فصل: قال ابن جزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قوله تعالى: {خذوه} أي يقال للزبانية خذوه يعني الأثيم {فاعتلوه} أي دافعوه وسوقوه بالعنف {إلى سواء الجحيم} أي إلى وسط النار {ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم} قيل إن خازن النار يضرب على رأسه فينقب رأسه من دماغه ثم يصب فيه ماء حميمًا قد انتهى حره ثم يقال له {ذق} أي هذا العذاب {إنك أنت العزيز الكريم} أي عند قومك بزعمك وذلك أن أبا جهل لعنه الله كان يقول أنا أعز أهل الوادي وأكرمهم فيقول له خزنة النار هذا على طريق الاستخفاف والتوبيخ {إن هذا ما كنتم به تمترون} أي تشكون فيه ولا تؤمنون به ثم ذكر مستقر المتقين {في مقام أمين} أي في مجلس أمنوا فيه من الغير {في جنات وعيون يلبسون من سندس وإستبرق} قيل السندس ما رق من الديباج والإستبرق ما غلظ منه وهو معرب إستبر.
فإن قلت كيف ساغ أن يقع في القرآن العربي المبين لفظ أعجمي.
قلت إذا عرب خرج من أن يكون أعجميًا لأن معنى التعريب أن يجعل عربيًّا بالتصرف فيه وتغييره عن منهاجه وإجرائه على أوجه الإعراب {متقابلين} أي يقابل بعضهم بعضًا {كذلك} أي كما أكرمناهم بما وصفنا من الجنات والعيون واللباس كذلك {و} أكرمناهم بأن {زوجناهم بحور عين} أي قرناهم بهن وليس هو من عقد التزويج وقيل جعلناهم أزواجًا لهن أي جعلناهم اثنين واثنين الحور من النساء النقيات البيض، وقيل يحار الطرف من بياضهن وصفاء لونهن وقيل الحور الشديدات بياض العينين {يدعون فيها بكل فاكهة} يعني أرادوها واشتهوها {آمنين} أي من نفادها ومن مضرتها وقيل آمنين فيها من الموت والأوصاب والشيطان {لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى} أي لا يذوقون في الجنة الموت سوى الموتة التي ذاقوها في الدنيا إلا وقيل إلا بمعنى لكن، وتقديره ليذوقون فيها الموت لكن الموتة الأولى قد ذاقوها وقيل إنما استثنى الموتة من موت الجنة لأن السعداء حين يموتون يصيرون بلطف الله إلى أسباب الجنة يلقون الروح والريحان ويرون منازلهم في الجنة فكان موتهم في الدنيا كأنه في الجنة لاتصالهم بأسبابها ومشاهدتهم إياها {ووقاهم عذاب الجحيم}.
{فضلًا من ربك} يعني كل ما وصل إليه المتقون من الخلاص من عذاب النار والفوز بالجنة إنما حصل لهم ذلك بفضل الله تعالى وفعل ذلك بهم تفضلًا منه {ذلك هو الفوز العظيم فإنما يسرناه بلسانك} أي سهلنا القرآن على لسانك كناية عن غير مذكور {لعلهم يتذكرون} أي يتعظون {فارتقب} أي فانتظر النصر من ربك وقيل انتظر لهم العذاب {إنهم مرتقبون} أي منتظرون قهرك بزعمهم وقيل منتظرون موتك قيل هذه الآية منسوخة بآية السيف عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من قرأ حم الدخان في ليلة أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك» أخرجه الترمذي وقال حديث غريب وعمر بن خثعم أحد رواته وهو ضعيف، وقال البخاري: هو منكر الحديث وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من قرأ حم الدخان ليلة الجمعة غفر له» أخرجه الترمذي وقال هشام أبو المقداد أحد رواته ضعيف والله أعلم. اهـ.

.قال ابن جزي:

{والكتاب المبين}.
ذكر في الزخرف وهو قسم جوابه إنا أنزلناه، وقيل إنا كنا منذرين وهو بعيد.
