فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



واختلف الناس في استعمالها في غير ذلك.
قال ابن العربي: والصحيح أنه لا يجوز للرجل استعمالها في شيء؛ لقول النبيّ صلى الله عليه وسلم في الذهب والحرير: «هذان حرام لذكور أمتي حلّ لإناثها» والنهي عن الأكل والشرب فيها يدل على تحريم استعمالها؛ لأنه نوع من المتاع فلم يجز.
أصله الأكل والشرب، ولأن العلة في ذلك استعجال أمر الآخرة، وذلك يستوي فيه الأكل والشرب وسائر أجزاء الانتفاع؛ ولأنه صلى الله عليه وسلم قال: «هي لهم في الدنيا ولنا في الآخرة» فلم يجعل لنا فيها حظًا في الدنيا.
الثالثة إذا كان الإناء مُضَبَّبًا بهما أو فيه حَلْقة منهما؛ فقال مالك: لا يعجبني أن يُشرب فيه، وكذلك المرآة تكون فيها الحلقة من الفضة ولا يعجبني أن ينظر فيها وجهه.
وقد كان عند أنس إناء مضبّب بفضة وقال: لقد سقيت فيه النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن سيرين: كانت فيه حلقة حديد فأراد أنس أن يجعل فيه حلقة فضة؛ فقال أبو طلحة: لا أغيّر شيئًا مما صنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فتركه.
الرابعة إذا لم يجز استعمالها لم يجز اقتناؤها؛ لأن ما لا يجوز استعماله لا يجوز اقتناؤه كالصنم والطُّنبور.
وفي كتب علمائنا أنه يلزم الغُرْم في قيمتها لمن كسرها، وهو معنى فاسد، فإنّ كسرها واجب فلا ثمن لقيمتها.
ولا يجوز تقويمها في الزكاة بحال.
وغير هذا لا يلتفت إليه.
قوله تعالى: {بِصِحَافٍ} قال الجوهري: الصحفة كالقَصْعة والجمع صِحاف.
قال الكسائي: أعظم القصاع الجَفْنة ثم القَصْعة تليها تُشبع العشرة، ثم الصحفة تشبع الخمسة، ثم المِئْكلة تُشبع الرجلين والثلاثة، ثم الصُّحَيفة تشبع الرجل.
والصحيفة الكتاب والجمع صحف وصحائف.
قول تعالى: {وَأَكْوَابٍ} قال الجوهري: الكوب كوز لا عروة له، والجمع أكواب.
قال الأعشى يصف الخمر:
صرِيفِيّة طَيِّبٌ طَعْمُها ** لها زَبَدٌ بين كُوبٍ ودَنّ

وقال آخر:
مُتَّكِئًا تَصْفِق أبوابُه ** يسعى عليه العبْدُ بالكوب

وقال قتادة: الكوب المدوّر القصير العنق القصير العروة.
والإبريق: المستطيل العنق الطويل العروة.
وقال الأخفش: الأكواب الأباريق التي لا خراطيم لها.
وقال قُطْرُب: هي الأباريق التي ليست لها عُرًى.
وقال مجاهد: إنها الآنية المدورة الأفواه.
السُّدّي: هي التي لا آذان لها.
ابنَ عزيز: {أكواب} أباريق لا عُرَى لها ولا خراطيم؛ واحدها كوب.
قلت: وهو معنى قول مجاهد والسُّدّي، وهو مذهب أهل اللغة أنها التي لا آذان لها ولا عُرًى.
قوله تعالى: {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأنفس وَتَلَذُّ الأعين} روى الترمذيّ عن سليمان بن بُريدة عن أبيه أن رجلًا سأل النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، هل في الجنة من خيل؟ قال: «إنِ اللّهُ أدخلك الجنة فلا تشاء أن تحمل فيها على فرس من ياقوتة حمراء يطير بك في الجنة حيث شئت».
قال: وسأله رجل فقال يا رسول الله، هل في الجنة من إبل؟ قال: فلم يقل له مثل ما قال لصاحبه قال: «إنْ يُدخلك الله الجنة يكن لك فيها ما اشتهت نفسك ولَذّت عينك».
