فصل: قال ملا حويش:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



21 {وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ}: اصرفوا أذاكم عني.
24 {رَهوا}: ساكنا.
33 {ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ}: إحسان ونعمة.
36 {فَأْتُوا بِآبائنا}: لم يجابوا فيه لأن النشأة الأخيرة للجزاء لا لإعادة التكليف.
37 {أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ}: عدل عن جوابهم إلى الوعيد لأن من تجاهل وشغب فالوجه العدو ل إلى الوعظ له.
38 {وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ}: أي: لوبطل الجزاء على الأعمال لكان الخلق أشبه شيء باللّهو واللعب.
{اعتلوه}- بكسر التاء وضمها-: ادفعوه بعنف، و(العتل) أن تأخذ بمجامع ثوبه عند صدره تجرّه.
49 {إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ}: كان أبو جهل يقول: أنا أعز من بها وأكرم.
{إستبرق}: قيل ذلك لشدّة بريقه.
{مُتَقابِلِينَ}: أي: بالمحبة لا متدابرين بالبغضة. اهـ.

.قال ملا حويش:

تفسير سورة الدخان:
عدد 24- 64- 24.
نزلت بمكة بعد الزخرف وهي تسع وخمسون آية وثلاثمائة وست وأربعون كلمة، وألف وأربعمائة وواحد وثلاثون حرفا.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.
قال تعالى: {حم} 1 تقدم ما فيه وهو رمز بين اللّه ورسوله لا يعلمه غيرهما، وهذا من معجزات القرآن؛ أن المنزل عليهم لا يعلمون وقت انزاله أن هناك كلمات معروفة عند المخاطب أو المخاطب مجهو لة عند غيرهما، ومنه أخذت الملوك الرموز فيما بينهم (شفرة) لا يعرفها غيرهم، ثم أقسم جل قسمه فقال: {وَالْكِتابِ الْمُبِينِ} 2 المظهر الحلال والحرام والحدود والاحكام.
وجواب القسم قوله: {إِنَّا أَنْزَلْناهُ} أي القرآن العظيم المقسم به بلفظ الكتاب {فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ} هي ليلة القدر السابعة والعشرون من شهر رمضان سنة 41 من ميلاده الشريف، إذ أنزل فيها جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزّة في سماء الدنيا، ثم نزل مفرقا بحسب ما أراده اللّه تعالى القائل: {شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ القرآن} الآية 186 من سورة البقرة في ج 3، وقال هنا {إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ} وقال: {إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} السورة المارة في ج 1، وانما وصفها بالبركة إذ لا أبرك ولا أعظم ولا أحسن ولا أشرف مما نزل فيها، لا سيما أنها كانت ليلة الجمعة فصارت مباركة من وجوه شتى، وإنما أنزله ليلا لأن الليل زمن المناجاة ومهبط النفحات ومورد الكرامات ومحل الاسرار ومجمع الأبرار وفيه فراغ القلوب واجتماع المحب بالمحبوب بخلاف النهار.
و لهذه الأسباب وقع الإسراء ليلا كما أشرنا اليه أول سورة الاسراء ج 1 فراجعها وراجع سورة القدر واية البقرة المذكورة أعلاه لتقف على ما يتعلق بها.

.مطلب في ليلة القدر وليلة النصف من شعبان وفضل الأزمنة والأمكنة والأشخاص والأعمال:

وتفسير هذه الليلة بليلة القدر هو ما عليه ابن عباس وقتادة وابن جبير ومجاهد وابن زيد والحسن وأكثر المفسرين وهو الموافق لظاهر التنزيل وهناك أقوال لعكرمة وغيره بأنها ليلة النصف من شعبان المسماة ليلة البراءة ومشى عليه بعض المفسرين لما روى البغوي بسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال تقطع «الآجال من شعبان إلى شعبان حتى أن الرجل ينكح ويو لد له وقد خرج اسمه في الموتى».
ولما روى عن عائشة رضي اللّه عنها قالت «قصدت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فخرجت أطلبه فإذا هو بالبقيع رافعا رأسه إلى السماء فقال يا عائشة أكنت تخافين أن يحيف اللّه عليك ورسوله؟ قلت ما بي من ذلك ولكني ظننت أنك أتيت بعض نسائك، فقال إن اللّه عز وجل ينزل ليلة النصف من شعبان إلى سماء الدنيا فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم بنى كلب».- أخرجه الترمذي وابن أبي شيبة والبيهقي وابن ماجه- قالوا وبينها وبين ليلة القدر أربعون أو واحد وأربعون يوما ما عداهما، ويقول ابن عباس رضي اللّه عنهما إن اللّه تعالى يقضي الأقضية في ليلة النصف من شعبان ويسلمها إلى أربابها في ليلة القدر.
وهذه الأحاديث والأقوال على فرض صحتها غاية ما فيها عدّ ليلة النصف من شعبان مباركة، وهو كذلك لأنها لا تزال معظمة يقومها الناس ويصومها البعض ويتصدقون فيها، إلا أنها ليس فيها ما يدل على أن القرآن أنزل فيها، ولا يوجد ما يقابل النصوص الظاهرة الصريحة المارة المثبتة بأن المراد في هذه الليلة الواردة في هذه السورة هي ليلة القدر وما ورد لا ينافي أفضلية ليلة البراءة المشار إليها بما تقدم وبما أخرجه ابن ماجه والبيهقي في شعب الإيمان عن علي رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها فإن اللّه تعالى ينزل فيها لغروب الشمس إلى السماء الدنيا فيقول: ألا مستغفر فأغفر له، ألا مسترزق فأرزقه، ألا مبتلي فأعافيه، ألا كذا ألا كذا حتى يطلع الفجر».
وبما أخرجه أحمد ابن حنبل في المسند عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: «يطلع اللّه تعالى إلى خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لعباده إلا اثنين مشاحن وقاتل نفس»، وفي رواية «وقاطع رحم».
إلى غير ذلك من الأحاديث التي تؤيد أفضليتها على غيرها عدا ليلة القدر، ولا أعلم كيف صرفوا هذه الليلة إلى ليلة النصف من شعبان مع صراحة القرآن بأنها ليلة القدر، والقرآن يفسر بعضه بعضا ولا يوجد حديث صحيح يصرفها بل ولا غير صحيح، وأما أقوال المفسرين فمجرد اجتهاد منهم وقد أخذ بعضهم عن الآخر دون استناد لقرآن أو سنة، ولم يذكر في هذه الأحاديث أنها ليلة النصف من شعبان، وهنا يظهر لك قول المغالين بأنها ليلة البراءة أنه غير مستند على نص صريح من الكتاب والسنة أنها هي، أما فضلها فلم يختلف فيه اثنان.
واعلم أن ما ورد في فضل بعض الليالي والأيام والأوقات وما قيل إن للّه خواصّ في الأزمنة والأمكنة والأشخاص هو بالنسبة لما يقع فيها من الأعمال والأفعال والأقوال، وإلا فالأيام والساعات والمواقع متساوية من حيث هي، وعلى هذا فإن أفضل السنين السنة التي ولد فيها محمد صلى الله عليه وسلم وهي عام الفيل التي حمى اللّه بها بيته، وأهلك من قصد نخريبه أبرهة ومن معه، وأفضل الشهور شهر رمضان لذكره تعالى باسمه في القرآن العظيم ولأنزال القرآن فيه ولتشريف سيدنا محمد بالرسالة فيه أيضا، ثم ربيع الأول لوقوع ولادته الشريفة فيه، ثم رجب لأنه مفرد الأشهر الحرام المذكورة صراحة في القرآن الكريم ولوقوع الإسراء فيه وتحريم القتال فيه، ثم شعبان لوقوعه بين رجب ورمضان ولكون ليلة البراءة فيه المحترمة لسنية صيامها وقيامها، وقد ورد بارك اللّه في خميسها وسبتها لوقوعهما في جوار الجمعة، ثم ذوالحجة لوقوع الحج فيه ولكون الأيام المعدودات والمعلومات المنوه بهما في القرآن العظيم فيه ومنها يوم عرفه ويوم التروية ويوم النحر وأيام التشريق، وقد وردت أحاديث كثيرة في فضلها، ثم شوال لوقوعه بين رمضان وذي القعدة الحرام ولكون عيد الفطر فيه واستحباب صيام الأيام الستة منه، ثم ذوالقعدة لمجأو رته ذا الحجة، ولهذا فإن الدار إذا كانت بين جيران صالحين تفضل على غيرها وتعتز بجوارها حتى قيل بجيرانها تغلوالديار وترخص.
ثم المحرم شهر الأنبياء ورأس السنة واخر الأشهر الحرام وفيه يوم عاشوراء وفيه أجاب اللّه تعالى دعوة أنبيائه وأهلك أعداءه.
وأفضل الأيام يوم الجمعة لما فيه من اجتماع الناس لسماع الذكر، ولأنها بمثابة العيد وجاء أنها حج المساكين وفيها ساعة الإجابة، راجع الآية 4 من سورة القدر في ج 1.
هذا في الأزمنة، أما الأمكنة فأفضل بقعة في الأرض بل وفي السماء البقعة التي ضمت جثمان سيد الكائنات عليه أفضل الصلاة والسلام، وقد أجمع على هذا السلف والخلف ولما دفن فيها رثته ريحانته فاطمة رضي اللّه عنها فقالت:
ماذا على من شمّ تربة أحمد ** أن لا يشمّ مدى الدهور غواليا