{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ} يعني ليلة القدر من رمضان، وكيفية إنزاله فيها أنه أنزل إلى السماء الدنيا جملة واحدة، ثم نزل به جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا بعد شيء، وقيل: معناه أنه ابتدأ إنزاله في ليلة القدر، وقيل: يعني بالليلة المباركة ليلة النصف من شعبان وذلك باطل، لقوله: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القدر} [القدر: 1] مع قوله: {شَهْرُ رَمَضَانَ الذي أُنْزِلَ فِيهِ القرآن} [البقرة: 185].
{فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} معنى يفرق يفصل ويخلص، والأمر الحكيم أرزاق العباد وآجالهم، وجميع أمورهم في ذلك العام نسخ من اللوح المحفوظ في ليلة القدر، ليتمثل الملائكة ذلك بطو ل السنة القابلة، وقيل: إن هذا يكون ليلة النصف من شعبان وهذا باطل لما قدمنا.
{أَمْرًا مِّنْ عِنْدِنَا} مفعول بفعل مضمر على الاختصاص قاله الزمخشري، وقال ابن عطية نصب على المصدر، وقيل على الحال {مُرْسِلِينَ} إرسال الرسل عليهم السلام، وقيل: من إرسال الرحمة والأول أظهر.
{فارتقب يَوْمَ تَأْتِي السماء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ} في هذا قولان أحدهما قول علي بن أبي طالب وابن عباس أن الدخان يكون قبل يوم القيامة يصيب المؤمن منه مثل الزكام، وينضج رءوس الكافرين والمنافقين وهو من أشراط الساعة، ورَوَى حذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن أول أشراط الساعة الدخان» والثاني: قول ابن مسعود؛ إن الدخان عبارة عما أصاب قريشًا حين دعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجدب، فكان الرجل يرى دخانًا بينه وبين السماء من شدّة الجوع. قال ابن مسعود: خمس قد مضين؛ الدخان واللزام والبطشة والقمر والردم.
{هذا عَذَابٌ أَلِيمٌ} يحتمل أن يكون من كلام الله تعالى، أو من قول الناس لما أصابهم الدخان، وهذا أظهر لأن ما بعده من كلامهم باتفاق فيكون الكلام متناسقًا.
{أنى لَهُمُ الذكرى} هذا من كلام الله تعالى، ومعناه استبعاد تذكير الكفار مع تكذيبهم للنبي صلى الله عليه وسلم، والواو في قوله: {وَقَدْ جَاءَهُمْ} واو الحال {رسول مُّبِينٌ} يعني محمدًا {وَقالواْ مُعَلَّمٌ} أي يعلمه بشر.
{البطشة الكبرى} قال ابن عباس: هي يوم القيامة، وقال ابن مسعود: هي يوم بدر.
{رسول كَرِيمٌ} يعني موسى عليه السلام {أَنْ أدوا إِلَيَّ عِبَادَ الله} أن هنا مفسرة نائب مناب القول، وأدّوا فعل أمر من الأداء وعباد الله مفعول به وهم بنو إسرائيل، والمعنى أرسلوا بني إسرائيل كما قال في طه {أرسل معنا بني إسرائيل} وقيل: عباد الله منادى، والمعنى أدّوا إليّ الطاعة والإيمان يا عباد الله، والأول أظهر {وَأَن لاَّ تَعْلُواْ} أي لا تتكبروا {بِسُلْطَانٍ} أي حجة وبرهان {أَن تَرْجُمُونِ} اختلف هل معناه الرجم بالحجارة أو السب والأول أظهر {فاعتزلون} أي اتركون وخلوا سبيلي.
{فَأَسْرِ بِعِبَادِي} هذا أمر من الله لموسى عليه السلام والعباد هنا بنو إسرائيل أي أخرج بهم بالليل {إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ} إخبار أن فرعون وجنوده يتبعونهم {واترك البحر رَهوا} أي ساكنًا على هيئته وقيل: يابسًا وروي أن موسى لما جاوز البحر أراد يضربه بعصاه فينطبق كما ضربه فانفلق، فقال الله له: اتركه كما هو ليدخله فرعون وقومه فيغرقوا فيه، وقيل: معنى رهوا سهلًا، وقيل: منفرجًا {وَعُيُونٍ} يحتمل أن يريد الخلجان الخارجة من النيل، وكانت ثم عيون في ذلك الزمان، وقيل يعني الذهب والفضة وهو بعيد {وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} فيه قولان المنابر والمساكن الحسان {وَنَعْمَةٍ} من التنعم بالأرزاق وغيرها {فَاكِهِينَ} أي متنعمين، وقيل: فرحين وقيل: أصحاب فاكهة.
