فصل: قال أبو السعود في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو السعود في الآيات السابقة:

{وَلَمَّا ضُرِبَ ابن مَرْيَمَ مَثَلًا} أي ضربَهُ ابنُ الزِّبَعْرَى حينَ جادلَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ} حيثُ قال أهذَا لنَا ولآلهتِنا أو لجميعِ الأممِ. فقال عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: «هو لكمُ ولآلهتِكم ولجميعِ الأممِ». فقال اللعينُ: خصمتُكَ وربِّ لكعبةِ، أليسَ النَّصارى يعبُدونَ المسيحَ واليهودَ عزيرًا وبنوُ مُلَيحٍ الملائكةَ فإنْ كانَ هؤلاءِ في النَّارِ فقد رضينا أن نكونَ نحنُ وآلهتُنا معهُم. ففرِحَ به قومُه وضحِكُوا وارتفعتْ أصواتُهم. وذلكَ قوله تعالى: {إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ} أي منْ ذلكَ المثلِ {يَصِدُّونَ} أي يرتفعُ لهم جلبةٌ وضجيجٌ فرحًا وجذلًا. وقرئ {يَصُدُّونَ} أيْ من أجلِ ذلكَ المثلِ يُعرضُونَ عنِ الحقِّ أي يثبُتونَ على ما كانُوا عليهِ من الإعراضِ أو يزدادونَ فيهِ، وقيلَ: هو أيضًا من الصديدِ، وهما لغتانِ فيه نحوُ يَعْكُفُ ويَعْكِفُ وهو الأنسبُ بمَعْنى المفاجأةِ.
{وَقالواْ ءأَالِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ} حكايةٌ لطرفٍ من المثلِ المضروبِ، قالوه تمهيدًا لما بَنَوا عليهِ من الباطلِ المُموَّهِ بَما يغترُّ به السُّفهاءُ، أي ظاهرٌ أنَّ عيسَى خيرٌ من آلهتِنا فحيثُ كانَ هُو في النَّارِ فلا بأسَ بكونِنا مع آلهتِنا فيَها. واعلمُ أنَّ ما نُقلَ عنهم من الفرحِ ورفعِ الأصواتِ لم يكُن لما قيلَ: من أنَّه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ سكتَ عندَ ذلكَ إلى أنْ نزلَ قوله تعالى: {إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا الحسنى} الآيةَ. فإنَّ ذلكَ معَ إيهامِه لما يجبُ تنزيه ساحتِه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ عنْهُ من شائبةِ الإفحامِ من أولِ الأمرِ خلافُ الواقعِ كيفَ لاَ وقد رُويَ أن قول ابنِ الزَّبعرَى: خصمتُكَ وربُّ الكعبةِ صدرَ عنْهُ من أولِ الأمرِ عند سماعِ الآيةِ الكريمةِ بلغةِ قومِك أما فهمتَ أنَّ مَا لَما لا يعقلُ.
وإنَّما لم يخصَّ عليه السلام هذا الحكمَ بآلهتِهم حينَ سألَ الفاجرُ عن الخصوصِ والعمومِ عملًا بما ذُكرَ من اختصاصِ كلمةِ مَا بغيرِ العُقلاءِ لأنَّ إخراجَ بعضِ المعبودينَ عنْهُ عند المحاجَّةِ موهمٌ للرخصةِ في عبادتِه في الجملةِ فعمَّمَهُ عليه السلام للكلِّ لكنْ لا بطريقِ عبارةِ النصِّ بل بطريقِ الدلالة بجامعِ الاشتراكِ في المعبوديةِ من دونِ الله تعالى، ثمَّ بينَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بقوله بل هُم عبدُوا الشياطينَ التي أمرتْهُم بذلكَ أن الملائكةَ والمسيحَ بمعزلٍ من أنْ يكونُوا معبوديهم كما نطقَ به قوله تعالى: {سبحانك أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ الجن} الآيةَ وقد مرَّ تحقيقُ المقامِ عند قوله تعالى: {إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا الحسنى} الآيةَ. بلْ إنَّما كانَ ما أظهرُوه من الأحوالِ المنكرةِ لمحضِ وقاحتِهم وتهالُكِهم على المكابرةِ والعنادِ كما ينطقُ به قوله تعالى: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاَ} أي ما ضَربُوا لكَ ذلكَ المثلَ إلا لأجلِ الجدالِ والخصامِ لا لطلبِ الحقِّ حتَّى يذعنُوا له عندَ ظهورِه ببيانكَ.
{بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} أي لُدٌّ شدادُ الخصومةِ مجبولونَ على المحْكِ واللَّجاجِ. وقيلَ: لمَّا سمعُوا قوله تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عيسى عِندَ الله كَمَثَلِ ءادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ} قالوا نحنُ أهدَى من النَّصارى لأنَّهم عبدُوا آدميًا ونحنُ نعبدُ الملائكةَ فنزلتْ، فقولهم: {أَألِهْتنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ} حينئذٍ تفصيلٌ لآلهتِهم عَلَى عيسَى عليه السلام؛ لأنَّ المرادَ بهم الملائكةُ، ومَعْنى ما ضربُوه الخ ما قالوا هذا القول إلا للجدلِ، وقيلَ: لمَّا نزلتْ {إِنَّ مَثَلَ عيسى} الآيةَ قالوا ما يريدُ محمدٌ بهذَا إلا أنْ نعبدَهُ وأنه يستأهلُ أنْ يعبدَ وإنْ كانَ بشرًا كما عبدتِ النَّصارى المسيحَ وهو بشرٌ. ومَعْنى يَصِدُّونَ يَضجُّونَ ويضجرونَ. والضميرُ في أمْ هُو لمحمدٍ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، وغرضُهم بالموازنةِ بينَهُ عليه السلام وبين آلهتِهم الاستهزاءُ به، وقد جُوِّزَ أنْ يكونَ مرادُهم التنصلَ عمَّا أُنكرَ عليهم من قولهم: الملائكةُ بناتُ الله تعالى. ومن عبادتِهم لهم كأنَّهم قالوا ما قُلنا بدعًا من القول ولا فعلنَا مُنكرًا من الفعلِ فإنَّ النَّصارَى جعلُوا المسيحَ ابنَ الله وعبدُوه فنحنُ أشفُّ منُهم قولا وفعلًا حيثُ نسبنَا إليهِ الملائكةَ وهُم نسبُوا إليهِ الأنَاسِيّ.
فقوله تعالى: {إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ} أي بالنبوةِ {وجعلناه مَثَلًا لّبَنِى} أي أمرًا عجيبًا حقيقًا بأن يسيرَ ذكرُه كالأمثالِ السائرةِ. على الوجهِ الأولِ استئنافٌ مسوقٌ لتنزيههِ عليه السلام عن أنْ يُنسبَ إليه ما نُسبَ إلى الأصنامِ بطريقِ الرمزِ كما نطقَ به صريحًا قوله تعالى: {إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا الحسنى} الآيةَ وفيه تنبيهٌ على بُطلانِ رأي من رفعَهُ عن رُتبةِ العبوديةِ وتعريضٌ بفسادِ رأي مَنْ يَرَى رأيَهم في شأنِ الملائكةِ وعلى الثانِي والرابعِ لبيانِ أنَّه قياسُ باطلٍ بباطلٍ أو بأبطلَ على زعمِهم وما عيسَى إلا عبدٌ كسائر العبيدِ قُصَارى أمرِه أنَّه ممن أنعمَنا عليهم بالنبوةِ وخصصنَاهُ ببعضِ الخواصِّ البديعةِ بأنْ خلقناهُ بوجهٍ بديعٍ وقد خلقَنا آدمَ بوجهٍ أبدعَ منْهُ فأينَ هُو من رُتبةِ الربوبيةِ، ومن أينَ يتوهمُ صحةُ مذهبِ عبدتِه حتَّى يفتخرَ عبدةُ الملائكةِ بكونِهم أهْدَى منهُم أو يعتذرُوا بأنَّ حالَهم أشفُّ أو أخفُّ من حالِهم، وأمَّا على الوجهِ الثَّالثِ فهو لردِّهم وتكذيبِهم في افترائِهم عَلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ببيانِ أنَّ عيسَى في الحقيقةِ وفيما أُوحيَ إلى الرسولِ عليهما الصَّلاةُ والسَّلامُ ليسَ إلاَّ أنُّه عبدٌ منعمٌ عليهِ كما ذُكِرَ فكيفَ يرضى عليه السلام بمعبوديتِه أو كيفَ يُتوهُم الرضَا بمعبوديةِ نفسهِ.
