فصل: قال نظام الدين النيسابوري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{يَوْمَ نَبْطِشُ البطشة الكبرى} يوم القيامة أو يوم بدر ظرف لفعل دل عليه.
{إِنَّا مُنتَقِمُونَ} لا لمنتقمون فإن إن تحجزه عنه، أو بدل من {يَوْمَ تَأْتِى}. وقرئ {نَبْطِشُ} أي نجعل البطشة الكبرى باطشة بهم، أونحمل الملائكة على بطشهم وهو التناول بصو لة.
{ولقد فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ} امتحناهم بإرسال موسى عليه السلام إليهم، أو أوقعناهم في الفتنة بالإِمهال وتوسيع الرزق عليهم. وقرئ بالتشديد للتأكيد أو لكثرة القوم.
{وَجَاءَهُمْ رسول كَرِيمٌ} على الله أو على المؤمنين أو في نفسه لشرف نسبه وفضل حسبه.
{أَنْ أَدُّواْ إِلَىَّ عِبَادَ الله} بأن أدوهم إلى وأرسلوا معي، أوبأن أدوا إلي حق الله من الإِيمان وقبو ل الدعوة يا عباد الله، ويجوز أن تكون {أن} مخففة ومفسرة لأن مجيء الرسول يكون برسالة ودعوة.
{إِنِّي لَكُمْ رسول أَمِينٌ} غير متهم لدلالة المعجزات على صدقه، أولائتمان الله إياه على وحيه وهو علة الأمر.
{وَأَن لاَّ تَعْلُواْ عَلَى الله} ولا تتكبروا عليه بالاستهانة بوحيه ورسوله، و{أن} كالأولى في وجهيها.
{إِنِّي آتيكم بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} علة للنهي ولذكر ال {أَمِينٌ} مع الأداء، والسلطان مع العلاء شأن لا يخفى.
{وَإِنّى عُذْتُ بِرَبّى وَرَبّكُمْ} التجأت إليه وتوكلت عليه.
{أَن تَرْجُمُونِ} أن تؤذوني ضربًا أوشتمًا أوأن تقتلوني. وقرئ {عت} بالإدغام فيه.
{وَإِن لَّمْ تُؤْمِنُواْ لِى فاعتزلون} فكونوا بمعزل مني لا علي ولا لي، ولا تتعرضوا إليَّ بسوء فإنه ليس جزاء من دعاكم إلى ما فيه فلا حكم.
{فَدَعَا رَبَّهُ} بعدما كذبوه.
{أَنْ هَؤُلاءِ} بأن هؤلاء {قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ} وهو تعريض بالدعاء عليهم بذكر ما استوجبوه به ولذلك سماه دعاء، وقرئ بالكسر على إضمار القول.
{فَأَسْرِ بِعِبَادِى لَيْلًا} أي فقال أسر أوقال إن كان الأمر كذلك {فَأَسْرِ}، وقرأ نافع وأبو عمرو وابن كثير بوصل الهمزة من سرى {إِنَّكُم مّتَّبِعُونَ} يتبعكم فرعون وجنوده إذا علموا بخروجكم.
{واترك البحر رَهوا} مفتوحًا ذا فجوة واسعة أوساكنًا على هيئته بعد ما جاوزته ولا تضربه بعصاك ولا تغير منه شيئًا ليدخله القبط {إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ} وقرئ بالفتح بمعنى لأنهم.
{كَمْ تَرَكُواْ} كثيرًا تركوا.
{مّن جنات وَعُيُونٍ}.
{وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} محافل مزينة ومنازل حسنة.
{وَنَعْمَةٍ} وتنعم.
{كَانُواْ فِيهَا فاكهين} متنعمين، وقرئ {فكهين}.
{كذلك} مثل ذلك الآخراج أخرجناهم أو الأمر كذلك.
{وأورثناها} عطف على المقدر أو على {تَرَكُواْ}.
{قَوْمًا ءَآخرين} ليسوا منهم في شيء وهم بنو إسرائيل، وقيل غيرهم لأنهم لم يعودوا إلى مصر.
{فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السماء والأرض} مجاز من عدم الاكتراث بهلاكهم والاعتداد بوجودهم كقولهم: بكت عليهم السماء والأرض وكسفت لمهلكهم الشمس في نقيض ذلك. ومنه ما روي في الأخبار: إن المؤمن ليبكي عليه مصلاه ومحل عبادته ومصعد عمله ومهبط رزقه. وقيل تقديره فما بكت عليهم أهل السماء والأرض {وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ} ممهلين إلى وقت آخر.
{ولقد نَجَّيْنَا بَنِى إسراءيل مِنَ العذاب المهين} من استعباد فرعون وقتله أبناءهم.
{مِن فِرْعَوْنَ} بدل من {العذاب} على حذف المضاف، أوجعله عذاب لإِفراطه في التعذيب، أو حال من المهين بمعنى واقعًا من جهته، وقرئ {مِن فِرْعَوْنَ} على الاستفهام تنكير له لنكر ما كان عليه من الشيطنة.
{إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا} متكبرًا.
{مِّنَ المسرفين} في العتو والشرارة، وهو خبر ثان أي كان متكبرًا مسرفًا، أو حال من الضمير في {عَالِيًا} أي كان رفيع الطبقة من بينهم.
{ولقد اخترناهم} اخترنا بني إسرائيل.
{على عِلْمٍ} عالمين بأنهم أحقاء بذلك، أو مع علم منا بأنهم يزيغون في بَعض الأحوال.
{عَلَى العالمين} لكثرة الأنبياء فيهم أو على عالمي زمانهم.
{وءآتيناهم مِنَ الآيات} كفلق البحر وتظليل الغمام وإنزال المن والسلوى.
{مَا فِيهِ بَلَؤٌاْ مُّبِينٌ} نعمة جلية أواختبار ظاهر.
{إِنَّ هَؤُلاء} يعني كفار قريش لأن الكلام فيهم وقصة فرعون وقومه مسوقة للدلالة على أنهم مثلهم في الإِصرار على الضلالة، والأنذار عن مثل ما حل بهم.
{لَيَقولونَ}.
{إِنْ هِىَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا الأولى} ما العاقبة ونهاية الأمر إلا الموتة الأولى المزيلة للحياة الدنيوية، ولا قصد فيه إلى إثبات ثانية كما في قولك: حج زيد الحجة الأولى ومات. وقيل لما قيل إنكم تموتون موتة يعقبها حياة كما تقدم منكم موتة كذلك قالوا إن هي إلا موتتنا الأولى، أي ما الموتة التي من شأنها كذلك إلا الموتة الأولى.
{وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ} بمبعوثين.
{فَأْتُواْ بِآبائنا} خطاب لمن وعدهم بالنشور من الرسول والمؤمنين.
{إِن كُنتُمْ صادقين} في وعدكم ليدل عليه.
{أَهُمْ خَيْرٌ} في القوة والمنعة.
{أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ} تبع الحميري الذي سار بالجيوش وحير الحيرة وبنى سمرقند. وقيل هدمها وكان مؤمنًا وقومه كافرين ولذلك ذمهم دونه. وعنه عليه الصلاة والسلام: {ما أدري أكان تبع نبيًا أم غير نبي} وقيل لملوك اليمن التبابعة لأنهم يتبعون كما قيل لهم الأقيال لأنهم يتقيلون.
{والذين مِن قَبْلِهِمْ} كعاد وثمود.
{أهلكناهم} استئناف بمال قوم تبع، {والذين مِن قَبْلِهِمْ} هدد به كفار قريش أو حال بإضمار قد أو خبر من الموصول إن استؤنف به.
{إِنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ} بيان للجامع المقتضي للأهلاك.
{وَمَا خَلَقْنَا السموات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا} وَمَا بين الجنسين وقرئ {وما بينهن}.
{لاَعِبِينَ} لاهين، وهو دليل على صحة الحشر كما مر في الأنبياء وغيرها.