{كَذَلِكَ} في موضع نصب أي مثل ذلك الآخراج أخرجناهم، أو في موضع رفع تقديره: الأمر كذلك {وأورثناها قَوْمًا آخرين} يعني بني إسرائيل حكاه الزمخشري والماوردي، وضعفه ابن عطية قال: لأنه لم يروفي مشهور التواريخ أن بني إسرائيل رجعوا إلى مصر في ذلك الزمان، وقد قال الحسن إنهم رجعوا إليها، ويدل على أن المراد بنو إسرائيل قوله في الشعراء: {وأورثناها بني إِسْرَائِيلَ} [الشعراء: 59].
{فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السماء والأرض} فيه ثلاثة أقوال: الأول أنه عبارة عن تحقيرهم، وذلك إنه إذا مات رجل خطير قالت العرب في تعظيمه: بكت عليه السماء والأرض على وجه المجاز والمبالغة، فالمعنى أن هؤلاء ليسوا كذلك لأنهم أحقر من أن يبالى بهم. الثاني قيل: إذا مات المؤمن بكى عليه من الأرض موضع عبادته، ومن السماء موضع صعود عمله، فالمعنى أن هؤلاء ليسوا كذلك لأنهم كفار، أوليس لهم عمل صالح: الثالث أن المعنى ما بكى عليهم أهل السماء ولا أهل الأرض، والأول أفصح وهو منزع معروف في كلام العرب {كَانُواْ مُنظَرِينَ} أي مؤخرين.
{مِن فِرْعَوْنَ} بدل من العذاب {عَالِيًا} أي متكبرًا.
{اخترناهم على عِلْمٍ} أي كنا عالمين بأنهم مستحقون لذلك {عَلَى العالمين} أي على أهل زمانهم {بَلاَءٌ مُّبِينٌ} أي اختبار.
{إِنَّ هؤلاء} يعني كفار قريش.
{فَأْتُواْ بِآبائنا} خاطبت قريش بذلك النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه على وجه التعجيز، رُوي أنهم طلبوا أن يُحْيِيَ لهم قصي بن كلاب يسألوه عن أحوال الآخرة.
{أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ} كان تبع ملك من حمير كان مؤمنًا وقومه كفارًا، فذم قومه لوم يذمه، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما أدري أكان تبع نبيًا أو غير نبيّ»، ومعنى الآية: أقريش أشدّ وأقوى أم قوم تبع والذين من قبلهم من الكفار، وقد أهكلنا قوم تبع وغيرهم لما كفروا فكذلك نهلك هؤلاء، فمقصود الكلام تهديد {والذين مِن قَبْلِهِمْ} عطف على قوم تبع: وقيل هو مبتدأ فيوف على ما قبله، والأول أصح.
{لاَعِبِينَ} حال منفية ذكرت في الأنبياء.
{يَوْمَ لاَ يُغْنِي مولى عَن مَّولى} المولى هنا يعم الولي والقريب وغير ذلك من الموالي {إِلاَّ مَن رَّحِمَ الله} استثناء منقطع إن أراد بقوله: {و لاَ هُمْ يُنصَرُونَ} الكفار، ومتصل إن أراد بذلك جميع الناس.
{طَعَامُ الأثيم} أي الفاجر وهو من الإثم، وقيل: يعني أبا جهل فالألف واللام للعهد، والأظهر أنها للجنس فتعم أبا جهل وغيره {كالمهل} هو درديّ الزيت، وقيل ما يذاب من الرصاص وغيره.
