فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قلت: وفي صحيح البخاري عن صفوان بن يَعْلَى عن أبيه قال سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقرأ على المنبر: {وَنَادَوْاْ يامالك لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} بإثبات الكاف.
وقال محمد بن كعب القُرَظي: بلغني أو ذكر لي أن أهل النار استغاثوا بالخزنة فقال الله تعالى: {وَقال الذين فِي النار لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادعوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِّنَ العذاب} [غافر: 49] فسألوا يومًا واحدًا يخفف عنهم فيه العذاب؛ فردّت عليهم: {أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بالبينات قالواْ بلى قالواْ فادعوا وَمَا دُعَاءُ الكافرين إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ} [غافر: 50] قال: فلما يَئسوا مما عند الخزنة نَادَوْا مالكًا؛ وهو عليهم وله مجلس في وسطها، وجسور تمر عليها ملائكة العذاب؛ فهو يرى أقصاها كما يرى أدناها فقالوا: {يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} قال: سألوا الموت، قال: فسكت عنهم لا يجيبهم ثمانين سنة، قال: والسنة ستون وثلثمائة يوم، والشهر ثلاثون يومًا، واليوم كألف سنة مما تعدون، ثم لحظ إليهم بعد الثمانين فقال: {إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} وذكر الحديث؛ ذكره ابن المبارك.
وفي حديث أبي الدرداء عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «فيقولون ادعوا مالكًا فيقولون يا مالك لِيقضِ علينا ربك قال إنكم ماكثون» قال الأعمش: نُبِّئت أن بين دعائهم وبين إجابة مالك إياهم ألف عام؛ خرَّجه الترمذي.
وقال ابن عباس: يقولون ذلك فلا يجيبهم ألف سنة، ثم يقول إنكم ماكثون.
وقال مجاهد ونَوْف البِكَالِيّ: بين ندائهم وإجابته إياهم مائة سنة.
وقال عبد الله بن عمرو: أربعون سنة؛ ذكره ابن المبارك.
{لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (78)}.
يحتمل أن يكون هذا من قول مالك لهم؛ أي إنكم ماكثون في النار لأنا جئناكم في الدنيا بالحق فلم تقبلوا.
ويحتمل أن يكون من كلام الله لهم اليوم؛ أي بيَّنا لكم الأدلة وأرسلنا إليكم الرسل.
{ولكن أَكْثَرَكُمْ} قال ابن عباس: {وَلَكِنّ أَكْثَرَكُمْ} أي ولكن كلكم.
وقيل: أراد بالكثرة الرؤساء والقادة منهم، وأما الأتباع فما كان لهم أثر {لِلْحَقِّ} أي للإسلام ودين الله {كَارِهُونَ}.
{أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (79)}.
قال مقاتل: نزلت في تدبيرهم المكر بالنبيّ صلى الله عليه وسلم في دار الندوة، حين استقر أمرهم على ما أشار به أبو جهل عليهم أن يبرز من كل قبيلة رجل ليشتركوا في قتله فتضعف المطالبة بدمه؛ فنزلت هذه الآية، وقتل الله جميعهم ببدر.
{أَبْرَمُوا} أحكموا والإبرام الإحكام، أبرمت الشيء أحكمته وأبرم الفتال إذا أحكم الفتل، وهو الفتل الثاني، والأول سَحِيل؛ كما قال:
مِن سَحِيلٍ ومُبْرَمِ

فالمعنى: أم أحكموا كيدًا فإنا محكمون لهم كَيْدًا؛ قاله ابن زيد ومجاهد.
قتادة: أم أجمعوا على التكذيب فإنا مجمعون على الجزاء بالبعث.
الكلبي: أم قضَوْا أمرًا فإنا قاضون عليهم بالعذاب.
وأم بمعنى بل.
وقيل: {أَمْ أَبْرَمُوا} عطف على قوله: {أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرحمن آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [الزخرف: 45].
وقيل: أي ولقد جئناكم بالحق فلم تسمعوا، أم سمعوا فأعرضوا لأنهم في أنفسهم أبرموا أمرًا آمنوا به العقاب.
قوله تعالى: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم} أي ما يسرونه في أنفسهم ويتناجون به بينهم.
{بلى} نسمع ونعلم.
{وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} أي الحفظة عندهم يكتبون عليهم.
وروي أن هذا نزل في ثلاثة نفر كانوا بين الكعبة وأستارها؛ فقال أحدهم: أترون أن الله يسمع كلامنا؟ وقال الثاني: إذا جهرتم سمع، وإذا أسررتم لم يسمع.
