فصل: قال الشوكاني في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{خذوه} أي: هذا الأثيم أخذ قهر فلا تدعوه يملك من أمره شيئًا {فاعتلوه} أي: جروه بقهر بغلظة وعنف وسرعة إلى العذاب والإهانة بحيث يكون كأنه محمول، وقرأ نافع وابن كثير وابن عامر بضم التاء والباقون بكسرها وهما لغتان في مضارع عتل، قال البقاعي: وقراءة الضم أدل على تناهي الغلظة والشدة من قراءة الكسر {إلى سواء} أي: وسط {الجحيم} أي: النار التي هي غاية في الاضطرام والتوقد وهو موضع خروج الشجرة التي هي طعامه.
{ثم صبوا فوق رأسه} أي: ليكون المصبوب محيطًا بجميع جسده {من عذاب الحميم} أي: من الحميم الذي لا يفارقه العذاب فهو أبلغ مما في آية {يصب من فوق رءوسهم الحميم} (الحج).
ويقال له توبيخًا وتقريعًا:
{ذق} أي: العذاب {إنك} وأكد بقوله: {أنت} أي: وحدك دون هؤلاء الذين يخبرون بحقارتك {العزيز الكريم} بزعمك وقولك: ما بين جبليها أعز وأكرم مني، وقرأ الكسائي بفتح الهمزة بعد القاف على معنى العلة أي: لأنك، وقيل: تقديره ذق عذاب الحميم إنك أنت العزيز، والباقون بالكسر على الاستئناف المفيد للعلة فتتحد القراءتان معنى، وهذا الكلام الذي على سبيل التهكم أغيظ للمستهزأ به ومثله قول جرير لشاعر سمى نفسه زهرة اليمن:
ألم يكن في رسوم قد رسمت بها ** من كان موعظة يا زهرة اليمن

وكان هذا الشاعر قد قال:
أبلغ كليبًا وأبلغ عنك شاعرها ** أني الأعز وأني زهرة اليمن

ويقال لهم:
{إن هذا} أي: الذي ترون من العذاب {ما كنتم به} أي: جبلة وطبعًا {تمترون} أي: تعالجون أنفسكم وتحملونها على الشك فيه وتردونها عما لها من الفطرة الأولى من التصديق بالممكن لاسيما من جرب صدقه وظهرت خوارق العادات على يده بحيث كنتم لشدة ردكم له كأنكم تخصونه بالشك.
ولما ذكر سبحانه وتعالى وعيد الكفار أردفه بايات الوعد فقال: {إن المتقين} أي: العريقين في هذا الوصف {في مقام} أي: موضع إقامة لا يريد الحال فيه تحو لا عنه {أمين} أي: يأمن صاحبه فيه من كل ما لا يعجبه، وقرأ نافع وابن عامر بفتح الميم أي: في مجلس أمين، والباقون بضمها على المصدر أي: في إقامة وقوله تعالى: {في جنات} أي: بساتين تقصر العقول عن إدراك كل وصفها، بدل من قوله تعالى: {في مقام أمين} أو خبر ثان وقرأ {وعيون} ابن كثير وابن ذكوان وشعبة وحمزة والكسائي بكسر العين، والباقون بضمها.
ولما كان لا يتم العيش إلا بكسوة البدن أشار إلى ذلك بقوله تعالى: {يلبسون} ودل على الكثرة جدًّا بقوله تعالى: {من سندس} وهو ما رق من الحرير يعمل وجوهًا {وإستبرق} هو ما غلظ منه يعمل بطائن، وسمي بذلك: لشدة بريقه وقوله تعالى: {متقابلين} أي: في مجلسهم ليستأنس بعضهم ببعض حال وقوله: {يلبسون} حال من الضمير المستكن في الجار أو خبر ثان فيتعلق الجار به أو مستأنف، فإن قيل: الجلوس على هذه الهيئة موحش لأن كل واحد منهم يصير مطلعًا على ما يفعل الآخر وأيضًا فقليل الثواب إذا طلع على كثيره ينغص عليه؟
أجيب: بأن أحوال الآخرة ليست كأحوال الدنيا وقد قال تعالى: {ونزعنا ما في صدورهم من غل}، وقوله تعالى: {كذلك} يجوز فيه وجهان؛ أحدهما: النصب نعتًا لمصدر أي: نفعل بالمتقين فعلًا كذلك أي: مثل ذلك الفعل، ثانيهما: الرفع على خبر مبتدأ مضمر أي: الأمر كذلك.
