فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال أبو عبيد: لو كانت من الصدود عن الحق لقال: إذا قومك عنه يصدّون.
وقال الفراء: هما سواء منه، وعنه.
وقال أبو عبيدة: من ضمّ، فمعناه: يعدلون، ومن كسر، فمعناه: يضجون.
{وَقالواْ ءالِهَتِنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ} أي: ءآلهتنا خير أم المسيح؟ قال السدّي، وابن زيد: خاصموه، وقالوا: إن كان كل من عبد غير الله في النار، فنحن نرضى أن تكون آلهتنا مع عيسى، وعزير، والملائكة.
وقال قتادة: يعنون محمدًا، أي: ءآلهتنا خير أم محمد؟ ويقوّي هذا قراءة ابن مسعود: ءآلهتنا خير أم هذا.
قرأ الجمهور بتسهيل الهمزة الثانية بين بين، وقرأ الكوفيون، ويعقوب بتحقيقها.
{مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاَ} أي: ما ضربوا لك هذا المثل في عيسى إلا ليجادلوك، على أن جدلًا منتصب على العلة، أو مجادلين على أنه مصدر في موضع الحال، وقرأ ابن مقسم: (جدالًا) {بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} أي: شديدو الخصومة كثيرو اللدد عظيمو الجدل.
ثم بيّن سبحانه أن عيسى ليس بربّ، وإنما هو عبد من عباده اختصه بنبوّته، فقال: {إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ} بما أكرمناه به {وجعلناه مَثَلًا لّبَنِى إسراءيل} أي: آية، وعبرة لهم يعرفون به قدرة الله سبحانه، فإنه كان من غير أب، وكان يحيي الموتى، ويبرىء الأكمه والأبرص، وكل مريض {وَلَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَا مِنكُمْ مَّلَئِكَةً في الأرض يَخْلُفُونَ} أي: لو نشاء أهلكناكم وجعلنا بدلًا منكم ملائكة في الأرض يخلفون، أي: يخلفونكم فيها.
قال الأزهري: ومن قد تكون للبدل كقوله: {لَجَعَلْنَا مِنكُمْ} يريد بدلًا منكم.
وقيل: المعنى: لو نشاء لجعلنا من بني آدم ملائكة، والأوّل أولى.
ومقصود الآية: أنا لو نشاء لأسكنا الملائكة الأرض وليس في إسكاننا إياهم السماء شرف حتى يعبدوا.
وقيل: معنى {يَخْلُفُونَ}: يخلف بعضهم بعضًا.
{وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لّلسَّاعَةِ} قال مجاهد، والضحاك، والسدّي، وقتادة: إن المراد المسيح، وإن خروجه مما يعلم به قيام الساعة لكونه شرطًا من أشراطها، لأن الله سبحانه ينزله من السماء قبيل قيام الساعة، كما أن خروج الدّجال من أعلام الساعة.
وقال الحسن وسعيد بن جبير: المراد القرآن، لأنه يدلّ على قرب مجيء الساعة، وبه يعلم وقتها وأهوالها وأحوالها، وقيل المعنى: أن حدوث المسيح من غير أب وإحياءه للموتى دليل على صحة البعث.
وقيل: الضمير لمحمد صلى الله عليه وسلم، والأوّل أولى.
قرأ الجمهور: {لعلم} بصيغة المصدر جعل المسيح علمًا مبالغة لما يحصل من العلم بحصولها عند نزوله، وقرأ ابن عباس، وأبو هريرة، وأبو مالك الغفاري، وقتادة، ومالك بن دينار، والضحاك، وزيد بن علي بفتح العين واللام، أي: خروجه علم من أعلامها، وشرط من شروطها، وقرأ أبو نضرة وعكرمة: (وإنه للعلم) بلامين مع فتح العين واللام، أي: للعلامة التي يعرف بها قيام الساعة {فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا} أي: فلا تشكنّ في وقوعها ولا تكذّبن بها، فإنها كائنة لا محالة {واتبعون هذا صراط مُّسْتَقِيمٌ} أي: اتبعوني فيما آمركم به من التوحيد وبطلان الشرك، وفرائض الله التي فرضها عليكم، هذا الذي آمركم به وأدعوكم إليه طريق قيم موصل إلى الحقّ.
قرأ الجمهور بحذف الياء من {اتبعون} وصلا ووقفا، وكذلك قرءوا بحذفها في الحالين في {أطيعون}، وقرأ يعقوب بإثباتها وصلا ووقفا فيهما، وقرأ أبو عمرو وهي: رواية عن نافع بحذفها في الوصل دون الوقف {وَلاَ يَصُدَّنَّكُمُ الشيطان} أي: لا تغتروا بوساوسه وشبهه التي يوقعها في قلوبكم فيمنعكم ذلك من اتباعي، فإن الذي دعوتكم إليه هو دين الله الذي اتفق عليه رسله وكتبه.