{فاعتلوه} أي سوقوه بتعنيف {ثُمَّ صُبُّواْ فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الحميم} المصبوب في الحقيقة إنما هو الحميم وهو الماء الحار، ولكن جعل المصبوب هنا العذاب المضاف إلى الحميم مجازًا لأن ذلك أبلغ وأشد تهويلًا، وقد جاء الاصل في قوله في {يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الحميم} [الحج: 19] {ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ العزيز الكريم} يقال هذا للكافر على وجه التوبيخ والتهكم به، أي كنت العزيز الكريم عند نفسك، وروي أن أبا جهل قال: ما بين جبليها أعز مني ولا أكرم. فنزلت الآية {تَمْتَرُونَ} تفتعلون من المرية وهو الشك.
{فِي مَقَامٍ أَمِينٍ} قرأ نافع وابن عامر بضم الميم أي موضع إقامة، والباقون بفتحها أي موضع قيام والمراد به الجنة، والأمين من الأمن أي مأمون فيه، وقيل: من الأمنة وصف به المكان مجازًا.
{مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ} السندس الرقيق من الديباج والاستبرق الغليظ منه {كَذَلِكَ} في موضع رفع أي الأمر كذلك، أو في موضع نصب أي مثل ذلك {زوّجناهم} {يَدْعُونَ فِيهَا} أي يدعون خدامهم {إِلاَّ الموتة الأولى} استثناء منقطع، والمعنى لا يذوقون فيها الموت: قد ذاقوا الموتة الأولى خاصة قبل ذلك، ولو لا قوله: {فِيهَا} لكان متصلًا لعموم لفظ الموت، وقيل: إلا هنا بمعنى بعد وذلك ضعيف.
{يَسَّرْنَاهُ} أي سهلناه والضمير للقرآن {بِلِسَانِكَ} أي بلغتك وهي لسان العرب.
{فارتقب إِنَّهُمْ مُّرْتَقِبُونَ} أي ارتقب نصرنا لك وإهلاكهم، فإنهم مرتقبون ضدّ ذلك، ففيه وعد له ووعيد لهم. اهـ.

.قال النسفي:

{حم والكتاب المبين} أي القرآن.
الواو في {والكتاب} واو القسم.
إن جعلت {حم} تعديدًا للحروف، أواسمًا للسورة مرفوعًا على خبر الابتداء المحذوف، وواوالعطف إن كانت {حم} مقسمًا بها وجواب القسم {إِنَّا أنزلناه في لَيْلَةٍ مباركة} أي ليلة القدر أوليلة النصف من شعبان.
وقيل: بينها وبين ليلة القدر أربعون ليلة.
والجمهور على الأول لقوله: {إِنَّا أنزلناه في لَيْلَةِ القدر} [القدر: 1] وقوله: {شَهْرُ رَمَضَانَ الذى أُنزِلَ فِيهِ القرآن} [البقرة: 185] وليلة القدر في أكثر الأق أو يل في شهر رمضان.
ثم قالوا: أنزله جملة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا ثم نزل به جبريل في وقت وقوع الحاجة إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
وقيل: ابتداء نزوله في ليلة القدر.
والمباركة الكثيرة الخير لما ينزل فيها من الخير والبركة ويستجاب من الدعاء ولولم يوجد فيها إلا إنزال القرآن وحده لكفى به بركة {إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ} هما جملتان مستأنفتان ملفوفتان فسر بهما جواب القسم كأنه قيل: أنزلناه لأن من شأننا الأنذار والتحذير من العقاب وكان إنزالنا إياه في هذه الليلة خصوصًا، لأن إنزال القرآن من الأمور الحكمية وهذه الليلة مفرق كل أمر حكيم.
ومعنى {يُفْرَقُ} يفصل ويكتب كل أمر من أرزاق العباد وآجالهم وجميع أمورهم من هذه الليلة إلى ليلة القدر التي تجيء في السنة المقبلة {حَكِيمٍ} ذي حكمة أي مفعول على ما تقتضيه الحكمة، وهو من الإسناد المجازي لأن الحكيم صفة صاحب الأمر على الحقيقة ووصف الأمر به مجازًا.
{أَمْرًا مِّنْ عِنْدِنَا} نصب على الاختصاص جعل كل أمر جزلًا فخمًا بأن وصفه بالحكيم، ثم زاده جزالة وفخامة بأن قال: أعني بهذا الأمر أمرًا حاصلًا من عندنا كما اقتضاه علمنا وتدبيرنا {إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} بدل من {إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ} {رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ} مفعول له على معنى أنزلنا القرآن.