ولما كان ذلك لا يتم السرور به إلا بالأزواج قال تعالى: {وزوجناهم} أي: قرناهم كما تقرن الأزواج وليس المراد به العقد لأن فائدة العقد الحل والجنة ليست بدار تكليف من تحليل أوتحريم {بحور} أي: جوار بيض حسان نقيات الثياب {عين} أي: واسعات الأعين قال البيضاوي: واختلف في أنهن نساء الدنيا أو غيرهن.
ولما كان الشخص في الدنيا يخشى كلف النفقات وصف ما هنالك من سعة الخيرات فقال تعالى: {يدعون} أي: يطلبون طلبًا هو غاية المسرة {فيها} أي: الجنة أي: يؤتون {بكل فاكهة} أي: لا يمتنع عليهم صنف من الأصناف لبعد مكان ولا فقدان ولا غير ذلك من الشأن، وفي ذلك إيذان بأنه مع سعته ليس فيه شيء لإقامة البنية وإنما هو للتفكه والتلذذ حال كونهم مع ذلك {آمنين} في غاية الأمن من كل مخوف.
{لا يذوقون فيها} أي: الجنة {الموت} لأنها دار خلود لا دار فناء وقوله تعالى: {إلا الموتة الأولى} فيه أوجه؛ أحدها: أنه استثناء منقطع أي: لكن الموتة الأولى قد ذاقوها، ثانيها: أنه متصل وتأولوه بأن المؤمن عند موته في الدنيا يصير بلطف الله كأنه في الجنة لاتصاله بأسبابها ومشاهدته إياها وما يعطاه من نعيمها فكأنه مات فيها، ثالثها: أن إلا بمعنى سوى أي: سوى الموتة التي ذاقوها في الدنيا كما في قوله تعالى: {و لا تنكحوا ما نكح اباؤكم من النساء إلا ما قد سلف} (النساء).
أي: سوى ما قد سلف، رابعها: أن إلا بمعنى بعد، أي: لا يذوقون فيها الموت بعد الموتة الأولى في الدنيا واختاره الطبري لكن نوزع بأن إلا بمعنى بعد لم يثبت وقد يجاب: بأن من حفظ حجة على من لم يحفظ، خامسها: قال الزمخشري: أريد أن يقال لا يذوقون فيها الموت البتة فوضع قوله: {إلا الموتة الأولى} موضع ذلك لأن الموتة الماضية محال ذوقها في المستقبل فهو من باب التعليق بالمحال، كأنه قيل: إن كانت الموتة الأولى يستقيم ذوقها في المستقبل فإنهم يذوقونها، سادسها: المراد بالمتقين أعم من الراسخين وغيرهم وإن ضمير فيها يرجع للاخرة، فالعاصي إذا أراد الله تعالى تعذيبه بالنار يذيقه فيها موتة أخرى كما جاء في الأحاديث الصحيحة فيكون على المجموع، سابعها: أن الموتة الأولى في الجنة المجازية فلا يكون ذلك بالمحال وذلك أن المتقي لم يزل فيها في الدنيا.
