فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وشمر بن مالك، الذي تنسب إليه سَمَرْقَنْد.
وأفريقيس بن قيس، الذي ساق البربر إلى أفريقية من أرض كنعان، وبه سميت إفريقية.
والظاهر من الآيات: أن الله سبحانه إنما أراد واحدًا من هؤلاء، وكانت العرب تعرفه بهذا الاسم أشدّ من معرفة غيره؛ ولذلك قال عليه السلام: «و لا أدري أتُبّع لَعِينٌ أم لا» ثم قد روي عنه أنه قال: «لا تَسُبُّوا تُبَّعًا فإنه كان مؤمنًا» فهذا يدلّك على أنه كان واحدًا بعينه؛ وهو والله أعلم أبوكرب الذي كسا البيت بعدما أراد غزوه، وبعدما غزا المدينة وأراد خرابها، ثم انصرف عنها لمّا أخبر أنها مُهاجَر نبيّ اسمه أحمد.
وقال شعرًا أودعه عند أهلها؛ فكانوا يتوارثونه كابرًا عن كابر إلى أن هاجر النبي صلى الله عليه وسلم فأدّوْهُ إليه.
ويقال: كان الكتاب والشعر عند أبي أيوب خالد بن زيد.
وفيه:
شهدت على أحمد أنه ** رسول من الله باري النَّسَمْ

فلومُدّ عمري إلى عمره ** لكنت وزيرًا له وابن عَمْ

وذكر الزجاج وابن أبي الدنيا والزمخشري وغيرهم أنه حُفر قبر له بصنعاء ويقال بناحية حمير في الإسلام، فوجِد فيه امرأتان صحيحتان، وعند رءوسهما لوح من فضة مكتوب فيه بالذهب (هذا قبر حُبَّى ولميس) ويروى أيضًا: (حبى وتماضر) ويروى أيضًا: (هذا قبر رضوى وقبر حُبّى ابنتا تبع، ماتتا وهما تشهدان أن لا إله إلا الله ولا يشركان به شيئًا؛ وعلى ذلك مات الصالحون قبلهما).
قلت: وروى ابن إسحاق وغيره أنه كان في الكتاب الذي كتبه: (أما بعد، فإني آمنت بك وبكتابك الذي أنزل عليك، وأنا على دينك وسنتك، وآمنت بربك وربّ كل شيء، وآمنت بكل ما جاء من ربّك من شرائع الإسلام؛ فإن أدركتك فبِها ونِعمت، وإن لم أدركك فاشفع لي ولا تنسني يوم القيامة؛ فإني من أمتك الأولين وبايعتك قبل مجيئك، وأنا على ملتك وملة أبيك إبراهيم عليه السلام) ثم ختم الكتاب ونقش عليه: {لِلَّهِ اْلأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْد} [الروم: 4].
وكتب على عنوانه (إلى محمد بن عبد الله نبي الله ورسوله، خاتم النبيّين ورسول رب العالمين صلى الله عليه وسلم من تُبّع الأول).
وقد ذكرنا بقيّة خبره وأوله في (اللمع اللؤلؤية شرح العشر بينات النبوية) للفارابي رحمه الله.
وكان من اليوم الذي مات فيه تبع إلى اليوم الذي بعث فيه النبيّ صلى الله عليه وسلم ألف سنة لا يزيد ولا ينقص.
واختلف هل كان نبِيًّا أو ملِكًا؛ فقال ابن عباس: كان تُبّع نبيًّا.
وقال كعب: كان تبع ملِكًا من الملوك، وكان قومه كُهَّانًا وكان معهم قوم من أهل الكتاب، فأمر الفريقين أن يقرّب كل فريق منهم قُرْبَانًا ففعلوا، فَتُقُبّل قربان أهل الكتاب فأسلم.
وقالت عائشة رضي الله عنها: لا تسبّوا تُبَّعًا فإنه كان رجلًا صالحًا.
وحكى قتادة أن تبعًا كان رجلًا من حِمير، سار بالجنود حتى عبر الحِيرة وأتى سَمَرْقَنْد فهدمها، حكاه الماوردي.
وحكى الثعلبي عن قتادة أنه تبع الحِميري، وكان سار بالجنود حتى عبر الحِيرة.
