فصل: مطلب تفنيد مذهب القدرية وذم اتباع الهوى وأقوال حكيمة. والدهر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وما قاله بعضهم إن هذه الآية منسوخة لا يصح. لأن المراد بها ترك النزاع في المحقرأت والتجاوز عن بعض ما يؤذي {مَنْ عَمِلَ صالِحًا فَلِنَفْسِهِ} ثواب عمله {وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها} وزر إساءته {ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} 15 في الآخرة فيعاملكم بما كنتم تعملون في الدنيا. ونظير صدر هذه الآية الآية 45 من فصلت المارة {ولقد آتينا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ} بين الناس {وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ} الحلال ولا طيّب إلا وهو حلال ولا حلال إلا وهو طيب {وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ} 16 في زمانهم وعلى من قبلهم عدا نوح وإبراهيم وموسى وعيسى لأنهم من أولي العزم للاجماع على تفضيلهم {وآتيناهم بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ} يعرفون بها الحلال من الحرام والحق من الباطل والجد من الهزل {فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ} الذي هو موجب للاتفاق لا الاختلاف. فكان اختلافهم بعد العلم {بَغْيًا بَيْنَهُمْ} حاكوه بينهم حسدا للأنبياء وحبا ببقاء الرياسة. وهذا تعجب من حالهم لأن العلم يرفع الاختلاف لا يوقعه {إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} 17 بمحض العناد وإظهار التكبر وليس عن جهل ليعذروا به. لأن التوراة أنزلت على نبيهم موسى عليه السلام مفصل فيها كل شيء يحتاجونه من أمر الدين والدنيا. فاختلافهم في تأويلها وعدم قبو لهم بعض أحكامها ما هو الا بغي وتجبر وطغيان. قال تعالى: {ثُمَّ جَعَلْناكَ} يا سيد الرسل {عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ} العائد لدينك وآتيناك سنة مستوية ومنهاجا قويما وطريقة مستقيمة {فَاتَّبِعْها} أنت وقومك المؤمنين بك {ولا تَتَّبِعْ أَهواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} 18 طريقتك هذه وأخيرتها مما يدعونك إليه من طرق آبائهم المعوجة {إِنَّهُمْ} هؤلاء الكفرة الذين يريدونك على دينهم وسنة آبائهم الضالة لوأطعتهم على فرض المحال واتبعت أهواءهم {لَنْ يُغْنُوا} يمنعوا ويدفعوا {عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} أراد إيقاعه فيك {وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أولياءُ بَعْضٍ} في الدنيا ولا وليّ لهم في الآخرة ولا يتبعهم إلا ظالم مثلهم {وَاللَّهُ وليُّ الْمُتَّقِينَ} 19 فيها وأنت خلاصتهم. فدم على ما أنت عليه من التوجه إلى اللّه والإعراض عن وأعدائه أعدائك. وهذا الخطاب الموجه إلى حضرة الرسول مراد به غيره من أصحابه الذين معه لأنه معصوم من اتباع الكفرة. راجع الآية 63 فما بعدها من سورة الزمر المارة. قال تعالى: {هذا} القرآن المنزل عليك يا حبيبي {بَصائِرُ لِلنَّاسِ} في قلوبهم وكما هو نور لأبصارهم وحياة لأرواحهم. هو معالم لحدودهم وأحكامهم {وَهُدىً} من الضلال لمن اتبعه {وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} 20 به ويصدقون بما فيه.
{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا} اكتسبوا بجوارحهم اليد والرجل واللسان والفرج وغيرها ففعلوا فيها {السَّيِّئاتِ} هي كل ما ساءك فعله فيك من الغير أوخالف أمر دينك أوأغضب غيرك صنعه {أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمنوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ} كلا لا نفعل ولا ينبغي لنا أن نفعل ذلك. وإن كانوا هم يحكمون بالمساواة فقد {ساءَ ما يَحْكُمُونَ}.
21 وبئس القضاء قضاؤهم ذلك. إذ لا يستوي الخبيث والطيب. كما لا تستوي الظلمات والنور. راجع الآية 104 من سورة المائدة ج 3.
قال بعض كفرة قريش لأن كان ما تقولونه في البعث حقا لنفضلنكم فيه كما فضلناكم في الدنيا بالمال والنشب والسعة والجاه. فأنزل اللّه هذه الآية يخبرهم فيها بأنه شتان ما بين المؤمن والكافر في الآخرة. لأن المؤمن مؤمن في حياته ومماته بالدنيا والآخرة. والكافر كافر في حياته ومماته فيهما. ومال الدنيا زائل لا محالة فلا قيمة له ولا عبرة بالتفاضل فيها. أما حال الآخرة الذي هو محل التفاضل والتنافس فهو باق للمؤمنين في نعيم الجنة. وباق للكافرين في جحيم النار. والبون شاسع بين الحالتين فليس من أقعد على بساط الموافقة. كمن أجلس مع مقام المخالفة. ولابد من الفرق وإعلاء المؤمنين وإخزاء الكافرين في يوم لا شفيع فيه ولا معين إلا من رحم اللّه. وأذن له بالشفاعة.
قال مسروق: قال لي رجل من أهل مكة هذا مقام أخيك تميم الداري. ولقد رأيته قام ذات ليلة حتى أصبح أوقرب أن يصبح يقرأ آية من كتاب اللّه يركع بها ويسجد ويبكي {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ} الآية. ولما بلغها الفضيل جعل يرددها ويبكي ويقول ليت شعري من أي الفريقين أنت يا فضيل؟.
قال تعالى: {وَخَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ} ويعدل فيهما بين خلقه بالحق فينصف المظلوم من الظالم ويظهر التفاوت بين المسيء والمحسن. فإذا لم يكن كل ذلك في الحياة لأمور اقتضتها حكمته فلابد من كينونها في الممات أي بعده حتما.
وهذه الآية بمعرض الأنكار على حسبانهم تساوي الفريقين بدليل قوله: {ولتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ} في دنياها {وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} 22 في الآخرة فلا يزاد على جزاء الظالم ولا ينقص من مكافات المحسن.