قال بعض العلماء: الدنيا إذا تحققت في حق المؤمن التقي فإنها جنة صغرى لتو ليه سبحانه إياه فيها وقربه منه ونظره إليه وذكره له وعبادته إياه وشغله به وهو معه أينما كان، فإن قيل: أهل النار لا يذوقون الموت أبدًا فلم بشر أهل الجنة بهذا مع أن أهل النار يشاركونهم فيه؟
أجيب: بأن البشارة ما وقعت بدوام الحياة فقط بل مع حصو ل تلك الخيرات والسعادات فافترفا {ووقاهم} أي: المتقين {عذاب الجحيم} أي: التي تقدم أنها لكل كفار أثيم وأما غير المتقين من العصاة فيدخل الله تعالى من أراد منهم النار فيعذب كلًا منهم على قدر ذنوبه ثم يميتهم فيها ويستمرون إلى أن يأذن الله تعالى في الشفاعة فيهم، فيخرجهم ثم يحييهم بما يرش عليهم من ماء الحياة، ثم يدخلهم الله تعالى الجنة.
روي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يدخل ناس في النار حتى إذا صاروا فحمًا أدخلوا الجنة فيقول أهل الجنة: من هؤلاء فيقال: هؤلاء الجهنميون». وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال: «يعذب ناس من أهل التوحيد في النار حتى يكونوا فيها حممًا ثم تدركهم الرحمة فيخرجون ويطرحون على أبواب الجنة»، فيرش عليهم أهل الجنة الماء فينبتون كما ينبت الغثاء في حمالة السيل ثم يدخلون الجنة.
وقوله تعالى: {فضلًا} مفعول لأجله أي: فعل ذلك بهم لأجل الفضل، وجعله أبو البقاء: منصوبًا بمقدر أي: تفضلنا بذلك فضلًا أي: تفضلًا.
تنبيه:
احتج أهل السنة بهذه الآية على أن الثواب يحصل من الله تعالى فضلًا وإحسانًا وأن كل ما وصل إليه العبد من الخلاص من النار والفوز بالجنة فإنما يحصل بفضل الله تعالى: {من ربك} أي: المحسن إليك بكمال إحسانه إلى أتباعك إحسانًا يليق بك، قال الرازي في اللوامع: أصل الإيمان رؤية الفضل في جميع الأحوال.
ولما عظمه الله تعالى بإظهار هذه الصفة مضافة إليه صلى الله عليه وسلم زاد تعظيمه بالإشارة بأداة البعد فقال تعالى: {ذلك} أي: الفضل العظيم الواسع {هو} أي: خاصة {الفوز} أي: الظفر بجميع المطالب {العظيم} لأنه خلاص عن المكاره ولم يدع جهة من الشرف إلا ملأها، وهذا يدل على أن الفضل أعلى من درجات الثواب المستحق لأنه تعالى وصفه بكونه فوزًا عظيمًا، وأيضًا فإن الملك العظيم إذا أعطى الأجير أجرته ثم خلع على إنسان آخر فإن تلك الخلعة أعلى من إعطاء تلك الأجرة.
ولما بيّن تعالى الدليل وشرح الوعد والوعيد قال تعالى: {فإنما يسرناه} أي: سهلنا القرآن سهو لة كبيرة {بلسانك} أي: هذا العربي المبين وهم عرب سجيتهم الفصاحة {لعلهم يتذكرون} أي: يفهمونه فيتعظون به وإن لم يتعظوا ولم يؤمنوا به.
{فارتقب} أي: فانتظر ما يحل بهم {إنهم مرتقبون} أي: منتظرون ما يحل بك فمفعولا الارتقاب محذوفان أي: فارتقب النصر من ربك إنهم مرتقبون بك ما يتمنونه من الدوائر والغوائل ولن يضرك ذلك، وما رواه البيضاوي تبعًا للزمخشري أنه صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ حم الدخان ليلة جمعة أصبح مغفورًا له». رواه الترمذي وزاد الزمخشري: «من قرأ حم الدخان في ليلة أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك» ورواه البغوي عن أبي هريرة. قال ابن عادل: قال أبو أمامة رضي الله تعالى عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من قرأ حم الدخان ليلة الجمعة أو يوم الجمعة بنى الله له بيتًا في الجنة» والله تعالى أعلم بالصواب. اهـ.

.قال الشوكاني في الآيات السابقة:

قوله: {وَمَا خَلَقْنَا السموات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا}.