وبنى سَمَرْقَنْد وقتل وهدم البلاد.
وقال الكلبي: تبع هو أبوكَرِب أسعد بن ملكيكرب، وإنما سمي تبعًا لأنه تَبِع مَن قبله.
وقال سعيد بن جُبَير: هو الذي كسا البيت الحِبَرات.
وقال كعب: ذم الله قومه ولم يذمّه، وضرب بهم لقريش مثلًا لقربهم من دارهم وعِظمهم في نفوسهم؛ فلما أهلكهم الله تعالى ومَن قبلهم لأنهم كانوا مجرمين كان من أجرم مع ضعف اليد وقلة العدد أحرى بالهلاك.
وافتخر أهل اليمن بهذه الآية، إذ جعل الله قوم تبع خيرًا من قريش.
وقيل: سُمِّيَ أولهم تبعًا لأنه اتبع قرن الشمس وسافر في الشرق مع العساكر.
قوله تعالى: {والذين مِن قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ} {الَّذِينَ} في موضع رفع عطف على {قَوْمُ تُبَّعٍ}.
{أَهْلَكْنَاهُمْ} صلته.
ويكون {مِنْ قَبْلِهِمْ} متعلقًا به.
ويجوز أن يكون {مِنْ قَبْلِهِمْ} صلة {الَّذِينَ} ويكون في الظرف عائد إلى الموصول.
وإذا كان كذلك كان {أَهْلَكْنَاهُمْ} على أحد أمرين: إمّا أن يقدّر معه (قد) فيكون في موضع الحال.
أو يقدر حذف موصوف؛ كأنه قال: قوم أهلكناهم.
والتقدير أفلا تعتبرون أنا إذا قدرنا على إهلاك هؤلاءِ المذكورين قدرنا على إهلاك المشركين.
ويجوز أن يكون {وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} ابتداء خبره {أَهْلَكْنَاهُمْ}.
ويجوز أن يكون {الَّذِينَ} في موضع جر عطفًا على {تُبَّعٍ} كأنه قال: قوم تبع المهلكين من قبلهم.
ويجوز أن يكون {الَّذِينَ} في موضع نصب بإضمار فعل دلّ عليه {أَهْلَكْنَاهُمْ}. والله أعلم.
قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ} أي غَافلين؛ قاله مقاتل.
وقيل: لاهين؛ وهو قول الكلبي.
{مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلاَّ بالحق} أي إلا بالأمر الحق؛ قاله مقاتل.
وقيل: إلا للحق؛ قاله الكلبي والحسن.
وقيل: إلا لإقامة الحق وإظهاره من توحيد الله والتزام طاعته.
وقد مضى هذا المعنى في (الأنبياء).
{و لكن أَكْثَرَهُمْ} يعني أكثر الناس {لاَ يَعْلَمُونَ} ذلك. اهـ.

.قال الألوسي:

{ولقد نَجَّيْنَا بَنِى إسرائيل}.
بما فعلنا بفرعون وقومه ما فعلنا {مِنَ العذاب المهين} من استبعاد فرعون وقتله أبناءهم واستحيائه نساءهم على الخسف والضيم.
{مِن فِرْعَوْنَ} بدل من العذاب على حذف المضاف والتقدير من عذاب فرعون أو جعله عليه اللعنة عين العذاب مبالغة، وجوز أن يتعلق بمحذوف يقع حالًا أي كائنًا من جهة فرعون، وقيل: متعلق بمحذوف واقع صفة أي كائنًا أو الكائن من فرعون ولا بأس بهذا إذا لم يعد ذلك من حذف الموصول مع بعض صلته.
وقرأ عبد الله {مِنْ عَذَابِ المهين} على إضافة الموصوف إلى صفته كبقلة الحمقاء.
وقرأ ابن عباس من {فِرْعَوْنُ} على الاستفهام لتهويل العذاب أي هل تعرفون من فرعون في عتوه وشيطنته فما ظنكم بعذابه، وقيل: لتحقير فرعون بجعله غير معلوم يستفهم عنه كالنكرة لما فيه في القبائح التي لم يعهد مثلها وما بعد يناسب ما قبل كما لا يخفى.
