فصل: قال السمرقندي في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{وَتَبَارَكَ الذي لَهُ مُلْكُ السموات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا} إمَّا على الدوامِ كالهواءِ أو في بعضِ الأوقاتِ كالطيرِ.
{وَعِندَهُ عِلْمُ الساعة} أي العلمُ بالساعةِ التي فيها تقومُ القيامةُ {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} للجزاءِ. والالتفاتُ للتهديدِ، وقرئ على الغَيبةِ، وقرئ {تُحشرونَ}.
{وَلاَ يَمْلِكُ الذين يَدْعُونَ} أي يدعُونهم، وقرئ بالتَّاءِ مخففًا ومشددًا {مِن دُونِهِ الشفاعة} كما يزعمُونَ {إِلاَّ مَن شَهِدَ بالحق} الذي هُو التوحيدُ {وَهُمْ يَعْلَمُونَ} بما يشهدونَ بهِ عن بصيرةٍ وإيقانٍ وإخلاصٍ، وجمعُ الضميرِ باعتبارِ مَعْنى مَنْ كمَا أنَّ الإفرادَ أولًا باعتبارِ لفظِها، والاستثناءُ إمَّا متصلٌ والموصولُ عامٌّ لكلِّ ما يُعبدُ من دونِ الله، أو مُنفصلٌ على أنَّه خاصٌّ بالأصنامِ.
{وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ} أي سألتَ العابدينَ والمعبودينَ {لَيَقولنَّ الله} لتعذرِ الإنكارِ لغايةِ بطلانِه {فأنى يُؤْفَكُونَ} فكيفَ يُصرفونَ عن عبادتِه إلى عبادةِ غيرِه مع اعترافِهم بكونِ الكلِّ مخلوقًا له تعالى: {وَقِيلِهِ} بالجرِّ، إمَّا على أنَّه عطفٌ على الساعةِ أيْ عندَهُ علمُ الساعةِ وعلم قوله عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ {يَا رَبّ} الخ. فإنَّ القول والقيلَ والقال كلَّها مصادرُ، أو عَلى أنَّ الواوَ للقسمِ، وقوله تعالى: {إِنَّ هَؤُلاَء قَوْمٌ لاَّ يُؤْمِنُونَ} جوابُه. وفي الإقسامِ بهِ من رفعِ شأنِه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام وتفخيمِ دُعائِه والتجائِه إليهِ تعالى ما لا يَخْفى. وقرئ بالنصب بالعطفِ على {سرَّهم} أو على محلَّ {الساعةِ} أو بإضمارِ فعلهِ أو بتقديرِ فعلِ القسمِ، وقرئ بالرفعِ على الابتداءِ والخبرُ مابعدَهُ، وقد جُوِّزَ عطفُه على {علمُ الساعةِ}.
{فاصفح عَنْهُمْ} فأعرضْ عن دعوتِهم واقنَطْ عن إيمانِهم {وَقُلْ سلام} أيْ أمري تسلمٌ منكم ومتاركةٌ.
{فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} حالَهم ألبتةَ وإنْ تأخرَ ذلكَ، وهو وعيدٌ من الله تعالى لهم وتسليةٌ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم. وقرئ {تعلمونَ} على أنَّه داخلٌ في حيزِ قُلْ. اهـ.

.قال السمرقندي في الآيات السابقة:

قوله تعالى: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابن مَرْيَمَ مَثَلًا}.
يعني: وصف ابن مريم شبهًا {إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} يعني: يعرضون عن ذكره.
ويقال: لما قالت النصارى إن عيسى ابن الله إذا قومك منه يصدون.
قرأ ابن عامر، والكسائي ونافع {يَصُدُّونَ} بضم الصاد.
وقرأ الباقون {يَصِدُّونَ} بالكسر فمن قرأ بالضم فمعناه يعرضون، ومن قرأ بالكسر فمعناه يضجون، ويرفعون أصواتهم تعجبًا، وذلك أنهم قالوا: لما جاز أن يكون عيسى ابن الله، جاز أن تكون الملائكة بناته، فعارضوه بذلك، يعني: أهل مكة، ورفعوا أصواتهم بذلك.
ويقال: إن عبد الله بن الزبعرى قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ما ذكرنا في سورة الأنبياء، ففرح المشركون بذلك، ورفعوا أصواتهم تعجبًا من قوله آلهتنا خير.
ثم قال تعالى: {وَقالواْ ءأَالِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ} يعني: أم عيسى فإذا جاز أن يكون هو ولدًا، جاز أن تكون الأصنام والملائكة كذلك.
ويقال: فإذا جاز أن يكون هو في النار، جاز أن تكون معه الأصنام في النار.
قوله: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاَ} يعني: ما عارضوك بهذه المعارضة، إلا جدلًا {بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} يعني: يجادلونك شديد المجادلة بالباطل.
