فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آياتنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أولئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (9)}.
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة توعد الأفاك الأثيم بالويل. والبشارة بالعذاب الأليم.
وقد قدمنا قريبًا أن من صفاته. أنه إذا سمع آيات الله تتلى عليه أصر مستكبرًا كأن لم يسمعها. وذكر في هذه الآية الكريمة أنه إذا علم من آيات الله شيئًا اتخذها هزوًا أي مهزوءًا بها. مستخفًا بها. ثم توعده على ذلك بالعذاب المهين.
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من أن الكفار يتخذون آيات الله هزوًا. وأنهم سيعذبون على ذلك يوم القيامة. قد بينه تعالى في غير هذا الموضع كقوله تعالى في آخر الكهف: {ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُواْ واتخذوا آياتي وَرُسُلِي هُزُوًا} [الكهف: 106] وقوله تعالى في الكهف أيضًا: {وَيُجَادِلُ الذين كَفَرُواْ بالباطل لِيُدْحِضُواْ بِهِ الحق واتخذوا آياتي وَمَا أُنْذِرُواْ هُزُوًا وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بآيات رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاه} [الكهف: 56- 57] الآية.
وقوله تعالى في سورة الجاثية هذه: {وَقِيلَ اليوم نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هذا وَمَأْوَاكُمُ النار وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ ذَلِكُم بِأَنَّكُمُ اتخذتم آيات الله هُزُوًا} [الجاثية: 34- 35] الآية.
وقرأ هذا الحرف عامة القراء السبعة غير حمزة وحفص عن عاصم هزؤًا بضم الزاى بعدها همزة محققة.
وقرأه حفص عن عاصم بضم الزاي وإبدال الهمزة واوًا.
وقرأه حمزة هزءًا بسكون الزاي بعدها همزة محققة في حالة الوصل.
وأما في حالة الوقف. فعن حمزة نقل حركة الهمزة إلى الزاي فتكون الزاي مفتوحة بعدها ألف. وعنه إبدالها واوًا محركة بحركة الهمزة.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة {لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ} أي لأن عذاب الكفار الذين كانوا يستهزءون بآيات الله لا يراد به إلا إهانتهم وخزيهم وشدة إيلامهم بأنواع العذاب.
وليس فيه تطهير ولا تمحيص لهم بخلاف عصاة المسلمين فإنهم وإن عذبوا فسيصيرون إلى الجنة بعد ذلك العذاب.
فليس المقصود بعذابهم مجرد الإهانة بل ليؤلوا بعده إلى الرحمة ودار الكرامة.
قوله تعالى: {مِّن وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ} قد قدمنا الآيات الوضحة له مع الشواهد العربية في سورة إبراهيم في الكلام على قوله تعالى: {واستفتحوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ مِّن وَرَائِهِ} [إبراهيم: 15- 16] الآية. وبينا هناك أن أصح الوجهين أن وراء بمعنى أمام.
فمعنى من ورائه جهنم أي أمامه جهنم يصلاها يوم القيامة كما قال تعالى: {وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} [الكهف: 79] أي أمامهم ملك.
وذكر هناك الشهواهد العربية على إطلاق وراء بمعنى أمام. وبينا أن هذا هو التحقيق في معنى الآية وكذلك آية الجاثية هذ. فقوله تعالى: {مِّن وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ} أي أمامهم جهنم يصلونها يوم القيامة.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة {ولاَ يُغْنِى عَنْهُمْ مَّا كَسَبُواْ شَيْئًا ولا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أوليَاءَ}.
أوضح فيه أن ما كسبه الكفار في دار الدنيا من الأموال والأولاد لا يغنى عنهم شيئًا يوم القيامة أي لا ينفعهم بشئ فلا يجلب لهم بسببه نفع ولا يدفع عنهم بسببه ضر. وإنما اتخذوه من الأولياء في دار الدنيا من دون الله. كالمعبودات التي كانوا يعبدونها. ويزعمون أنها شركاء لله لا ينفعهم يوم القيامة أيضًا بشئ.
وهاتان المسألتان اللتان تضمنتهما هذه الآية الكريمة. قد أوضحهما الله في آيات كثرة من كتابه.
أما الأولى منها: وهى كونهم لا يغنى عنهم ما كسبوا شيئًا فقد أوضحها في آيات كثيرة كقوله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أغنى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} [المسد: 1- 2] وقوله تعالى: {وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تردى} [الليل: 11] وقوله تعالى: {الذى جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ كَلاَّ لَيُنبَذَنَّ فِي الحطمة} [الهمزة: 2- 4] الآية.