صبّت علي مصائب لوأنها ** صبّت على الأيام صرن لياليا

وقال الأعرابي حينما زار تلك الروضة المطهرة:
يا خير من دفنت في الترب أعظمه ** وطاب من طيبهن القاع والأكم

نفسي فداء لقبر أنت ساكنه ** فيه العفاف وفيه الجود والكرم

ورثاه حسان رضي اللّه عنه فقال:
كنت السواد لناظري ** فعمى عليك الناظر

من شاء بعدك فليمت ** فعليك كنت أحاذر

ولم يسبقه سابق ولا يلحقه لاحق بمثل هذا، ثم المسجد الحرام المشتمل على الكعبة المعظمة، وقد جاء أن الصلاة فيه تعدل مئة ألف صلاة بغيره، ثم مسجده صلى الله عليه وسلم لاحتوائه على الروضة المقدسة، وورد أن الصلاة فيه تعدل ألفا بغيره، ثم المسجد الأقصى لاحتوائه على الصخرة الشريفة والحرم المقدس مهبط الأنبياء ومجمع أضرحتهم الطاهرة، وجاء أن الصلاة فيه تعدل خمسمائة صلاة بغيره، مما يدل على أفضلية هذه المواقع الكريمة، ثم مدافن الأنبياء والأولياء العارفين والعلماء الكاملين لقربهم من اللّه تعالى والجوامع والمساجد والمحال التي يقام ذكر اللّه بها ويتلى فيها كتابه وأحاديث نبيه.
أما الأشخاص فأفضل من عليها الرسل الفخام والأنبياء العظام، ثم الأمثل فالأمثل من الأولياء العارفين والعلماء العاملين والشهداء والشجعان المقاتلين في سبيل اللّه فمن دونهم، وقد نص اللّه تعالى على تفضيل الأنبياء وكونهم درجات لما أوتوا من منّ اللّه عليهم وتوفيقه، ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء.
وأما الأعمال فلبعضها أيضا فضل وشرف على بعض بالنسبة لفاعلها وللزمان والمكان المعمو لة فيه وبحسب النيات والمقاصد والإخلاص، قال ابن الفارض رحمه اللّه:
وعندي عيد كل وقت أرى ** به جمال محياها سبعين قريرة

وكل الليالي ليلة القدر إن دنت ** كما كل أيام اللقا يوم جمعة

أما التسمية فمقتضى الحال سميت ليلة القدر لما يقدر اللّه تعالى فيها من الأمور، وسميت مباركة لما يعود فيها من البركة على العاملين فيها وليلة الرحمة لما يقع فيها من رحمات الرحمن على عباده، وسميت ليلة البراءة ليلة النصف من شعبان لما أن من قبل فيها برىء من الذنوب وصار كيوم ولدته أمه نقيا وليلة الإجابة لما أن اللّه يطلع فيها على عباده فيجيب ما يطلبونه منه، وليلة العرض لما فيها من اطلاع اللّه تعالى على عباده المتعرضين لألطافه، وليلة الصك لأن العامل إذا استوفى الخراج من الناس أعطاهم صكا بوفاء ما عليهم من الذّمة فكذلك الباري جل جلاله يكتب لعباده المقبو لين صكا بقبول أعمالهم وغفران ذنوبهم، ويوم العيد لأن اللّه تعالى يعود بالإحسان على عباده فيه، وقد جاء في الخبر: إذا كان يوم العيد وخرج الناس إلى الجبّانة يقول اللّه تعالى ما حق الأجير إذا أكمل عمله؟ فتقول الملائكة أن يعطى أجره، فيقول اللّه اشهدوا أني قد غفرت لهم.
و ليلة التروية لأن الخليل رأى فيها ذبح ولده، وليلة عرفة لأنه عرف أن تلك الرؤيا من اللّه حقا فعزم على تنفيذها، ويوم النحر لنحر إبراهيم ولده إسماعيل وفاء لأمر ربّه.
هذا، وما قيل إن ادم عليه السلام تلاقى مع حواء في عرفة فسمي به لم يثبت ثبوتا يصح الاستناد إليه ويستدل فيه، وهكذا لم يوضع اسم إلا لمعنى في الأصل زمن وضعه واللّه أعلم.
قال تعالى: {إِنَّا كُنَّا} نحن إله السموات والأرض ولم نزل {مُنْذِرِينَ} 3 الناس أن يجتنبوا مخالفتنا ويحذروا عقابنا، واعلموا أيها الناس أن تلك الليلة المباركة {فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} 4 مفصول مقضى به حسب حكمتنا بمقتضى إرادتنا، قال ابن عباس يكتب في أم الكتاب في ليلة القدر ما هو كائن في السنة من الخير والشر والأرزاق والآجال حتى الحجاج فيبرم وينفذ ذلك، لأن الكتابة لا تكون إلا ليلة البراءة كما تقدم، قال تعالى ما معناه نأمر بكل شيء {أَمْرًا} نصب على الاختصاص وإن الأمر المحكم الذي أنزلناه حاصل {مِنْ عِنْدِنا} بمقتضى علمنا وتدبيرنا وحكمتنا {إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} 5 الرسل إلى الأمم السابقة لأجل إرشادهم وقد أرسلناك يا محمد إلى من على وجه الأرض وخاصة لأهل زمانك {رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} إليهم ورأفة بهم ونعمة عليهم {إِنَّهُ هو السميع} لأقوالهم إذا أجابوا دعوتك وامنوا بك {الْعَلِيمُ} 6 بأفعالهم كلها.
ومن قال إن الضمير في أنزلناه لا يعود للكتاب وأراد بالكتاب اللوح المحفوظ المقدس أعاده إلى غير موجود لمعلوميته كما في قوله: {إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} كما أشرنا إليه في الآية 34 من الشورى المارة، قال تعالى: {رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ} أيها الناس {مُوقِنِينَ} 7 به عن علم فهو رب هذين الهيكلين العظيمين ومن فيهما ومرسل الرسل رحمة ومنزل الكتب هدى، وهذا كما تقول إن هذا الأنعام الكثير هو انعام فلان الذي تسامع الناس بكرمه وداع صيته لدى الخاص والعام، أي بلغك حديثه أوحدثت عنه أوذكرت لك قصته {لا إِلهَ إِلَّا هو} عنى القطع والجزم هو الذي {يُحْيِي وَيُمِيتُ} وهل تعلم أحدا يقدر على هذا غيره، كلا ثم كلا، هذا هو الإله العظيم القهار {رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائكم الأولين} 8 لا ربّ غيره، وإن هذه الأصنام ليست بالهة لأحد وليست بقدرة على شيء من ذلك بل عاجزة عن كل شيء، قال تعالى مخبرا نبيه بعدم إيقانهم بذلك {بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ} منه، ولذلك تراهم {يَلْعَبُونَ} 9 فلم يتأثروا من هذه الآيات ولم يلقوا لها بالا ولم يوقروا مبلغها لهم بل يسخرون منه ويستهزئون به {فَارْتَقِبْ} يا سيد الرسل عذابهم {يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ} 10 يراه كل أحد وذلك أن الهواء يتكدر في سني الجدب والقحط لما يخالطه من الغبار فيراه الرائي كأنه دخان حتى ان الجائع يصير على بصره مثل الغشاوة فيرى الفضاء ما بينه وبين السماء كأنه دخان.
{يَغْشَى النَّاسَ} أجمع حتى يقولوا من شدة جزعهم منه {هذا عَذابٌ أَلِيمٌ} 11 لا يطيقه البشر، ولهذا سماه عذابا ووصفه بكونه مؤلما، لأنه ناشىء عن شدة الجوع.

