فصل: تفسير الآيات (68- 73):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فإنكما إن تنظراني ساعة ** من الدهر تنفعني لدى أم جندب

وما تضمنته هذه الآية الكريمة، من أن الساعة تأتيهم بغتة، جاء موضحًا في آيات من كتاب الله. كقوله تعالى في الأعراف: {ثَقُلَتْ فِي السماوات والأرض لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً} [الأعراف: 187].
وقوله تعالى في القتال {فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ الساعة أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} [محمد صلى الله عليه وسلم: 18] وقوله تعالى: {مَا يَنظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأُخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً} [يس: 49- 50] الآية.
فالمراد بالصيحة: القيامة.
وقوله: {وَهُمْ يَخِصِّمُونَ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً} الآية، يدل على أنها تأتيهم وهم في غفلة، وعدم شعور بإتيانها، إلى غير ذلك من الآيات. والعلم عند الله تعالى. اهـ.

.تفسير الآيات (68- 73):

قوله تعالى: {يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (68) الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (69) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71) وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72) لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ (73)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما أفهم هذا أنهم لا عداوة بينه، بل يكونون في التواد على أضعاف ما كانوا عليه في الدنيا لما ظهر لهم من توادهم فيها وتناصرهم هو أفضى بهم إلى الفوز الدائم برضوان الله، وصل به حالًا بين فيها ما يتلقاهم به من تواد فيه سبحانه تشريفًا لهم وتسكينًا لما يقتضيه ذلك المقام من الأهوال: {يا عباد} أي مقولا لهم هذا، فخص بالإضافة إليه كما خصوه بالعبادة {لا خوف} أي بوجه من الوجوه {عليكم اليوم} أي في الآخرة مما يحويه ذلك اليوم العظيم من الأهوال والأمور الشداد والزلازل {ولا أنتم تحزنون} أي لا يتجدد لكم حزن على شيء فات في وقت من الأوقات الآتية لأنكم لا يفوتكم شيء تسرون به.
ولما ناداهم بما يطمع فيه سائر أهل الموقف لأن كل حزب يقولون: نحن عباده، خص المرادين بما يوئس غيرهم ولئلا يكون الوصف بالتقوى موقفًا لمن سمعه اليوم من الكفار عن الدخول وكانوا لا يستطيعون ذلك، فوصف سبحانه المتقين بما يهون الوصول إلى درجتهم على غيرهم فقال: {الذين آمنوا} أي أوجدوا هذه الحقيقة {بآياتنا} الظاهر عظمتها في نفسها أولًا وبنسبتها إلينا ثاينًا {وكانوا} أي دائمًا بما هو لهم كالجبلة والخلق {مسلمين} أي منقادين للأوامر والنواهي أتم انقياد، فبذلك يصلون إلى حقيقة التقوى التامة.
ولما ذكر ما لهم بشارة لهم وترغيبًا لغيرهم في اللحاق بهم على وجه فيه إجمال، شرح ذلك بقوله: {ادخلوا الجنة} ولما كانت الدار لا تكمل إلا بالرفيق السار، قال تعالى: {أنتم وأزواجكم} أي نساؤكم اللاتي كن مشاكلات لكم في الصفات، وأما قرناؤهم من الرجال فدخلوا في قوله: {كانوا مسلمين} {تحبرون} أي تكرمون وتزينون فتسرون سرورًا يظهر أثره عليكم مستمرًا يتجدد أبدًا.
ولما كان هذا أمرًا سائقًا إلى حالهم سابقًا لمن كان واقفًا عنهم إلى وصالهم، أقبل على ما لعله يوقفه الاشتغال بلهو أو مال محركًا لما جهل منه، ومنبهًا على ما غفل عنه، فقال عائدًا إلى الغيبة ترغيبًا في التقوى: {يطاف عليهم} أي المتقين الذين جعلناهم بهذا النداء ملوكًا {بصحاف} جمع صحفة وهي القصعة {من ذهب} فيها من ألوان الأطعمة والفواكه والحلوى ما لا يدخل تحت الوهم.