وقوله تعالى: {قَدْ قالهَا الذين مِن قَبْلِهِمْ فَمَا أغنى عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} [الزمر- 50] وقوله تعالى: {ياليتها كَانَتِ القاضية مَا أغنى عَنِّي مَالِيَهْ} [الحاقة: 27- 28] الآية.
وقوله تعالى: {قالواْ مَا أغنى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ} [الأعراف: 48].
وقوله تعالى: عن إبراهيم: {ولاَ تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ ولا بَنُونَ} [الشعراء: 87- 88] وقوله تعالى: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ ولا أولاَدُكُمْ بالتي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زلفى} [سبأ: 37] الآية.
وقوله تعالى: {إِنَّ الذين كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ ولا أولاَدُهُم مِّنَ الله شَيْئًا وأولئك هُمْ وَقُودُ النار} [ال عمران: 10]. قوله تعالى: {إِنَّ الذين كَفَرُواْ لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ ولا أولاَدُهُمْ مِّنَ الله شَيْئًا وأولئك أَصْحَابُ النار هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [ال عمران: 116].
وقوله تعالى في المجادلة {اتخذوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ لَّن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ ولا أولاَدُهُمْ مِّنَ الله شَيْئًا} [المجادلة: 16- 17] الآية.
والآيات بمثل هذا كثيرة جدًّا. وقد قدمنا كثيرًا منها في مواضع متعددة من هذا الكتاب المبارك.
وأما الثانية منهما. وهى كونهم لا تنفعهم المعبودات. التي اتخذوها أولياء من دون الله. فقد أوضحها تعالى في آيات كثيرة. كقوله تعالى في هو د: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ ولكن ظلموا أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ الِهَتُهُمُ التي يَدْعُونَ مِن دُونِ الله مِن شَيْءٍ لَّمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ} [هود: 101].
وقوله تعالى: {فَلولا نَصَرَهُمُ الذين اتخذوا مِن دُونِ الله قُرْبَانًا الِهَةَ بَلْ ضَلُّواْ عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} [الأحقاف: 28].
وقوله تعالى: {وَقِيلَ ادعوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ وَرَأَوُاْ العذاب لَوأَنَّهُمْ كَانُواْ يَهْتَدُونَ} [القصص: 64]: وقوله تعالى: {وَيَوْمَ يَقول نَادُواْ شُرَكَائِيَ الذين زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقًا} [الكهف: 52] وقوله تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُومِن دُونِ الله مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إلى يَوْمِ القيامة وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ الناس كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَاءً} [الأحقاف: 5- 6] الآية وقوله تعالى: {ذَلِكُمُ الله رَبُّكُمْ لَهُ الملك والذين تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ إِن تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُواْ دُعَاءَكُمْ ولوسَمِعُواْ مَا استجابوا لَكُمْ وَيَوْمَ القيامة يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ ولا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر: 13- 14].
وقوله تعالى: {واتخذوا مِن دُونِ الله الِهَةً لِّيَكُونُواْ لَهُمْ عِزًّا كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا} [81- 82]. وقوله تعالى: {وَقال إِنَّمَا اتخذتم مِّن دُونِ الله أَوْثَانًا مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الحياة الدنيا ثُمَّ يَوْمَ القيامة يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النار وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ} [العنكبوت: 25]. وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة {ولاَ مَا اتَّخَذُواْ مِن دُونِ اللَّهِ أوليَاءَ}. الأولياء جمع وليى.
والمراد بالأولياء هنا. المعبودات التي يوالونها بالعبادة من دون الله. {وما} في قوله: {وما كسبوا}؟ {ومَا اتَّخَذُواْ} موصولة وهى في محل رفع في الموضعين. لأن {ما} الأولى فاعل {يغني}؟ {وما} الثانية معطوفة عليها وزيادة لا. قبل المعطوف على منفي معروفة.
وقوله: {ولاَ يُغْنِى} أي لا ينفع. والظاهر أن أصله من الغناء بالفتح والمد وهو النفع.
ومنه قول الشاعر:
وقل غناء عنك مال جمعته ** إذا صار ميراثًا وواراك لاحد

