فصل: قال نظام الدين النيسابوري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا} فَلا تشكن فيها.
{واتبعون} واتبعوا هداي أو شرعي أو رسولي. وقيل هو قول الرسول صلى الله عليه وسلم أمر أن يقوله.
{هذا} الذي أدعوكم إليه.
{صراط مُّسْتَقِيمٍ} لا يضل سالكه.
{وَلاَ يَصُدَّنَّكُمُ الشيطان} عن المتابعة.
{إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} ثابت عداوته بأن أخرجكم عن الجنة وعرضكم للبلية.
{وَلَمَّا جَاءَ عيسى بالبينات} بالمعجزات أو بآيات الإِنجيل، أو بالشرائع الواضحات.
{قال قَدْ جِئْتُكُم بالحكمة} بالإِنجيل أو بالشريعة.
{وَلأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الذي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ} وهو ما يكون من أمر الدين لا ما يتعلق بأمر الدنيا، فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لم يبعثوا لبيانه، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام «أنتم أعلم بأمر دنياكم» {فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ} فيما أبلغه عنه.
{إِنَّ الله هُوَ رَبّى وَرَبُّكُمْ فاعبدوه} بيان لما أمرهم بالطاعة فيه، وهو اعتقاد التوحيد والتعبد بالشرائع.
{هذا صراط مُّسْتَقِيمٌ} الإِشارة إلى مجموع الأمرين وهو تتمة كلام عيسى عليه الصلاة والسلام، أو استئناف من الله تعالى يدل على ما هو المقتضي للطاعة في ذلك.
{فاختلف الأحزاب} الفرق المتحزبة.
{مِن بَيْنِهِمْ} من بين النصارى أو اليهود والنصارى من بين قومه المبعوث إليهم.
{فَوَيْلٌ لّلَّذِينَ ظَلَمُواْ} من المتحزبين {مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ} هو القيامة.
{هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ الساعة} الضمير لقريش أو {لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ}.
{أَن تَأْتِيهُمُ} بدل من {الساعة} والمعنى هل ينظرون إلا إتيان الساعة.
{بَغْتَةً} فجأة.
{وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} غَافِلُونَ عنها لاشتغالهم بأمور الدنيا وإنكارهم لها.
{الأخلاء} الأحباء.
{يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} أي يتعادون يومئذ لانقطاع العلق لظهور ما كانوا يتخالون له سببًا للعذاب.
{إِلاَّ المتقين} فإن خلتهم لما كانت في الله تبقى نافعة أبد الآباد.
{ياعباد لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ اليوم وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ} حكاية لما ينادي به المتقون المتحابون في الله يومئذ، وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي وحفص بغير الياء.
{الذين ءَامَنُواْ بآياتنا} صفة المنادي.
{وَكَانُواْ مُسْلِمِينَ} حال من الواو أي الذين آمنوا مخلصين، غير أن هذه العبارة آكد وأبلغ.
{ادخلوا الجنة أَنتُمْ وأزواجكم} نساؤكم المؤمنات.
{تُحْبَرُونَ} تسرون سرورًا يظهر حباره أي أثره على وجوهكم، أو تزينون من الحبر وهو حسن الهيئة أو تكرمون إكرامًا يبالغ فيه، والحبرة المبالغة فيما وصف بجميل.
{يُطَافُ عَلَيْهِمْ بصحاف مّن ذَهَبٍ وأكواب} الصحاف جمع صحفة، والأكواب جمع كوب وهو كوز لا عروة له.
{وَفِيهَا} وفي الجنة {مَا تَشْتَهِى الأنفس} وقرأ نافع وابن عامر وحفص {تَشْتَهِيهِ الأنفس} على الأصل.
{وَتَلَذُّ الأعين} بمشاهدته وذلك تعميم بعد تخصيص ما يعد من الزوائد في التنعم والتلذذ.