.مطلب تفنيد مذهب القدرية وذم اتباع الهوى وأقوال حكيمة. والدهر:

قال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ} أيها الإنسان الكامل {مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هواه} فصار تبعا لما تهواه نفسه {وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ} منه بعاقبة أمره {وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ} فلم يجعله يسمع الهدى {وَقَلْبِهِ} فلم يدعه يعقله {وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً} فلم يتركه يراه فمن هذا شأنه أخبروني {فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ} استفهام إنكاري. أي لا يهديه أحد البتة لأنه لا يجاب إلا بلا {أَفَلا تَذَكَّرُونَ} 23 أيها الناس فنلاحظون وتقولون لا هادي إلا اللّه. ولا مضل لمن هداه. ولا هادي لمن أضله.
قال الواحدي: لم يبق للقدرية مع هذه الآية عذرا وحيلة لأن اللّه تعالى صرح بمنعه إياه عن الهوى حتى أخبر بأنه ختم على جوارحه كلها وعطلها عن النظر إلى طريق الهدى. وقيل في هذا المعنى:
إذا طلبتك النفس يوما بشهوة ** وكان إليها للخلاف طريق

فدعها وخالف ما هو يت فإنمّا ** هو اك عدو والخلاف صديق

لأن أصل الشر كله متابعة الهوى وكل الخير في مخالفته. وقيل:
نون الهوان من الهوى مسروقة ** فأسير كل هو ى أسير هو ان

وقال أبو عمرو موسى بن عمر الأشبيلي الزاهد:
فخالف هواها واعصها إن من ** يطع هو ى نفسه ينزع به شر منزع

ومن يطع النفس اللجوجة ترده ** وترم به في أي مصرع

واعلم أن متابعة الهوى مذمومة قبل الإسلام. قال عنترة:
إني امرؤ سمح الخليقة ماجد ** لا أتبع النفس اللجوج هواها

وقال البوصيري:
وخالف النفس والشيطان واعصهما ** وإن هما محضاك النصح فاتهم

ولا تطع منهما خصما ولا حكما ** فأنت تعرف كيد الخصم والحكم

وقال غيره:
هي النفس إن تمهل تلازم خساسة ** وإن تنبعث نحوالفضائل تبتهج

قال ابن عباس: ما ذكر اللّه هو ى إلا ذمه.
وقال وهب: إذا شككت في خير أمرين فانظر أبعدهما من هو اك.
وقال سهل التستري هو اؤك داؤك. فإن خالفته فدواؤك. وجاء في الحديث: «والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على اللّه الأماني». وفي حديث آخر: «ثلاث مهلكات. شح مطاع. وهو ى متبع. وإعجاب المرء بنفسه».
فيجب على النبيه النبيل أن يعرض عن هواه فإنه مفارقه. وإلا فهو نار ثانية عليه يذهب معه إلى جهنم. قال:
جمع الهواء مع الهوى في مهجتي ** فتكاملت في أضلعي ناران

