لأنكم استدللتم بهذه الوجوه على كون الحروف المتواليات والكلمات المتعاقبة محدثة وذلك معلوم بالضرورة ومن الذي ينازعكم فيه {لعلكم} أي: يا أهل مكة {تعقلون} أي: لتكونوا على رجاء عند من يصح منه الرجاء من أن تفهموا معانيه وأحكامه وبديع وصفه ومعجز وضعه ونظامه فترجعوا عن كل ما أنتم عليه من المغالبة ولابد أن يقع هذا التعقل فإن القادر إذا عبر بأداة الترجي حقق ما يقع ترجيه ليكون بين كلامه وكلام العاجز فرق وقوله تعالى: {وإنه} أي: القرآن عطف على إنا أي: مثبت {في أم الكتاب} أي: أصل الكتب وهو اللوح المحفوظ، وقال قتادة: أم الكتاب أصل الكتاب وأم كل شيء أصله، وقال ابن عباس: أول ما خلق الله تعالى القلم فأمره أن يكتب ما يريد أن يخلق فالكتاب مثبت عنده في اللوح المحفوظ كما قال تعالى: {بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ} (البروج:)، فإن قيل: ما الحكمة في خلق هذا اللوح المحفوظ مع أنه تعالى علام الغيوب يستحيل عليه السهو والنسيان؟.
أجيب: بأنه تعالى لما أثبت في ذلك أحكام حوادث المخلوقات ثم إن الملائكة إذا شاهدوا أن جميع الحوادث إنما تحدث على موافقة ذلك المكتوب استدلوا بذلك على كمال حكمته وعلمه، وقيل: المراد بأم الكتاب الآيات المحكمة لقوله تعالى: {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب} (آل عمران:) والمعنى: أن سورة حم واقعة في الآيات المحكمة التي هي الأصل والأم، وقرأ حمزة والكسائي في الوصل بكسر الهمزة والباقون بضمها واتفقوا في الابتداء بالهمزة على الضم وقوله تعالى: {لدينا} أي: عندنا بدل من الجار قبله {لعلي} أي: رفيع الشأن في الكتب لكونه معجزًا من بينها {حكيم} أي: ذو حكمة بالغة أو محكم في أبواب البلاغة والفصاحة.
{أفنضرب} أي: أنهملكم فنضرب أي: ننجي مجاوزين {عنكم الذكر} أي: القرآن وفي نصب قوله تعالى: {صفحًا} أوجه؛ أحدها: أنه مصدر من معنى نضرب لأنه يقال ضرب عن كذا وأضرب عنه بمعنى أعرض عنه وصرف وجهه عنه قال طرفة:
اضرب عنك الهموم طارقها ** ضربك بالسيف قونس الفرس