فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فمعنى الحور هنا: الحسان الثاقبات البياض بحسن.
وذكر ابن المبارك أخبرنا معمر عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون الأودي عن ابن مسعود قال: إن المرأة من الحُور العين ليرى مُخّ ساقها من وراء اللحم والعظم، ومن تحت سبعين حُلّة، كما يرى الشراب الأحمر في الزجاجة البيضاء.
وقال مجاهد: إنما سمِّيت الحُور حورًا لأنهنّ يحار الطرف في حسنهنّ وبياضهنّ وصفاء لونهنّ.
وقيل: إنما قيل لهنّ حور لحَوَر أعينهنّ.
والحَوَر: شدّة بياض العين في شدّة سوادها.
امرأة حَوْراء بيّنة الحَوَر.
يقال: احورت عينه احورارا، واحور الشيء ابيض.
قال الأصمعي: ما أدري ما الحَوَر في العَيْن؟ وقال أبو عمرو: الحَور أن تسودّ العين كلّها مثل أعين الظباء والبقر.
قال: وليس في بني ادم حَوَر؛ وإنما قيل للنساء: حُور العِين لأنهنّ يشبهن بالظباء والبقر.
وقال العجاج:
بأعْينٍ مُحَوَّراتٍ حُورِ

يعني الأعين النقيات البياض الشديدات سواد الحَدق.
والعِين جمع عَيْناء؛ وهي الواسعة العظيمة العينين.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مهور الحُور العِين قبضات التمر وفِلَق الخبز» وعن أبي قِرصافة سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: «إخراج القُمَامة من المسجد مهور الحور العِين» وعن أنس أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «كنس المساجد مهور الحور العِين» ذكره الثعلبي رحمه الله.
وقد أفردنا لهذا المعنى بابًا مفردًا في (كتاب التذكرة) والحمد لله.
واختلف أيما أفضل في الجنة؛ نساء الادميات أم الحور؟ فذكر ابن المبارك قال: وأخبرنا رِشْدِين عن ابن أنْعُم عن حِبّان بن أبي جَبَلة قال: إن نساء الادميات من دخل منهنّ الجنة فُضِّلن على الحور العِين بما عملن في الدنيا.
وروى مرفوعًا: «إن الآدميات أفضل من الحور العِين بسبعين ألف ضعف» وقيل: إن الحور العين أفضل؛ لقوله عليه السلام في دعائه: «وأبدِله زوجًا خيرًا من زوجه» والله أعلم.
وقرأ عكرمة {بِحُورِ عِينٍ} مضاف. والإضافة والتنوين في {بحور عين} سواء.
{يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمنين (55)}.
قال قتادة: {آمنين} من الموت والوَصَب والشيطان.
وقيل: آمنين من انقطاع ما هم فيه من النعيم، أو من أن ينالهم من أكلها أذًى أو مكروه.
قوله تعالى: {لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الموت إِلاَّ الموتة الأولى} أي لا يذوقون فيها الموت ألْبَتَّةَ لأنهم خالدون فيها.
ثم قال: {إِلاَّ الموتة الأولى} على الاستثناء المنقطع؛ أي لكن الموتة الأولى قد ذاقوها في الدنيا.
وأنشد سيبويه:
من كان أسرع في تَفَرُّق فالج ** فلَبُونه جَرِبتْ معًا وأغدّتِ

ثم استثنى بما ليس من الأول فقال:
إلا كناشِرةَ الذي ضيَّعْتُمُ ** كالغصن في غُلَوائه المتنبِّتِ

وقيل: إن (إلاَّ) بمعنى بعد؛ كقولك: ما كلّمت رجلًا اليوم إلا رجلًا عندك، أي بعد رجل عندك.
وقيل: (إلاَّ) بمعنى سوى، أي سوى الموتة التي ماتوها في الدنيا، كقوله تعالى: {و لاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ابَاؤُكُمْ مِّنَ النساء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 22].
وهوكما تقول: ما ذقت اليوم طعامًا سوى ما أكلت أمس.
وقال القتبِيّ: {إِلاَّ الْمَوْتَةَ الأولى} معناه أن المؤمن إذا أشرف على الموت استقبلته ملائكة الرحمة ويلقى الرَّوْح والرَّيحان، وكان موته في الجنة لاْتصافه بأسبابها، فهو استثناء صحيح.