فقصرت بالممدود عن نيل المنى ** ومددت بالمقصور في أكفاني

وهذه نزلت في الحارث بن قيس السهمي. إذ كان لا يهوى شيئا إلا ركبه.
وحكما عام في كل من اتبع هواه. وفيها إعلام عن ذم الهوى واتباع الشهوات ما فيها لمن اتبع ذلك. لأن جواهر الأرواح منها ما هو مشرق علوي نوراني. فلا يميل إلا لما يرضي خالقه مبدعه. ومنها ما هو رذيل سفلي ظلماني فلا يميل إلا لما يعجب نفسه. وإن اللّه تعالى يقابل كلا بما يليق بماهيته وجوهره.
ونظير هذه الآية الآيتان 43- 44 من سورة الفرقان. في ج 1 فراجعهما.
قال تعالى: {وَقالوا} منكروالبعث بعد هذه الآيات البينات على إثباته {ما هِيَ} الحياة {إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا} لا حياة بعدها أبدا {نَمُوتُ} أي يموت آباؤنا {وَنَحْيا} نحن بعدهم ونموت نحن ويحيا أبناؤنا بعدنا. وهكذا أرحام تدفع وأرض تبلع. أونحيا نحن ونموت. لأن العطف بالواو لا يفيد ترتيبا ولا تعقيبا. وعلى هذا قوله تعالى: {يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ} أي رافعك إلى السماء الأن ومتوفيك بعد. راجع الآية 55 من سورة ال عمران ج 3 {وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ} في كره ومره واختلاف جديديه.
واعلم أن الدهر اسم لمدة العالم من مبدإه إلى منتهاه. ويعبر به عن كل مدة طويلة. بخلاف الزمن. فإنه يقع على القليل والكثير.
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم «قال اللّه عز وجل يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر. بيدي الأمر أقلب الليل والنهار».
وفي رواية «يؤذيني ابن آدم. ويقول يا خيبة الدهر. فلا يقولن أحدكم يا خيبة الدهر فإني أنا الدهر أقلب ليله ونهاره. فإذا شئت قبضتهما».
وفي رواية «يسب ابن آدم الدهر وأنا الدهر بيدي الليل والنهار».
وأخرج مسلم «لا يسب أحدكم الدهر فإن اللّه هو الدهر».
وأخرج أبوداود والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم: «يقول اللّه عز وجل استقرضت عبدي فلم يقرضني. وشتمني عبدي وهو لا يدري. يقول وا دهراه. وأنا الدهر».
وأخرج البيهقي: «لا تسبوا الدهر. قال اللّه عز وجل أنا الأيام والليالي أجودها وأبليها وآتي بملوك بعد ملوك».
ومعنى ذلك أن اللّه تعالى هو الاتي بالحوادث. فإذا سببتم الدهر على أنه فاعل وقع السب على اللّه تعالى عز وجل. ولهذا عدّ بعض العلماء سب الدهر من الكبائر. لأنه يؤدي إلى سبه تعالى وتنزه وهو كفر. وما أدّى إليه فأدنى مراتبه أن يكون كبيرة. وقالت الشافعية مكروه لا غير.
وعندنا نحن الحنفية تفصيل. فمن سب الدهر وأراد به الزمان كما هو المتعارف لدى العامة فلا كلام في الكراهة. وإذا أراد رب الزمن وهو اللّه عز وجل ولا أظن أحدا يريد ذلك فلا كلام في الكفر. راجع الآية 139 من سورة الأنعام المارة.
ومن هذا القبيل إذا نسب فعل الأشيئاء إلى الكواكب وغيرها. فإن أراد أنها بنفسها تؤثر يكون كفرا. وإذا قال المؤثر هو اللّه وإنما اقتضت قدرته أن يكون إذا كان كذا كان كذا فلا بأس. وإن أطلق في هاتين المسألتين فمحل تردد لاحتمال الأمرين. والأولى أن يحمل على ما هو الأحسن في مثل هذا.
وكانوا قبل الإسلام يستدون الأهلاك إلى الدهر إنكارا منهم لقبض الأرواح من قبل ملك الموت بإذن اللّه. وكذلك يستدون كافة الحوادث إليه لجهلهم أنها بتقدير اللّه تعالى. وهؤلاء بخلاف الدهرية لأنهم مع اسنادهم الوقائع إلى الدهر لا يقولون بوجوده تعالى. بل يقولون إن الدهر مستقل بالتأثير. أما هؤلاء فيعترفون بوجود اللّه.
قال تعالى: {ولئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقولنَّ} الآية 9 من سورة الزخرف المارة. وهي مكررة كثيرا في القرآن {وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} 24 أي لا علم لهم ولا يقين فيما يقولونه. لأن مصدره الحسبان والميل إلى ما يشتهون من القول من غير موجب. وهذه الآية من أقوى الدلائل على أن القول من غير حجة أوبينة فاسد باطل. وإن متابعة الشك والوهم منكر.