قوله تعالى: {إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ} أي: ما كان عيسى إلاَّ عبدًا لله، أنعم الله تعالى عليه بالنبوة، وأكرمه بها {وجعلناه مَثَلًا لّبَنِى إسراءيل} يعني: عبرة لبني إسرائيل، ليعتبروا به، حين ولد ابن من غير أب.
ثم قال: {وَلَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَا مِنكُمْ مَّلَئِكَةً في الأرض يَخْلُفُونَ} يعني: لو شاء الله، لجعل مكانكم في الأرض ملائكة يخلفون، فكانوا خلفًا منكم.
ثم رجع إلى صفة عيسى عليه السلام فقال: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لّلسَّاعَةِ} يعني: نزول عيسى، علامة لقيام الساعة.
ويقال: نزول عيسى آية للناس.
وروى وكيع، عن سفيان، عن عاصم، عن أبي رزين، عن أبي يحيى، عن ابن عباس في قوله: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لّلسَّاعَةِ} قال: خروج عيسى ابن مريم.
وروى معمر، عن قتادة قال: نزول عيسى وروى عبادة، عن حميد، عن أبي هريرة قال: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ، حَتَّى يُرى عيسى عليه السلام في الأرْض إمَامًا مُقْسِطًا، وَكُنْتُ أرْجُو ألاَّ أمُوتَ حَتَّى آكُل مع عيسى عليه السلام، عَلَى مَائِدَةٍ، فَمَنْ لَقِيهُ مِنْكُمْ، فَلْيُقرئهُ مِنِّي السَّلاَم» قرأ بعضهم {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لّلسَّاعَةِ} بكسر العين أي: بنزول المسيح يعلم أنه قد قربت الساعة.
ومن قرأ: {وَإنَّهُ لَعَلَمٌ} بالنصب، فإنه بمعنى الدليل، والعلامة.
قوله تعالى: {فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا} يعني: لا تشكن في القيامة والبعث {وَاتَّبِعُونِي} يعني: أطيعونني {فاعبدوه هذا صراط مُّسْتَقِيمٌ} عني هذا التوحيد صراط مستقيم {وَلاَ يَصُدَّنَّكُمُ الشيطان} يعني: لا يصرفنكم الشيطان عن طريق الهدى {إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} ظاهر العداوة.
{وَلَمَّا جَاء عيسى بالبينات} يعني: بالآيات والعلامات، وهو إحياء الموتى، وإبراء الأكمه والأبرص.
ويقال: بالبينات، يعني: بالإنجيل {قال قَدْ جِئْتُكُم بالحكمة} يعني: بالنبوة {وَلابَيّنَ لَكُم بَعْضَ الذي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ} قال: بعضهم، يعني: كل الذي تختلفون فيه.
وقال بعضهم معناه: لأبين تحليل بعض الذي تختلفون فيه.
كقوله: {وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التوراة وَلاٌّحِلَّ لَكُم بَعْضَ الذي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِأَيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ} [آل عمران: 50] وكانوا في ذلك التحريم مختلفين، فمصدق ومكذب {فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ} فيما آمركم به من التوحيد.
قوله تعالى: {إِنَّ الله هُوَ رَبّى وَرَبُّكُمْ} يعني: خالقي وخالقكم {فاعبدوه} يعني: وحدوه وأطيعوه {هذا صراط مُّسْتَقِيمٌ} يعني: دين الإسلام {فاختلف الاحزاب مِن بَيْنِهِمْ} أي: تفرقوا في أمر عيسى، وهم النسطورية، والماريعقوبية، والملكانية.
وقد ذكرناه من قبل.
ويقال: الأحزاب تحزبوا وتفرقوا في أمر عيسى، وهم اليهود.
فقالوا فيه قولا عظيمًا، وفي أمه.
فقالوا: إنه ساحر.
ويقال: اختلفوا في قتله {فَوَيْلٌ لّلَّذِينَ ظَلَمُواْ} يعني: أشركوا {مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ} يعني: عذاب يوم شديد.
قوله تعالى: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ الساعة} يعني: ما ينظرون إذا لم يؤمنوا إلا الساعة {أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً} يعني: فجأة {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} بقيامها قوله تعالى: {الاخلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} قال مجاهد: الأخلاء في معصية الله تعالى في الدنيا، يومئذٍ متعادين في الآخرة {إِلاَّ المتقين} الموحدين.
قال مقاتل: نزلت في أبي بن خلف، وعقبة بن أبي معيط.
وقال الكلبي: كل خليل في غير طاعة الله، فهو عدوٌّ لخليله.
وروى عبيد بن عمير قال: كان لرجل ثلاثة أخلاء، بعضهم أخص به من بعض، فنزلت به نازلة، فلقي أخص الثلاثة.