والموت عَرَض لا يذاق، ولكن جعل كالطعام الذي يكره ذوقه، فاستعير فيه لفظ الذوق.
{ووقاهم عَذَابَ الجحيم فَضْلًا مِّن رَّبِّكَ} أي فعل ذلك بهم تفضُّلًا منه عليهم.
فـ: {فَضْلًا} مصدر عمل فيه {يَدْعُونَ}.
وقيل: العامل فيه {ووقَاهُمْ}.
وقيل فعل مضمر.
وقيل: معنى الكلام الذي قبله، لأنه تفضل منه عليهم، إذ وفّقهم في الدنيا إلى أعمال يدخلون بها الجنة.
{ذَلِكَ هو الفوز العظيم} أي السعادة والربح العظيم والنجاة العظيمة.
وقيل: هو من قولك فاز بكذا، أي ناله وظَفِر به.
قوله تعالى: {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ} يعني القرآن، أي سهّلناه بلغتك عليك وعلى من يقرؤه {لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} أي يتعظون وينزجرون.
ونظيره: {ولقد يَسَّرْنَا القرءان لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ}.
فختم السورة بالحثّ على اتباع القرآن وإن لم يكن مذكورًا، كما قال في مفتتح السورة: إِنَّا أَنْزَلْنَاه فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ، {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القدر} [القدر: 1] على ما تقدّم.
{فارتقب إِنَّهُمْ مُّرْتَقِبُونَ} أي انتظر ما وعدتك من النصر عليهم إنهم منتظرون لك الموت؛ حكاه النقاش.
وقيل: انتظر الفتح من ربك إنهم منتظرون بزعمهم قهرك.
وقيل: انتظر أن يحكم الله بينك وبينهم فإنهم ينتظرون بك رَيْب الحَدَثان.
والمعنى متقارب.
وقيل ارتقب ما وعدتك من الثواب فإنهم كالمنتظرين لما وعدتهم من العقاب.
وقيل: ارتقب يوم القيامة فإنه يوم الفصل، وإن لم يعتقدوا وقوع القيامة، جعلوا كالمرتقبين لأن عاقبتهم ذلك.
والله تعالى أعلم. اهـ.

.قال الألوسي:

{إِنَّ المتقين في مَقَامٍ}.
في موضع قيام، والمراد بالقيام الثبات والملازمة كما في قوله تعالى: {مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا} [ال عمران: 75] ويكنى به عن الإقامة لأن المقيم ملازم لمكانه، وهو مراد من قال: في مقام أي موضع إقامة.
وقرأ عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما. وزيد بن علي. وأبو جعفر. وشيبة. والأعرج. والحسن. وقتادة. ونافع. وابن عامر {مَّقَامِ} بضم الميم ومعناه موضع إقامة، وعلى ما قررنا ترجع القراءتان إلى معنى واحد.
{أَمِينٌ} يأمن صاحبه مما يكره فهو صفة من الأمن وهو عدم الخوف عما هو من شأنه، ووصف المقام به باعتبار أمن من امن به فهو إسناد مجازي كما في نهر جار، وظاهر كلام الزمخشري أن ذلك استعارة من الأمانة كأن المكان مؤتمن وضع عنده ما يحفظه من المكاره ففيه استعارة مكنية وتخييلية، وقال ابن عطية: فعيل بمعنى مفعول أي مأمون فيه وليس بذاك، وجوز أن يكون للنسبة أي ذي أمن.
{فِى جنات وَعُيُونٍ} بدل من {مَّقَامِ} [الدخان: 51] بإعادة الجار أو الجار والمجرور بدل من الجار والمجرور، وظرفية العيون للمجأو رة، والظاهر أنه بدل اشتمال لا كل وبعض، وفي ذلك دلالة على نزاهة مكانهم واشتماله على ما يستلذ من الماكل والمشارب. {يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ} خبر ثان أو حال من الضمير في الجار والمجرور أواستئناف، والسندس قال ثعلب: الرقيق من الديباج والواحدة سندسة، والاستبرق غليظه، وقال الليث: هو ضرب من البزيون يتخذ من المرعز، ولم يختلف أهل اللغة في أنهما معربان كذا ذكره بعضهم.
وفي (الكشاف) الاستبرق ما غلظ من الديباج وهو تعريب استبر، قال الخفاجي: ومعنى استبر في لغة الفرس الغليظ مطلقًا ثم خص بغليظ الديباج وعرب، وقيل: إنه عربي من البراقة، وأيد بقرأءته بوصل الهمزة وهو كما ترى.