أي: بين جنسي السماء، والأرض {لاَعِبِينَ} أي: لغير غرض صحيح.
قال مقاتل: لم نخلقهما عابثين لغير شيء.
وقال الكلبي: لاهين، وقيل: غافلين.
قرأ الجمهور: {وما بينهما} وقرأ عمرو بن عبيد: {وما بينهنّ} لأن السموات، والأرض جمع، وانتصاب {لاعبين} على الحال {مَا خلقناهما} أي: وما بينهما {إِلاَّ بالحق} أي: إلا بالأمر الحق، والاستثناء مفرّغ من أعمّ الأحوال.
وقال الكلبي: إلا للحق، وكذا قال الحسن، وقيل: إلاّ لإقامة الحق، وإظهاره {و لكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} أن الأمر كذلك، وهم المشركون {إِنَّ يَوْمَ الفصل ميقاتهم أَجْمَعِينَ} أي: إن يوم القيامة الذي يفصل فيه الحق عن الباطل ميقاتهم، أي: الوقت المجعو ل لتمييز المحسن من المسيء، والمحقّ من المبطل، {أجمعين} لا يخرج عنهم أحد من ذلك.
وقد اتفق القراء على رفع ميقاتهم على أنه خبر (إن)، واسمها {يوم الفصل}.
وأجاز الكسائي، والفراء نصبه على أنه اسمها، و{يوم الفصل} خبرها.
ثم وصف سبحانه ذلك اليوم، فقال: {يَوْمَ لاَ يُغْنِى مولى عَن مولى شَيْئًا} {يوم} بدل من {يوم الفصل}، أو منتصب بفعل مضمر يدل عليه الفصل، أي: يفصل بينهم يوم لا يغني، ولا يجوز أن يكون معمو لا للفصل؛ لأنه قد وقع الفصل بينهما بأجنبي، والمعنى: أنه لا ينفع في ذلك اليوم قريب قريبًا، ولا يدفع عنه شيئًا، ويطلق المولى على الولي، وهو: القريب، والناصر {و لاَ هُمْ يُنصَرُونَ} الضمير راجع إلى المولى باعتبار المعنى؛ لأنه نكرة في سياق النفي، وهي من صيغ العموم، أي: ولا هم يمنعون من عذاب الله {إِلاَّ مَن رَّحِمَ الله} قال الكسائي: الاستثناء منقطع، أي: لكن من رحم الله، وكذا قال الفراء.
وقيل: هو متصل، والمعنى: لا يغني قريب عن قريب إلا المؤمنين، فإنهم يؤذن لهم في الشفاعة، فيشفعون، ويجوز أن يكون مرفوعًا على البدل من {مولى} الأول، أو من الضمير في {ينصرون} {إِنَّهُ هو العزيز الرحيم} أي: الغالب الذي لا ينصر من أراد عذابه الرحيم لعباده المؤمنين.
ثم لما وصف اليوم ذكر بعده، وعيد الكفار، فقال: {إِنَّ شَجَرَةَ الزقوم طَعَامُ الأثيم} شجرة الزّقوم هي: الشجرة التي خلقها الله في جهنم، وسماها الشجرة الملعونة، فإذا جاع أهل النار التجئوا إليها، فأكلوا منها، وقد مضى الكلام على شجرة الزقوم في سورة الصافات.
والأثيم: الكثير الإثم.
قال في الصحاح: أثم الرجل بالكسر إثمًا، ومأثمًا: إذا وقع في الإثم، فهو: اثم، وأثيم، وأثوم.
فمعنى طعام الأثيم: ذي الإثم {كالمهل} وهو: درديّ الزيت، وعكر القطران.
وقيل: هو النحاس المذاب.
وقيل: كلّ ما يذوب في النار {يغلي في البطون كَغَلْىِ الحميم} قرأ الجمهور: {تغلي} بالفوقية على أن الفاعل ضمير يعود إلى الشجرة، والجملة خبر ثانٍ، أو حال، أو خبر مبتدأ محذوف، أي: تغلي غليًا مثل غلي الحميم، وهو: الماء الشديد الحرارة.