واعلم أن بعض العلماء أنكر قراءة أنا الدهر بضم الراء الوارد في حديث أبي داود المار ذكره بداعي لوكان صحيحا لكان من جملة أسمائه تعالى. ويرويه بفتح الراء ظرفا لأقلب. أي إني أقلب الليل والنهار الدهر. ولكن يردّه رواية مسلم «فإن اللّه هو الدهر» لذلك إن الجمهور على ضم الراء ولا يلزم أن يكون من أسمائه تعالى. لأنه جار على التجوز ولا مانع لأن اللّه تعالى له أسماء كثيرة لا يعلمها غيره وهذه التسعة والتسعون المشهورة هي أسماؤه الحسنى. راجع الآية 8 من سورة طه في ج 1 تعلم أن أسماءه لا تحصى وأن لها مشتقات كثيرة. قال تعالى: {وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتنا بَيِّناتٍ} واضحات لا تحتاج إلى تأويل أوتفسير لأنها ظاهرة {ما كانَ حُجَّتَهُمْ} بعدم قبو لها والأخذ بها {إِلَّا أَنْ قالوا ائْتُوا بِآبائنا} الذي ماتوا قبلنا {إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ} 25 أنت وأصحابك يا محمد بأن ربكم اللّه يحيي بعد الموت. فيا سيد الرسل {قُلِ} لهؤلاء الجهلة {اللَّهُ يُحْيِيكُمْ} من العدم ابتداء من نطفة ضعيفة ميتة {ثُمَّ يُمِيتُكُمْ} عند انقضاء اجالكم من الدنيا {ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ} أنتم ومن قبلكم ومن بعدكم أحياء كما يقتضيه معنى الجمع {إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ} الذي مجيئه حق {لا رَيْبَ فِيهِ} لأنه لابد واقع {ولكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} 26 حقيقة قدرته تعالى وتصرفه في ذلك {وللَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ} بدل من يوم في صدر الآية والعامل بهما {يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ} 27 إذ يصيرون إلى النار.
قال تعالى: {وَتَرى} يا سيد الرسل في ذلك اليوم الرهيب {كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً} على ركبها بين يدي اللّه عز وجل تنتظر القضاء بالعدل من الحاكم العدل وإذ ذاك {كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا} الذي نمقته حفظتها بأعمالها وأقوالها ويقال لها {الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} 28 في الدنيا عن الخير خيرا منه وعن الشر بمثله.
ثم يقول اللّه تعالى: {هذا} الذي أحصاه حفظتنا هو {كِتابُنا} لأنا أمرناهم بتدوينه وهو منطبق على ما كان في علمنا قبلا وهو الأن {يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ} الذي وقع منكم بلا زيادة ولا نقص لأنه موافق للحق الذي هو في لوحنا أزلا. واعلموا أيا الناس {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ} نأمر الملائكة بنسخ وكتابة {ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} 29 في الدنيا مما هو مدون عندنا. لأن الاستنساخ لا يكون إلا عن أصل.
وتدل هاتان الآيتان على أن استحقاق العقوبة لا يكون إلا بعد مجيء الشرع. على أن الواجبات لا تجب إلا بالشرع خلافا للمعتزلة القائلين إن بعض الواجبات تجب بالعقل.
هذا ومما يؤيد التفسير الذي جرينا عليه ما أخرجه ابن جرير عن ابن عباس قال: إن اللّه تعالى خلق النون وهي الدواة. وخلق القلم. فقال اكتب. قال ما أكتب؟ قال ما هو كائن إلى يوم القيامة من عمل معمول بر أو فاجر. ورزق مقسوم حلال أوحرام. ثم ألزم كل شيء بيانه. وذلك دخو له في الدنيا متى. وخروجه منها كيف. ومقامه فيها كم وخروجه منها كيف. ثم جعل على العباد حفظة وعلى الكتاب خزانا. فالحفظة يستنسخون كل يوم من الخزان عمل ذلك اليوم. فإذا فنى الرزق وانقطع الأمر وانقضى الأجل أتت الحفظة الخزنة يطلبون عمل ذلك اليوم. فيقول الخزنة ما نجد لصاحبكم عندنا شيئا. فترجع فيجدونه قد مات.
ثم قال ابن عباس: ألستم قوما عربا تسمعون الحفظة يقولون {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ} وهل يكون الاستنساخ إلا من أصل؟ وفي رواية ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه رضي اللّه عنه أنه سئل عن الآية. فذكر نحوذلك. ثم قال هل يستنسخ الشيء إلا من كتاب؟
وقد روى الاستنساخ من اللوح عنه جماعة {فَأَمَّا الَّذِينَ آمنوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ} و(ذلِكَ) الإدخال {هو الْفَوْزُ} للمؤمنين والظفر العظيم {الْمُبِينُ} 30 الظاهر لهم في الجنة جزاء عملهم.