{وَأَنتُمْ فِيهَا خالدون} فإن كل نعيم زائل موجب لكلفة الحفظ وخوف الزوال ومستعقب للتحسر في ثاني الحال.
{وَتِلْكَ الجنة التى أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} وقرأ {ورثتموها}، شبه جزاء العمل بالميراث لأنه يخلفه عليه العامل، وتلك إشارة إلى الجنة المذكورة وقعت مبتدأ والجنة خبرها، و{التى أُورِثْتُمُوهَا} صفتها أو {الجنة} صفة {تِلْكَ} و{التى} خبرها أو صفة {الجنة} والخبر {بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}، وعليه يتعلق الباء بمحذوف لا بـ: {أُورِثْتُمُوهَا}.
{لَكُمْ فِيهَا فاكهة كَثِيرَةٌ مّنْهَا تَأْكُلُونَ} بعضها تأكلون لكثرتها ودوام نوعها،! ولعل تفصيل التنعم بالمطاعم والملابس وتكريره في القرآن وهو حقير بالإضافة إلى سائر نعائم الجنة لما كان بهم من الشدة والفاقة.
{إِنَّ المجرمين} الكاملين في الإِجرام وهم الكفار لأنه جعل قسيم المؤمنين بالآيات، وحكى عنهم ما يخص بالكفار.
{فِى عَذَابِ جَهَنَّمَ خالدون} خبر إن أو خالدون خبر والظرف متعلق به.
{لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ} لا يخفف عنهم من فترت عنه الحمى إذا سكنت قليلًا والتركيب للضعف.
{وَهُمْ فِيهِ} في العذاب {مُّبْلِسُونَ} آيسون من النجاة.
{وَمَا ظلمناهم ولكن كَانُواْ هُمُ الظالمين} مر مثله غير مرة وهم فصل.
{وَنَادَوْاْ يامالك} وقرئ {يا مال} على الترخيم مكسورًا ومضمومًا، ولعله إشعار بأنهم لضعفهم لا يستطيعون تأدية اللفظ بالتمام ولذلك اختصروا فقالوا: {لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} والمعنى سل ربنا أن يقضي علينا من قضى عليه إذا أماته، وهو لا ينافي إبلاسهم فإنه جؤار وتمن للموت من فرط الشدة {قال إِنَّكُمْ ماكثون} لا خلاص لكم بموت ولا بغيره.
{لَقَدْ جئناكم بالحق} بالإِرسال والإِنزال، وهو تتمة الجواب إن كان في {قال} ضمير الله وإلا فجواب منه فكأنه تعالى تولى جوابهم بعد جواب مالك.
{ولكن أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقّ كارهون} لما في اتباعه من إتعاب النفس وآداب الجوارح.
{أَمْ أَبْرَمُواْ أَمْرًا} في تكذيب الحق ورده ولم يقتصروا على كراهته.
{فَإِنَّا مُبْرِمُونَ} أمرًا في مجازاتهم والعدول عن الخطاب للإشعار بأن ذلك أسوأ من كراهتهم، أو أم أحكم المشركون أمرًا من كيدهم بالرسول {فَإِنَّا مُبْرِمُونَ} كيدنا بهم، ويؤيده قوله: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ} حديث أنفسهم بذلك.
{ونجواهم} وتناجيهم.
{بلى} نسمعهما.
{وَرُسُلُنَا} والحفظة مع ذلك.
{لَدَيْهِمْ} ملازمة لهم.
{يَكْتُبُونَ} ذلك.