وقرأ أهل المدينة وابن عامر وأهل الشام {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ اْلأَنْفُسُ}، الباقون {تَشْتَهي اْلأَنْفُسُ} أي تشتهيه الأنفس؛ تقول الذي ضربت زيد، أي الذي ضربته زيد.
{وَتَلَذُّ الأعين} تقول: لذّ الشيءُ يَلَذُّ لذاذًا، ولذاذة.
ولَذِذت بالشيء أَلذّ (بالكسر في الماضي والفتح في المستقبل) لذاذًا ولذاذة؛ أي وجدته لذيذًا.
والتذذت به وتلذّذت به بمعنًى.
أي في الجنة ما تستلذه العين فكان حَسَن المَنْظَر.
وقال سعيد بن جبير: {وَتَلَذُّ اْلأَعْيُنُ} النظر إلى الله عز وجل؛ كما في الخبر: «أسألك لذة النظر إلى وجهك».
{وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} باقون دائمون؛ لأنها لو انقطعت لتبغضت.
قوله تعالى: {وَتِلْكَ الجنة} أي يقال لهم هذه تلك الجنة التي كانت توصف لكم في الدنيا.
وقال ابن خالَوَيه: أشار تعالى إلى الجنة بتلك وإلى جهنم بهذه؛ ليخوّف بجهنم ويؤكد التحذير منها.
وجعلها بالإشارة القريبة كالحاضرة التي ينظر إليها.
{التي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} قال ابن عباس: خلق الله لكل نفس جنة ونارًا؛ فالكافر يرث نار المسلم، والمسلم يرث جنة الكافر؛ وقد تقدّم هذا مرفوعًا في {قَدْ أَفْلَحَ المؤمنون} [المؤمنون: 1] من حديث أبي هريرة، وفي (الأعراف) أيضًا.
{لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ (73)}.
الفاكهة معروفة، وأجناسها الفواكه، والفاكِهانيّ الذي يبيعها.
وقال ابن عباس: هي الثمار كلها، رطبها ويابسها؛ أي لهم في الجنة سوى الطعام والشراب فاكهة كثيرة يأكلون منها. اهـ.

.قال الألوسي:

{يا عباد لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ اليوم وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ}.
حكاية لما ينادي به المتقون المتحابون في الله تعالى يومئذ فهو بتقدير قول أي فيقال لهم يا عبادي الخ أو فأقول: لهم بناء على أن المنادي هو الله عز وجل تشريفًا لهم، وعن المعتمر بن سليمان أن الناس حين يبعثون ليس منهم أحدًا لا يفزع فينادي مناديًا عباد الخ فيرجوها الناس كلهم فيتبعها قوله تعالى: {الذين ءامَنُواْ الذين ءامَنُواْ بآياتنا} فييأس منها الكفار، فيا عباد عام مخصوص إما بالآية السابقة وإما باللاحقة، والأول أوفق من أوجه عديدة.
والموصول إما صفة للمنادي أو بدل أو مفعول لمقدر أي أمدح ونحوه، وجملة {وَكَانُواْ مُسْلِمِينَ} حال من ضمير {ءامَنُواْ} بتقدير قد أو بدونه، وجوز عطفها على الصلة، ورجحت الحالية بأن الكلام عليها أبلغ المراد بالإسلام هنا الانقياد والإخلاص ليفيد ذكره بعد الايمان فإذا جعل حالًا أفاد بعد تلبسهم به في الماضي اتصاله بزمان الايمان، وكان تدل على الاستمرار أيضًا ومن هنا جاء التأكيد والأبلغية بخلاف العطف، وكذا الحال المفردة بأن يقال: الذين آمنوا بآياتنا مخلصين، وقرأ غير واحد من السبعة {فِى عِبَادِى} بالياء على الأصل، والحذف كثير شائع وبه قرأ حفص وحمزة والكسائي، وقرأ ابن محيصن {لاَ خَوْفٌ} بالرفع من غير تنوين، والحسن والزهري وابن أبي إسحق وعيسى وابن يعمر ويعقوب بفتحها من غير تنوين.
{ادخلوا الجنة أَنتُمْ وأزواجكم} نساؤكم المؤمنات فالإضافة للاختصاص التام فيخرج من لم يؤمن منهم {تُحْبَرُونَ} تسرون سرورًا يظهر حباره أي أثره من النضرة والحسن على وجوهكم كقوله تعالى: {تَعْرِفُ في وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النعيم} [المطففين: 24] أو تزينون من الحبر بفتح الحاء وكسرها وهو الزينة وحسن الهيئة؛ وهذا متحد بما قبله معنى والفرق في المشتق منه، وقال الزجاج: أي تكرمون إكرامًا يبالغ فيه، والحبرة بالفتح المبالغة في الفعل الموصوف بأنه جميل ومنه الإكرام فهو في الأصل عام أريد به بعض أفراده هنا.
{يُطَافُ عَلَيْهِمْ} بعد دخولهم الجنة حيثما أمروا به {بصحاف مّن ذَهَبٍ وأكواب} كذلك، والصحاف جمع صحفة قيل هي كالقصعة، وقيل: أعظم أواني الأكل الجفنة ثم القصعة ثم الصحفة ثم الكيلة.
والأكواب جمع كوكب وهو كوز لا عروة له، وهذا معنى قول مجاهد لا إذن له، وهو على ما روى عن قتادة دون الإبريق، وقال: بلغنا أنه مدور الرأس ولما كانت أواني المأكول أكثر بالنسبة لأواني المشروب عادة جمع الأول جمع كثرة والثاني جمع قلة، وقد تظافرت الأخبار بكثرة الصحاف، أخرج ابن المبارك وابن أبي الدنيا في صفة الجنة والطبراني في (الأوسط) بسند رجاله ثقات عن أنس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أسفل أهل الجنة أجمعين درجة لمن يقوم على رأسه عشرة آلاف خادم بيد كل واحد صحفتان واحدة من ذهب والأخرى من فضة في كل واحدة لون ليس في الأخرى مثله يأكل من آخرها مثل ما يؤكل من أولها يجد لآخرها من الطيب واللذة مثل الذي يجد لأولها ثم يكون ذلك كرشح المسك الأذفر لا يبولون ولا يتغوطون ولا يمتخطون إخوانًا على سرر متقابلين» وفي حديث رواه عكرمة «إن أدنى أهل الجنة منزلة وأسفلهم درجة لرجل لا يدخل بعده أحد يفسح له في بصره مسيرة عام في قصور من ذهب وخيام من لؤلؤ ليس فيها موضع شبر إلا معمور يغدي عليه كل يوم ويراح بسبعين ألف صحفة في كل صحفة لون ليس في الأخرى مثله شهوته في آخرها كشهوته في أولها لو نزل عليه جميع أهل الأرض لوسع عليهم مما أعطى لا ينقص ذلك مما أوتي شيئًا» وروى ابن أبي شيبة هذا العدد عن كعب أيضًا، وإذا كان ذلك لودنى فما ظنك بالأعلى، رزقنا الله تعالى ما يليق بجوده وكرمه.
وأمال أبو الحرث عن الكسائي كما ذكر ابن خالويه بصحاف {وَفِيهَا} أي في الجنة {مَا تَشْتَهِيهِ} من فنو الملاذ {وَتَلَذُّ الاعين} أي تستلذ وتقر بمشاهدته، وذكر ذلك الشامل لكل لذة ونعيم بعد ذكر الطواف عليهم بأواني الذهب الذي هو بعض من التنعم والترفه تعميم بعد تخصيص كما أن ذكر لذة العين التي هي جاسوس النفس بعد اشتهاء النفس تخصيص بعد تعميم، وقال بعض الأجلة: إن قوله تعالى: {يُطَافُ عَلَيْهِمْ} بصحاف دل على الأطعمة {وَأَكْوابٍ} على الأشربة، ولا يبعد أن يحمل قوله سبحانه: {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأنفس} على المنكح والملبس وما يتصل بهما ليتكامل جميع المشتهيات النفسانية فبقيت اللذة الكبرى وهي النظر إلى وجه الله تعالى الكريم فكنى عنه بقوله عز وجل: {وَتَلَذُّ الاعين} ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه النسائي عن أنس: «حبب إلى الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة» وقال قيس بن ملوح:
ولقد هممت بقتلها من حبها ** كيما تكون خصيمتي في المحشر

حتى يطول على الصراط وقوفنا ** وتلذ عيني من لذيذ المنظر

ويوافق هذا قول الإمام جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه: شتان بين ما تشتهي الأنفس وبين ما تلذ الأعين لأن جميع ما في الجنة من النعيم والشهوات في جنب ما تلذ الأعين كأصبع تغمس في البحر لأن شهوات الجنة لها حد ونهاية لأنها مخلوقة ولا تلذ عين في الدار الباقية إلا بالنظر إلى الباقي جل وعز ولا حد لذلك ولا صفة ولا نهاية انتهى، ويعلم مما ذكر أن المعنى على اعتبار وفيها ما تلذ الأعين وعلى ذلك بني الزمخشري قوله: هذا حصر لأنواع النعم لأنها أما مشتهاة في القلوب أو مستلذة في الأعين، وتعقبه في (الكشف) فقال: فيه نظر لانتقاضه بمستلذات سائر المشاعر الخمس، فإن قيل: إنها من القسم الأول قلنا: مستلذ العين كذلك فالوجه أنه ذكر تعظيمًا لنعيمها بأنه مما يتوافق فيه القلب والعين وهو الغاية عندهم في المحبوب لأن العين مقدمة القلب؛ وهذا قول بأنه ليس في الجملة الثانية اعتبار موصول آخر بل هي والجملة قبلها صلتان لموصول واحد وهو المذكور، وما تقدم هو الذي يقتضيه كلام الأكثرين، وحذف الموصول في مثل ذلك شائع، ولا مانع من إدخال النظر إلى وجهه تعالى الكريم فيما تلذ الأعين على ما ذكرناه أولًا، و{ءالَ} في الأنفس والأعين للاستغراق على ما قيل، ولا فرق بين جمع القلة والكثرة.
ولعل من يقول: بأن استغراق المفرد أشمل من استغراق الجمع ويفرق بين الجمعين في المبدإ والمنتهى يقول: بأن استغراق جمع القلة أشمل من استغراق جمع الكثرة، وقيل: هي للعهد، وقيل: عوض عن المضاف إليه أي ما تشتهيه أنفسهم وتلذ أعينهم، وجمع النفس والعين الباصرة على أفعل في كلامهم أكثر من جمعهما على غيره بل ليس في القرآن الكريم جمع الباصرة إلا على ذلك، وما أنسب هذا الجمع هنا لمكان {الاخلاء} [الزخرف: 67] وحمل ما تشتهيه النفس على المنكح والملبس وما يتصل بهما خلاف الظاهر.
وفي الأخبار أيضًا ما هو ظاهر في العموم، أخرج ابن أبي شيبة والترمذي وابن مردويه عن بريدة قال: «جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هل في الجنة خيل فإنها تعجبني؟ قال: إن أحببت ذلك أتيت بفرس من ياقوتة حمراء فتطير بك في الجنة حيث شئت، فقال له رجل: إن الإبل تعجبني فهل في الجنة من إبل؟ فقال: يا عبد الله إن أدخلت الجنة فلك فيها ما تشتهي نفسك ولذت عينك».
وأخرج أيضًا نحوه عن عبد الرحمن بن سابط وقال: هو أصح من الأول، وجاء نحوه أيضًا في روايات أخر فلا يضره ما قيل من ضعف إسناده، ولا يشكل على العموم أن اللواطة مثلًا لا تكون في الجنة لأن ما لا يليق أن يكون فيها لا يشتهي بل قيل في خصوص اللواطة أنه لا يشتهيها في الدنيا الأنفس السليمة.
واختلف الناس هل يكون في الجنة حمل أم لا فذهب بعض إلى الأول، فقد أخرج الإمام أحمد. وهناد والدارمي وعبد بن حميد. وابن ماجه وابن حبان والترمذي وحسنه وابن المنذر والبيهقي في البعث عن أبي سعيد الخدري قال: «قلنا يا رسول الله إن الولد من قرة العين وتمام السرور فهل يولد لأهل الجنة؟ فقال عليه الصلاة والسلام: إن المؤمن إذا اشتهى الولد في الجنة كان حمله ووضعه وسنه في ساعة كما يشتهي».
وذهب طاوس وإبراهيم النخعي ومجاهد وعطاء وإسحق بن إبراهيم إلى الثاني.