ثم علل نهيهم عن أن يصدّهم الشيطان ببيان عداوته لهم فقال: {إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} أي: مظهر لعداوته لكم غير متحاش عن ذلك ولا متكتم به كما يدلّ على ذلك ما وقع بينه وبين آدم وما ألزم به نفسه من إغواء جميع بني آدم إلا عباد الله المخلصين.
{وَلَمَّا جَاء عيسى بالبينات} أي: جاء إلى بني إسرائيل بالمعجزات الواضحة والشرائع.
قال قتادة: البينات هنا: الإنجيل {قال قَدْ جِئْتُكُم بالحكمة} أي النبوّة، وقيل: الإنجيل، وقيل: ما يرغب في الجميل ويكفّ عن القبيح {وَلأبَيّنَ لَكُم بَعْضَ الذي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ} من أحكام التوراة.
وقال قتادة: يعني: اختلاف الفرق الذين تحزّبوا في أمر عيسى.
قال الزجاج: الذي جاء به عيسى في الإنجيل إنما هو بعض الذي اختلفوا فيه، فبين لهم في غير الإنجيل ما احتاجوا إليه.
وقيل: إن بني إسرائيل اختلفوا بعد موت موسى في أشياء من أمر دينهم.
وقال أبو عبيدة: إن البعض هنا بمعنى الكلّ كما في قوله: {يُصِبْكُمْ بَعْضُ الذي يَعِدُكُمْ} [غافر: 28] وقال مقاتل: هو كقوله: {وَلأِحِلَّ لَكُم بَعْضَ الذي حُرّمَ عَلَيْكُمْ} [آل عمران: 50] يعني: ما أحلّ في الإنجيل مما كان محرّمًا في التوراة كلحم الإبل والشحم من كل حيوان، وصيد السمك يوم السبت واللام في {وَلأبَيّنَ لَكُم} معطوفة على مقدّر كأنه قال: قد جئتكم بالحكمة لأعلمكم إياها ولأبين لكم.
ثم أمرهم بالتقوى والطاعة فقال: {فاتقوا الله} أي: اتقوا معاصيه {وَأَطِيعُونِ} فيما آمركم به من التوحيد والشرائع {إِنَّ الله هُوَ رَبّى وَرَبُّكُمْ فاعبدوه} هذا بيان لما أمرهم بأن يطيعوه فيه {هذا صراط مُّسْتَقِيمٌ} أي: عبادة الله وحده والعمل بشرائعه {فاختلف الأحزاب مِن بَيْنِهِمْ}.
قال مجاهد، والسدّي: الأحزاب هم: أهل الكتاب من اليهود، والنصارى.
وقال الكلبي، ومقاتل: هم فرق النصارى اختلفوا في أمر عيسى.
قال قتادة: ومعنى {مِن بَيْنِهِمْ}: أنهم اختلفوا فيما بينهم، وقيل: اختلفوا من بين من بعث إليهم من اليهود والنصارى، والأحزاب هي: الفرق المتحزبة {فَوَيْلٌ لّلَّذِينَ ظَلَمُواْ} من هؤلاء المختلفين، وهم الذين أشركوا بالله ولم يعملوا بشرائعه {مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ} أي: أليم عذابه وهو يوم القيامة {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ الساعة} أي: هل يرتقب هؤلاء الأحزاب وينتظرون إلا الساعة {أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً} أي: فجأة {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} أي: لا يفطنون بذلك، وقيل: المراد بالأحزاب: الذين تحزّبوا على النبي صلى الله عليه وسلم وكذبوه، وهم المرادون بقوله: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ الساعة} والأوّل أولى.
{الأخلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} أي: الأخلاء في الدنيا المتحابون فيها يوم تأتيهم الساعة بعضهم لبعض عدوّ، أي: يعادي بعضهم بعضًا، لأنها قد انقطعت بينهم العلائق واشتغل كل واحد منهم بنفسه، ووجدوا تلك الأمور التي كانوا فيها أخلاء أسبابًا للعذاب فصاروا أعداء.
ثم استثنى المتقين فقال: {إِلاَّ المتقين} فإنهم أخلاء في الدنيا والآخرة، لأنهم وجدوا تلك الخلة التي كانت بينهم من أسباب الخير والثواب فبقيت خلتهم على حالها {ياعباد لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ اليوم وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ} أي: يقال لهؤلاء المتقين المتحابين في الله بهذه المقالة فيذهب عند ذلك خوفهم ويرتفع حزنهم {الذين ءامَنُواْ بئاياتنا وَكَانُواْ مُسْلِمِينَ} الموصول يجوز أن يكون نعتًا لعبادي، أو بدلًا منه، أو عطف بيان له، أو مقطوعًا عنه في محل نصب على المدح، أو في محل رفع بالابتداء وخبره {ادخلوا الجنة} على تقدير: يقال لهم ادخلوا الجنة.
