فصل: قال ابن جزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{ولا يصدنكم} أي لا يصرفنكم {الشيطان} أي عن دين الله الذي أمر به {إنه} يعني الشيطان {لكم عدو مبين ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة} أي بالنبوة {ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه} أي من أحكام التوراة وقيل من اختلاف الفرق الذين تحزبوا في أمر عيسى وقيل الذي جاء به عيسى الإنجيل وهو بعض الذي اختلفوا فيه فبين لهم عيسى في غير الإنجيل ما احتاجوا إليه {فاتقوا الله وأطيعون} أي فيما آمركم به {إن الله هو ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم فاختلف الأحزاب من بينهم} أي اختلف الفرق المتحزبة بعد عيسى {فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم هل ينظرون} أي ينتظرون {إلا الساعة أن تأتيهم بغتة} أي فجأة والمعنى أنها تأتيهم لا محالة {وهم لا يشعرون}.
{الأخلاء} أي على الكفر والمعصية في الدنيا {يومئذ} يعني يوم القيامة {بعضهم لبعض عدو} أي إن الخلة إذا كانت كذلك صارت عداوة يوم القيامة {إلا المتقين} أي إلا الموحدين المتحابين في الله المجتمعين على طاعته، روي عن علي بن أبي طالب في الآية قال: (خليلان مؤمنان وخليلان كافران مات أحد المؤمنين فقال يا رب إن فلانًا كان يأمرني بطاعتك وطاعة رسولك صلى الله عليه وسلم ويأمرني بالخير وينهاني عن الشر ويخبرني أني ملاقيك يا رب فلا تضله بعدي واهده كما هديتني وأكرمه كما أكرمتني فإذا مات خليله المؤمن جمع بينهما فيقول ليثن كل منكما على صاحبه فيقول نعم الأخ ونعم الخليل ونعم الصاحب، قال ويموت أحد الكافرين فيقول رب إن فلانًا كان ينهاني عن طاعتك وطاعة رسولك ويأمرني بالشر وينهاني عن الخير ويخبرني أني غير ملاقيك فيقول ليثن كل منكما على صاحبه فيقول بئس الأخ وبئس الخليل وبئس الصاحب).
قوله: {يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون} قيل إن الناس حين يبعثون ليس أحد منهم إلا فزع فينادي مناد يا عبادي لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون فيرجوها الناس كلهم فيتبعها {الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين} فييأس الناس كلهم غير المسلمين فيقال لهم {ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون} أي تسرون وتنعمون {يطاف عليهم بصحاف من ذهب} جمع صحفة وهي القصعة الواسعة {وأكواب} جمع كوب وهو إناء مستدير بلا عروة {وفيها} أي في الجنة {ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين} عن عبد الرحمن بن سابط قال: «قال رجل يا رسول الله هل في الجنة خيل فإني أحب الخيل قال إن يدخلك الله الجنة فلا تشاء أن تركب فرسًا من ياقوتة حمراء فتطير بك في أي الجنة شئت إلا فعلت وسأله آخر فقال يا رسول الله هل في الجنة من إبل فإني أحب الإبل قال فلم يقل ما قال لصاحبه فقال إن يدخلك الله الجنة يكن لك فيها ما اشتهت نفسك ولذت عينك» أخرجه الترمذي {وأنتم فيها خالدون}.
{وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون لكم فيها فاكهة كثيرة منها تأكلون} ورد في الحديث «أنه لا ينزع أحد في الجنة من ثمرها ثمرة إلا نبت مكانها مثلاها» قوله تعالى: {إن المجرمين} يعني المشركين {في عذاب جهنم خالدون لا يفتر عنهم} أي لا يخفف عنهم {وهم فيه مبلسون} أي آيسون من رحمة الله تعالى: {وما ظلمناهم} أي وما عذبناهم بغير ذنب {ولكن كانوا هم الظالمين} أي لأنفسهم بما جنوا عليها {ونادوا يا مالك} يعني يدعون مالكًا خازن النار يستغيثون به فيقولون {ليقض علينا ربك} أي ليمتنا بل لنستريح والمعنى توسلوا به ليسأل الله تعالى لهم الموت فيجيبهم بعد ألف سنة قاله ابن عباس، وقيل بعد مائة سنة، وروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: «إن أهل النار يدعون مالكًا فلا يجيبهم أربعين عامًا ثم يرد عليهم» {قال إنكم ماكثون} قال هانت والله دعوتهم على مالك وعلى رب مالك ومعنى ماكثون مقيمون في العذاب {لقد جئناكم بالحق} يقول أرسلنا إليكم يا معشر قريش رسولنا بالحق {ولكن أكثركم للحق كارهون أم أبرموا أمرًا} أي أحكموا أمرًا في المكر بالرسول صلى الله عليه وسلم: {فإنا مبرمون} أي محكمون أمرًا في مجازاتهم إن كاد شرًا كدتهم بمثله {أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم} أي ما يسرونه من غيرهم ويتناجون به بينهم {بلى} نسمع ذلك كله ونعلمه {ورسلنا} يعني الحفظة من الملائكة {لديهم يكتبون} قوله: {قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين} معناه إن كان للرحمن ولد في قولكم وعلى زعمكم فأنا أول من عبد الرحمن فإنه لا شريك له ولا ولد له، وقال ابن عباس: إن كان أي ما كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين الشاهدين له بذلك.
وقيل: معناه لو كان للرحمن ولد فأنا أول من عبده بذلك ولكن لا ولد له، وقيل: العابدين بمعنى الآنفين أي أنا أول الجاحدين المنكرين لما قلتم وأنا أول من غضب للرحمن أن يقال له ولد.
وقال الزمخشري في معنى الآية: إن كان للرحمن ولد وصح وثبت ببرهان صحيح توردونه وحجة واضحة تدلون بها فأنا أول من يعظم ذلك الولد وأسبقكم إلى طاعته كما يعظم الرجل ولد الملك لتعظيم أبيه وهذا كلام وارد على سبيل الفرض والتمثيل لغرض وهو المبالغة في نفي الولد والإطناب فيه مع الترجمة عن نفسه بثبات القدم في باب التوحيد وذلك أنه علق العبادة بكينونة الولد وهي محال في نفسها فكان المعلق عليها محالًا مثلها ثم نزه نفسه عن الولد.
{سبحان رب السموات والأرض رب العرش عما يصفون} أي عما يقولونه من الكذب {فذرهم يخوضوا} أي في باطلهم {ويلعبوا} أي في دنياهم {حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون} يعني يوم القيامة {وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله} يعني هو الإله الذي يعبد في السماء وفي الأرض لا إله إلا هو {وهو الحكيم} يعني في تدبير خلقه {العليم} يعني بمصالحهم {وتبارك الذي له ملك السموات والأرض وما بينهما وعنده علم الساعة وإليه ترجعون ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة} قيل سبب نزولها أن النضر بن الحارث ونفرًا معه قالوا إن كان ما يقول محمد حقًا فنحن نتولى الملائكة فهم أحق بالشفاعة من محمد صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية وأراد بالذين يدعون من دونه آلهتهم ثم استثنى عيسى وعزيرًا والملائكة بقوله: {إلا من شهد بالحق} لأنهم عبدوا من دون الله ولهم شفاعة وقيل المراد بالذين يدعون من دونه عيسى وعزير والملائكة فإن الله تعالى لا يملك لأحد من هؤلاء الشفاعة إلا لمن شهد بالحق وهي كلمة الإخلاص وهي لا إله إلا الله فمن شهدها بقلبه شفعوا له وهو قوله: {وهم يعلمون} أي بقلوبهم ما شهدوا به بألسنتهم وقيل يعلمون أن الله خلق عيسى وعزيرًا والملائكة ويعلمون أنهم عباده {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله} يعني أنهم إذا أقروا بأن الله خالق العالم بأسره فكيف قدموا عبادة غيره {فأنى يؤفكون} يعني يصرفون عن عبادته إلى غيره {وقيله يا رب} يعني قوله محمد صلى الله عليه وسلم شاكيًا الله ربه يا رب {إن هؤلاء قوم لا يؤمنون} قال ابن عباس: شكا إلى الله تعالى تخلف قومه عن الإيمان، وقال قتادة: هذا نبيكم يشكو قومه إلى ربه.