وأيًا ما كان فالظاهر أن الجملة استئناف، وقيل: إنها مقول قول مقدر هو صفة للعذاب، وقدر المقول عنده إن كان تعريف العذاب للعهد ومقول إن كان للجنس فلا تغفل {إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا} متكبرًا {مِّنَ المسرفين} في الشر والفساد، والجار والمجرور إما خبر ثان لكان أي كان متكبرًا مغرقًا في الإسراف، وإما حال من الضمير المستتر في عاليًا أي كان متكبرًا في حال إغراقه في الإسراف.
{ولقد اخترناهم} أي اصطفينا بني إسرائيل وشرفناهم {على عِلْمٍ} أي عالمين باستحقاقهم ذلك أو مع علم منا بما يفرط منهم في بعض الأحوال، وقيل: عالمين بما يصدر منهم من العدل والإحسان والعلم والايمان، ويرجع هذا إلى ما قيل أولا فإن العدل وما معه من أسباب الاستحقاق، وقيل: لأجل علم فيهم، وتعقب بأنه ركيك لأن تنكير العلم لا يصادف محزه.
وأجيب بأنه للتعظيم ويحسن اعتباره علة للاختيار {عَلَى العالمين} أي عالمي زمانهم كما قال مجاهد.
وقتادة فالتعريف للعهد أو الاستغراق العرفي فلا يلزم تفضيلهم على أمة محمد صلى الله عليه وسلم الذين هم خير أمة أخرجت للناس على الإطلاق، وجوز أن يكون للاستغراق الحقيقي والتفضيل باعتبار كثرة الأنبياء عليهم السلام فيهم لا من كل الوجوه حتى يلزم تفضيلهم على هذه الأمة المحمدية، وقيل: المراد اخترناهم للإيحاء على الوجه الذي وقع وخصصناهم به دون العالمين، وليس بشيء، ومما ذكرنا يعلم أنه ليس في الآية تعلق حرفي جر بمعنى بمتعلق واحد لأن الأول متعلق بمحذوف وقع حالًا والثاني متعلق بالفعل كقوله:
ويومًا على ظهر الكثيب تعذرت ** على والت حلفة لم تحلل

وقيل: لأن كل حرف بمعنى.
{وءآتيناهم مِنَ الآيات} كفلق البحر وتظليل الغمام وإنزال المن والسلوى وغيرها من عظائم الآيات التي لم يعهد مثلها في غيرهم، وبعضها وأن أوتيها موسى عليه السلام يصدق عليه أنهم أوتوه لأن ما للنبي لأمته {مَا فِيهِ بَلَؤٌاْ مُّبِينٌ} أي نعمة ظاهرة أواختبار ظاهر للنظر كيف يعملون، وفي {فِيهِ} إشارة إلى أن هناك أمورًا أخرى ككونه معجزة.
{إِنَّ هَؤُلاء} كفار قريش لأن الكلام فيهم، وذكر قصة فرعون وقومه استطرادي للدلالة على أنهم مثلهم في الإصرار على الضلالة والأنذار عن مثل ما حل بهم، وفي اسم الإشارة تحقير لهم {لَيَقولونَ}.
{إِنْ هِىَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا الأولى} أي ما العاقبة ونهاية الأمر إلا الموتة الأولى المزيلة للحياة الدنيوية {وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ} أي بمبعوثين بعدها، وتوصيفها بالأولى ليس لقصد مقابلة الثانية كما في قولك: حج زيد الحجة الأولى، ومات.
قال الأسنوي في (التمهيد): الأول: في اللغة ابتداء الشيء ثم قد يكون له ثان وقد لا يكون، كما تقول: هذا أول ما اكتسبته فقد تكتسب بعده شيئًا وقد لا تكتسب كذا ذكره جماعة منهم الواحدي في تفسيره والزجاج.
