فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال مسروق: فدخلت على عبد الله فأخبرته، وكان متكئًا، فاستوى قاعدًا.
ثم أنشأ فقال: يا أيها الناس: من كان عنده علم فسئل عنه، فليقل به، ومن لم يكن عنده علم، فليقل الله أعلم.
إن قريشًا حين كذبوه يعني: صلى الله عليه وسلم دعا عليهم فقال: «اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا سِنِينَ كسِنِّي يُوسُف عَلَيْهِ السَّلام» فأصابهم سنة، وشدة الجوع، حتى أكلوا الكلاب، والجيف والعظام، حتى كان يرى أحدهم كأن بينه وبين السماء دخانًا.
فذلك قوله: {فارتقب يَوْمَ تَأْتِى السماء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ} يعني: انتظر بهلاكهم يوم تأتي السماء بدخان مبين {يَغْشَى الناس} يعني: أهل مكة {هذا عَذَابٌ أَلِيمٌ} يعني: يقولون: هذا الجوع عذاب أليم ثم إن أبا سفيان وعتبة بن ربيعة والعاص بن وائل وأصحابهم قالوا: يا رسول الله استسق الله لنا، فقد أصابنا شدة.
قوله تعالى: {رَّبَّنَا اكشف عَنَّا العذاب} يعني: الجوع {إِنَّا مْؤْمِنُونَ أنى لَهُمُ الذكرى} يعني: من أين لهم التوبة والعظة والتذكرة {وَقَدْ جَاءهُمْ رسول مُّبِينٌ} بلغتهم ومفقه لهم {ثُمَّ تَولواْ عَنْهُ} يعني: أعرضوا عما جاء به، فلم يصدقوه ومع ذلك {وَقالواْ مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ} يعلمه جبر ويسار أسماء الرجلين غلامي الخضر {إِنَّا كَاشِفُواْ العذاب قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} إلى المعصية، فعادوا فانتقم منهم يوم بدر، فذلك قوله: {يَوْمَ نَبْطِشُ البطشة الكبرى} يعني: نعاقب العقوبة العظمى {إِنَّا مُنتَقِمُونَ} منهم بكفرهم ويقال: {يَوْمَ نَبْطِشُ البطشة الكبرى} يعني: يوم القيامة.
ويقال: آية الدخان لم تمض، وستكون في آخر الزمان.
وروى إسرائيل عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي رضي الله عنه قال: لم تمض آية الدخان يأخذ المؤمن كهيئة الزكام، وينتفخ الكافر حتى يصير كهيئة الجمل.
وروى ابن أبي مليكة، عن ابن عباس قال: «أخْبِرْتُ أنَّ الكَوْكَب ذَا الذَّنب قد طَلَعَ، فَخَشِيتُ أنْ يَكونَ الدُّخَانَ قَد طَرق» ويقال: هذا كله يوم القيامة، إذا خرجوا من قبورهم، تأتي السماء بدخان مبين، محيط بالخلائق فيقول الكافرون: {رَّبَّنَا اكشف عَنَّا العذاب} أي: ردنا إلى الدنيا {إِنَّا مْؤْمِنُونَ} يقول الله تعالى: من أين لهم الرجعة، وقد جاءهم رسول مبين فلم يجيبوه.
قوله تعالى: {ولقد فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ} يعني: ابتلينا قبل قومك قوم فرعون.
{وَجَاءهُمْ رسول كَرِيمٌ} على ربه، وهو موسى عليه السلام.
ويقال: رسول كريم.
أي: شريف {أَنْ أَدُّواْ إِلَىَّ عِبَادَ الله} يعني: أرسلوا معي بني إسرائيل، واتبعوني على ديني {إِنِّي لَكُمْ رسول أَمِينٌ} قد جئتكم من عند الله تعالى.
ويقال: كريم لأنه كان يتجاوز عنهم، ويقال أمين فيكم قبل الوحي، فكيف تتهموني اليوم.
ويقال كريم حيث يتجاوز عنهم، حين دعا موسى، ورفع عنهم الجراد، والقمل، والضفادع والدم {إِنِّي لَكُمْ رسول أَمِينٌ} فيما بينكم وبين ربكم.
قوله تعالى: {وَأَن لاَّ تَعْلُواْ عَلَى الله} يعني: لا تخالفوا أمر الله تعالى.
ويقال: لا تستكبروا عن الإيمان، ولا تعلوا بالفساد، لأن فرعون لعنه الله، كان عاليًا من المسرفين {وَأَن لاَّ تَعْلُواْ عَلَى} يعني: آتيكم بحجة بينة اليد والعصى، وغير ذلك.