فقال: يا فلان: إني قد نزل بي كذا وكذا، وإني أحب أن تعينني.
فقال له: ما أنا بالذي أعينك، ولا أنفعك، فانطلق إلى الذي يليه.
فقال له: أنا معك حتى أبلغ المكان الذي تريده، ثم رجعت وتركتك.
فانطلق إلى الثالث فقال له: أنا معك حيثما دخلت.
قال: فالأول ماله، والثاني أهله وعشيرته، والثالث عمله.
وروى أبو إسحاق عن الحارث، عن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، أنه سئل عن قوله: {الاخلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ المتقين} فقال: خليلان مؤمنان، وخليلان كافران، فتوفي أحد المؤمنين فيثني على صاحبه خيرًا، ثم يموت الآخر، فيجمع بين أرواحهما فيقول: كل واحد منهما لصاحبه، نعم الأخ ونعم الصاحب، ويموت أحد الكافرين، فيثني على صاحبه شرًا، ثم يموت الآخر، فيجمع بين أرواحهما فيقول: كل واحد منهما لصاحبه، بئس الأخ وبئس الصاحب.
قوله تعالى: {المتقين ياعباد لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ اليوم وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ} يعني: يوم القيامة ثم وصفهم فقال: {الذين ءامَنُواْ بآياتنا وَكَانُواْ مُسْلِمِينَ} يعني: مخلصين بالتوحيد.
قوله تعالى: {ادخلوا الجنة أَنتُمْ وأزواجكم تُحْبَرُونَ} يعني: تكرمون وتنعمون.
ويقال: ترون والحبرة: السرور.
قوله تعالى: {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بصحاف مّن ذَهَبٍ} قال كعب: يطاف عليهم بسبعين ألف صحفة من ذهب، في كل صحفة لون وطعام، ليس في الأخرى، والصحفة هي القصعة.
{وَأَكْوابٍ} وهي: الأباريق التي لا خراطيم لها، يعني: مدورة الرأس.
ويقال: التي لا عُرى لها، واحدها كوب.
{وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الانفس} يعني: تتمنى كل نفس {وَتَلَذُّ الاعين} من النظر إليها {وَأَنتُمْ فِيهَا خالدون وَتِلْكَ الجنة} يعني: هذه الجنة {التى أُورِثْتُمُوهَا} يعني: أنزلتموها {بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} يعني: دخلتموها برحمة الله تعالى، بإيمانكم واقتسمتموها بأعمالكم.
{لَكُمْ فِيهَا فاكهة كَثِيرَةٌ} لا تنقطع.
لقوله: {لاَّ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ} [الواقعة: 33] {مّنْهَا تَأْكُلُونَ} أي: من الفواكه متى تشاؤوا.
ثم وصف المشركين فقال: {إِنَّ المجرمين} يعني: المشركين {فِى عَذَابِ جَهَنَّمَ خالدون} أي: دائمون، لا يموتون ولا يخرجون {لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ} يعني: لا ينقطع عنهم العذاب طرفة عين {وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} يعني: آيسين من رحمة الله تعالى.
قوله تعالى: {وَمَا ظلمناهم} يعني: لم نعذبهم بغير ذنب {ولكن كَانُواْ هُمُ الظالمين} لأنهم كانوا يستكبرون عن الإيمان.
قوله تعالى: {وَنَادَوْاْ يامالك} وذلك أنه لما يشتد عليهم العذاب، يتمنون الموت، ويقولون لخازن جهنم: يَا مَالِك {لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} يعني: ادع ربك لقبض أرواحنا، فأجابهم بعد أربعين سنة {قال إِنَّكُمْ ماكثون} وروى عطاء بن السائب، عن رجل عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: يجيبهم بعد ألف سنة {إِنَّكُمْ ماكثون} ويقال: إنهم ينادون {وَنَادَوْاْ يامالك لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} فأوحى الله تعالى إلى مالك ليجيبهم، فيقول لهم مالك قال: إنَّكُمْ مَاكِثُونَ.
قوله تعالى: {لَقَدْ جئناكم بالحق} يعني: جاءكم جبريل في الدنيا، بالقرآن والتوحيد {ولكن أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقّ كارهون} يعني: جاحدون.
وهو قوله تعالى: {أَمْ أَبْرَمُواْ أَمْرًا} قال مقاتل: وذلك حين اجتمعوا في دار الندوة، ودخل إبليس عليهم، وقد ذكرناه في سورة الأنفال.
فنزل {أَمْ أَبْرَمُواْ أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ} يعني: أجمعوا أمرهم بالشر على النبي صلى الله عليه وسلم: {فَإِنَّا مُبْرِمُونَ} أي: مجمعون أمرنا على ما يكرهون.
وقال الكلبي: وذلك أن ثلاثة نفر، اجتمعوا وقالوا: إنه يقول: بأن ربي يعلم السر.