{مَا خلقناهما إِلاَّ بالحق} إلا بسبب الحق الذي اقتضاه الدليل من الإيمان والطاعة، أو البعث والجزاء.
{و لكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} لقلة نظرهم.
{إِنَّ يَوْمَ الفصل} فصل الحق عن الباطل، أو المحق عن المبطل بالجزاء، أوفصل الرجل عن أقاربه وأحبائه.
{ميقاتهم} وقت موعدهم.
{أَجْمَعِينَ} وقرئ {ميقاتهم} بالنصب على أنه الاسم أي إن ميعاد جزائهم في {يَوْمُ الفصل}.
{يَوْمَ لاَ يُغْنِى} بدل من {يَوْمُ الفصل} أو صفة لـ: {ميقاتهم}، أوظرف لما دل عليه الفصل لاله الفصل.
{مولى} من قرابة أو غيرها.
{عَن مَّولى} أي مولى كان.
{شَيْئًا} من الاغناء.
{و لاَ هُمْ يُنصَرُونَ} الضمير لـ: {مولى} الأول باعتبار المعنى لأنه عام.
{إِلاَّ مَن رَّحِمَ الله} بالعفوعنه وقبو ل الشفاعة فيه، ومحله الرفع على البدل من الواو والنصب على الاستثناء {إِنَّهُ هو العزيز} لا ينصر منه من أراد تعذيبه.
{الرحيم} لمن أراد أن يرحمه.
{إِنَّ شَجَرَة الزقوم} وقرئ بكسر الشين ومعنى {الزقوم} سبق في (الصافات).
{طَعَامُ الأثيم} الكثير الاثام، والمراد به الكافر لدلالة ما قبله وما بعده عليه.
{كالمهل} وهو ما يمهل في النار حتى يذوب. وقيل دردي الزيت.
{يَغْلِي في البطون} وقرأ ابن كثير وحفص ورويس بالياء على أن الضمير للـ: {طَعَامٌ}، أو {الزقوم} لا (للمهل) إذ الأظهر أن الجملة حال من أحدهما.
{كَغَلْىِ الحميم} غليانًا مثل غليه.
{خُذُوهُ} على إرادة القول والمقول له الزبانية.
{فاعتلوه} فجروه والعتل الأخذ بمجامع الشيء وجره بقهر، وقرأ الحجازيان وابن عامر ويعقوب بالضم وهما لغتان.
{إلى سَوَاءِ الجحيم} وسطه.
{ثُمَّ صُبُّواْ فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الحميم} كان أصله يصب من فوق رءوسهم الحميم فقيل يصب من {فَوْقَ} رءوسهم {عَذَابِ} هو {الحميم} للمبالغة، ثم أضيف ال {عَذَابِ} إلى {الحميم} للتخفيف وزيد من الدلالة على أن المصبوب بعض هذا النوع.
{ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ العزيز الكريم} أي وقولوا له ذلك استهزاء به وتفريعًا على ما كان يزعمه، وقرأ الكسائي {أنك} بالفتح أي ذق لأنك أو {عَذَابِ} {إِنَّكَ}.
{إِنَّ هَذَا} إن هذا ال {عَذَابِ}.
{مَا كُنتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ} تشكون وتمارون فيه.
{إِنَّ المتقين في مَقَامٍ} في موضع إقامة، وقرأ نافع وابن عامر بضم الميم {أَمِين} يأمن صاحبه عن الافة والانتقال.
{فِى جنات وَعُيُونٍ} بدل من مقام جيء به للدلالة على نزاهته، واشتماله على ما يستلذ به من الماكل والمشارب.
{يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ} خبر ثان أو حال من الضمير في الجار أواستئناف، والسندس ما رَقَّ من الحرير والاستبرق ما غلظ منه معرب استبره، أو مشتق من البراقة.
{متقابلين} في مجالسهم ليستأنس بعضهم ببعض.
{كذلك} الأمر كذلك أوآتيناهم مثل ذلك.