{وَإِنّى عُذْتُ بِرَبّى وَرَبّكُمْ} يعني: أعوذ بالله {أَن تَرْجُمُونِ} يعني: أن تقتلون.
ومعناه: أسأل الله تعالى، أن يحفظني لكي لا تقتلوني.
قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي {عُذْتُ} بإدغام الذال في التاء، لقرب مخرجيهما، والباقون بغير إدغام، لتبيين الحرف.
ثم قال: {وَإِن لَّمْ تُؤْمِنُواْ لِى فاعتزلون} يعني: إن لم تصدقوني فاتركوني.
قوله تعالى: {فَدَعَا رَبَّهُ} يعني: دعا موسى ربه، كما ذكر في سورة يونس {وَقال موسى رَبَّنَا إِنَّكَ ءاتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلاّهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا في الحياة الدنيا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطمس على أموالهم واشدد على قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حتى يَرَوُاْ العذاب الاليم} [يونس: 88] وقوله: {وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ القوم الكافرين} [يونس: 86] {أَنَّ هَؤُلاَء قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ} يعني: مشركون فأبوا أن يطيعوني {فَأَسْرِ بِعِبَادِى لَيْلًا} فأوحى الله تعالى إليه، أن أدلج ببني إسرائيل {إِنَّكُم مّتَّبِعُونَ} يعني: إنَّ فرعون يتبع أثركم، فخرج موسى ببني إسرائيل، وضرب بعصاه البحر، فصار طريقًا يابسًا.
وهذا كقوله: {أولاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} [طه: 77] فلما جاوز موسى مع بني إسرائيل البحر، فأراد موسى أن يضرب بعصاه البحر، ليعود إلى الحالة الأولى، فأوحى الله تعالى إليه بقوله: {واترك البحر رَهوا} قال قتادة: يعني: طريقًا يابسًا واسعًا.
وقال الضحاك: رَهوا يعني: سهلًا.
وقال مجاهد: يعني: منفرجًا.
وقال القتبي: يعني: طريقًا سالكًا.
كما هو.
ويقال: رهوا أي: سككًا جددًا، طريقًا يابسًا {إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ} وذلك، أن بني إسرائيل خشوا أن يدركهم فرعون، فقالوا لموسى: اجعل البحر كما كان، فإننا نخشى أن يلحق بنا.
قال الله تعالى: {إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ} يعني: سيغرقون، فدخل فرعون وقومه البحر، فأغرقهم الله تعالى، وبقيت قصورهم وبساتينهم قوله تعالى: {كَمْ تَرَكُواْ مِن جنات وَعُيُونٍ} يعني: بساتين وأنهارًا جارية {وَزُرُوعٍ} يعني: الحروق {وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} يعني: مساكن ومنازل حسن.
كذلك يعني: هكذا أخرجناهم من النعم {وَنَعْمَةٍ كَانُواْ فِيهَا فاكهين} يعني: معجبين.
وقال أهل اللغة: النِّعمة بكسر النون هي المنة، واليد الصالحة، والنُّعمة بالضم هي الميسرة، وبالنصب هي السعة في العيش.
ثم قال: {كذلك} يعني: هكذا أخرجناهم من السعة والنعمة {كَذَلِكَ وأورثناها قَوْمًا} يعني: جعلناها ميراثًا لبني إسرائيل.
قوله تعالى: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السماء والأرض} قال بعضهم: هذا على سبيل المثل، والعرب إذا أرادت تعظيم ملك، عظيم الشأن، عظيم العطية تقول: كَسَفَ القَمَرُ لِفَقْدِهِ، وبَكَت الرِّيحُ والسَّمَاءُ وَالأرْضُ، وقد ذكروا ذلك في أشعارهم، فأخبر الله تعالى، أن فرعون لم يكن ممن يجزع له جازع، ولم يقم لفقده فقد، وقال بعضهم: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السماء والأرض} يعني: أهل السماء، وأهل الأرض. فأقام السماء والأرض مقام أهلها.
كما قال: {واسئل القرية التى كُنَّا فِيهَا والعير التى أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لصادقون} [يوسف: 82] وقال بعضهم: يعني: بكت السماء بعينها، وبكت الأرض.
وقال ابن عباس: (لِكُلِّ مُؤْمِنٍ بَابٌ في السَّمَاءِ، يَصْعَدُ فِيهِ عَمَلُهُ، وَيَنْزِلُ مِنهُ رِزْقُهُ، فَإذا مَاتَ بَكَى عَلَيْهِ بَابُه فِي السَّمَاءِ، وَبَكَتْ عَلَيْهِ اثَارُهُ فِي الأرْضِ) وذكر عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أنه سئل: أتبكي السماء والأرض على أحد؟ قال نعم، إذا مات المؤمن، بكت عليه معادنه من الأرض، التي كان يذكر الله تعالى فيها ويصلي، وبكى عليه بابه الذي كان يرفع فيه عمله، فأخبر الله تعالى: أن قوم فرعون، لم تبك عليهم السماء والأرض {وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ} يعني: مؤجلين.