أترى أنه يعلم مَا نقول بيننا؟ فنزل {أَمْ أَبْرَمُواْ أَمْرًا} يعني: أقاموا على المعصية {فَإِنَّا مُبْرِمُونَ} أي: معذبون عليها.
قال القتبي: أي: أحكموه، والمبرم: المفتول على طاقين.
قوله تعالى: {أَمْ يَحْسَبُونَ} يعني: بل يظنون.
ويقال: أيظنون، والميم صلة {أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ ونجواهم} اللفظ لفظ الاستفهام، والمراد به التوبيخ، ومعناه إن الله تعالى يعلم سرهم ونجواهم.
قال ابن عباس: الذين يتناجون خلف الكعبة، يعني: الذين يقولون: إن الله لا يسمع مقالتنا.
قال الله تعالى: {بلى} يعني: نسمع ذلك {وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} مقالتهم.
قوله تعالى: {قُلْ إِن كَانَ للرحمن وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ العابدين} يعني: الموحدين من أهل مكة.
قال مقاتل: لما نزلت هذه الآية، وقرئت عليهم فقال النضر بن الحارث: ألا ترونه صدقني.
فقال له الوليد: ما صدقك، ولكنه يقول: ما كان للرحمن ولد.
يعني: إنَّ إن بمعنى ما قال: {فَأَنَاْ أَوَّلُ العابدين} يعني: الموحدين من أهل مكة.
وقال الكلبي: أنا أول الآنفين أن لله ولدًا.
وقال القتبي: إن كان هذا في زعمكم، فأنا أول الموحدين، لأنكم تزعمون أن له ولدًا، فأنَّا أوَّلِ الآنفين من ذلك، فلم توحدوه ومن وحد الله، فقد عبده، ومن جعل له ولدًا، فليس من العابدين كقوله: {وَمَا خَلَقْتُ الجن والإنس إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] أي: ليوحدون ثم نزه نفسه فقال: {سبحان رَبّ السموات والأرض رَبّ العرش عَمَّا يَصِفُونَ} يعني: عما يقولون إن لله ولدًا {فَذَرْهُمْ} يعني: كفار مكة، حين كذبوا بالعذاب {يَخُوضُواْ وَيَلْعَبُواْ} يعني: يخوضوا في أباطيلهم، ويستهزئوا {حتى يلاقوا يَوْمَهُمُ الذي يُوعَدُونَ} يعني: حتى يعاينوا يومهم الذي يوعدون، وهو يوم القيامة.
قوله تعالى: {وَهُوَ الذي في السماء إله وَفِى الأرض إله} يعني: إله كل شيء، ويعلم كل شيء.
ويقال: هو إله في السماء يعبد، وفي الأرض إله يعبد.
ويقال: يوحد في السماء ويوحد في الأرض {وَهُوَ الحكيم} في أمره {العليم} بخلقه وبمقالتهم، ثم عظم نفسه فقال تعالى: {وَتَبَارَكَ الذى} يعني: تعالى عما وصفوه الَّذي {لَّهُ مُلْكُ السموات والأرض} يعني: خزائن السموات المطر، وخزائن الأرض النبات {وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِندَهُ عِلْمُ الساعة} يعني: قيام الساعة {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} قرأ أبو عمرو، ونافع، وعاصم {تُرْجَعُونَ} بالتاء، على معنى المخاطبة.
وقرأ الباقون بالياء، على معنى الخبر عنهم.
قوله تعالى: {وَلاَ يَمْلِكُ الذين يَدْعُونَ} يعني: لا يقدر الذين يعبدون {مِن دُونِهِ الشفاعة إِلاَّ مَن شَهِدَ بالحق} يعني: بلا إله إلا الله مخلصًا {وَهُمْ يَعْلَمُونَ} أنه الحق، حين شهدوا بها من قبل أنفسهم، وأنهم يشفعون لهؤلاء قوله تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقولنَّ الله} يعني: كفار قريش {فأنى يُؤْفَكُونَ} يعني: أنى يصرفون بعد التصديق.
ثم قال: {وَقِيلِهِ يارب إِنَّ هَؤُلاَء قَوْمٌ لاَّ يُؤْمِنُونَ} يعني: قال النبي صلى الله عليه وسلم: {وَقِيلِهِ} يعني: وقوله.
قرأ عاصم وحمزة {قِيلِهِ} بكسر اللام، والباقون بالنصب.
وقرىء في الشاذ {وَقِيلُهُ} بضم اللام، فمن قرأ بالنصب، فنصبه من وجهين: أحدهما على العطف على قوله: {أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ الله يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ الله علام الغيوب} [التوبة: 78] {وقيله} ومعنى آخر وعنده علم الساعة، وعلم قيله يا رب.