فصل: قال ابن القيم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{الأثيم} مرتكبُ الذنوب. {المهل} المذاب. {الحميم}: الماء الحار.
قوله جل ذكره: {خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ ثُمَّ صبُّواْ فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ}.
ادفعوا به إلى وسط الحميم. ويقال له:
{ذُقْ إِِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ}.
أنت كذلك عند قومك، ولكنك عندنا ذليلٌ مَهينٌ.
قوله جل ذكره: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ في مَقَامٍ في جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ}.
آمنين من المحن من جميع الوجوه، لِباسُهم من حرير، وفراشُهم من سُندسٍ واستبرق، {متقابلين}: لا يبرحون ولا يبغون عنها حِو لا.
{كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54)}.
تُباح لهم صُحْبَتُهن، ولا يكون في الجنة عقد تزويج ولا طلاقٌ، ويمكَّن الولي بهذه الاوصاف من هذه الألطاف. ثم قد يُخْتطفُ قومُ من بين هذه الأسباب، فيتحررون عن هذه الجملة؛ فكما انهم في الدنيا مُختَطَفُون عن كلِّ العلائق فإنهم في الآخرة تطمع الحورُ العينُ في صحبتهم فيستلبهم الحقُّ عن كلِّ شيء.
الزاهدُ في الدنيا يحميه منها، والعارفُ في الجنة يحميه من الجنة.
{لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الأولى ووقاهم عَذَابَ الْجَحِيمِ (56)}.
الموتة الأولى هي بقبض أرواحهم في الدنيا، ويقيهم الله في الآخرة العذاب بفضله، وذلك هو الظَّفَرُ بالبغية، ونجاح السُّؤل.
قوله جلّ ذكره: {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ}.
يا محمد، ليذكر به أهلُك، فارتقِبْ العواقب تَرَ العجائب. إنهم يرتقبون، ولكن لا يرون إلا ما يكرهون. اهـ.

.قال ابن القيم:

قوله تعالى: {إن المتقين في مقام أمين}.
والمقام الأمين موضع الإقامة والأمين الامن من كل سوء وافة ومكروه وهو الذي قد جمع صفات الأمن كلها فهو امن من الزوال والخراب وأنواع النقص واهله امنون فيه من الخروج والنغص والنكد والبلد الأمين الذي قد أمن من أهله فيه مما يخالف منه سواهم وتأمل كيف ذكر سبحانه الأمن في قوله تعالى: {إن المتقين في مقام أمين} وفي قوله تعالى: {يدعون فيها بكل فاكهة آمنين} فجمع لهم بين أمن المكان وأمن الطعام فلا يخافون انقطاع الفاكهة ولا سوء عاقبتها ومضرتها وأمن الخروج منها فلا يخافون ذلك وأمن من الموت فلا يخافون فيها موتا. اهـ.
وقال أيضا:
وقال تعالى: {إن المتقين في مقام أمين في جنات وعيون يلبسون من سندس واستبرق متقابلين كذلك وزوجناهم بحور عين يدعون فيها بكل فاكهة آمنين لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم ربهم عذاب الجحيم} فجمع لهم بين حسن المنزل وحصو ل الأمن فيه من كل مكروه واشتماله على الثمار والأنهار وحسن اللباس وكمال العشرة لمقابلة بعضهم بعضا وتمام اللذة بالحور العين ودعائهم بجميع أنواع الفاكهة مع أمنهم من انقطاعها ومضرتها وغائلتها وختام ذلك أعلمهم بأنهم لا يذوقون فيها هناك موتا والحور جمع حوراء وهي المرأة الشابة الحسناء الجميلة البيضاء شديدة سواد العين وقال زيد بن أسلم الحوراء التي يحار فيها الطرف وعين حسان الأعين.
وقال مجاهد الحوراء التي يحار فيها الطرف من رقة الجلد وصفاء اللون.
وقال الحسن الحوراء شديدة بياض العين شديدة سواد العين.
واختلف في اشتقاق هذه اللفظة فقال ابن عباس الحور في كلام العرب البيض وكذلك قال قتادة الحور البيض.