فقوله: قل غناء أي قل نفعًا. وقول الآخر:
قل الغناء إذا لاقى الفتى تلفا ** قول الأحبة لا تبعد وقد بعدا

فقوله: الغناء أي النفع.
والبيت من شواهد إعمال المصدر المعرف بالألف واللام. لأن قوله: قول الأحبة. فاعل قوله الغناء. وأما الغناء بالكسر والمد فهو الألحان المطربة.
وأما الغنى بالكسر والقصر فهو ضد الفقر.
وأما الغنى بالفتح والقصر فهو الإقامة. من قولهم غنى بالمكان بكسر النون يغنى بفتحها غنى بفتحتين إذا أقام به.
ومنه قوله تعالى: {كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ} [يونس: 24] وقوله تعالى: {كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا} [الأعراف: 92] كأنهم لم يقيموا فيها.
وأما الغنى بالضم والقصر فهو جمع غنية وهى ما يستغنى به الإنسان.
وأما الغناء بالمد والضم فلا أعلمه في العربية.
وهذه اللغات التي ذكرنا في مادة غنى كنت تلقيتها في أول شبابى في درس من دروس الفقه لقننيها شيخى الكبير أحمد الأفرم بن محمد المختار الجكنى. وذكر لي بيتى رجز في ذلك لبعض أفاضل علماء القطر وهما قوله:
وضد فقر كإلى وكسحاب ** النفع والمطرب أيضًا ككتاب