وقوله تعالى: {وَلَوْ نَشَاء} الخ لتحقيقِ أنَّ مثلَ عيسَى عليه السلام ليسَ ببدعٍ من قدرةِ الله وأنَّه تعالى قادرٌ على أبدعَ منْ ذلكَ وأبرعَ، مع التنبيهِ على سقوطِ الملائكةِ أيضًا من درجةِ المعبوديةِ أي قدرتُنا بحيثُ لو نشاءُ {لَّجَعَلْنَا} أي لخلقَنا بطريقِ التوالدِ {مّنكُمْ} وأنتمُ رجالٌ ليسَ من شأنِكم الولادةُ.
{مَلَائِكَةٌ} كما خلقناهُم بطريقِ الإبداعِ {فِى الأرض} مستقرينَ فيها كما جعلناهُم مستقرينَ في السماءِ {يَخْلُفُونَ} أي يخلُفونكُم مثلَ أولادِكم فيمَا تأتونَ وما تذرونَ ويُباشرونَ الأفاعيلَ المنوطةَ بمباشرتِكم مع أنَّ شأنَهُم التسبيحُ والتقديسُ في السماءِ فمَنْ شأنُهم بهذه المثابةِ بالنسبةِ إلى القدرةِ الربانيةِ كيفَ يُتوهمُ استحقاقُهم للمعبوديةِ أو انتسابُهم إليهِ تعالى عن ذلكَ عُلوًا كبيرًا.
{وَأَنَّهُ} وإنَّ عيسَى {لَعِلْمٌ لّلسَّاعَةِ} أي إنَّه بنزولِه شرطٌ من أشراطِها، وتسميتُه عِلمًا لحصولِه به أو بحدوثِه بغيرِ أبٍ، أو بإحيائِه المَوْتى دليلٌ على صحةِ البعثِ الذي هو معظمُ ما ينكرهُ الكفرةُ من الأمورِ الواقعة في الساعةِ وقرئ {لَعَلمٌ} أي علامةٌ وقرئ {للعِلْم} وقرئ {لذِكرٌ} على تسميةِ ما يُذكرُ بهِ ذكرًا كتسميةَ ما يُعلمُ بهِ علمًا. وفي الحديث: «إنَّ عيسَى عليه السلام ينزلُ على ثنيةٍ بالأرضِ المقدسةِ يقال لها أفيقُ وعليهِ مُمصَّرتانِ وبيدِه حَرْبةٌ وبها يقتلُ الدجَّالَ فيأتِي بيتَ المقدسِ، والنَّاسُ في صلاةِ الصُّبحِ فيتأخرُ الإمامُ فيُقدِّمُهُ عيسَى عليه السلام ويُصلِّي خلفَهُ على شريعةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم ثم يقتلُ الخنازيرَ ويكسرُ الصليبَ ويُخرِّبُ البِيعَ والكنائسَ ويقتلُ النَّصارَى إلا منْ آمنَ به». وقيلَ: الضميرُ للقرآن لِما أنَّ فيهِ الإعلامَ بالسَّاعةِ {فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا} فلا تشكُنَّ في وقوعِها {واتبعون} أيْ واتبعُوا هُدايَ أو شَرْعي أو رَسُولى، وقيلَ: هُو قول الرسولِ مأمورًا من جهتِه تعالى: {هذا} أي الذي أدعُوكم إليهِ أو القرآن على أنَّ الضميرَ في إنَّه لهُ {صراط مُّسْتَقِيمٍ} موصلٌ إلى الحقِّ.
{وَلاَ يَصُدَّنَّكُمُ الشيطان} عن اتِّباعِي {إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} بيِّنُ العداوةِ حيثُ أخرجَ أباكُم من الجنةِ وعرَّضكُم للبليةِ.
{وَلَمَّا جَاء عيسى بالبينات} أي بالمعجزاتِ أو بآياتِ الإنجيلِ أو بالشرائعِ الواضحاتِ {قال} لبني إسرائيلَ {قَدْ جِئْتُكُم بالحكمة} أى الإنجيل أو الشريعة {وَلأبَيّنَ لَكُم} عطف على مقدر ينبىء عنه المجيء بالحكمة كأنه قيل قد جئتكم بالحكمة لأعلِّمَكُم إيَّاها ولأبين لكم {بَعْضَ الذي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ} وهُو ما يتعلقُ بأمورِ الدِّينِ، وأما ما يتعلقُ بأمورِ الدُّنيا فليسَ بيانُه من وظائفِ الأنبياءِ عليهم السَّلامُ كما قال عليه السلام: «أنتمُ أعلمُ بأمورِ دُنياكُم».