{قُلْ إِن كَانَ للرحمن وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ العابدين} منكم فإن النبي صلى الله عليه وسلم يكون أعلم بالله وبما يصح له وبما لا يصح له، وأولى بتعظيم ما يوجب تعظيمه ومن تعظيم الوالد تعظيم ولده، ولا يلزم من ذلك صحة كينونة الولد وعبادته له إذ المحال قد يستلزم المحال بل المراد نفيهما على أبلغ الوجوه كقوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ الله لَفَسَدَتَا} غير أن {لَوْ} ثم مشعرة بانتفاء الطرفين، و{إن} ههنا لا تشعر به ولا بنقيضه فإنها لمجرد الشريطة بل الانتفاء معلوم لانتفاء اللازم الدال على انتفاء ملزومه، والدلالة على أن إنكاره الولد ليس لعناد ومراء بل لو كان لكان أولى الناس بالاعتراف به. وقيل معناه إن كان له ولد في زعمكم فأنا أول العابدين لله الموحدين له أو الآنفين منه، أو من أن يكون له ولد من عبد يعبد إذا اشتد أنفه، أو ما كان له ولد فأنا أول الموحدين من أهل مكة. وقرأ حمزة والكسائي {وَلَدَ} بالضم وسكون اللام.
{سبحان رَبِّ السموات والأرض رَبّ العرش عَمَّا يَصِفُونَ} عن كونه ذا ولد فإن هذه الأجسام لكونها أصولًا ذات استمرار تبرأت عما يتصف به سائر الأجسام من توليد المثل، فما ظنك بمبدعها وخالقها.
{فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ} في باطلهم.
{وَيَلْعَبُواْ} في دنياهم.
{حتى يلاقوا يَوْمَهُمُ الذي يُوعَدُونَ} أي يوم القيامة، وهو دلالة على أن قولهم هذا جهل واتباع هوى، وإنهم مطبوع على قلوبهم معذبون في الآخرة.
{وَهُوَ الذي في السماء إله وَفِى الأرض إله} مستحق لأن يعبد فيهما، والظرف متعلق به لأنه بمعنى المعبود أو متضمن معناه كقولك: هو حاتم في البلد، وكذا فيمن قرأ {اللَّه} والراجع مبتدأ محذوف لطول الصلة بمتعلق الخبر والعطف عليه، ولا يجوز جعله خبرًا له لأنه لا يبقى له عائد لكن لو جعل صلة وقدر الإِله مبتدأ محذوف يكون به جملة مبينة للصلة دالة على أن كونه في السماء بمعنى الألوهية دون الاستقرار، وفيه نفي الآلهة السماوية والأرضية واختصاصه باستحقاق الألوهية.
{وَهُوَ الحكيم العليم} كالدليل عليه.
{وَتَبَارَكَ الذي لَهُ مُلْكُ السموات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا} كالهواء.
{وَعِندَهُ عِلْمُ الساعة} العلم بالساعة التي تقوم القيامة فيها.
{وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} للجزاء، وقرأ نافع وابن عامر وأبو عمرو وعاصم وروح بالتاء على الالتفات للتهديد.
{وَلاَ يَمْلِكُ الذين يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشفاعة} كما زعموا أنهم شفعاؤهم عند الله.
{إِلاَّ مَن شَهِدَ بالحق وَهُمْ يَعْلَمُونَ} بالتوحيد، والاستثناء متصل إن أريد بالموصول كل ما عبد من دون الله لاندراج الملائكة والمسيح فيه، ومنفصل إن خص بالأصنام.
{وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ} سألت العابدين أو المعبودين.
{لَيَقولنَّ الله} لتعذر المكابرة فيه من فرط ظهوره {فأنى يُؤْفَكُونَ} يصرفون عن عبادته إلى عبادة غيره.
{وَقِيلِهِ} وقول الرسول ونصبه للعطف على سرهم، أو على محل الساعة أو لإِضمار فعله أي وقال: {قيله}. وجره عاصم وحمزة عطفًا على {الساعة}، وقرئ بالرفع على أنه مبتدأ خبره.
{يارب إِنَّ هَؤُلاَءِ قَوْمٌ لاَّ يُؤْمِنُونَ} أو معطوف على {عِلْمُ الساعة} بتقدير مضاف. وقيل هو قسم منصوب بحذف الجار أو مجرور بإضماره، أو مرفوع بتقدير {وَقِيلِهِ يارب} قسمي، و{إِنَّ هَؤُلاء} جوابه.