{ولقد نَجَّيْنَا بَنِى إسراءيل مِنَ العذاب المهين} يعني: من العذاب الشديد.
ويقال: المهين يعني: الهوان.
وهوقتل الأبناء، واستخدام البنات {مِن فِرْعَوْنَ} يعني: من عذاب فرعون {إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِّنَ المسرفين} يعني: كان عاصيًا، عاتيًا، مستكبرًا، متعظمًا وكان من المسرفين.
يعني: من المشركين {ولقد اخترناهم} يعني: اصطفينا بني إسرائيل {على عِلْمٍ} يعني: على علم من الله تعالى، أنهم أهل لذلك.
ويقال: {على عِلْمٍ} الله فيهم من صبرهم {عَلَى العالمين} يعني: على عالمي زمانهم {وءآتيناهم مِنَ الآيات} يعني: أعطيناهم من العلامات {مَا فِيهِ بَلَؤٌاْ مُّبِينٌ} يعني: ابتلاء بينًا، مثل انفلاق البحر، وأشباه ذلك.
ثم ذكر كفار مكة فقال: {إِنَّ هَؤُلاَء لَيَقولون إِنْ هِىَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا الأولى} يعني: ما هي إلا موتتنا الأولى {وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ} بعدها {فَأْتُواْ بِآبائنا إِن كُنتُمْ صادقين} أنا نبعث بعد الموت، يعني: قالوا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم.
قال الله تعالى: {أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ} يعني: قومك خير أم قوم تبع، وإنما ذكر قوم تبع، لأنهم كانوا أقرب إلى أهل مكة في الهلاك من غيرهم.
قال الكلبي: وكانوا أشراف حمير {والذين مِن قَبْلِهِمْ أهلكناهم} فكيف لا نهلك قومك إذا كذبوك قال: وكان تبع اسم ملك منهم، مثل فرعون.
ويقال: إنما سمي تبع، لكثرة أتباعه، فأسلم فخالفوه فأهلكهم الله تعالى، وكان اسمه سعد بن ملكي كرب.
وروى عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، أن عائشة رضي الله عنها قالت: إن تبع كان رجلًا صالحًا.
وكان كعب الأحبار يقول: ذم الله قومه، ولم يذمه.
وقال سعيد بن جبير: إن تبعًا كسا البيت، يعني: الكعبة.
وقال القتبي: هم ملوك اليمن، كل واحد منهم يسعى تبعًا، لأنه يتبع صاحبه، وكذلك الظل يسمى: تبعًا لأنه يتبع الشمس، وموضع التبع في الجاهلية، موضع الخليفة في الإسلام، وهم ملوك العرب.
ثم قال: {والذين مِن قَبْلِهِمْ} يعني: من قبل تبع {أهلكناهم} يعني: عذبناهم عند التكذيب {إِنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ} يعني: مشركين.
قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السموات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ} يعني: عابثين لغير شيء {مَا خلقناهما إِلاَّ بالحق} يعني: إلا لأمر هو كائن.
ويقال: خلقناهما للعبرة، ومنفعة الخلق ويقال: للأمر والنهي، والترهيب والترغيب {و لكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} يعني: لا يصدقون، ولا يفقهون.
قوله تعالى: {إِنَّ يَوْمَ الفصل} أي: يوم القضاء بين الخلق، وهو يوم القيامة {ميقاتهم أَجْمَعِينَ} يعني: ميعادهم أجمعين، الأولين والآخرين.
ويقال: يوم الفصل، يعني: يوم يفصل بين الأب وابنه، والأخ وأخيه، والزوج والزوجة، والخليل والخليلة، ثم وصف ذلك اليوم فقال: {يَوْمَ لاَ يُغْنِى مولى عَن مولى شَيْئًا} يعني: لا يدفع ولي عن ولي، ولا قريب عن قريب شيئًا في الشفاعة {و لاَ هُمْ يُنصَرُونَ} يعني: لا يمنعون مما نزل بهم من العذاب. يعني: الكافرين.
ثم وصف المؤمنين، فإنه يشفع بعضهم لبعض فقال: {إِلاَّ مَن رَّحِمَ الله إِنَّهُ هو العزيز} في نعمته للكافرين {الرحيم} بالمؤمنين.
قوله تعالى: {إِنَّ شَجَرَةَ الزقوم طَعَامُ الأثيم} يعني: الفاجر وهو الوليد، وأبو جهل، ومن كان مثل حالهما {كالمهل يغلي في البطون} يعني: كالصفر المذاب.