ومن فروع المسألة ما لوقال: إن كان أول ولد تلدينه ذكرًا فأنت طالق تطلق إذا ولدته، وإن لم تلد غيره بالاتفاق، قال أبو علي: اتفقوا على أنه ليس من شرط كونه أولا أن يكون بعده آخر، وإنما الشرط أن لا يتقدم عليه غيره اه، ومنه يعلم ما في قول بعضهم: إن الأول يضايف الآخر والثاني ويقتضي وجوده بلا شبهة، والمثال إن صح فإنما هو فيمن نوى تعدد الحج فاختر مته المنية فلحجة ثان باعتبار العزم من قصور الإطلاع وأنه لا حاجة إلى أن يقال: إنها أولى بالنسبة إلى ما بعدها من حياة الآخرة بل هو في حد ذاته غير مقبو ل لما قال ابن المنير من أن الأولى إنما يقابلها أخرى تشاركها في أخص معانيها، فكما لا يصح أولا يحسن أن يقال: جاءني رجل وامرأة أخرى لا يقال الموتة الأولى بالنسبة لحياة الآخرة، وقيل: إنه قيل لهم أنكم تموتون موتة تتعقبها حياة كما تقدمتكم موتة قد تعقبتها حياة، وذلك قوله عز وجل: {وَكُنتُمْ أمواتا فأحياكم ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} [البقرة: 28] فقالوا: {إِنْ هِىَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا الأولى} يريدون ما الموتة التي من شأنها أن تتعقبها حياة، إلا الموتة الأولى دون الثانية وما هذه الصفة التي تصفون بها الموتة من تعقب الحياة لها إلا للموتة الأولى خاصة، وهذا ما ارتضاه جار الله وأراد أن النفي والإثبات لما كان لرد المنكر المصر إلى الصواب كان منزلًا على إنكارهم، لا سيما والتعريف في الأولى تعريف عهد، وقوله تعالى: {الموتة الأولى} تفسير للمبهم وهي على نحوهي العرب تقول كذا فيتطابقان والمعهود الموتة التي تعقبتها الحياة الدنيوية، ولذلك استشهد بقوله تعالى: {وَكُنتُمْ أمواتا} الخ فليس اعتبار الوصف عدو لا عن الظاهر من غير حاجة كما قال ابن المنير.
وقوله في الاعتراض أيضًا: إن الموت السابق على الحياة الدنيوية لا يعبر عنه بالموتة لأن {فِيهَا} لمكان بناء المرة إشعارًا بالتجدد والموت السابق مستصحب لم تتقدمه حياة مدفوع كما قال (صاحب الكشف)، ثم أنه لا يلزم من تفسير الموتة الأولى بما بعد الحياة في قوله تعالى: {لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الموت إِلاَّ الموتة الأولى} [الدخان: 56] تفسيرها بذلك هنا لأن إيقاع الذوق عليها هناك قرينة أنها التي بعد الحياة الدنيا لأن ما قبل الحياة غير مذوق، ومع هذا كله الأنصاف إن حمل الموتة الأولى هنا أيضًا على التي بعد الحياة الدنيا أظهر من حملها على ما قبل الحياة من العدم بل هي المتبادرة إلى الفهم عند الإطلاق المعروفة بينهم، وأمر الوصف بالأولى على ما سمعت أولا.
وقيل: إنهم وعدوا بعد هذه الموتة موتة القبر وحياة البعث فقوله تعالى عنهم: {إِنْ هِىَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا الأولى} رد للموتة الثانية وفي قوله سبحانه: {وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ} نفي لحياة القبر ضمنا إذ لوكانت بدون الموتة الثانية لثبت النشر ضرورة.
{فَأْتُواْ بِآبائنا} خطاب لمن وعدهم بالنشور من الرسول والمؤمنين أي فأتوا لنا بمن مات من آبائنا {إِن كُنتُمْ صادقين} في وعدكم ليدل ذلك على صدقكم ودلالة الايقان إما لمجرد الإحياء بعد الموت وإما بأن يسألوا عنه، قيل: طلبوا من الرسول عليه الصلاة والسلام أن يدعوالله تعالى فيحيي لهم قصي بن كلاب ليشأو روه في صحة النبوة والبعث إذ كان كبيرهم ومستشارهم في النوازل.
{أَهُمْ خَيْرٌ} في القوة والمنعة {أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ} هو تبع الأكبر الحميري واسمه أسعد بهمزة، وفي بعض الكتب سعد بدونها وكنيته أبوكرب وكان رجلًا صالحًا.
أخرج الحاكم وصححه عن عائشة قالت: كان تبع رجلًا صالحًا ألا ترى أن الله تعالى ذم قومه ولم يذمه، وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس لا يشتبهن عليكم أمر تبع فإنه كان مسلمًا، وأخرج أحمد. والطبراني وابن أبي حاتم وابن مردويه عن سهل بن سعد الساعدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تسبوا تبعًا فإنه كان قد أسلم» وأخرج ابن عساكر. وابن المنذر عن ابن عباس قال: سألت كعبًا عن تبع فإني أسمع الله تعالى يذكر في القرآن قوم تبع ولا يذكر تبعًا فقال: إن تبعًا كان رجلًا من أهل اليمن ملكًا منصورًا فسار بالجيوش حتى انتهى إلى سمرقند فرجع فأخذ طريق الشام فأسر بها أحبارًا فانطلق بهم نحواليمن حتى إذا دنا من ملكه طار في الناس أنه هادم الكعبة فقال له الأحبار: ما هذا الذي تحدث به نفسك فإن هذا البيت لله تعالى وإنك لن تسلط عليه فقال: إن هذا لله تعالى وأنا أحق من حرمه فأسلم من مكانه وأحرم فدخلها محرمًا فقضي نسكه ثم انصرف نحواليمن راجعًا حتى قدم على قومه فدخل عليه أشرافهم فقالوا: يا تبع أنت سيدنا وابن سيدنا خرجت من عندنا على دين وجئت على غيره فاختر منا أحد أمرين إما تخلينا وملكنا وتعبد ما شئت وإما أن تذر دينك الذي أحدثت وبينهم يومئذ نار تنزل من السماء فقال الأحبار عند ذلك: اجعل بينك وبينهم النار فتواعد القوم جميعًا على أن يجعلوها بينهم فجيء بالأحبار وكتبهم وجيء بالأصنام وعمارها وقدموا جميعًا إلى النار وقامت الرجال خلفهم بالسيوف فهدرت النار هدير الرعد ورمت شعاعًا لها فنكص أصحاب الأصنام وأقبلت النار وأحرقت الأصنام وعمارها وسلم الآخرون فأسلم قوم واستسلم قوم فلبثوا بعد ذلك عمر تبع حتى إذا نزل بتبع الموت استخلف أخاه وهلك فقتلوا أخاه وكفروا صفقة واحدة، وفي رواية عن ابن عباس أن تبعًا لما أقبل من الشرق بعد أن حير الحيرة أي بناها ونظم أمرها وهي بكسر الحاء المهملة وياء ساكنة مدينة بقرب الكوفة وبني سمرقند وهي مدينة بالعجم معروفة، وقيل: إنه هدمها وقصد المدينة وكان قد خلف بها حين سافر ابنًا له فقتل غيلة فأجمع على خرابها واستئصال أهلها فجمع له الأنصار وخرجوا لقتاله وكانوا يقاتلونه بالنهار ويقرونه بالليل فأعجبه ذلك وقال: إن هؤلاء لكرام فبينما هو على ذلك إذ جاءه كعب وأسد ابنا عم من قريظة حبر إن وأخبراه أنه يحال بينك وبين ما تريد فإنها مهاجر نبي من قريش اسمه محمد صلى الله عليه وسلم ومو لده بمكة فثناه قولهما عما يريد ثم دعواه إلى دينهما فاتبعهما وأكرمهما فانصرفوا عن المدينة ومعهم نفر من اليهود فقال له في الطريق نفر من هذيل: ندلك على بيت فيه كنز من لؤلؤ وزبر جد وذهب وفضة بمكة وأرادت هذيل هلاكه لأنهم عرفوا أنه ما أراده أحد بسوء إلا هلك فذكر ذلك للحبرين فقالا: ما نعلم لله عز وجل بيتًا في الأرض اتخذه لنفسه غير هذا فاتخذه مسجدًّا وانسك عنده واحلق رأسك وما أراد القوم إلا هلاكك فأكرمه وكساه وهو أول من كسى البيت وقطع أيدي أولئك النفر من هذيل وأرجلهم وسمل أعينهم وصلبهم.