ولما كانت آنية الشرب في الدنيا أقل من آنية الأكل، جرى على ذلك المعهود، فعبر بجمع القلة في قوله: {وأكواب} جمع كوب وهو كوز مستدير مدور الرأس لا عروة له، قد تفوق عن شيء منه اليد أو الشفقة أو يلزم منها بشاعة في شيء من دائر الكوز، وإيذانًا بأنه لا حاجة أصلًا إلى تعليق شيء لتزيد أوصافه عن أذى أو نحو ذلك.
ولما رغب فيها بهذه المغيبات، أجمل بما لا يتمالك معه عاقل عن المبادرة إلى الدخول فيما يخصها فقال: {وفيها} أي الجنة.
ولما كانت اللذة محصورة في المشتهى قال تعالى: {ما تشتهيه الأنفس} من الأشياء المعقولة والمسموعة والملموسة وغيرها جزاء لهم على ما منعوا أنفسهم من الشهوات في الدنيا، ولما كان ما يخص المبصرات من ذلك أعظم، خصها فقال: {وتلذ الأعين} من الأشياء المبصرة التي أعلاها النظر إلى وجهه الكريم تعالى، جزاء ما تحملوه من مشاق الاشتياق.
ولما كان ذلك لا يكمل طيبه إلا بالدوام، قال عائدًا إلى الخطاب لأنه أشرف وألذ مبشر لجميع المقبلين على الكتاب، والملتفت إليهم بالترغيب في هذا الثواب، بشارة لهذا النبي الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام بما قدمه في أول السورة وأثنائها من بلوغ قومه نهاية العقل والعلم والموصلين إلى أحسن العمل الموجب للسعادة: {وأنتم فيها خالدون} لبقائها وبقاء كل ما فيها، فلا كلفة عليكم أصلًا من خوف من زوال ولا حزن من فوات.
ولما كان التقدير: الجنة التي لمثلها يعمل العاملون، عطف عليه قوله مشيرًا إلى فخامتها بأداة البعد: {وتلك الجنة} أي العالية المقام {التي} ولما كان الإرث أمكن للملك، وكان مطمح النفوس إلى المكنة في الشيء مطلقًا لا يبعد، بني للمفعول قوله تعالى: {أورثتموها} ولما كان ما حصله الإنسان بسعيه ألذ في نفسه لسرورة بالتمتع به وبالعمل الذي كان من سببه، قال تعالى: {بما} وبين أن العمل كان لهم كالجبلة التي جبلوا عليها، فالمنّة لربهم في الحقيقة بما زكى لهم أنفسهم بقوله: {كنتم تعملون} أي مواظبين على ذلك لا تفترون.
ولما كان الأكل أعم الحاجات وأعم الطلبات، قال تعالى مبينًا أن جميع أكلهم تفكه ليس فيه شيء تقوتًا لأنه لا فناء فيها لقوة ولا غيرها لتحفظ بالأكل ولا ضعف {لكم فيها فاكهة} أي ما يؤكل تفكهًا وإن كان لحمًا وخبزًا.
ولما كان ما يتفكه في الدنيا قليلًا قال تعالى: {كثيرة} ودل مع الكثرة على دوام النعمة بقصد التفكه بكل شيء فيها بقوله: {منها} أي لا من غيرها مما يلحظ فيه التقوت {تأكلون} فلا تنفد أبدًا ولا تتأثر بأكل الآكلين لأنها على صفة الماء النابع، لا يؤخذ منه شيء إلا خلف مكانه مثله أو أكثر منه في الحال. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

وقوله تعالى: {يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون}.
وقد ذكرنا مرارًا أن عادة القرآن جارية بتخصيص لفظ العباد، بالمؤمنين المطيعين المتقين، فقوله: {يا عِبَادِ} كلام الله تعالى، فكأن الحق يخاطبهم بنفسه ويقول لهم {ياعباد لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ اليوم وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ} وفيه أنواع كثيرة مما يوجب الفرح أولها: أن الحق سبحانه وتعالى خاطبهم بنفسه من غير واسطة وثانيها: أنه تعالى وصفهم بالعبودية، وهذا تشريف عظيم، بدليل أنه لما أراد أن يشرف محمدًا صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج، قال: {سُبْحَانَ الذي أسرى بِعَبْدِهِ} [الإسراء: 1] وثالثها: قوله: {لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ اليوم} فأزال عنهم الخوف في يوم القيامة بالكلية، وهذا من أعظم النعم ورابعها: قوله: {وَلا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ} فنفى عنهم الحزن بسبب فوت الدنيا الماضية.