.مطلب آية الدخان والمراد ببكاء السماء والأرض ونبذة من قصة موسى مع قومه وألقاب الملوك وقصة تبّع:

و ليعلم أن هذا الدخان ليس بالدخان الذي هو آية من آيات الساعة، لأن ذلك لم يحضره حضرة الرسول، ولوكان المراد هو لما خاطبه به بقوله تعالى: {فَارْتَقِبْ} وإنما هو ما ذكرنا واللّه أعلم، وذلك لمن حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم لما رأى قومه لا يزالون يتمادون في الأنكار والكذب دعا عليهم فقال: اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف، اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف.
فأجاب اللّه دعاءه فأخذتهم سنة قد حصت أي أهلكت كل شيء حتى أكلوا الجيف والجلود وقد أثر فيهم الجوع حتى صار أحدهم يرى الفضاء كهيئة الدخان، فأتاه أَبُو سُفْيَان فقال يا محمد إنك جئت تأمر بطاعة اللّه وبصلة الرحم وإن قومك أنهكهم الجوع، فادع اللّه لهم يرفع عنهم ما حل بهم وإلا هلكوا.
فأنزل اللّه هذه الآية إلى قوله: {عائِدُونَ}.
يؤيد هذا ما رواه البخاري ومسلم عن مسروق قال: كنا جلوسا عند عبد اللّه ابن مسعود وهو مضطجع بيننا، فأتاه رجل فقال يا أبا عبد الرحمن إن قاصّا عند باب كنده يقصّ ويزعم أن آية الدخان تجيء فتأخذ بأنفاس الكفار ويأخذ المؤمنين كهيئة الزكام، فقام عبد اللّه وجلس وهو غضبان فقال يا أيها الناس اتقوا اللّه، من علم منكم شيئا فليقل به ومن لا يعلم شيئا فليقل اللّه أعلم، فإن من العلم أن يقول، اللّه أعلم، فإن اللّه عز وجل قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} الآية 88 من سورة ص في ج 1، إن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لما رأى الناس إدبارا، قال «اللهم سبعا كسبع يوسف».