وذكر بعضهم أن السندس أصله سندي ومعناه منسوب إلى السند المكان المعروف لأن السندس كان يجلب منه فأبدلت ياء النسبة سينًا، وقد مر الكلام في ذلك فتذكر، ثم إن وقوع المعرب في القرآن العظيم لا ينافي كونه عربيًّا مبينًا.
ونقل صاحب الكشف عن جار الله أنه قال: الكلام المنظوم مركب من الحروف المبسوطة في أي ليان كان تركي أوفارسي أو عربي ثم لا يدل على أن العربي أعجمي فكذا ههنا، ثم قال صاحب الكشف: يريد أن كون استبر أعجميًا لا يلزمه أن يكون استبرق كذلك.
وقرأ ابن محيصن {وَإِسْتَبْرَقٍ} فعلًا ماضيًا كما في (البحر)، والجملة حينئذٍ قيل معترضة، وقيل: حال من {سُندُسٍ} والمعنى يلبسون من سندس وقد برق لصقالته ومزيد حسنه {متقابلين} في مجالسهم ليستأنس بعضهم ببعض.
{كذلك} أي الأمر كذلك فالكاف في محل رفع على الخبرية لمبتدأ محذوف، والمراد تقرير ما مر وتحقيقه.
ونقل عن جار الله أنه قال: والمعنى فيه أنه لم يستوف الوصف وأنه بمثابة ما لا يحيط به الوصف فكأنه قيل: الأمر نحوذلك وما أشبهه.
وأراد على ما قال المدقق أن الكاف مقحم للمبالغة وذلك مطرد في عرفي العرب والعجم، وجوز أن يكون في محل نصب على معنى أثبناهم مثل ذلك، وقوله تعالى: {وزوجناهم} على هذا عطف على الفعل المقدر وعلى ما قبل على {يَلْبِسُونَ} [الدخان: 53] والمراد على ما قال غير واحد وقرناهم {بِحُورٍ عِينٍ} وفسر بذلك قيل لأن الجنة ليس فيها تكليف فلا عقد ولا تزويج بالمعنى المشهور، وقيل: لمكان الباء، وزوجه المرأة بمعنى أنكحه إياها متعد بنفسه، وفيه بحث فإن الأخفش جوز الباء فيه فيقال: زوجته بامرأة فتزوج بها، وأزدشنوءة يعدونه بالباء أيضًا، وفي (القاموس) زوجته امرأة وتزوجت امرأة وبها أو هي قليلة، ويعلم مما ذكر أن قول بعض الفقهاء زوجته بها خطأ لا وجه له، ويجوز أن يقال: إن ذلك التفسير لأن الحور العين في الجنة ملك يمين كالسراري في الدنيا فلا يحتاج الأمر إلى العقد عليهن، على أنه يمكن أن يكون في الجنة عقد وإن لم يكن فيها تكليف.
وقد أخرج ابن جرير وغيره عن مجاهد أنه قال: {زوجناهم} أنكحناهم.
ومن الناس من قال بالتكليف فيها بمعنى الأمر والنهي لكن لا يجدون في الفعل والترك كلفة، نعم المشهور أن لا تكليف فيها، وبعض ما حرم في الدنيا كنكاح امرأة الغير ونكاح المحارم لا يفعلونه لعدم خطوره لهم ببال أصلًا، والحور جمع حوراء وهي البيضاء كما روي عن ابن عباس والضحاك وغيرهما، وقيل: الشديدة سواد العين وبياضها، وقيل: الحوراء ذات الحور وهو سواد المقلة كلها كما في الظباء فلا يكون في الإنسان إلا مجازًا.
وأخرج ابن المنذر. وغيره عن مجاهد أن الحوراء التي يحار فيها الطرف.
والعين جمع عيناء وهي عظيمة العينين وأكثر الأخبار تدل على أنهن لسن نساء الدنيا، أخرج ابن أبي حاتم. والطبراني عن أبي أمامة قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خلق الحور العين من زعفران» وأخرج ابن مردويه والخطيب عن أنس بن مالك مرفوعًا نحوه، وأخرج ابن المبارك عن زيد بن أسلم قال: إن الله تعالى لم يخلق الحور العين من تراب إنما خلقهن من مسك وكافور وزعفران.