قرأ ابن كثير، وعاصم في رواية حفص {كالمهل يغلي}، بالياء بلفظ التذكير.
والباقون بلفظ التأنيث، فمن قرأ بلفط التذكير، رده إلى المهل.
ومن قرأ بلفظ التأنيث، رده إلى الشجرة {كَغَلْىِ الحميم} يعني: الماء الحار الذي قد انتهى حره.
ثم قال للزبانية: {خُذُوهُ فاعتلوه إلى سَوَاء الجحيم} يعني: فسوقوه وادفعوه إلى وسط الجحيم.
قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر {فَاعْتُلُوه} بضم التاء، والباقون بالكسر، وهما لغتان، معناهما واحد، يعني: امضوا به بالعنف والشدة.
وقال مقاتل: يعني: ادفعوه على وجهه.
وقال القتبي: خذوه بالعنف {ثُمَّ صُبُّواْ فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الحميم} ويقال له: {ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ العزيز الكريم} وذلك أن أبا جهل قال: أنا في الدنيا أعز أهل هذا الوادي، وأكرمه فيقال له في الآخرة: {ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ العزيز الكريم}، يعني: المتعزز المتكرم، كما قلت في الدنيا.
قوله عز وجل: {إِنَّ هذا مَا كُنتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ} يعني: تشكون في الدنيا.
قرأ الكسائي {ذُقْ إِنَّكَ} بنصب الألف، والباقون بالكسر.
فمن قرأ بالنصب فمعناه ذق يا أبا جهل، لأنك قلت: أنك أعز أهل هذا الوادي فقال الله تعالى: {ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ} القائل أنا {ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ العزيز الكريم} [الدخان: 49] ومن قرأ بالكسر، فهو على الاستئناف.
ثم وصف حال المؤمنين في الآخرة فقال تعالى: {إِنَّ المتقين في مَقَامٍ أَمِينٍ} يعني: في منازل حسنة، آمنين من العذاب.
قرأ نافع، وابن عامر {فِي مُقَامٍ}، بضم الميم.
والباقون بالنصب، فمن قرأ بالنصب يعني: المكان والموضع، ومن قرأ بالضم يعني: الإقامة {فِى جنات وَعُيُونٍ} يعني: في بساتين، وأنهار جارية {يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ} يعني: ما لطف من الديباج {وَإِسْتَبْرَقٍ} يعني: ما ثخن منه {متقابلين} يعني: متواجهين كما قال في آية أخرى {وَنَزَعْنَا مَا في صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا على سُرُرٍ متقابلين} [الحجر: 47] ثُم قال: {كذلك} يعني: هكذا، كما ذكرت لهم في الجنة.
ثم قال عز وجل: {وزوجناهم بِحُورٍ عِينٍ} يعني: بيض الوجوه حسان الأعين {يَدْعُونَ فِيهَا بِكلّ فاكهة ءآمنين} يعني: ما يتمنون من الفواكهة، آمنين من الموت ومن زوال المملكة.
ويقال: {ءآمنين} مما يلقى أهل النار {لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الموت} يعني: في الجنة {إِلاَّ الموتة الأولى} يعني: سوى ما قضى عليهم من الموتة الأولى في الدنيا {ووقاهم عَذَابَ الجحيم} يعني: يصرف عنهم عذاب النار قوله تعالى: {فَضْلًا مّن رَّبّكَ} يعني: هذا الثواب، عطاء من ربك للمؤمنين المخلصين {ذلك هو الفوز العظيم} يعني: النجاة الوافرة {فَإِنَّمَا يسرناه بِلَسَانِكَ} يعني: هو نَا قراءة القرآن على لسانك، لكي تقرأه وتخبرهم بذلك {لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} يعني: يتعظون بالقرآن {فارتقب} يعني: انتظر بهلاكهم {إِنَّهُمْ مُّرْتَقِبُونَ} يعني: منتظرون بهلاكك.
روى يعلى بن عبيد، عن إسماعيل، عن عبد الله بن عيسى قال: أخبرت أنه: من قرأ ليلة الجمعة سورة الدخان إيمانًا، واحتسابًا وتصديقًا، أصبح مغفورًا له، والله أعلم.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد النبي الأمي، واله وأزواجه الطيبين الطاهرين، وسلم تسليمًا دائمًا. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ}.
يعني والقرآن المبين، فأقسم به، وفي قسمه بـ: {حم} وجهان من اختلافهم في تأويله.
{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ} يعني القرآن أنزله الله من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا.
{فِي لَيلَةِ مُّبَارَكَةٍ} فيها قولان:
أحدهما: أنها ليلة النصف من شعبان؛ قاله عكرمة.
الثاني: أنها ليلة القدر.