{فاصفح عَنْهُمْ} فأعرض عن دعوتهم آيسًا عن إيمانهم.
{وَقُلْ سلام} تسلم منكم ومتاركة.
{فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم وتهديد لهم، وقرأ نافع وابن عامر بالتاء على أنه من المأمور بقوله. عن النبي صلى الله عليه وسلم «من قرأ سورة الزخرف كان ممن يقال له يوم القيامة {يا عبادي لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ اليوم وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ}». اهـ.

.قال نظام الدين النيسابوري:

{وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57)}.
التفسير: هذا نوع آخر من قبائح أقوال كفرة قريش. وفي تفسير المثل وجوه للمفسرين: أحدها أن الكفار لما سمعوا أن النصارى يعبدون عيسى قالوا: إذا جاز أن يكون عيسى ابن الله جاز أن تكون الملائكة بنات الله. وانتصب {مثلًا} على أنه مفعول ثانٍ لضرب أي جعل مثلا فالضارب للمثل كافرو {إذا قومك} أي المؤمنون {منه} أي من المثل أو ضربه {يصدون} أي يجزعون ويضجون {وقالوا} أي الكفار أهذا خير أم هو يعنون الملائكة خير من عيسى. وثانيها ما مر في آخر الأنبياء أنه حين نزل {أنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم} [الآية: 98] قال ابن الزبعري للنبي صلى الله عليه وسلم: قد علمت أن النصارى يعبدون عيسى وأمه وعزيرًا، فإن كان هؤلاء في النار فقد رضينا أن نكون نحن وآلهتنا معهم.
فسكت النبي صلى الله عليه وسلم وخرج القوم وضحكوا وصيحوا فأنزل الله تعالى قوله: {إن الذين سبقت لهم منا الحسنى} [الأنبياء: 101] ونزلت هذه الآية أيضًا. والمعنى ولما ضرب ابن الزبعري عيسى ابن مريم مثلًا إذا قومك قريش من هذا المثل يصدون بالكسر والضم أي يرتفع لهم جلبة وصياح فرحًا وسرورًا بما رأوا من سكوت رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن العادة قد جرت بأن أحد الخصمين إذا انقطع أظهر الخصم الآخر الفرح.
{وقالوا آلهتنا} وهي الأصنام {خير أم} عيسى فإذا كان عيسى من حصب النار كان أمر آلهتنا أهون. وقيل: من قرأ بالضم فمن الصدود أي من أجل هذا المثل يمنعون عن الحق. وثالثها أنه صلى الله عليه وسلم لما حكى أن النصارى عبدوا المسيح إلهًا وأن مثله عند الله كمثل آدم، قال كفار مكة: إن محمدًا يريد أن نتخذه إلهًا كما اتخذ النصارى المسيح إلهًا وضجروا وضجوا وقالوا: آلهتنا خير أم هو يعنون محمدًا، وغرضهم أن آلهتهم خير لأنها مما عبدها آباؤهم وأطبقوا عليها فأبطل الله تعالى كلامهم بقوله: {ما ضربوه لك إلا جدلًا} أي لم يضربوا هذا المثل لأجلك إلا للجدال والغلبة دون البحث عن الحق {بل هم قوم} من عادتهم الخصومة واللدد. ثم قرر أمر عيسى عليه السلام بقوله: {إن هو إلا عبد أنعمنا عليه} بأن خلقناه من غير أب وصيرناه عبرة وحاله عجيبة {ولو نشاء لجعلنا منكم} أي بدلًا منكم {ملائكة في الأرض يخلفون} يقومون مقامكم. وقيل: أراد لولدنا منكم يا رجال ملائكة يخلفونكم في الأرض كما يخلفكم أولادكم. والغرض بيان كمال القدرة وأن كون الملائكة في السموات لا يوجب لهم الإلهية ولا نسبًا من الله. ثم بين مآل حال عيسى عليه السلام بقوله: {وأنه} يعني عيسى {لعلم للساعة} لعلامة من علامات القيامة كما جاء في الحديث «أنا أولى الناس بعيسى ليس بيني وبينه نبي وأنه أول نازل يكسر الصليب ويقتل الخنزير ويقاتل الناس على الإسلام» وقيل:
إذا نزل عيسى رفع التكليف. وقيل: أن عيسى كان يحيي الموتى فعلم بالساعة والبعث. وقيل: الضمير في {وإنه} للقرآن أي القرآن يعلم منه وفيه ثبوت الساعة {فلا تمترن بها} فلا تشكن فيها {واتبعوني} هذه حكاية قول النبي صلى الله عليه وسلم، أو المراد واتبعوا رسولي وشرعي والباقي واضح إلى قوله: {هل ينظرون} وقد مر في آل عمران وفي (مريم).