وقرأ ابن كثير، وحفص، وابن محيصن، وورش، عن يعقوب: {يغلي} بالتحتية على أن الفاعل ضمير يعود إلى الطعام وهو: في معنى الشجرة، ولا يصح أن يكون الضمير عائدًا إلى المهل؛ لأنه مشبه به، وإنما يغلي ما يشبه بالمهل، وقوله: {كَغَلْىِ الحميم} صفة مصدر محذوف، أي: غليًا كغلي الحميم {خُذُوهُ فاعتلوه إلى سَوَاء الجحيم} أي: يقال للملائكة الذين هم خزنة النار: خذوه، أي: الأثيم، فاعتلوه، العتل: القود بالعنف، يقال: عتله يعتله، إذا جرّه، وذهب به إلى مكروه، وقيل العتل: أن يأخذ بتلابيب الرجل، ومجامعه، فيجره، ومنه قول الشاعر يصف فرسًا:
نقرعه قرعًا ولسنا نعتله ** ومنه قول الفرزدق يهجوجريرًا:

حتى تردّ إلى عطية تعتل

قرأ الجمهور: {فاعتلوه} بكسر التاء.
وقرأ نافع، وابن كثير، وابن عامر بضمها، وهما: لغتان {إلى سَوَاء الجحيم} أي: إلى وسطه، كقوله: {فَرَاهُ فِي سَوَاءِ الجحيم} [الصافات: 55] {ثُمَّ صُبُّواْ فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الحميم} (من) هي التبعيضية، أي: صبوا فوق رأسه بعض هذا النوع، وإضافة العذاب إلى الحميم للبيان، أي: عذاب هو الحميم، وهو: الماء الشديد الحرارة كما تقدّم {ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ العزيز الكريم} أي: وقولوا له تهكمًا، وتقريعًا، وتوبيخًا: ذق العذاب إنك أنت العزيز الكريم.
وقيل: إن أبا جهل كان يزعم أنه أعزّ أهل الوادي، وأكرمهم، فيقولون له: ذق العذاب أيها المتعزّز المتكرم في زعمك، وفيما كنت تقوله.
قرأ الجمهور: {إنك} بكسر الهمزة، وقرأ الكسائي- وروي ذلك عن عليّ- بفتحها أي لأنك.
قال الفراء: أي: بهذا القول الذي قلته في الدنيا، والإشارة بقوله: {إِنَّ هَذَا} إلى العذاب {مَا كُنتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ} أي: تشكون فيه حين كنتم في الدنيا، والجمع باعتبار جنس الأثيم.
ثم ذكر سبحانه مستقرّ المتقين، فقال: {إِنَّ المتقين في مَقَامٍ أَمِينٍ} أي: الذين اتقوا الكفر والمعاصي.
قرأ الجمهور: {مقام} بفتح الميم، وقرأ نافع، وابن عامر بضمها.
فعلى القراءة الأولى هو: موضع القيام، وعلى القراءة الثانية هو: موضع الإقامة قاله الكسائي، وغيره.
وقال الجوهري: قد يكون كل واحد منهما بمعنى: الإقامة، وقد يكون بمعنى: موضع القيام.
ثم وصف المقام بأنه أمين يأمن صاحبه من جميع المخاوف {فِى جنات وَعُيُونٍ} بدل من {مقام أمين}، أو بيان له، أو خبر ثانٍ {يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ} خبر ثانٍ، أوثالث، أو حال من الضمير المستكنّ في الجار والمجرور، والسندس: ما رقّ من الديباج، والإستبرق: ما غلظ منه، وقد تقدّم بيانه في سورة الكهف، وانتصاب {متقابلين} على الحال من فاعل {يلبسون}، أي: متقابلين في مجالسهم ينظر بعضهم إلى بعض، والكاف في قوله: {كذلك} إما نعت مصدر محذوف، أي: نفعل بالمتقين فعلًا كذلك.