وقال مقاتل الحور البيض الوجوه.
وقال مجاهد الحور العين التي يحار فيهن الطرف باديا مخ سوقهن من وراء ثيابهن ويرى الناظر وجهه في كبد إحداهن كالمراة من رقة الجلد وصفاء اللون وهذا من الإتفاق وليست اللفظة مشتقة من الحيرة وأصل الحور البياض والتحوير التبييض والصحيح أن الحور مأخوذ من الحور في العين وهو شدة بياضها مع قوة سوادها فهو يتضمن الأمرين.
وفي الصحاح الحور شدة بياض العين في شدة سوادها امرأة حوراء بينة الحور وقال أبو عمرو الحور أن تسود العين كلها مثل أعين الظباء والبقر وليس في بني ادم حور وإنما قيل للنساء حور العين لأنهن شبهن بالظباء والبقر وقال الأصمعي ما أدري ما الحور في العين قلت خالف أبو عمرو أهل اللغة في اشتقاق اللفظة ورد الحور إلى السواد والناس غيره إنما ردوه إلى البياض أو الى بياض في سواد والحور في العين معنى يلتئم من حسن البياض والسواد وتناسبهما واكتساب كل واحد منهما الحسن من الآخر عين حوراء إذا اشتد بياض أبيضها وسواد أسودها ولا تسمى المرأة حوراء حتى يكون مع حور عينها بياض لون الجسد.
والعين جمع عيناء وهي العظيمة العين من النساء ورجل أعين إذا كان ضخم العين وامرأة عيناء والجمع عين والصحيح أن العين اللاتي جمعت أعينهن صفات الحسن والملاحة.
قال مقاتل العين حسان الاعين ومن محاسن المرأة اتساع عينها في طو ل وضيق العين في المرأة من العيون وإنما يستحب الضيق منها في أربعة مواضع فيها وخرق أذنها وانفها وما هنالك، ويستحب السعة منها في أربعة مواضع ووجهها وصدرها وكاهلها وهو ما بين كتفيها وجبهتها ويستحسن البياض منها في أربعة مواضع لونها وفرقها وثغرها وبياض عينها ويستحب السواد منها في أربعة مواضع عينها وحاجبها وهدبها وشعرها ويستحب الطو ل منها في أربعة قوامها وعنقها وشعرها وبنانها ويستحب القصر منها في أربعة وهي معنوية لسانها ويدها ورجلها وعينها فتكون قاصر الطرف قصيرة الرجل واللسان عن الخروج وكثرة الكلام قصيرة اليد عن تناول ما يكره الزوج وعن بذله وتستحب الرقة منها في أربعة خصرها وفرقها وحاجبها وأنفها.
فصل:
وقوله تعالى: {وزوجناهم بحور عين} قال أبو عبيدة جعلناهم أزواجا كما يزوج النعل بالنعل جعلناهم اثنين اثنين وقال يونس قرناهم بهن وليس من عقد التزويج قال والعرب لا تقول تزوجت بها وإنما تقول تزوجتها قال بن نصر هذا والتنزيل يدل على ما قاله يونس وذلك قوله تعالى: {فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها} ولوكان على تزوجت بها لقال زوجناك بها وقال ابن سلام تميم تقول تزوجت امرأة وتزوجت بها وحكها الكسائي أيضا وقال الأزهري تقول العرب زوجته امرأة وتزوجت امرأة وليس من كلامهم تزوجت بامرأة وقوله تعالى: {وزوجناهم بحور عين} أي قرناهم وقال الفراء هي لغة في أزدشنوءة قال الواحدي وقال أبي عبيدة في هذا احسن لأنه جعله من التزويج الذي هو بمعنى جعل الشيء زوجا لا بمعنى عقد النكاح ومن هذا يجوز أن يقال كان فردا فزوجته باخر كما يقال شفعته باخر وإنما تمتنع الباء عند من يمنعها إذا كان بمعنى عقد التزويج قلت ولا يمتنع أن يراد الأمران معا فلفظ التزويج يدل على النكاح كما قال مجاهد أنكحناهم الحور ولفظ الباء تدل على الاقتران والضم وهذا ابلغ من حذفها والله اعلم وقال تعالى: {فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن انس قبلهم ولا جان فبأي الاء ربكما تكذبان كأنهن الياقوت والمرجان} وصفهن سبحانه بقصر الطرف في ثلاثة مواضع:
أحدها هذا والثاني قوله تعالى في الصافات {وعندهم قاصرات الطرف عين} والثالث قوله تعالى في ص {وعندهم قاصرات الطرف أتراب} والمفسرون كلهم على أن المعنى قصرن طرفهن على أزواجهن فلا يطمحن إلى غيرهم وقيل قصرن طرف أزواجهن كلهن فلا يدعهم حسنهن وجمالهن أن ينظروا إلى غيرهن وهذا صحيح من جهة المعنى واما من جهةاللفظ فقاصرات صفة مضافة إلى الفاعل لحسان الوجوه واصله قاصر طرفهن أي لبس بطامح متعد قال ادم حدثنا ورقاء عن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: {قاصرات الطرف} قال يقول قاصرات الطرف على أزواجهن فلا يبغين غير أزواجهن قال ادم وحدثنا المبارك بن فضلة عن الحسن قال قصرن طرفهن على أزواجهن فلا يردن غيرهم والله ما هن متبرجات ولا متطلعات وقال منصور عن مجاهد قصرن أبصارهن وقلوبهن وأنفسهن على أزواجهن فلا يردن غيرهم وفي تفسير سعيد عن قتادة قال وقصرن أطرافهن على أزواجهن فلا يردن غيرهم وأما الأتراب فجمع ترب وهو لذة الإنسان قال أبو عبيدة وأبوإسحاق أقرأن أسنانهن واحدة قال ابن عباس وسائر المفسرين مستويات على سن واحد وميلاد واحد وبنات ثلاث وثلاثين سنة وقال مجاهد أتراب أمثال قال إسحاق هن في غاية الشباب والحسن وسمي سن الإنسان وقرنه تربه لأنه مس تراب الأرض معه في وقت واحد والمعنى من الأخبار باستواء أسنانهن أنهن ليس فيهن عجائز قد فات حسنهن ولا ولائد لا يقطن الوطء بخلاف الذكور فان فيهم الو لدان وهم الخدم وقد اختلف في مفسر الضمير في قوله: {فيهن} فقالت طائفة مفسره الجنتان وما حوتاه من القصور والغرف والخيام وقالت طائفة مفسره الفرش المذكورة في قوله: {متكئين على فرش بطائنها من إستبرق} وفي بمعنى على وقوله تعالى: {لم يطمثهن انس قبلهن ولا جان} قال أبو عبيدة لم يمسهن يقال ما طمث هذا البعير حبل قط أي ما مسه وقال يونس تقول العرب هذا جمل ما طمثه حبل قط أي ما مسه وقال الفراء الطمث الافتضاض وهو النكاح بالتدمية والطمث هو الدم وفيه لغتان طمث يطمث ويطمث قال الليث طمثت الجارية إذا افترعتها والطامث في لغتهم هي الحائض قال أبو الهيثم يقال للمرأة طمثت تطمث إذا أدميت بالافتضاض وطمثت على فعلت تطمث إذا حاضت أول ما تحيض فهي طامث وقال في قول الفرزدق:
خرجن إلى لم يطمثن قبلي ** وهن اصح من بيض النعام

أي لم يمسسن قال المفسرون لم يطأهن ولم يغشهن يجاملهم ولم يغشين ولم يجامعن هذه ألفاظهم وهم مختلفون في هؤلاء فبعضهم يقول هن اللواتي أنشئن في الجنة من حورها وبعضهم يقول يعني نساء الدنيا أنشئن خلقا آخر ابكارا كما وصفن قال الشعبي نساء من نساء الدنيا لم يمسسن منذ انشئن خلقا وقال مقاتل لأنهن خلقن في الجنة وقال عطاء عن ابن عباس هن الادميات اللاتي متن أبكارا وقال الكلبي لم يجامعهن في هذا الخلق الذي أنشئن فيه انس ولا جان قلت ظاهر القرآن أن هؤلاء النسوة لسن من نساء الدنيا وانما هن من الحور حور العين وأما نساء الدنيا فقد طمثهن الأنس ونساء الجن قد طمثهن الجن والآية تدل على ذلك قال أبوإسحاق وفي الآية دليل على أن الجن يغشي كما أن الأنس يغشى ويدل على أنهن الحور اللاتي خلقن في الجنة انه سبحانه جعلهن مما أعده الله في الجنة لأهلها من الفاكهة والثمار والأنهار والملابس وغيرها ويدل عليه أيضا الآية التي بعدها وهي قوله تعالى: {حور مقصورات في الخيام} ثم قال: {لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان} قال الإمام احمد والحور العين لا يمتن عند النفخة للصور لأنهن خلقن للبقاء وفي الآية دليل لما ذهب إليه الجمهور أن مؤمن الجن في الجنة كما أن كافرهم في النار وبوب عليه البخاري في صحيحه فقال باب ثواب الجن وعقابهم ونص عليه غير واحد من السلف قال ضمرة بن حبيب وقد سئل هل للجن ثواب فقال نعم وقرأ هذه الآية ثم قال الأنسيات للأنس والجنيات للجن وقال مجاهد في هذه الآية إذا جامع الرجل ولم يسم انطوى الجان على احليله فجامع معه والضمير في قوله: {قبلهم} للمعنيين بقوله: {متكئين} وهم أزواج هؤلاء النسوة.
وقوله: {كأنهن الياقوت والمرجان} قال الحسن وعامة المفسرين أراد صفاء الياقوت في بياض المرجان شبههن في صفاء اللون وبياضه وبالياقوت والمرجان ويدل عليه ما قاله عبد الله ان المرأة من النساء أهل الجنة لتلبس عليها سبعين حلة من حرير فيرى بياض ساقيها من ورائهن ذلك بان الله يقول كأنهن الياقوت والمرجان إلا وان الياقوت حجر لوجعلت فيه سلكا ثم استصفيته نظرت إلى السلك من وراء الحجر. اهـ.

.من فوائد ابن العربي في السورة الكريمة:

قال رحمه الله:
سورة الدُّخَانِ فِيهَا ثَلَاثُ آيات الآية الأولى: قوله تعالى: {إنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ}.
فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ:
المسألة الأولى: قوله: {إنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ}:
يَعْنِي أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ القرآن بِاللَّيْلِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مِنْهُ لَيْلِيًّا وَمِنْهُ نَهَارِيًّا وَمِنْهُ سَفَرِيٌّ وَحَضَرِيٌّ، وَمِنْهُ مَكِّيٌّ وَمَدَنِيٌّ، وَمِنْهُ سَمَائِي وَأَرْضِيٌّ، وَمِنْهُ هو ائِيٌّ؛ وَالْمُرَادُ هَاهُنَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ أُنْزِلَ جُمْلَةً فِي اللَّيْلِ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، ثُمَّ نَزَلَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نحو ما فِي عِشْرِينَ عَامًا وَنَحْوِهَا.
المسألة الثَّانِيَةُ: قوله: {مُبَارَكَةٍ}:
الْبَرَكَةُ: هِيَ النَّمَاءُ وَالزِّيَادَةُ، وَسَمَّاهَا مُبَارَكَةً لِمَا يُعْطِي اللَّهُ فِيهَا مِنْ الْمَنَازِلِ، وَيَغْفِرُ مِنْ الْخَطَايَا، وَيُقَسِّمُ مِنْ الْحُظُوظِ، وَيَبُثُّ مِنْ الرَّحْمَةِ، وَيُنِيلُ مِنْ الْخَيْرِ، وَهِيَ حَقِيقَةُ ذَلِكَ وَتَفْسِيرُهُ.
المسألة الثَّالِثَةُ: تَعْيِينُ هَذِهِ اللَّيْلَةِ:
وَجُمْهورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قال: إنَّهَا لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ؛ وهو بَاطِلٌ؛ لأن اللَّهَ تعالى قال فِي كِتَابِهِ الصَّادِقِ الْقَاطِعِ: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ القرآن} فَنَصَّ عَلَى أَنَّ مِيقَاتَ نزولهِ رَمَضَانُ، ثُمَّ عَبَّرَ عَنْ زَمَانِيَّةِ اللَّيْلِ هَاهُنَا بِقوله: {فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} فَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ فِي غَيْرِهِ فَقَدْ أَعْظَمَ الْفِرْيَةَ عَلَى اللَّهِ، وليس فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ حَدِيثٌ يُعَو ل عَلَيْهِ، لَا فِي فَضْلِهَا، ولا فِي نَسْخِ الآجال فِيهَا، فَلَا تَلْتَفِتُوا إلَيْهَا.
الآية الثَّانِيَةُ قوله تعالى: {فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ}.
فِيهَا مَسْأَلَتَانِ:
المسألة الأولى: السُّرَى: سَيْرُ اللَّيْلِ:
وَالْإِدْلَاجُ: سَيْرُ السَّحَرِ، وَالْإِسْادُ: سَيْرُهُ كُلِّهِ.
وَالتَّ أو يبُ: سَيْرُ النَّهَارِ.
وَيُقال: سَرَى وَأَسْرَى، وَقَدْ يُضَافُ إلَى اللَّيْلِ، قال اللَّهُ تعالى: {وَاللَّيْلِ إذَا يَسْرِ} وهو يُسْرَى فِيهِ، كَمَا قِيلَ: لَيْلٌ نَائِمٌ، وهو يُنَامُ فِيهِ؛ وَذَلِكَ مِنْ اتِّسَاعَاتِ الْعَرَبِ.
المسألة الثَّانِيَةُ: قوله تعالى: {فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا}.
أَمْرٌ بِالْخُرُوجِ بِاللَّيْلِ، وَسَيْرُ اللَّيْلِ يَكُونُ مِنْ الْخَوْفِ؛ وَالْخَوْفُ يَكُونُ مِنْ وَجْهَيْنِ: إمَّا مِنْ الْعَدُوفَيُتَّخَذُ اللَّيْلُ سِتْرًا مُسْدَلًا، فهو من أَسْتَارِ اللَّهِ تعالى.
وَإِمَّا مِنْ خَوْفِ الْمَشَقَّةِ عَلَى الدَّوَابِّ وَالْأَبَدَانِ بِحَرٍّ أَوجَدْبٍ، فَيُتَّخَذُ السُّرَى مَصْلَحَةً مِنْ ذَلِكَ.
وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُسْرَى وَيُدْلَجُ وَيَتَرَفَّقُ وَيَسْتَعْجِلُ قَدْرَ الْحَاجَةِ وَحَسْبَ الْعَجَلَةِ، وَمَا تَقْتَضِيهِ الْمَصْلَحَةُ.
وَفِي جَامِعِ الْمُوَطَّإِ: «إنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيَرْضَى بِهِ، وَيُعِينُ عَلَيْهِ مَا لَا يُعِينُ عَلَى الْعُنْفِ، فَإِذَا رَكِبْتُمْ هَذِهِ الدَّوَابَّ الْعَجَمَ فَأَنْزِلُوهَا مَنَازِلَهَا، فَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ جَدْبَةً فَانْجُوَا عَلَيْهَا بِنِقْيِهَا، وَعَلَيْكُمْ بِسَيْرِ اللَّيْلِ فَإِنَّ الْأَرْضَ تَطْوِي بِاللَّيْلِ مَا لَا تَطْوِي بِالنَّهَارِ، وَإِيَّاكُمْ وَالتَّعْرِيسَ عَلَى الطَّرِيقِ فَإِنَّهُ طُرُقُ الدَّوَابِّ وَمَأْوَى الْحَيَّاتِ».