ثم قال تعالى: {الذين ءَامَنُواْ بآياتنا وَكَانُواْ مُسْلِمِينَ} قيل {الذين آمَنُواْ} مبتدأ، وخبره مضمر، والتقدير يقال لهم: أدخلوا الجنة، ويحتمل أن يكون المعنى أعني الذين آمنوا، قال مقاتل: إذا وقع الخوف يوم القيامة، نادى منادٍ {ياعباد لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ اليوم} فإذا سمعوا النداء رفع الخلائق رءوسهم، فيقال: {الذين ءَامَنُواْ بآياتنا وَكَانُواْ مُسْلِمِينَ} فتنكس أهل الأديان الباطلة رءوسهم الحكم الثالث: من وقائع القيامة، أنه تعالى إذا أمن المؤمنين من الخوف والحزن، وجب أن يمر حسابهم على أسهل الوجوه وعلى أحسنها، ثم يقال لهم {ادخلوا الجنة أَنتُمْ وأزواجكم تُحْبَرُونَ} والحبرة المبالغة في الإكرام فيما وصف بالجميل، يعني يكرمون إكرامًا على سبيل المبالغة، وهذا مما سبق تفسيره في سورة الروم.
ثم قال: {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بصحاف مِّن ذَهَبٍ وأكواب} قال الفراء: الكوب المستدير الرأس الذي لا أذن له، فقوله: {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بصحاف مِّن ذَهَبٍ} إشارة إلى المطعوم، وقوله: {وَأَكْوابٍ} إشارة إلى المشروب، ثم إنه تعالى ترك التفصيل وذكر بيانًا كليًا، فقال: {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأنفس وَتَلَذُّ الأعين وَأَنتُمْ فِيهَا خالدون}.
ثم قال: {وَتِلْكَ الجنة التي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} وقد ذكرنا في وراثة الجنة وجهين في قوله: {أولئك هُمُ الوارثون الذين يَرِثُونَ الفردوس} [المؤمنون: 10، 11] ولما ذكر الطعام والشراب فيما تقدم، ذكر ههنا حال الفاكهة، فقال: {لَكُمْ فِيهَا فاكهة مّنْهَا تَأْكُلُونَ}.
واعلم أنه تعالى بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم إلى العرب أولًا، ثم إلى العالمين ثانيًا، والعرب كانوا في ضيق شديد بسبب المأكول والمشروب والفاكهة، فلهذا السبب تفضل الله تعالى عليهم بهذه المعاني مرة بعد أخرى، تكميلًا لرغبتهم وتقوية لدواعيهم. اهـ.

.قال القرطبي:

{يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (68)}.
قال مقاتل ورواه المعتمر بن سليمان عن أبيه: ينادي منادٍ في العَرَصات يا عِبادِي لا خوف عليكم اليوم، فيرفع أهل العَرْصة رءوسهم، فيقول المنادي: {الذين آمَنُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ مُسْلِمِينَ} [الزخرف: 69] فينكّس أهل الأديان رءوسهم غير المسلمين.
وذكر المحاسبي في الرعاية: وقد روي في هذا الحديث أن المنادي ينادي يوم القيامة: (يا عبادي لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ الْيَوْمَ وَلاَ أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ) فيرفع الخلائق رءوسهم، يقولون: نحن عباد الله.
ثم ينادي الثانية: {الذين آمَنُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ مُسْلِمِينَ} فينكّس الكفار رءوسهم ويبقى الموحدون رافعي رءوسهم.
ثم ينادي الثالثة: {الذين آمَنُواْ وَكَانُواْ يتَّقُونَ} فينكس أهل الكبائر رءوسهم، ويبقى أهل التقوى رافعي رءوسهم، قد أزال عنهم الخوف والحزن كما وعدهم؛ لأنه أكرم الأكرمين، لا يخذل ولِيّه ولا يُسلمه عند الهلكة.
وقرىء {يَا عِبَادِ}.
{الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (69)}.
قال الزجاج: {الَّذِينَ} نصب على النعت لـ: {عبادي} لأن {عِبَادِي} منادى مضاف.