وقال الثالث: إن كان يسمع إذا أعلنتم فهو يسمع إذا أسررتم؛ قاله محمد بن كعب القُرَظي: وقد مضى هذا المعنى عن ابن مسعود في سورة (فصلت). اهـ.

.قال الألوسي:

{إِنَّ المجرمين} أي الراسخين في الإجرام الكاملين فيه وهم الكفار فكأنه قيل: إن الكفار {فِى عَذَابِ جَهَنَّمَ خالدون} وأيد إرادة ذلك بجعلهم قسيم المؤمنين بالآيات في قوله تعالى: {الذين ءامَنُواْ بآياتنا} [الزخرف: 69] فلا تدل الآية على خلود عصاة المؤمنين كما ذهب إليه المعتزلية والخوارج، ولا يضر عدم التعرض لبيان حكمهم بناء على أن المراد بالذين آمنوا المتقون لقوله تعالى: {ياعباد لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ اليوم وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ} [الزخرف: 68] والقول بأن الذين آمنوا شامل لهم لأن العلة إيمانهم وإسلامهم لا يخفى ما فيه.
والظرف متعلق بخالدون و{خالدون} خبر إن، وجوز أن يكون الظرف هو الخبر و{خالدون} فاعله لاعتماده.
{لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ} أي لا يخفف عنهم من فترت عنه الحمى إذا سكنت قليلًا، والمادة بأي صيغة كانت تدل على الضعف مطلقًا {وَهُمْ فِيهِ} أي في العذاب، وقرأ عبد الله {فِيهَا} أي في جهنم {مُّبْلِسُونَ} حزينون من شدة البأس، قال الراغب: الإبلاس الحزن المعترض من شدة البأس ومنه اشتق إبليس فيما قيل.
ولما كان المبلس كثيرًا ما يلزم السكوت وينسى ما يعنيه قيل أبلس فلان إذا سكت وانقطعت حجته انتهى، وقد فسر الإبلاس هنا بالسكوت وانقطاع الحجة.
{وَمَا ظلمناهم ولكن كَانُواْ هُمُ الظالمين} لسوء اختيارهم، و{هُمْ} ضمير فصل فيفيد التخصيص، وقرأ عبد الله وأبو زيد {الظالمون} بالرفع على أن هم مبتدأ وهوخبره، وذكر أبو عمر الجرمي أن لغة تميم جعل ما هو فصل عند غيرهم مبتدأ ويرفعون ما بعده على الخبر، وقال أبو زيد: سمعتهم يقرؤن {تَجِدُوهُ عِندَ الله هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ} [المزمل: 20] برفع خير وأعظم، وقال قيس بن ذريح:
تحن إلى ليلى وأنت تركتها ** وكنت عليها بالملا أنت أقدر

وقال سيبويه: بلغنا أن رؤبة كان يقول أظن زيدًا هو خير منك يعني بالرفع.
{وَنَادَوْاْ} أي من شدة العذاب وفي بعض الآثار يلقى على أهل النار الجوع حتى يعدل ما هم فيه من العذاب فيقولون: ادعوا مالكًا فيدعون {يامالك لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} أي ليمتنا من قضى عليه إذا أماته، ومرادهم سل ربك أن يقضي علينا حتى نستريح، وإضافتهم الرب إلى ضميره لحثه لا للإنكار، وهذا لا ينافي الإبلاس على التفسير الأول لأنه صراخ وتمنى للموت من فرط الشدة، وأما على التفسير الثاني أنه وإن نفاه لكن زمان كل غير زمان الآخر فإن أزمنة العذاب متطاولة وأحقابه ممتدة فتختلف بهم الأحوال فيسكتون أوقاتًا لغلبة اليأس عليهم وعلمهم أنه لا خاص لهم ولو بالموت ويغوثون أوقاتًا لشدة ما بهم.
وتعقب بأنه لا يناسب دوام الجملة الاسمية أعني وهم مبلسون وقيل إن نادوا معطوف بالواو وهي لا تقتضي ترتيبًا، ولا يخفى أن تلك الجملة حالية لا تنفك عن الخلود.
وقرأ عليه كرم الله تعالى وجهه. وابن مسعود. وابن وثاب. والأعمش {يامال} بالترخيم على لغة من ينتظر وقرأ أبو السوار {يامال} بالترخيم أيضًا لكن على لغة من لم ينتظر.