وأخرج ابن مردويه. والديلمي عن عائشة قالت: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حور العين خلقهن من تسبيح الملائكة عليهم السلام».
وهذا إن صح لا يعارض ما قبله إذ لابد عليه من أن يقال بتجسد المعاني فيجوز تجسد التسبيح وجعله جزًا مما خلقن منه، وقيل: المراد بهن هنا نساء الدنيا وهن في الجنة حور عين بالمعنى الذي سمعت بل هن أجمل من الحور العين أعني النساء المخلوقات في الجنة من زعفران أو غيره ويعطي الرجل هناك ما كان له في الدنيا من الزوجات، وقد يضم إلى ذلك ما شاء الله تعالى من نساء متن ولم يتزوجن، ومن تزوجت بأكثر من واحد فهي لاخر أزواجها أولأولهم إن لم يكن طلقها في الدنيا أوتخير فتختار من كان أحسنهم خلقًا معها أقوال صحح جمع منها الأول، وتعطى زوجة كافر دخلت الجنة لمن شاء الله تعالى.
وقد ورد أن اسية امرأة فرعون تكون زوجة نبينا صلى الله عليه وسلم.
وقرأ عكرمة {بِحُورٍ عِينٍ} بازضافة وهي على معنى من أي بالحور من العين، وفي قراءة عبد الله {الطرف عِينٌ} والعياسء البيضاء تعلوها حمرة.
{يَدْعُونَ فِيهَا بِكلّ فاكهة} يطلبون ويأمرون بإحضار ما يشتهون من الفواكه ولا يتخصص شيء منها بمكان ولا زمان {ءَآمنينع} من الضرر أي ضرر كان، وهو حال من ضمير {مَّا يَدَّعُونَ} وكونه حالًا من الضمير في قوله سبحانه: {فِي جنات} [الدخان: 52] بعيد، وأبعد منه جعل {يَدَّعُونَ} حينئذٍ صفة الحور والنون فيه ضمير النسوة ومنه يفعلن لما فيه من ارتكاب خلاف الظاهر مع عدم المناسبة للسياق.
وقوله تعالى: {لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الموت إِلاَّ الموتة الأولى} جملة مستأنفة أو حالية وكأنه أريد أن يقال: لا يذوقون فيها الموت البتة فوضع الموتة الأولى موضع ذلك لأن الموتة الماضية محال ذوقها في المستقبل فهو من باب التعليق بالمحال كأنه قيل: إن كانت الموتة الأولى يستقيم ذوقها في المستقبل فإنهم يذوقونها، ونظيره قول القائل لمن يستسقيه: لا أسقيك إلا الجمر وقد علم أن الجمر لا يسقى، ومثله قوله عز وجل: {و لاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءابَاؤُكُمْ مّنَ النساء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 22] فالاستثناء متصل والدخو ل فرضي للمبالغة، وضمير {فِيهَا} للجنات، وقيل: هو متصل والمؤمن عند موته لمعاينة ما يعطاه في الجنة كأنه فيها فكأنه ذاق الموتة الأولى في الجنة، وقيل: متصل وضمير {فِيهَا} للاخرة والموت أول أحوالها، ولا يخفى ما فيه من التفكيك مع ارتكاب التجوز، وقيل: الاستثناء منقطع والضمير للجنات أي لكن الموتة الأولى قد ذاقوها في الدنيا، والأصل اتصال الاستثناء، وقال الطبري: إلا بمعنى بعد، والجمهور لم يثبتوا هذا المعنى لها، وقال ابن عطية: ذهب قوم إلى أن إلا بمعنى سوى وضعفه الطبري.
وقال أبو حيان: ليس تضعيفه بصحيح بل يصح المعنى بسوى ويتسق.
وفائدة الوصف تذكير حال الدنيا.
والداعي لما سمعت من الأوجه دفع سؤال يورد هاهنا من أن الموتة الأولى مما مضى لهم في الدنيا وما هو كذلك لا يمكن أن يذوقوه في الجنة فكيف استثنيت؟ وقيل: إن السئال مبني على أن الاستثناء من النفي إثبات فيثبت للمستثني الحكم المنفي عن المستثنى منه ومحال أن يثبت للموتة الأولى الماضية الذوق في الجنة، وأما على قول من جعله تكلمًا بالباقي بعد الثنيا، والمعنى لا يذوقون سوى الموتة الأولى من الموت فلا إشكال فتأمل.