فقد روى عن أبي رزين العقيلي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن أهل الجنة لا يكون لهم ولد». وفي حديث لقيط الطويل الذي رواه عبد الله بن الإمام أحمد. وأبو بكر بن عمرو وأبو أحمد محمد بن أحمد بن إبراهيم والطبراني وابن حبان ومحمد بن إسحاق بن منده وابن مردويه وأبو نعيم وجماعة من الحفاظ وتلقاه الأئمة بالقبول وقال فيه ابن منده: لا ينكر هذا الحديث إلا جاحد أو جاهل أو مخالف للكتاب والسنة قلت: «يا رسول الله أو لنا فيها يعني الجنة أزواج أو منهن مصلحات؟ قال: المصلحات للمصلحين تلذذونهن ويلذذنكم مثل لذاتكم في الدنيا غير أن لا توالد».
وقال مجاهد وعطاء قوله تعالى: {وَلَهُمْ فِيهَا أزواج مُّطَهَّرَةٌ} [البقرة: 25] أي مطهرة من الولد والحيض والغائط والبول ونحوها، وقال إسحاق بن إبراهيم في حديث أبي سعيد السابق: إنه على معنى إذا اشتهى المؤمن الولد في الجنة كان حمله ووضعه وسنه في ساعة كما يشتهي ولكن لا يشتهي، وتعقب بأن {إِذَا} لمتحقق الوقوع ولو أريد ما ذكر لقيل: لو اشتهى، وفي حادي الأرواح إسناد حديث أبي سعيد على شرط الصحيح فرجاله يحتج بهم فيه ولكنه غريب جدًا.
وقال السفاريني في (البحور الزاخرة) حديث أبي سعيد أجود أسانيده إسناد الترمذي وقد حكم عليه بالغرابة وأنه لا يعرف إلا من حديث أبي الصديق التاجي وقد اضطرب لفظه فتارة يروى عنه إذا اشتهى الولد وتارة أنه يشتهي الولد وتارة أن الرجل ليولد له، وإذا قد تستعمل لمجرد التعليق الأعم من المحقق وغيره، ورجح القول بعدم الولادة بعشرة وجوه مذكورة فيها، وأنا أختار القول بالولادة كما نطق بها حديث أبي سعيد وقد قال فيه الأستاذ أبو سهل فيما نقله الحاكم: إنه لا ينكره إلا أهل الزيغ، وفيه غير إسناد، وليس تكون الولد على الوجه المعهود في الدنيا بل يكون كما نطق به الحديث ومتى كان كذلك فلا يستبعد تكونه من نسيم يخرج وقت الجماع، وزعم أن الولد إنما يخلق من المني فحيث لا مني في الجنة كما جاء في الاخبار لا خلق فيه تعجيز للقدرة، ولا ينافي ذلك ما في خديث لقيط لأن المراد هناك نفي التوالد المعهود في الدنيا كما يشير إليه وقوع غير أن لا توالد بعد قوله عليه الصلاة والسلام: «مثل لذاتكم في الدنيا»، ويقال نحو ذلك في حديث أبي رزين جمعًا بين الأخبار، ثم إن التوالد ليس على سبيل الاستمرار بل هو تابع للاشتهاء ولا يلزم استمراره فالقول بأنه إن استمر لزم وجود أشخاص لا نهاية لها وإن انقطع لزم انقطاع نوع من لذة أهل الجنة ليس بشيء، وما قيل: إنه قد ثبت في (الصحيح) أنه صلى الله عليه وسلم قال: «يبقى في الجنة فضل فينشى الله تعالى لها خلقًا يسكنهم إياها» ولو كان في الجنة إيلاد لكان الفضل لأولادهم الملازمة فيه ممنوعة لجواز أن يقال من يشتهي الولد يشتهي أن يكون معه في منزله، والقول بأن التوالد في الدنيا لحكمة بقاء النوع وهو باق في الجنة بدون توالد فيكون عبثًا يرد عليه أنه ما المانع من أن يكون هناك للذة ونحوها كالأكل والشرب فإنهما في الدنيا لشيء وفي الجنة لشيء آخر، وبالجملة ما ذكر لترجيح عدم الولادة من الوجوه مما لا يخفى حاله على من له ذهن وجيه.