والأوّل أولى، وبه قال الزجاج.
قال مقاتل: إذا وقع الخوف يوم القيامة نادى منادٍ: يا عبادي لا خوف عليكم، فإذا سمعوا النداء رفع الخلائق رءوسهم، فيقال: الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين، فينكس أهل الأوثان رءوسهم غير المسلمين.
قرأ نافع، وابن عامر، وأبو عمرو: {يا عبادي} بإثبات الياء ساكنة وصلا ووقفا، وقرأ أبو بكر وزرّ بن حبيش بإثباتها وفتحها في الحالين، وقرأ الباقون بحذفها في الحالين {ادخلوا الجنة أَنتُمْ وأزواجكم} المراد بالأزواج: نساؤهم المؤمنات، وقيل: قرناؤهم من المؤمنين، وقيل: زوجاتهم من الحور العين {تُحْبَرُونَ} تكرمون، وقيل: تنعمون، وقيل: تفرحون، وقيل: تسرّون، وقيل: تعجبون، وقيل: تلذذون بالسماع، والأولى تفسير ذلك بالفرح والسرور الناشئين عن الكرامة والنعمة {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بصحاف مّن ذَهَبٍ} الصحاف جمع صحفة وهي: القصعة الواسعة العريضة.
قال الكسائي: أعظم القصاع الجفنة ثم القصعة، وهي تشبع عشرة، ثم الصحفة، وهي تشبع خمسة، ثم المكيلة وهي تشبع الرجلين والثلاثة، والمعنى: أن لهم في الجنة أطعمة يطاف عليهم بها في صحاف الذهب لهم فيها أشربة يطاف عليهم بها في الأكواب وهي جمع كوب.
قال الجوهري: الكوب: كوز لا عروة له، والجمع: أكواب.
قال الأعشى:
صريفية طيب طعمها ** لها زبد بين كوب ودنّ

وقال آخر:
متكئًا تصفق أبوابه ** يسعى عليه العبد بالكوب

قال قتادة: الكوب: المدوّر القصير العنق القصير العروة، والإبريق: المستطيل العنق الطويل العروة.
وقال الأخفش: الأكواب: الأباريق التي لا خراطيم لها.
وقال قطرب: هي الأباريق التي ليست لها عرى.
{وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأنفس وَتَلَذُّ الأعين} قرأ الجمهور: (تشتهي) وقرأ نافع، وابن عامر، وحفص: {تشتهيه} بإثبات الضمير العائد على الموصول، والمعنى: ما تشتهيه أنفس أهل الجنة من فنون الأطعمة والأشربة ونحوهما مما تطلبه النفس وتهواه كائنًا ما كان، وتلذ الأعين من كل المستلذات التي تستلذّ بها وتطلب مشاهدتها، تقول لذّ الشيء يلذ لذاذًا، ولذاذة: إذا وجده لذيذًا والتذّ به، وفي مصحف عبد الله بن مسعود: (تشتهيه الأنفس وتلذه الأعين) {وَأَنتُمْ فِيهَا خالدون} لا تموتون، ولا تخرجون منها {وَتِلْكَ الجنة التى أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} أي: يقال لهم يوم القيامة هذه المقالة، أي: صارت إليكم كما يصير الميراث إلى الوارث بما كنتم تعملونه في الدنيا من الأعمال الصالحة، واسم الإشارة مبتدأ، والجنة صفته، والتي أورثتموها صفة للجنة، والخبر بما كنتم تعملون، وقيل: الخبر الموصول مع صلته، والأوّل أولى {لَكُمْ فِيهَا فاكهة كَثِيرَةٌ} الفاكهة معروفة، وهي: الثمار كلها رطبها، ويابسها، أي: لهم في الجنة سوى الطعام والشراب، فاكهة كثيرة الأنواع، والأصناف {مّنْهَا تَأْكُلُونَ} (من) تبعيضية، أو ابتدائية، وقدّم الجار لأجل الفاصلة.
وقد أخرج أحمد، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه عن ابن عباس: أن رسول الله قال لقريش: «إنه ليس أحد يعبد من دون الله فيه خير»، قالوا: ألست تزعم أن عيسى كان نبيًا، وعبدًا من عباد الله صالحًا، وقد عبدته النصارى؟ فإن كنت صادقًا، فإنه كآلهتهم، فأنزل الله {وَلَمَّا ضُرِبَ ابن مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} قلت: وما يصدّون؟ قال: (يضجون) {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لّلسَّاعَةِ} قال: «خروج عيسى ابن مريم قبل يوم القيامة» وأخرج سعيد بن منصور، وأحمد، وعبد بن حميد، والترمذي وصححه، وابن ماجه، وابن جرير، وابن المنذر، والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما ضلّ قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدال»، ثم تلا هذه الآية {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاَ}.