وقوله: {أن تأتيهم} بدل من الساعة و{الأخلاء} جمع خليل و{يومئذ} ظرف {عدو} وهو كقوله: {إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا}.
[البقرة: 166] ولكن خلة المتقين ثابتة لأن المحبة في الله لا تزول. ومعنى {تحبرون} تسرون والحبور السرور، والصحاف جمع صحفة وهي القصعة فيها طعام، والأكواب جمع كوب وهو الإبريق لا عروة له. وقد يدور في الخلد أن العروة للكوز أمر زائد على مصلحة الشرب وإنما هو لدفع حاجة كتعليق وتعلق وأهل الجنة فيها براء من أمثال ذلك فلهذا كانت أكوازها أكوابًا والله أعلم بأسراره.
{وفيها} أي في الجنة. قال القفال: جمع بهاتين اللفظتين ما لو اجتمع الخلق كلهم على تفصيله لم يخرجوا عنه. ثم يقال لهم {وأنتم فيها خالدون} إلى آخره. ثم وصف حال أهل الجرائم من الكفار أو منهم ومن الفساق على اختلاف بين السني والمتعزلي. ومعنى {لا يفتر} لا يخفف من الفتور ومبلسون آيسون ساكتون تحيرًا ودهشًا. ولما أيسوا من فتور العذاب {نادوا يا مالك} وهو اسم خازن النار {ليقض علينا ربك} أي ليمتنا كقوله: {فقضى عليه} [القصص: 15] قال مالك: بعد أربعين عامًا أو بعد مائة أو ألف أو قال الله بدليل قوله: {ولقد جئناكم} فإنه ظاهر من كلام الله وإن كان يحتمل أن يكون قول الملائكة. قال أهل التحقيق: سمى خازن النار مالكًا لأن الملك علقة والتعلق من أسباب دخول النار كما سمى خازن الجنة رضوانًا لأن الرضا بحكم الله سبب كل راحة وسعادة وصلاح وفلاح. ثم عاد إلى توبيخ قريش وتجهيلهم والتعجيب من حالهم فقال: {أم أبرموا أمرًا} والإبرام والإحكام والمعنى أنهم كلما أحكموا أمرًا في المكر بمحمد صلى الله عليه وسلم فإنا نحكم أمرًا في مجازاتهم. وقال قتادة: أجمعوا على التكذيب وأجمعنا على التعذيب، وذلك أنهم اجتمعوا في دار الندوة وأطبقوا على الاغتيال بمحمد صلى الله عليه وسلم وتناجوا في ذلك فكف عنه شرهم وأوعدهم عليه بأنه يعلم سرهم وهو ما حدّث به الرجل نفسه أو غيره في مكان خالٍ. ونجواهم وهي ما تكلموا به فيما بينهم على سبيل الخفية أيضًا.