قال ابن جني: وللترخيم في هذا الموضع سر وذلك أنهم لعظم ما هم فيه ضعفت قواهم وذلت أنفسهم فكان هذا من موضع الاختصار ضرورة وبهذا يجاب عن قول ابن عباس وقد حكيت له القراءة به على اللغة الأولى: ما أشغل أهل النار عن الترخيم مشيرًا بذلك إلى إنكارها فإن ما للتعجب وفيها معنى الصد يعني أنهم في حالة تشغلهم عن الالتفات إلى الترخيم وترك النداء على الوجه الأكثر في الاستعمال وحاصل الجواب أن هذا الترخيم لم يصدر عنهم لقصد التصرف في الكلام والتفنن فيه كما في قوله:
يحيى رفات العظام بالية ** والحق يامال غير ما تصف

بل للعجز وضيق المجال عن الاتمام كما يشاهد في بعض المكر وبين {وَلَتَنصُرُنَّهُ قال} أي مالك {إِنَّكُمْ ماكثون} مقيمون في العذاب أبدًا لا خلاص لكم منه بموت ولا غيره، وهذا تقنيط ونكاية لهم فوق ما هم فيه ولا يضر في ذلك علمه بيأسهم إن قلنا به.
وذكر بعض الأجلة أن فيه استهزاء لأنه أقام المكث مقام الخلود والمكث يشعر بالانقطاع لأنه كما قال الراغب ثبات مع انتظار، ويمكن أن يكون وجه الاستهزاء التعبير بماكثون من حيث أنه يشعر بالاختيار وإجابتهم بذلك بعد مدة.
قال ابن عباس يجيبهم بعد مضي ألف سنة، وقال نوف: بعد مائة، وقيل ثمانين، وقيل أربعين.
{لَقَدْ جئناكم بالحق ولكن أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقّ كارهون} خطاب توبيخ وتقريع من جهته تعالى مقرر لجواب مالك ومبين لسبب مكثهم، ولا مانع من خطابه سبحانه الكفرة تقريعًا لهم، وقيل: هو من كلام بعض الملائكة عليهم السلام وهو كما يقول أحد خدم الملك للرعية أعلمناكم وفعلنا بكم قيل لا يجوز أن يكون من قول مالك لا لأن ضمير الجمع ينافيه بل لأن مالكًا لا يصح منه أن يقوله لأنه لا خدمة له غير خزنه للنار.
وفيه بحث، وقيل: في {قال} ضميره تعالى فالكل مقوله عز وجل، وقيل: إن قوله تعالى: {إِنَّكُمْ ماكثون} [الزخرف: 77] خاتمة حال الفريقين، وقوله سبحانه لقد الخ كلام آخر مع قريش والمراد عليه جئناكم في هذه السورة أو القرآن بالحق، وعلى ما تقدم لقد جئناكم في الدنيا بالحق وهو التوحيد وسائر ما يجب الايمان به وذلك بإرسال الرسل وإنزال الكتب ولكن أكثركم للحق أي حق كان كارهون لا يقبلونه وينفرون منه وفسر الحق بذلك دون الحق المعهود سواء كان الخطاب لأهل النار أو لقريش لمكان {أَكْثَرَكُمْ} فإن الحق المعهود كلهم كارهون له مشمئزون منه، وقد يقال: الظاهر العهد وعبر بالأكثر لأن من الأتباع من يكفر تقليدًا.
وقرىء {لَقَدِ جِئْتُكُم} وقوله تعالى: {أَمْ أَبْرَمُواْ أَمْرًا} كلام مبتدأ ناع على المشركين ما فعلوا من الكيد برسول الله صلى الله عليه وسلم، و{أَمْ} منقطعة وما فيها معنى بل للانتقال من توبيخ أهل النار إلى حكاية جناية هؤلاء والهمزة للإنكار فإن أريد بالإبرام الأحكام حقيقة فهي لإنكار الوقوع واستبعاده، وإن أريد الأحكام صورة فهي لإنكار الواقع واستقباحه أي بل أبرم مشركو مكة أمرًا من كيدهم ومكرهم برسول الله صلى الله عليه وسلم: {فَإِنَّا مُبْرِمُونَ} كيدنا حقيقة لا هم أو فإنا مبرمون كيدنا بهم حقيقة كما أبرموا كيدهم صورة كقوله تعالى: {أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فالذين كَفَرُواْ هُمُ المكيدون} [الطور: 42] والآية إشارة إلى ما كان منهم من تدبير قتله عليه الصلاة والسلام في دار الندوة وإلى ما كان منه عز وجل من تدميرهم، وقيل: هو من تتمية الكلام السابق، والمعنى أم أبرموا في تكذيب الحق ورده ولم يقتصروا على كراهته فإنا مبرمون أمرًا في مجازاتهم، فإن كان ذاك خطابًا لأهل النار فإبرام الأمر في مجازاتهم هو تخليدهم في النار معذبين؛ وإن كان خطابًا لقريش فهو خذلانهم ونصر النبي صلى الله عليه وسلم عليهم فكأنه قيل: فإنا مبرمون أمرًا في مجازاتهم وإظهار أمرك، وفيه إشارة إلى أن إبرامهم لا يفيدهم، ولا يغني عنهم شيئًا والعدول عن الخطاب في أكثركم إلى الغيبة في أبرموا على هذا القيل للاشعار بأن ذلك أسوأ من كراهتهم ويؤيده ما ذكر أولًا على ما قيل قوله تعالى: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ} لأنه يدل على أن ما أبرموه كان أمرًا قد أخفوه فيناسب الكيد دون تكذيب الحق لأن الكفرة مجاهرون فيه والمراد بالسر هنا حديث النفس أي بل أيحسبون أنا لا نسمع حديث أنفسهم بذلك الكيد {ونجواهم} أي تناجيهم وتحادثهم سرًا.