وقيل: {الَّذِينَ آمَنُوا} (خبر لمبتدأ محذوف أو) ابتداء وخبره محذوف؛ تقديره هم الذين آمنوا، أو الذين آمنوا يقال لهم: {ادخلوا الجنة}.
وقرأ أبو بكر وزِرّ بن حُبيش {يَا عِبَادِيَ} بفتح الياء وإثباتها في الحالين؛ ولذلك أثبتها نافع وابن عامر وأبو عمرو ورُوَيْس ساكنة في الحالين.
وحذفها الباقون في الحالين؛ لأنها وقعت مثبتة في مصاحف أهل الشام والمدينة لا غير.
{ادخلوا الجنة} أي يقال لهم ادخلوا الجنة، أو يا عبادي الذين آمنوا ادخلوا الجنة.
{أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ} المسلمات في الدنيا.
وقيل: قرناؤكم من المؤمنين.
وقيل: زوجاتكم من الحور العين.
{تُحْبَرُونَ} تكرمون؛ قاله ابن عباس؛ والكرامة في المنزلة.
الحسن: تفرحون، والفرح في القلب.
قتادة: ينعمون؛ والنعيم في البدن.
مجاهد: تسرّون؛ والسرور في العين.
ابن أبي نجِيح: تعجبون؛ والعجب هاهنا درك ما يستطرف.
يحيى بن أبي كثير: هو التلذذ بالسماع.
وقد مضى هذا في (الروم).
{يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71)}.
فيه أربع مسائل:
الأولى قوله تعالى: {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ} أي لهم في الجنة أطعمة وأشربة يطاف بها عليهم في صِحاف من ذهب وأكواب.
ولم يذكر الأطعمة والأشربة؛ لأنه يعلم أنه لا معنى للإطافة بالصحاف والأكواب عليهم من غير أن يكون فيها شيء.
وذكر الذهب في الصحاف واستغنى به عن الإعادة في الأكواب؛ كقوله تعالى: {والذاكرين الله كَثِيرًا والذاكرات} [الأحزاب: 35].
وفي الصحيحين عن حُذيفة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تلبسوا الحرير ولا الديباج ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة» وقد مضى في سورة (الحج) أن من أكل فيهما في الدنيا أو لبس الحرير في الدنيا ولم يتب حُرِم ذلك في الآخرة تحريمًا مؤبدًا.
والله أعلم.
وقال المفسرون: يطوف على أدناهم في الجنة منزلة سبعون ألف غلام بسبعين ألف صحفة من ذهب، يُغْدَى عليه بها، في كل واحدة منها لون ليس في صاحبتها، يأكل من آخرها كما يأكل من أولها، ويجد طعم آخرها كما يجد طعم أولها، لا يشبه بعضه بعضًا، ويراح عليه بمثلها.
ويطوف على أرفعهم درجة كل يوم سبعمائة ألف غلام، مع كل غلام صحفة من ذهب، فيها لون من الطعام ليس في صاحبتها، يأكل من آخرها كما يأكل من أولها، ويجد طعم آخرها كما يجد طعم أولها، لا يشبه بعضه بعضًا.
{وَأَكْوَابٍ} أي ويطاف عليهم بأكواب؛ كما قال تعالى: {وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ} [الإنسان: 15] وذكر ابن المبارك قال: أخبرنا مَعْمَر عن رجل عن أبي قِلابة قال: يؤتون بالطعام والشراب، فإذا كان في آخر ذلك أوتوا بالشراب الطهور فتَضْمُر لذلك بطونهم، ويفيض عرقًا من جلودهم أطيب من ريح المسك؛ ثم قرأ {شَرَابًا طَهُورًا} [الإنسان: 21].
وفي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون ولا يَتْفُلُون ولا يبولون ولا يتغوّطون ولا يمتخِطون قالوا فما بال الطعام؟ قال: جُشاء ورَشْح كرشح المسك يُلْهَمُون التّسبيح والتحميد والتكبير في رواية كما يلهمون النَّفَس».
الثانية روى الأئمة من حديث أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الذي يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يُجَرْجِر في بطنه نار جهنم» وقال: «لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها» وهذا يقتضي التحريم، ولا خلاف في ذلك.