{فاتقوا الله} في مُخَالفتِي {وَأَطِيعُونِ} فيما أبلِّغُه عنْهُ تعالى: {إِنَّ الله هُوَ رَبّى وَرَبُّكُمْ فاعبدوه} بيانٌ لما أمرَهُم بالطاعةِ فيهِ، وهُو اعتقادُ التَّوحيدِ والتَّعبدُ بالشرائعِ {هذا} أي التوحيدُ والتَّعبدُ بالشرائعِ {صراط مُّسْتَقِيمٍ} لا يضِلّ سالِكُه وهُو إمَّا من تتمة كلامِه عليه السلام أو استئنافٌ من جهتِه تعالى مقررٌ لمقالةِ عيسَى عليه السلام.
{فاختلف الأحزاب} الفِرقُ المتحزبةُ {مِن بَيْنِهِمْ} أي مِن بينِ مَنْ بُعثَ إليهم من اليهَّودِ والنصَّارَى.
{فَوَيْلٌ لّلَّذِينَ ظَلَمُواْ} من المختلفينَ {مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ} هو يومُ القيامةِ.
{هَلْ يَنظُرُونَ} أيْ ما ينتظرُ النَّاسُ {إِلاَّ الساعة أَن تَأْتِيَهُمْ} أي إلا إتيانَ الساعةِ.
{بَغْتَةً} أيْ فجأةً لكنْ لا عندَ كونِهم مترقبينَ لها بل غافلينَ عنها مشتغلينَ بأمورِ الدُّنيا منكرينَ لها وذلكَ قوله تعالى: {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ}.
{الأخلاء} المتحابُّون في الدُّنيا على الإطلاقِ أو في الأمورِ الدُّنيويةِ {يَوْمَئِذٍ} يومَ إذْ تأتيهُم الساعةُ {بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} لانقطاعِ ما بينَهم منْ علائقِ الخُلَّةِ والتَّحابِّ لظهورِ كونِها أسبابًا للعذابِ.
{إِلاَّ المتقين} فإنَّ خُلَّتَهم في الدُّنيا لمَّا كانتْ في الله تبقَى على حالِها بل تزدادُ بمشاهدةِ كلَ منهُم آثارَ خُلَّتِهم من الثوابِ ورفعِ الدَّرجاتِ، والاستثناءُ على الأولِ متصلٌ وعلى الثَّانِي منقطِعٌ. اهـ.

.قال الشنقيطي في الآيات السابقة:

قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا موسى بِآيَاتِنَآ إلى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ}.
قد قدمنا الكلام على قصة موسى وفرعون في سورة الأعراف وطه.
قوله تعالى: {وَأَخَذْنَاهُم بالعذاب لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}.
لم يبين هنا نوع العذاب الذي أخذهم به، ولكنه أوضحه في الأعراف في قوله تعالى: {وَقالواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيَاتٍ مّفَصَّلاَتٍ} [الأعراف: 132- 133]، وقوله تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَآ آلَ فِرْعَونَ بالسنين وَنَقْصٍ مِّن الثمرات} [الأعراف: 130] الآية.
{وَقالوا يَا أَيُّهَ السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ (49)}.
ما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة، أوضحه في الأعراف بقوله: {وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرجز قالواْ ياموسى ادع لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرجز لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بني إِسْرَآئِيلَ فَلَماَّ كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرجز إلى أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ} [الأعراف: 134- 135].
والرجز المذكور في الأعراف هو بعينه العذاب المذكور في آية الزخرف هذه.
قوله تعالى عن فرعون: {وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ}.
قد تقدم الكلام عليه في طه في الكلام على قوله تعالى عن موسى {واحلل عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي} [طه: 27].
{فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (53)}.
قد قدمنا الكلام عليه في سورة الفرقان في الكلام على قوله تعالى: {لولا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا} [الفرقان: 7] الآية.
قوله تعالى: {فَلَمَّآ آسَفُونَا انتقمنا مِنْهُمْ}.
آسفونا معناه أغضبونا، وأسخطونا وكون المراد بالأسف الغضب، يدل عليه إطلاق الأسف على أشد الغضب في قوله تعالى: {وَلَمَّا رَجَعَ موسى إلى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا} [الأعراف: 150] على أصح التفسيرين.
{فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ (56)}.
قد قدمنا الكلام عليه في هذه السورة الكريمة، في الكلام على قوله تعالى: {فَأَهْلَكْنَآ أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشًا ومضى مَثَلُ الأولين} [الزخرف: 8].
{وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57)}.
قرأ هذا الحرف نافع وابن عامر والكسائي (يصدون) بضم الصاد.