وقال غير واحد: السر ما حدثوا به أنفسهم أو غيرهم في مكان خال والنجوي ما تكلموا به فيما بينهم بطريق التناجي {بلى} نسمعهما ونطلع عليهما {وَرُسُلُنَا} الذين يحفظون عليهم أعمالهم {لَدَيْهِمْ} ملازمون لهم {يَكْتُبُونَ} أي يكتبونهما أو يكتبون كل ما صدر عنهم من الأفعال والأقوال التي من جملتها ما ذكر.
والمضارع للاستمرار التجددي، وهو مع فاعله خبر و{لَدَيْهِمْ} حال قدم للفاصلة أو خبر أيضًا وجملة المبتدأ والخبر إما عطف على ما يترجم عنه بلى أو حال أي نسمع ذلك والحال أن رسلنا يكتبونه، وإذا كان المراد بالسر حديث النفس فالآية ظاهرة في أن السر والكلام المخيل مسموع له تعالى، وكذا هي ظاهرة في أن الحفظة تكتبه كغيره من أقوالهم وأفعالهم الظاهرة، ولا يبعد ذلك بأن يطلعهم الله تعالى عليه بطريق من طرق الاطلاع فيكتبوه.
ومن خص كتابهم بالأمور الغير القلبية خص السر بما حدث به الغير في مكان خال؛ والظاهر أن حسبانهم ذلك حقيقة ولا يستبعد من الكفرة الجهلة، فقد أخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي قال: بينا ثلاثة عند الكعبة وأستارها قرشيان وقفي أو ثقفيان وقرشي فقال واحد منهم ترون الله تعالى يسمع كلامنا فقال واحد: إذا جهرتم سمع وإذا أسررتم لم يسمع فنزلت {أَمْ يَحْسَبُونَ الآية}.
وقيل: إنهم نزلوا في إقدامهم على الباطل وعدم خوفهم من الله عز وجل منزلة من يحسب أن الله سبحانه لا يسمع سره ونجواه. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (74)}.
لهذه الجملة موقعان:
أحدهما: إتمام التفصيل لما أجمله الوعيد الذي في قوله تعالى: {فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم} [الزخرف: 65] عقب تفصيل بعضه بقوله: {هل ينظرون إلا الساعة} [الزخرف: 66] الخ.
وبقوله: {الأخلاء يومئذٍ بعضهم لبعض عدوٌ} [الزخرف: 67] حيث قطع إتمام تفصيله بالاعتناء بذكر وعد المؤمنين المتقين فهي في هذا الموقع بيان لجملة الوعيد وتفصيل لإجمالها.
الموقع الثاني: أنها كالاستئناف البياني يثيره ما يُسمع من وصف أحوال المؤمنين المتقين من التساؤل: كيف يكون حال أضدادهم المشركين الظالمين.
والموقعان سواء في كون الجملة لا محلّ لها من الإعراب.
وافتتاح الخبر بـ {إنّ} للاهتمام به، أو لتنزيل السائل المتلهففِ للخبر منزلة المتردّد في مضمونه لشدة شوقه إليه، أو نظرًا إلى ما في الخبر من التعريض بإسماعه المشركين وهم ينكرون مَضْمُونَهُ فكأنه قيل: إنكم أيها المجرمون في عذاب جهنم خالدون.
والمجرمون: الذين يفعلون الإجرام، وهو الذنب العظيم.
والمراد بهم هنا: المشركون المكذبون للنبيء صلى الله عليه وسلم لأن السياق لهم، ولأن الجملة بيان لإجمال وعيدهم في قوله: {فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم} [الزخرف: 65]، ولأن جواب الملائكة نداءهم بقولهم: {لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون} [الزخرف: 78] لا ينطبق على غير المكذبين، أي كارهون للإسلام والقرآن، فذكر المجرمين إظهار في مقام الإضمار للتنبيه على أن شركهم إجرام.