لأن من شأننا وعادتنا إرسال الرسل بالكتب إلى عبادنا لأجل الرحمة عليهم، أوتعليل لقوله: {أَمْرًا مّنْ عِنْدِنَا}، و{رَحْمَةً} مفعول به.
وقد وصف الرحمة بالإرسال كما وصفها به في قوله: {وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ} [فاطر: 2] والأصل إنا كنا مرسلين رحمة منا فوضع الظاهر موضع الضمير إيذانًا بأن الربوبية تقتضي الرحمة على المربوبين {إِنَّهُ هو السميع} لأقوالهم {العليم} بأحوالهم {رَبِّ} كوفي بدل من {رَبَّكَ} وغيرهم بالرفع أي هو رب {السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ} ومعنى الشرط أنهم كانوا يقرون بأن للسموات والأرض ربًا وخالقًا فقيل لهم: إن إرسال الرسل وإنزال الكتب رحمة من الرب، ثم قيل: إن هذا الرب هو السميع العليم الذي أنتم مقرّون به ومعترفون بأنه رب السماوات والأرض وما بينهما إن كان إقراركم عن علم وإيقان كما تقول: إن هذا إنعام زيد الذي تسامع الناس بكرمه إن بلغك حديثه وحدثت بقصته {لا إله إِلاَّ هو يُحْيِى وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ} أي هو ربكم {وَرَبُّ ءَآبائكم الأولين} عطف عليه.
ثم رد أن يكونوا موقنين بقوله: {بَلْ هُمْ في شَكّ يَلْعَبُونَ} وإن إقرارهم غير صادر عن علم وتيقن بل قول مخلوط بهزؤ ولعب {فارتقب} فانتظر {يَوْمَ تَأْتِى السماء بِدُخَانٍ} يأتي من السماء قبل يوم القيامة يدخل في أسماع الكفرة حتى يكون رأس الواحد كالرأس الحنيذ، ويعتري المؤمن منه كهيئة الزكام وتكون الأرض كلها كبيت أوقد فيه ليس فيه خصاص.
وقيل: إن قريشًا لما استعصت على رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا عليهم فقال: «اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف» فأصابهم الجهد حتى أكلوا الجيف والعلهز، وكان الرجل يرى بين السماء والأرض الدخان وكان يحدث الرجل فيسمع كلامه ولا يراه من الدخان {مُّبِينٍ} ظاهر حاله لا يشك أحد في أنه دخان {يَغْشَى الناس} يشملهم ويلبسهم وهو في محل الجر صفة لـ: {دُخَان} وقوله: {هذا عَذَابٌ أَلِيمٌ رَبَّنا اكشف عَنَّا العذاب إِنَّا مْؤْمِنُونَ} أي سنؤمن إن تكشف عنا العذاب منصوب المحل بفعل مضمر وهو يقولون ويقولون منصوب المحل على الحال أي قائلين ذلك {أنى لَهُمُ الذكرى} كيف يذكرون ويتعظون ويفون بما وعدوه من الإيمان عند كشف العذاب {وَقَدْ جَاءَهُمْ رسول مُّبِينٌ ثُمَّ تَولواْ عَنْهُ وَقالواْ مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ} أي وقد جاءهم ما هو أعظم وأدخل في وجوب الاذّكار من كشف الدخان، وهو ما ظهر على رسول الله صلى الله عليه وسلم من الآيات والبينات من الكتاب المعجز وغيره فلم يذكروا وتولوا عنه وبهتوه بأن عدّاسًا غلامًا أعجميًا لبعض ثقيف هو الذي علمه ونسبوه إلى الجنون {إِنَّا كَاشِفُواْ العذاب قَلِيلًا} زمانًا قليلًا أو كشفا قليلًا {إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} إلى الكفر الذي كنتم فيه أو الى العذاب {يَوْمَ نَبْطِشُ البطشة الكبرى} هي يوم القيامة أو يوم بدر {إِنَّا مُنتَقِمُونَ} أي ننتقم منهم في ذلك اليوم.