{فاصفح عنهم} يعني أعرض عنهم وفي ضمنه منعه من أن يدعو عليهم بالعذاب {وقل سلام} معناه المتاركة، وقيل معناه قل خيرًا بدلًا من شرهم {فسوف يعلمون} يعني عاقبة كفرهم وفيه تهديد لهم وقيل معناه يعلمون أنك صادق، قال مقاتل: نسختها آية السيف والله تعالى أعلم. اهـ.

.قال ابن جزي:

{وَلَمَّا ضُرِبَ ابن مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ}.
روي عن ابن عباس وغيره في تفسيره هذه الآية: أنه لما نزل في القرآن ذكر عيسى ابن مريم والثناء عليه، قالت قريش: ما يريد محمد إلا أن نعبده نحن كما عبدت النصارى عيسى؛ فهذا كان صدودهم من ضربه مثلًا، حكى ذلك ابن عطية والذي ضرب المثل على هذا هو الله في القرآن، ويصدون بمعنى يُعرضون، وقال الزمخشري: لما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على قريش: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء: 98] امتعضوا من ذلك، وقال عبد الله بن الزبعرى: أخاصة لنا ولآلهتنا أم لجميع الأمم؟ فقال صلى الله عليه وسلم هو لكم ولآلهتكم ولجميع الأمم، فقال: خصمتك ورب الكعبة؛ ألست تزعم أن عيسى ابن مريم نبي وتثني عليه خيرًا، وقد علمت أن النصارى عبدوه، فإن كان عيسى في النار فقد رضينا أن نكون نحن وآلهتنا معه، ففرحت قريش بذلك، وضحكوا وسكت النبي صلى الله عليه وسلم. فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الحسنى أولئك عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء: 101] ونزلت هذه الآية، فالمعنىعلى هذا: لما ضربَ ابن الزبعرى عيسى مثلًا وجادل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبادة النصارى إياه، إذا قريش من هذا المثل يصدون: أي يضحكون ويصيحون من الفرح، وهذا المعنى إما يجري على قراءة يصدون بكسر الصاد بمعنى الضجيج والصياح.
{وقالوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ} يعنون بهو عيسى، والمعنى أنهم قالوا آلهتنا خير أم عيسى، فإن كان عيسى يدخل النار فقد رضينا أن نكون نحن وآلهتنا معه، لأنه خير من آلهتنا، وهذا الكلام من تمام ما قبله على ما ذكره الزمخشري في تفسير الآية التي قبله، وأما على ما ذكر ابن عطية فهذا ابتداء معنى آخر، وحكى الزمخشري في معنى هذه الآية قولا آخر: وهو أنهم لما سمعوا ذكر عيسى قالوا: نحن أهدى من النصارى، لأنهم عبدوا آدميًا ونحن عبدنا الملائكة، وقالوا آلهتنا وهم الملائكة خير أم عيسى؛ فمقصدهم تفضيل آلهتهم على عيسى. وقيل: إن قولهم أم هو: يعنون به محمدًا صلى الله عليه وسلم، فإنهم لما قالوا إنما يريد محمد أن نعبد كما عبدت النصارى عيسى. قالوا: أآلهتنا خير أم هو يريدون تفضيل آلهتهم على محمد والأظهر أن المراد بهو عيسى وهو قول الجمهور، ويدل على ذلك تقدم ذكره {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلًا} أي ما ضربوا لك هذا المثال إلا على وجه الجدل، وهو أن يقصد الإنسان أن يغلب من يناظره سواء غلبه بحق أو بباطل، فإن ابن الزبعرى وأمثاله ممن لا يخفى عليه أن عيسى لم يدخل في قوله تعالى: {حصب جهنم}، ولكنهم أرادوا المغالطة، فوصفهم الله بأنهم قو خصمون.
{إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ} يعني عيسى والإنعام عليه بالنبوة والمعجزات، وغير ذلك.
{وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنكُمْ مَّلاَئِكَةً فِي الأرض يَخْلُفُونَ} في معناها قولان: أحدهما لو نشاء لجعلنا بدلًا منكم ملائكة يسكنون الأرض ويخلفون فيها بني آدم، فقوله منكم يتعلق ببدل المحذوف أو بيخلفون، والآخر لو نشاء لجعلنا منكم، أي لولدنا منكم أولادًا ملائكة يخلفونكم في الأرض كما يخلفكم أولادكم، فإنا قادرون على أن نخلق من أولاد الناس ملائكة فلا تنكروا أن خلقنا عيسى من غير والد، حكى ذلك الزمخشري.
{وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ} الضمير لعيسى وقيل لمحمد صلى الله عليه وسلم وقيل للقرآن، فأما على القول بأنه لعيسى أو لمحمد فالمعنى أنه شرط من أشراط الساعة، يوجب العلم بها فسمى الشرط علمًا لحصول العلم به، ولذلك قرأ ابن عباس {لعَلَم} بفتح العين واللام: أي علامة وأما على القول بأنه للقرآن: فالمعنى أنه يعلمكم بالساعة.
{وَلأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الذي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فاتقوا} إما بيّن البعض دون الكل، لأن الأنبياء إنما يبينون أمور الدين لا الدنيا، وقيل: بعض بمعنى كل هذا ضعيف.
{فاختلف الأحزاب} ذكر في مريم {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ الساعة} أي ينتظرون، والضمير لقريش أو للأحزاب {الأخلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ المتقين} {الأخلاء}: جمع خليل وهو الصديق، وإما يعادي الخليل خليلَه يومَ القيامة، لأن الضرر دخل عليه من صحبته، ولذلك استثنى المتقين، لأن النفع دخل على بعضهم من بعض {ياعباد لاَ} الآية. تقديره: يقول الله يوم القيامة للمتقين يا عبادي، لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون.
{تُحْبَرُونَ} أي تنعمون وتسرون.
{وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} أي يائسون من الخير.
{وَنَادَوْاْ يامالك لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} المعنى أنهم طلبوا الموت ليستريحوا من العذاب، وروي أن مالكًا يبقى عبد ذلك ألف سنة، وحينئذ يقول لهم: {إِنَّكُمْ مَّاكِثُونَ} أي دائمون في النار {لَقَدْ جِئْنَاكُم بالحق} الآية كلام الله تعالى لأهل النار، أو من كلام الله لقريش في الدنيا {أَمْ أبرموا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ} الضمير لكفار قريش، والمعنى أنهم إن أحكموا كيد النبي صلى الله عليه وسلم فإنا مُحكِمون نصره وحمايته {أَمْ يَحْسَبُونَ} الآية: روي أنها نزلت في الأخنس بن شريق والأسود بن عبد يغوث اجتمعا وقال الأخنس: أترى الله يسمع سرنا، فقال الآخر: يسمع نجوانا ولا يسمع سرنا {سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم} السرّ ما يحدث الإنسان به نفسه أو غيره في خفية، والنجوى: ما تكلموا به فيما بينهم {بلى} أي نسمع ورسلنا مع ذلك تكتب ما يقولون، والرسل هنا الملائكة الحافظون للأعمال.