وقد ورد في ذمّ الجدال بالباطل أحاديث كثيرة.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس: أن المشركين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: أرأيت ما نعبد من دون الله أين هم؟ قال: «في النار»، قالوا: والشمس، والقمر؟ قال: «والشمس، والقمر» قالوا: فعيسى ابن مريم قال: «قال الله: {إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وجعلناه مَثَلًا لّبَنِى إسراءيل}» وأخرج الفريابي، وسعيد بن منصور، ومسدّد، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم، والطبراني من طرق عنه في قوله: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لّلسَّاعَةِ} قال: خروج عيسى قبل يوم القيامة.
وأخرجه الحاكم، وابن مردويه عنه مرفوعًا.
وأخرج عبد بن حميد عن أبي هريرة نحوه.
وأخرج ابن مردويه عن سعد بن معاذ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كان يوم القيامة انقطعت الأرحام، وقلت الأنساب، وذهبت الأخوة إلا الأخوة في الله، وذلك قوله: {الأخلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ المتقين}» وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وحميد بن زنجويه في ترغيبه، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن عليّ بن أبي طالب في قوله: {الأخلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ المتقين} قال: خليلان مؤمنان، وخليلان كافران توفى أحد المؤمنين، فبشر بالجنة، فذكر خليله، وقال: اللَّهم إن خليلي فلانًا كان يأمرني بطاعتك، وطاعة رسولك، ويأمرني بالخير، وينهاني عن الشرّ، وينبئني أني ملاقيك، اللهم لا تضله بعدي حتى تريه مثل ما أريتني، وترضى عنه كما رضيت عني، فيقال له: اذهب؛ فلو تعلم ما له عندي لضحكت كثيرًا، ولبكيت قليلًا، ثم يموت الآخر، فيجمع بين أرواحهما، فيقال: ليثن كل واحد منكما على صاحبه، فيقول كل واحد منهما لصاحبه: نعم الأخ، ونعم الصاحب، ونعمل الخليل؛ وإذا مات أحد الكافرين بشر بالنار، فيذكر خليله، فيقول: اللهم إن خليلي فلانًا كان يأمرني بمعصيتك، ومعصية رسولك، ويأمرني بالشرّ، وينهاني عن الخير، وينبئني أني غير ملاقيك، اللهم فلا تهده بعدي حتى تريه مثل ما أريتني، وتسخط عليه كما سخطت عليّ، فيموت الآخر، فيجمع بين أرواحهما، فيقال: ليثن كلّ واحد منكما على صاحبه، فيقول كل منهما لصاحبه: بئس الأخ، وبئس الصاحب، وبئس الخليل.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: الأكواب الجرار من الفضة.
وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من أحد إلاّ وله منزل في الجنة، ومنزل في النار، فالكافر يرث المؤمن منزله من النار، والمؤمن يرث الكافر منزله في الجنة، وذلك قوله: {وَتِلْكَ الجنة التى أُورِثْتُمُوهَا}». اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

قال التستري:
قوله تعالى: {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأنفس وَتَلَذُّ الأعين} [71] قال: أي ما تشتهي الأنفس من ثواب الأعمال، وتلذ الأعين بما فضل الله به من التمكين في وقت اللقاء جزاء لتوحيدهم.
قال: الجنة جزاء أعمال الجوارح، واللقاء جزاء التوحيد، ألا ترى أن الله تعالى قال: {وَتِلْكَ الجنة التي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [72]. اهـ.

.تفسير الآيات (74- 80):

قوله تعالى: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (74) لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (75) وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (76) وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قال إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77) لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (78) أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (79) أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (80)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما ذكر ما للقسم الثاني من الأخلاء وهم المتقون ترغيبًا لهم في التقوى، أتبعه ما لأضدادهم اهل القسم الأول تحذيرًا من مثل أعمالهم، فقال استئنافًا مؤكدًا في مقابلة إنكارهم: {إن المجرمين} أي الراسخين في قطع ما أمر الله به أن يوصل {في عذاب جهنم} أي النار التي من شأنها لقاء داخلها بالتجهم والكراهة والعبوسة كما كان يعمل عند قطعه لأولياء الله تعالى: {خالدون} لأن إجرامهم كان طبعًا لهم لا ينفكون عنه أصلًا ما بقوا.