وقرأه ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة (يصدون) بكسر الصاد.
فعلى قراءة الكسر فمعنى {يصدون} يضجون ويصيحون، وقيل يضحكون، وقيل معنى القراءتين واحد. كيعرشون ويعرشون ويعكفون ويعكفون.
وعلى قراءة الضم فهو من الصدود والفاعل المحذوف في قوله (ضرب).
قال جمهور المفسرين هو عبد الله بن الزبعري السهمي قبل إسلامه.
أي ولما ضرب ابن الزبعري المذكور عيسى ابن مريم مثلًا فاجأك قومك بالضجيج والصياح والضحك، فرحًا منهم وزعمًا منهم أن ابن الزبعري خصمك، أو فاجأك صدودهم عن الإيمان بسبب ذلك المثل.
والظاهر أن لفظة من هنا سببية، ومعلوم أن أهل العربية، يذكرون أن من معاني من السببية، ومنه قوله تعالى: {مِّمَّا خطيائاتهم أُغْرِقُواْ فَأُدْخِلُواْ نَارًا} [نوح: 25].
أي بسبب خطيئاتهم أغرقوا.
ومن ذلك قول الحالفين في أيمان القسامة: أقسم بالله لمن ضربه مات.
وإيضاح معنى ضرب ابن الزبعري عيسى مثلًا أن الله لما أنزل قوله تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} [الأنبياء: 98]، قال ابن الزبعري: إن محمدًا صلى الله عليه وسلم يقول إن كل معبود من دون الله في النار وأننا وأصنامنا جميعًا في النار، وهذا عيسى ابن مريم قد عبده النصارى من دون الله فإن كان ابن مريم مع النصارى الذين عبدوه في النار فقد رضينا أن نكون نحن وآلهتنا معه.
وقالوا مثل ذلك في عزير والملائكة لأن عزيرًا عبده اليهود، والملائكة عبدهم بعض العرب.
فاتضح أن ضربه عيسى مثلًا، يعني أنه على ما يزعم أن محمدًا صلى الله عليه وسلم قاله، من أن كل معبود وعابده في النار، يقتضي أن يكون عيسى مثلًا لأصنامهم، في كون الجميع في النار، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم يثني على عيسى الثناء الجميل، ويبين للناس أنه عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه.
فزعم ابن الزبعري أن كلام النبي صلى الله عليه وسلم لما اقتضى مساواة الأصنام مع عيسى في دخول النار مع أنه صلى الله عليه وسلم يعترف بأن عيسى رسول الله وأنه ليس في النار، دل ذلك على بطلان كلامه عنده.
وعند ذلك أنزل الله {إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الحسنى أولئك عَنْهَا مُبْعَدُونَ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشتهت أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ لاَ يَحْزُنُهُمُ الفزع الأكبر} [الأنبياء: 101- 103] الآية، وأنزل الله أيضًا قوله تعالى: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابن مَرْيَمَ مَثَلًا} [الزخرف: 57] الآية.
وعلى هذا القول فمعنى قوله تعالى: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاَ}، أي ما ضربوا عيسى مثلًا إلا من أجل الجدل والخصومة بالباطل.
وقيل إن جدلًا حال وإتيان المصدر المنكر حالًا كثير، وقد أوضحنا توجيهه مرارًا.
والمراد بالجدل هنا الخصومة بالباطل لقصد الغلبة بغير حق.
قال جماعة من العلماء، والدليل على أنهم قصدوا الجدل بشيء يعلمون في أنفسهم أنه باطل، أن الآية التي تذرعوا بها إلى الجدل، لا تدل البتة، على ما زعموه، وهم أهل اللسان، ولا تخفى عليهم معاني الكلمات.
والآية المذكورة إنما عبر الله فيها بلفظة (ما) التي هي في الموضع العربي لغير العقلاء لأنه قال: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ} [الأنبياء: 98] لم يقل (ومن) تعبدون وذلك صريح في أن المراد الأصنام، وأنه لا يتناول عيسى ولا عزيرًا ولا الملائكة، كما أوضح تعالى أنه لم يرد ذلك بقوله تعالى بعده: {إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الحسنى} [الأنبياء: 101] الآية.
وإذا كانوا يعلمون من لغتهم أن الآية الكريمة، لم تتناول عيسى بمقتضى لسانهم العربي، الذي نزل به القرآن، تحققنا أنهم ما ضربوا عيسى مثلًا، إلا لأجل الجدل، والخصومة بالباطل.