{قُلْ إِن كَانَ للرحمن وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ العابدين} في تأويل أربعة أقوال: الأول أنها احتجاج وردّ على الكفار، على تقدير قولهم، ومعناها لو كان للرحمن ولد كما يقول الكفار لكنت أنا أول من يعبد ذلك الولد؛ كما يعظم خدم الملك ولد الملك لتعظيم والده، ولكن ليس للرحمن ولد، فلست بعابد إلا الله وحده، وهذا نوع من الأدلة يسمى دليل التلازم؛ لأنه علق عبادة الولد بوجوده، ووجوده محال فعبادته محال، القول الثاني إن كان للرحمن ولد فأنا أول من عبد الله وحده، وكذبكم في قولكم أن له ولدًا، والعابدين على هذين القولين بمعنى العبادة، القول الثالث أن العابدين بمعنى المنكرين: يقال عَبِد الرجل إذا أنف وتكبر وأنكر الشيء، والمعنى: إن زعمتم أن للرحمن ولدًا فأنا أول المنكرين لذلك، وإن على هذه الأقوال الثلاثة شرطية، القول الرابع قال قتادة وابن زيد: إن هنا نافية بمعنى ما كان للرحمن ولد وتم الكلام، ثم ابتدأ قوله: {فَأَنَاْ أَوَّلُ العابدين}، والأول هو الصحيح لأنه طريقة معروفة في البراهين والأدلة، وهو الذي عوَّل عليه الزمخشري، وقال الطبري: هو ملاطفة الخطاب ونحوه قوله تعالى: {وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لعلى هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} [سبأ: 24] وقال ابن عطية منه قوله تعالى في مخاطبة الكفار {أَيْنَ شُرَكَآئِيَ} [النحل: 27] يعني شركائي على قولكم.
{فَذَرْهُمْ} الآية موادعة منسوخة بالسيف.
{وَهُوَ الذي فِي السماء إله وَفِي الأرض إله} أي هو الإله لأهل الإرض وأهل السماء، والمجرور يتعلق بإله، لأن فيه معنى الوصفية {وَعِندَهُ عِلْمُ الساعة} أي علم زمان وقوعها {وَلاَ يَمْلِكُ الذين يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشفاعة} أي لا يملك كل من عبد من دون الله أن يشفع عند الله، لأن الله لا يشفع أحد عنده إلا بإذنه فهو المالك للشفاعة وحده {إِلاَّ مَن شَهِدَ بالحق وَهُمْ يَعْلَمُونَ} اختلف هل يعني شهد بالحق الشافع أو المشفوع فيه، فإن أراد المشفوع فيه فالاستثناء منطقع، والمعنى لا يملك المعبودون شفاعة؛ لكن من شهد بالحق وهو عالم به فهو الذي يشفع فيه، ويحتمل على هذا أن يكون من شهد مفعولًا بالشفاعة على إسقاط حرف الجر تقديره: الشفاعة فيمن شهد بالحق، وإن أراد بمن شهد بالحق الشافع فيحتمل أن يكون الاستثناء منطقعًا وأن يكون متصلًا إلا فيمن عبد عيسى والملائكة، والمعنى على هذا لا يملك المعبودون شفاعة إلا من شهد بالحق.
{وَقِيلِهِ يارب إِنَّ هؤلاء قَوْمٌ لاَّ يُؤْمِنُونَ} القيل مصدر كالقول، والضمير يعود على النبي صلى الله عليه وسلم، وقرئ {قِيلَهِ} بالنصب والخفض وقرئ في غير السبع بالرفع، فأما النصب فقيل هو معطوف على سرهم ونجواهم، وقيل: معطوف على موضع الساعة؛ لأنها مفعول أضيف إلى المصدر وقيل: معطوف على مفعول محذوف تقديره: يكتبون أقوالهم وقيله، وأما الخفض فقيل: إنه معطوف على لفظ الساعة، ويحتمل أن يكون معطوفًا على قوله بالحق، وأما الرفع فقيل: إنه مبتدأ وخبره ما بعده، وضعَّف الزمخشري ذلك كله وقال: إنه من باب القسم فالنصب والخفض على إضمار حرف القسم كقولك: اللهِ لأضربنّ زيدًا والرفع كقولهم: أيمنُ الله ولعمرُك، وجواب القسم قوله: {إِنَّ هؤلاء قَوْمٌ لاَّ يُؤْمِنُونَ} كأنه قال: أقسم بقيله أن هؤلاء قوم لا يؤمنون {فاصفح عَنْهُمْ} منسوخ بالسيف {وَقُلْ سَلاَمٌ} تقديره أمري سلام: أي مسالمة، وقيل سلام عليكم على جهة الموادعة وهو منسوخ على الوجهين {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} تهديد. اهـ.