{وزوجناهم بِحُورٍ عِينٍ} قرناهم بهن ولذلك عدي بالباء، والحوراء البيضاء والعيناء عظيمة العينين، واختلف في أنهن نساء الدنيا أو غيرها.
{يَدْعُونَ فِيهَا بِكلّ فاكهة} يطلبون ويأمرون بإحضار ما يشتهون من الفواكه لا يتخصص شيء منها بمكان ولا بزمان.
{ءآمنين} من الضرر.
{لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الموت إِلاَّ الموتة الأولى} بل يحيون فيها دائمًا، والاستثناء منقطع أو متصل والضمير للاخرة و{الموت} أول أحوالها، أو الجنة والمؤمن يشارفها بالموت ويشاهدها عنده فكأنه فيها، أو الإِستثناء للمبالغة في تعميم النفي وامتناع {الموت} فكأنه قال: {لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الموت} إلا إذا أمكن ذوق الموتة الأولى في المستقبل.
{ووقاهم عَذَابَ الجحيم} وقرئ {ووقاهم} على المبالغة.
{فَضْلًا مّن رَّبّكَ} أي أعطوا كل ذلك عطاء وتفضلًا منه. وقرئ بالرفع أي ذلك فضل.
{ذلك هو الفوز العظيم} لأنه خلاص عن المكاره وفوز بالمطالب.
{فَإِنَّمَا يسرناه بِلَسَانِكَ} سهلناه حيث أنزلناه بلغتك وهو فذلكة السورة.
{لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} لعلهم يفهمونه فيتذكرون به ما لم يتذكروا.
{فارتقب} فانتظر ما يحل بهم.
{إِنَّهُمْ مُّرْتَقِبُونَ} منتظرون ما يحل بك. عن النبي صلى الله عليه وسلم «من قرأ حم الدخان ليلة جمعة أصبح مغفورًا له». اهـ.

.قال نظام الدين النيسابوري:

{حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3)}.
التفسير: أقسم بالقرآن {إنا أنزلناه في ليلة مباركة} لأن من شأننا الأنذار والتخويف من العقاب وإنما أنزل في هذه الليلة خصوصًا لأن إنزال القرآن أشرف الأمور الحكمية، وهذه الليلة يفرق فيها كل أمر ذي حكمة فالجملتان- أعني قوله: {إنا كنا منذرين فيها يفرق على أمر حكيم} كالتفسير لجواب القسم قال صاحب النظم: ليس من عادتهم أن يقسموا بنفس الشيء إذا أخبروا عنه فجواب القسم {إنا كنا منذرين} وقوله: {إنا أنزلناه} اعتراض. والجمهور على الأول ولا بأس لأن المعنى إنا أنزلنا القرآن على محمد ولم يتقوله، ويحتمل أن القسم وقع على إنزاله في ليلة مباركة. وأكثر المفسرين على أنها ليلة القدر لقوله: {إنا أنزلناه في ليلة القدر} [القدر: 1] وليلة القدر عند الأكثرين من رمضان. ونقل محمد بن جرير الطبري في تفسيره عن قتادة أنه قال: نزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من رمضان، والتوراة لست ليال منه، والزبور لاثنتي عشرة مضت، والأنجيل لثمان عشرة منه، والفرقان لأربع وعشرين مضت، والليلة المباركة هي ليلة القدر. وزعم بعضهم كعكرمة وغيره أنها ليلة النصف من شعبان. وما رأيت لهم دليلًا يعو ل عليه. قالوا: وتسمى ليلة البراءة أيضًا وليلة الصك لأن الله تعالى يكتب لعباده المؤمنين البراءة من النار في هذه الليلة. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من صلى في هذه الليلة مائة ركعة أرسل الله تعالى إليه مائة ملك ثلاثون يبشرونه بالجنة وثلاثون يؤمنونه من عذاب النار وثلاثون يدفعون عنه آفات الدنيا وعشرًا يدفعون عنه مكايد الشيطان.» وقال «إن الله يرحم أمتي في هذه الليلة بعدد شعر أغنام بني كلب» وقال: «إن الله يغفر لجميع المسلمين في تلك الليلة إلا لكاهن أوساحر أوساخر أو مدمن خمر أو عاق للوالدين أو مصر على الزنا» ومما أعطى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم تمام الشفاعة وذلك أنه سأل ليلة الثالث عشر من شعبان في أمته فأعطى الثلث منها، ثم سأل ليلة الرابع عشر منها فأعطى الثلثين، ثم سأل ليلة الخامس عشر فأعطى الجميع إلا من شرد على الله شراد البعير. ومن عادة الله عز وجل في هذه الليلة أن يزيد فيها ماء زمزم زيادة ظاهرة. وبعضهم أراد أن يجمع بين القولين فقال: ابتدىء بانتساخ القرآن من اللوح المحفوظ ليلة البراءة ووقع الفراغ في ليلة القدر. والمباركة الكثيرة الخير ولولم يوجد فيها إلا إنزال القرآن لكفى به بركة. ومعنى {يفرق} يفصل ويكتب {كل أمر} هو ضد النهي أوكل أمر له شأن من أرزاق العباد وآجالهم وجميع أمورهم إلى العام القابل، فيدفع نسخة الأرزاق إلى ميكائيل، ونسخة الحروب والزلازل والصواعق والخسوف إلى جبرائيل، ونسخة الأعمال إلى إسماعيل صاحب سماء الدنيا، ونسخة المصائب إلى ملك الموت.
وقيل: يعطي كل عامل بركات أعماله فيلقى على ألسنة الخلق مدحه وعلى قلوبهم هيبته. وفي انتصاب {أمرًا} وجوه: إما أن يكون حالًا من {أمر حكيم} لأنه قريب من المعرفة أو من الهاء في {أنزلناه} أو من الفاعل أي امرين، أو على المصدر لأمر، أو على الاختصاص لأن كونه من عند الله يوجبه مزيد شرف وفخامة، أو يكون مصدرًا من غير لفظ الفعل وهو {يفرق} لأنه إذا حكم بالشيء وفصله وكتبه فقد أوجبه وأمر به قوله: {إنا كنا مرسلين} يجوز أن يكون بدلًا من قوله تعالى: {إنا كنا منذرين} أي أنزلنا القرآن لأن من شأننا إرسال الرسل وإنزال الكتب إلى عبادنا لأجل الرحمة، ويحتمل كونه تعليلًا ليفرق، أولقوله: {أمرًا من عندنا} وقوله: {من ربك} وضع للظاهر موضع الضمير إيذانًا بأن الربوبية تقتضي الرحمة. ثم حقق ربوبيته بقوله: {إنه هو السميع العليم} إلى قوله الأولين. ومعنى الشرط في قوله: {إن كنتم موقنين} نظير ما هو في أول الشعراء وذلك أنهم كانوا مقرين بأنه رب السموات والأرض. قيل لهم: إن كنتم على بصيرة وإيقان من ذلك فلا تشكوا فيه، أوإن كنتم موقنين بشيء فأيقنوا بما أخبرتكم، أوإن كنتم تريدون اليقين فاعلموا ذلك. وقيل: إن نافية ثم رد أن يكونوا موقنين بقوله: {بل هم في شك يلعبون} في الدنيا أو يستهزؤون بنا فلا جرم أو عدهم بقوله: {فارتقب} و{يوم} مفعول به أي انتظره. والأكثرون على أن هذا الدخان من أمارات القيامة فإن الدنيا ستصير كبيت لاخصاص له مملوء دخانًا يدخل في أنوف الكفار واذانهم فيكونون كالسكارى، ويصيب المؤمن فيه كالزكام فيبقى ذلك أربعين. وعن حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «أول الآيات الدخان ونزول عيسى ابن مريم ونار تخرج من قعر عدن أبين تسوق الناس إلى المحشر» أبين بكسر الهمزة وفتحها اسم رجل بنى هذه البلدة ونزل بها. وقيل: الدخان يكون في القيامة إذا خرجوا من قبورهم يحيط بالخلائق ويغشاهم. وقيل: