فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



الآية الثَّالِثَةُ قوله تعالى: {إنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الأثيم}.
فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الْمَسْأَلَةُ الأولى الزَّقُّومُ: كُلُّ طَعَامٍ مَكْرُوهٍ، يُقال: تَزَقَّمَ الرَّجُلُ إذَا تناول مَا يَكْرَهُ.
وَيُحْكَى عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الزَّقُّومَ هو التَّمْرُ وَالزُّبْدُ بِلِسَانِ الْبَرْبَرِ، وَيَا لِلَّهِ ولهَذَا الْقَائِلِ وَأَمْثَالِهِ الَّذِينَ يَتَكَلَّمُونَ فِي الْكِتَابِ بِالْبَاطِلِ وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ، الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ رُوِيَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ أَقرأ رَجُلًا طَعَامَ الأثيم فَلَمْ يَفْهَمْهَا؛ فَقال لَهُ: طَعَامُ الْفَاجِرِ، فَجَعَلَهَا النَّاسُ قراءة، حَتَّى رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ قال: أَقرأ ابْنُ مَسْعُودٍ رَجُلًا إنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الأثيم فَجَعَلَ الرَّجُلَ يَقول: طَعَامُ الْيَتِيمِ، فَقال لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: طَعَامُ الْفَاجِرِ.
فَقُلْت لِمَالِكٍ: أَتَرَى أَنْ يَقول كَذَلِكَ؟ قال: نَعَمْ.
وَرَوَى الْبَصْرِيُّونَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يُقرأ فِي الصَّلَاةِ بِمَا يُرْوَى عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ.
وَقال ابْنُ شَعْبَانَ: لَمْ يَخْتَلِفْ قول مَالِكٍ إنَّهُ لَا يُصَلَّى بِقراءة ابْنِ مَسْعُودٍ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى بِهَا أَعَادَ صَلَاتَهُ؛ لأنهُ كَانَ يَقرأ بِالتَّفْسِيرِ.
وَقَدْ بَيَّنَّا القول فِي حَالِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي سُورَةِ الِ عِمْرَانَ، ولوصَحَّتْ قرأءَتُهُ لَكَانَتْ القراءة بِهَا سُنَّةً، ولكن النَّاسَ أَضَافُوا إلَيْهِ مَا لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ؛ فَلِذَلِكَ قال مَالِكٌ: لَا يُقرأ بِمَا يُذْكَرُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ.
وَاَلَّذِي صَحَّ عَنْهُ مَا فِي الْمُصْحَفِ الْأَصْلِيِّ.
فَإِنْ قِيلَ: فَفِي الْمُصْحَفِ الْأَصْلِيِّ قراءات وَاخْتِلَافَاتٌ فَبِأَيٍّ يُقرأ؟ قُلْنَا: وَهِيَ: الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ بِجَمِيعِهَا بِإِجْمَاعٍ مِنْ الْأُمَّةِ، فَمَا وُضِعَتْ إلَّا لِحِفْظِ القرآن، ولا كُتِبَتْ إلَّا لِلْقراءة بِهَا، ولكن لَيْسَ يَلْزَمُ أَنْ يُعَيَّنَ الْمَقْرُوءُ بِهِ مِنْهَا، فَيُقرأ بِحَرْفِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَأَهْلِ الشَّامِّ، وَأَهْلِ مَكَّةَ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ أَلَّا يَخْرُجَ عَنْهَا، فَإِذَا قرأ آية بِحَرْفِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَقرأ الَّتِي بَعْدَهَا بِحَرْفِ أَهْلِ الشَّامِ كَانَ جَائِزًا، وَإِنَّمَا ضَبَطَ أَهْلُ كُلِّ بَلَدٍ قراءَتَهُمْ بِنَاءً عَلَى مُصْحَفِهِمْ، وَعَلَى مَا نَقَلُوهُ عَنْ سَلَفِهِمْ، وَالْكُلُّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ.
وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ قوله صلى الله عليه وسلم: «أُنْزِلَ القرآن عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَاقْرَءُوا مِنْهُ مَا تَيَسَّرَ». اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.
قوله: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ}: يجوزُ أن يكونَ جوابَ القسمِ، وأَنْ يكونَ اعتراضًا، والجوابُ قوله: {إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ}، واختاره ابنُ عطية. وقيل: {إنَّا كُنَّا} مستأنفٌ، أوجوابٌ ثانٍ مِنْ غيرِ عاطِفٍ.
{فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4)}.
قوله: {فِيهَا يُفْرَقُ}: يجوزُ أَنْ تكونَ مُسْتَأْنَفَةً، وأَنْ تكونَ صفةً لـ: {ليلة} وما بينهما اعتراضٌ. قال الزمخشري: فإنْ قلتَ: {إنَّا كُنَّا مُنْذِرين}، {فيها يُفْرَقُ}، ما موقعُ هاتين الجملتين؟ قلت: هما جملتان مستأنفتان مَلْفوفتان، فَسَّر بهما جوابَ القسمِ الذي هو {أَنْزَلْناه} كأنه قيل: أَنْزَلْناه؛ لأن مِنْ شَأْنِنا الأنذارَ والتحذيرَ، وكان إنزالُنا إياه في هذه الليلةِ خصوصًا؛ لأن إنزالَ القرآن مِنَ الأمورِ الحكيمةِ، وهذه الليلةُ يُفْرَقُ فيها كلُّ أمرٍ حكيم. قلت: وهذا مِنْ محاسِنِ هذا الرجلِ.
وقرأ الحسن والأعرج والأعمش {يَفْرُقُ} بفتح الياء وضمِّ الراءِ، {كلَّ} بالنصب أي: يَفْرُقُ اللَّهُ كلَّ أَمْرٍ. وزيد بن علي {نَفْرِقُ} بنونِ العظمةِ، {كلَّ} بالنصبِ، كذا نقله الزمخشريُّ، ونَقَلَ عنه الأهوازي {يَفْرِق} بفتح الياء وكسرِ الراء، {كلَّ} بالنصب، {حكيمٌ} بالرفع على أنه فاعل {يَفْرِق}، وعن الحسن والأعمش أيضًا {يُفَرَّقُ} كالعامَّةِ، إلاَّ أنه بالتشديد.
{أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5)}.
قوله: {أَمْرًا}: فيه اثنا عشر وجهًا، أحدُها: أَنْ ينتصِبَ حالًا مِنْ فاعل {أَنْزَلْناه}. الثاني: أنه حالٌ مِنْ مفعوله أي: أنزلناه امِرِيْن، أو مأمورا به. الثالث: أَنْ يكونَ مفعولا له، وناصبُه: إمَّا {أَنْزَلْناه} وإمَّا {مُنْذرِين} وإمَّا {يُفْرَقُ}. الرابع: أنه مصدرٌ مِنْ معنى يُفْرَق أي: فَرْقًا. الخامس: أنه مصدرٌ لـ: {أَمَرْنا} محذوفًا. السادس: أَنْ يكونَ {يُفْرَقُ} بمعنى يَأْمُر. والفرقُ بين هذا وما تقدَّم: أنَّك رَدَدْتَ في هذا بالعاملِ إلى المصدرِ وفيما تقدَّم بالعكس. السابع: أنَّه حالٌ مِنْ {كُلُّ}. الثامن: أنه حالٌ مِنْ {أَمْرٍ} وجاز ذلك لأنه وُصِفَ. إلاَّ أنَّ فيه شيئين: مجيءَ الحالِ من المضاف إليه في غيرِ المواضع المذكورة. والثاني: أنها مؤكدةٌ. التاسع: أنه مصدرٌ لـ: {أَنْزَل} أي: إنَّا أَنْزَلْناه إنزالًا، قاله الأخفش. العاشر: أنَّه مصدرٌ، لكن بتأويل العاملِ فيه إلى معناه أي: أَمَرْنا به أَمْرًا بسببِ الأنزال، كما قالوا ذلك في وَجْهي فيها يُفْرَقُ فَرْقًا أو ينْزِل إنزالًا. الحادي عشر: أنه منصوبٌ على الاختصاص، قاله الزمخشري، ولا يَعْني بذلك الاختصاصَ الاصطلاحيَّ فإنه لا يكون نكرةً. الثاني عشر: أَنْ يكونَ حالًا من الضميرِ في {حكيم}. الثالث عشر: أَنْ ينتصِبَ مفعولا به بـ: {مُنْذِرين} كقوله: {لِّيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا} [الكهف: 2] ويكونُ المفعول الأول محذوفًا أي: مُنْذِرين الناسَ أمرًا. والحاصلُ أنَّ انتصابَه يَرْجِعُ إلى أربعة أشيئاء: المفعول به، والمفعول له، والمصدريةِ، والحاليةِ، وإنما التكثيرُ بحَسبِ المحالِّ، وقد عَرَفْتَها بما قَدَّمْتُه لك.
وقرأ زيد بن علي {أَمْرٌ} بالرفع. قال الزمخشري: وهي تُقَوِّي النصبَ على الاختصاصِ.
قوله: {مِنْ عِنْدِنا} يجوز أَنْ يتعلَّق بـ: {يُفْرَقُ} أي: مِنْ جهتِنا، وهي لابتداءِ الغاية مجازًا. ويجوز أَنْ يكونَ صفةً لـ: {أَمْرًا}.
قوله: {إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} جوابٌ ثالثٌ أو مستأنفٌ، أو بدل من قوله: {إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ}.
{رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هو السميع الْعَلِيمُ (6)}.
قوله: {رَحْمَةً}: فيها خمسةُ أوجهٍ أحدها: المفعول له. والعاملُ فيه: إمَّا {أَنْزَلْناه} وإمَّا {أَمْرًا} وإمَّا {يُفْرَقُ} وإمَّا {مُنْذِرين}. الثاني: مصدرٌ بفعلٍ مقدرٍ أي: رَحِمْنا رَحْمَةً. الثالث: مفعول بـ: مُرْسِلين. الرابع: حالٌ من ضمير {مُرْسِلين} أي: ذوي رحمة. الخامس: أنها بدل من {أَمْرًا} فيجيءُ فيها ما تقدَّم، وتكثرُ الأوجهُ فيها حينئذٍ.
و {مِنْ رَبِّك} يتعلَّقُ برَحْمة، أوبمحذوفٍ على أنها صفةٌ. وفي {مِنْ ربِّك} التفاتٌ من التكلُّم إلى الغَيْبة، ولوجَرَى على مِنْوالِ ما تقدَّمَ لقال: رحمةً منا.
{رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (7)}.
قوله: {رَبِّ السماوات}: قرأ الكوفيون بخفض {رَبّ}، والباقون برفعِه. فالجرُّ على البدلَ، أو البيانَ، أو النعت. والرفعُ على إضمارِ مبتدأ، أو على أنَّه مبتدأٌ، خبرُه {لاَ إله إِلاَّ هو}.
{لَا إِلَهَ إِلَّا هو يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائكم الأولين (8)}.
قوله: {رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائكم}: العامَّةُ على الرفع بدلًا أو بيانا أو نعتا لـ: {ربُّ السماوات} فيمَنْ رَفَعه، أو على أنَّه مبتدأٌ، والخبرُ {لاَ إله إِلاَّ هو} أو خبر بعد خبرٍ لقوله: {إِنَّهُ هو السميع} أو خبر مبتدأ مضمرٍ عند الجميعِ أعني قراءَة الجرِّ والرفع، أوفاعلٌ لقوله: {يُميت}. وفي {يُحْيي} ضميرٌ يَرْجِعُ إلى ما قبلَه أي: يُحْيي هو، أي: ربُّ السماوات ويميتُ هو، فأوقَعَ الظاهرَ مَوْقِعَ المضمرِ، ويجوزُ أَنْ يكونَ {يُحيي ويُميت} من التنازع. ويجوزُ أَنْ يُنْسَبَ الرفعُ إلى الأول أو الثاني نحو: يَقُوم ويَقْعد زيد، وهذا عَنَى أبو البقاء بقوله: أو على شريطةِ التفسير.
وقرأ ابنُ محيصن وابنُ أبي إسحاق وأبو حيوة والحسن بالجرِّ على البدلِ أو البيانِ أو النعت لـ: {رب السماوات}، وهذا يُوْجِبُ أَنْ يكونوا يَقْرؤون {رَبِّ السماوات} بالجرِّ. والأنطاكي بالنصب على المدحِ.
{فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10)}.
قوله: {يَوْمَ تَأْتِي}: منصوبٌ بـ: {ارْتَقِبْ} على الظرفِ. والمفعول محذوفٌ أي: ارتقِبْ وَعْدَ الله في ذلك اليومِ. ويجوزُ أَنْ يكونَ هو المفعول المرتقبَ.
{يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (11)}.
قوله: {يَغْشَى الناس}: صفةٌ ثانيةٌ أي: بدُخان مُبين غاشٍ.
قوله: {هذا عَذابٌ} في محلِّ نصبٍ بالقول. وذلك القول حالٌ أي: قائلين ذلك، ويجوزُ أَنْ لا يكونَ معمو لا لقول البتةَ، بل هو مجرَّدُ إخبارٍ.
{أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رسول مُبِينٌ (13)}.
قوله: {أنى لَهُمُ الذكرى}: يجوزُ أَنْ يكونَ {أنَّى} خبرًا لـ: {ذِكْرى} و{لهم} تبيينٌ. ويجوزُ أَنْ يكونَ {أنَّى} منصوبًا على الظرفِ بالاستقرار في {لهم}، فإن {لهم} وَقَعَ خبرًا لـ: {ذِكْرى}.
قوله: {وقد جاءَهم} حال مِنْ {لهم}. وقرأ زيد بن علي {مُعَلِّم} بكسر اللام.
{إِنَّا كَاشِفُوالْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (15)}.
قوله: {قَلِيلًا}: نعتٌ لزمانٍ أو مصدرٍ محذوف، أي: كَشْفًا قليلًا أوزمانًا قليلًا.
{يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (16)}.
قوله: {يَوْمَ نَبْطِشُ} قيل: هو بدل من {يَومَ تأتي}. وقيل: منصوبٌ بإضمارِ اذْكُر. وقيل: بـ: مُنْتَقِمون. وقيل: بما دَلَّ عليه {مُنْتَقِمون} وهو يَنْتقم. ورُدَّ هذا: بأنَّ ما بعد (إن) لا يَعْمل فيما قبلها، وبأنه لا يُفَسَّر إلاَّ ما يَصِحُّ أَنْ يَعْمَلَ.
قوله: {نَبْطِش} العامَّةُ على فتح النونِ وكسرِ الطاء أي: نَبْطِش بهم. وقرأ الحسن وأبو جعفر بضم الطاء، وهي لغةٌ في مضارع بَطَشَ. والحسن وأبو رجاء وطلحة بضمِّ النونِ وكسرِ الطاءِ، وهو منقول مِنْ بَطَشَ أي: تَبْطِشُ بهم الملائكةُ. والبَطْشَةُ على هذا يجوز أن تكونَ منصوبةً بـ: {نُبْطِشُ} على حَذْفِ الزائد نحو: {أَنبَتَكُمْ مِّنَ الأرض نَبَاتًا} [نوح: 17] وأَنْ يَنْتَصِبَ بفعلٍ مقدر أي: تَبْطِشُ الملائكةُ بهم فيَبْطِشُون البطشةَ.
{ولقد فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رسول كَرِيمٌ (17)}.
قوله: {ولقد فَتَنَّا}: قرئ {فَتَّنَّا} بالتشديدِ على المبالغة أو التكثيرِ لكثرةِ متعلَّقِه. و{جاءهم رسول} يحتمل الاستئنافَ والحالَ.
{أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رسول أَمِينٌ (18)}.
قوله: {أَنْ أدوا}: يجوزُ أَنْ تكونَ المفسِّرَةَ؛ لتقدُّمِ ما هو بمعنى القول، وأَنْ تكونَ المخفَّفَةَ، وأَنْ تكونَ الناصبةَ للمضارع، وهي تُوْصَلُ بالأمر. وفي جَعْلِها مخففةً إشكالٌ تَقَدَّم: وهو أنَّ الخبرَ في هذا البابِ لا يقع طلبًا، وعلى جَعْلِها مصدريَّةً تكون على حَذْفِ الجرِّ أي: جاءهم بأَنْ أَدُّوا. و{عبادَ الله} يُحتمل أَنْ يكونَ مفعولا به. وفي التفسير: أنَّه طلبَ منهم أَنْ يُؤَدُّوا إليه بني إسرائيل، ويَدُلُّ عليه {فَأَرْسِلْ مَعِيَ بني إِسْرَائِيلَ}، وأَنْ يكونَ منادى، والمفعول محذوفٌ أي: أَعْطوني الطاعةَ يا عبادَ الله.
{وَأَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آتيكم بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (19)}.
قوله: {وَأَن لاَّ تَعْلُواْ}: عطفٌ على (إن) الأولى. والعامَّةُ على كسرِ الهمزةِ مِنْ قوله: {إنِّي آتيكم} على الاستئنافِ. وقرئ بالفتح على تقديرِ اللامِ أي: وأَنْ لا تَعْلُوا لأني آتيكم.
{وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ (20)}.
قوله: {أَن تَرْجُمُونِ}: أي: مِنْ أَنْ تَرْجُمون.
وقوله: {إنِّي عُذْتُ} مستأنفٌ. وأدغم الذالَ في التاء أبو عمرو والأخَوان. وقد مَضَى توجيهُه في طه عند قوله: {فَنَبَذْتُهَا} [طه: 96].
{فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ (22)}.
قوله: {أَنَّ هؤلاء}: العامَّةُ على الفتحِ بإضمارِ حرفِ الجرِّ أي: دعاه بأنَّ هؤلاء. وابنُ أبي إسحاق وعيسى والحسن بالكسرِ على إضمارِ القول عند البَصْرِيين، وعلى إجراءِ (دَعا) مُجْرى القول عند الكوفيين.
{فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (23)}.
قوله: {فَأَسْرِ بِعِبَادِي}: قد تقدَّم قراءتا الوصل والقطع. وقال الزمخشري: وفيه وجهان: إضمارُ القول بعد الفاء: فقال أَسْرِ بعبادي، وجوابُ شرطٍ مقدرٍ، كأنَّه قال: إن كان الأمرُ- كما تقول- فَأَسْرِ بعبادي. قال الشيخ: وكثيرًا ما يَدَّعي حَذْفَ الشرطِ ولا يجوزُ إلاَّ لدليلٍ واضحٍ كأَنْ يتقدَّمَه الأمرُ أو ما أشبهه.
{وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهوا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ (24)}.
قوله: {رَهوا}: يجوزُ أَنْ يكونَ مفعولا ثانيًا على أنَّ (تَرَكَ) بمعنى صَيَّر، وأَنْ يكونَ حالًا على أنَّها ليسَتْ بمعناها. والرَّهو قيل: السكونُ، فالمعنى: اتْرُكْه ساكنًا. يقال: رَهَا يَرْهوا رَهوا. ومنه جاءَتِ الخيلُ رَهوا. قال النابغة:
والخيلَ تَمْزَعُ رَهوا في أَعِنَّتِها ** كالطيرِ تَنْجُومِنَ الشُّؤْبوب ذي البَرَدِ

ورَهَا يَرْهو في سيرِه. أي: تَرَفَّقَ. قال القطامي:
يَمْشِيْنَ رَهوا فلا الأَعْجازُ خاذِلَةٌ ** ولا الصدورُ على الأعجازِ تَتَّكِلُ

عن أبي عبيدةَ: رَهوا: أي اتركْه مُنْفَتحًا فُرَجًا على ما تركْتَه.
وفي التفسير: أنَّه لَمَّا انْفَلَق البحرُ لموسى وطَلَعَ منه خاف أن يتبعَه فرعونُ فأراد أَنْ يَضْرِبَه ليعودَ حتى لا يَلحقوه. فأَمَرَ أَنْ يتركَه فُرَجًا. وأصلُه مِنْ قولهم: رَها الرجلُ يرهو رهوا فتح ما بينَ رِجْلَيْه، والرَّهو والرَّهوةُ: المكانُ المرتفعُ والمنخفضُ يَجْتمع فيه فهو من الأضداد. والرَّهوةُ المرأةُ الواسعةُ الهَنِ. والرَّهو: طائر يقال هو الكُرْكِيّ. وقد تقدَّم الكلامُ في الشعراء على نظير {كَمْ تَرَكُواْ مِن جَنَّاتٍ}.
{وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26)}.
قوله: {وَمَقَامٍ}: العامَّةُ على فتح الميم وهو اسم مكان القيام. وابن هرمز وقتادة وابن السَّمَيْفع ونافعٌ في روايةِ خارجةَ بضمِّها اسمُ مكانٍ مِنْ أقام.
{وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27)}.
والنَّعْمَةُ بالفتح: نَضارةُ العيشِ ولذاذَتُه. والجمهور على جَرِّها. ونَصَبَها أبو رجاء عَطْفًا على {كم} أي: تركوا كثيرًا مِنْ كذا، وتركوا نَعْمة.
قوله: {فاكِهين} العامَّةُ على الألف أي: طَيِّبي الأنفسِ أوأصحابُ فاكهة كـ: لابنِ وتامرِ. وقيل: فاكهين لاهين. وقرأ الحسن وأبو رجاء {فَكِهين} أي: مُسْتَخِفِّين مُسْتهزئين. قال الجوهري: يُقال: فَكِهَ الرجلُ بالكسرِ فهو فَكِهٌ إذا كان مَزَّاحًا والفَكِهُ أيضًا: الأشِرُ.
{كَذَلِكَ وأورثناها قَوْمًا آخرين (28)}.
قوله: {كَذَلِكَ}: يجوزُ أَنْ تكونَ الكافُ مرفوعةَ المحلِّ خبرًا لمبتدأ مضمر أي: الأمرُ كذلك، وإليه نحا الزجَّاج. ويجوزُ أَنْ تكون منصوبةَ المحلِّ، فقَدَّرها الحوفيُّ: أَهْلكنا إهْلاكًا وانتقَمْنا انتقامًا كذلك. وقال الكلبيُّ: (كذلك أَفْعَلُ بمَنْ عَصاني). وقيل: تقديرُه: يَفْعل فِعْلًا كذلك. وقال أبو البقاء: (تَرْكًا كذلك) فجعله نعتًا للتركِ المحذوفِ. وعلى هذه الأوجهِ كلِّها يُوْقَفُ على {كذلك} ويُبْتدأ {وأورثناها}. وقال الزمخشري: الكافُ منصوبةٌ على معنى: مثلَ ذلك الآخراجِ أَخْرَجْناهم منها وأورثناها قومًا آخرين ليسوا منهم، فعلى هذا يكون {وأورثناها} معطوفًا على تلك الجملةِ الناصبةِ للكاف، فلا يجوزُ الوقفُ على {كذلك} حينئذٍ.
{فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ (29)}.
قوله: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السماء}: يجوزُ أَنْ تكونَ استعارةً كقول الفرزدق:
الشمسُ طالِعَةٌ ليسَتْ بكاسِفَةٍ ** تَبْكي عليك نجومَ الليلِ والقمرا