وكفتى إقامة وكهنا ** جمع لغنية لما به الغنى

{هَذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بآيات رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (11)}.
الإشارة في قوله: {هذا هُدًى} راجعة للقرأن العظيم المعبر عنه بآيات الله في قوله: {تِلْكَ آيات الله} [البقرة: 252].
وقوله: {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ الله وآياته} [الجاثية: 6] الآية.
وقوله: {يَسْمَعُ آيات الله تتلى عَلَيْهِ} [الجاثية: 8] وقوله: {وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آياتنَا شَيْئًا} [الجاثية: 9].
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من أن هذا القرآن هدى. وأن من كفر بآياته له العذاب الأليم. جاء موضحًا في غير هذا الموضع.
أما كون القرآن هدى. فقد ذكره تعالى. في آيات كثيرة كقوله تعالى: {ولقد جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ على عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 52].
وقوله: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكتاب تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وبشرى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل: 89] وقوله تعالى: {إِنَّ هذا القرآن يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9] وقوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الذي أُنْزِلَ فِيهِ القرآن هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الهدى والفرقان} [البقرة: 185] وقوله: {الم ذَلِكَ الكتاب لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 1- 2] وقوله تعالى: {قُلْ هو للَّذِينَ آمنوا هُدًى وَشِفَاءٌ} [فصلت: 44]. والآيات بمثل ذلك كثيرة معلومة.
وأما كون من كفر بالقرآن يحل له بسبب ذلك العذاب الأليم. فقد جاء موضحًا في آيات كثيرة كقوله تعالى: {وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأحزاب فالنار مَوْعِدُهُ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ} [هود: 17] الآية: وقوله تعالى: {وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْرًا مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ القيامة وِزْرًا خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ القيامة حِمْلًا} [طه: 99- 101] وقوله تعالى: {ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُواْ واتخذوا آياتي وَرُسُلِي هُزُوًا} [الكهف: 106] والآيات بمثل هذا كثيرة معلومة.
وقد قدمنا في سورة فصلت في الكلام على قوله تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} [فصلت: 17] الآية. وغير ذلك من المواضع. أن الهدى يطلق في القرآن إطلاقًا عامًا. بمعنى أن الهدى هو البيان والإرشاد وإيضاح الحق. كقوله: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} أي بينا لهم الحق وأوضحناه وأرشدناهم إليه وإن لم يتبعوه. وكقوله: {هُدًى لِّلنَّاسِ} [البقرة: 185] وقوله هنا {هذا هُدًى} وأنه يطلق أيضًا في القرآن بمعناه الخاص وهو التفضل بالتوفيق الى طريق الحق والاصطفاء كقوله: {هُدًى لِّلْمُتَّقِين} [البقرة: 2] وقوله: {قُلْ هو للَّذِينَ آمنوا هُدًى وَشِفَاءٌ} [فصلت: 44] وقوله: {والذين اهتدوا زَادَهُمْ هُدًى} [محمد: 17] وقوله: {أولئك الذين هَدَى الله فَبِهُدَاهُمُ اقتده} [الأنعام: 90] إلى غير ذلك من الآيات.
وقد أوضحنا في سورة فصلت أن معرفة إطلاق الهدى المذكورين. يزو ل بها الإشكال الواقع في آيات من كتاب الله.
والهدى مصدر هداه على غير قياس. وهو هنا من جنس النعت بالمصدر. وبينا فيما مضى مرارًا أن تنزيل المصدر منزلة الوصف إما على حذف مضاف. وإما على المبالغة.
وعلى الأول فالمعنى هذا القرآن ذوهدى أي يحصل بسببه الهدى لمن اتبعه كقوله: {إِنَّ هذا القرآن يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9].
وعلى الثانى فالمعنى أن المراد المبالغة في اتصاف القرآن بالهدى حتى أطلق عليه أنه هو نفس الهدى.
وقوله في هذه الآية الكريمة. لهم عذاب من رجز أليم. أصح القولين فيه أن المراد بالرجز العذاب. ولا تكرار في الآية لأن العذاب أنواع متفاوتة والمعنى لهم عذاب. من جنس العذاب الأليم. والأليم معناه المؤلم. أي الموصوف بشدة الألم وفظاعته.
والتحقيق إن شاء الله: أن العرب تطلق الفعيل وصفًا بمعنى المفعل. فما يذكر عن الأصمعى من أنه أنكر ذلك إن صح عنه فهو غلط منه. لأن إطلاق الفعيل بمعنى المفعل معروف في القرآن العظيم وفى كلام العرب. ومن إطلاقه في القرآن العظيم قوله تعالى: {بَدِيعُ السماوات والأرض} [البقرة: 117] أي مبدعهما وقوله تعالى: {إِنْ هو الاَّ نَذِيرٌ لَّكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} [سبأ 46] الآية. أي منذر لكم. ونظير ذلك من كلام العرب قول عمرو بن معد يكرب:
أمن ريحانة الداعى السميع ** يؤرقني وأصحابي هجوع

فقوله الداعي السميع يعني الداعي المسمع.
وقوله أيضًا:
وخيل قد دلفت لها بخيل ** تحية بينهم ضرب وجيع

أي موجع. وقول غيران بن عقبة:
ويرفع من صدور شمردلات ** يصك وجوهها وهد أليم

أي مؤلم. وقرأ هذا الحرف عامة السبعة غير ابن كثير وحفص عن عاصم من رجز أليم بخفض أليم على أنه نعت لرجز.
وقرأه ابن كثير وحفص عن عاصم بن رجز أليم. برفع أليم على أنه نعت لعذاب. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف الإمام القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
سورة الجاثية:
قوله جل ذكره: {بسم الله الرحمن الرحيم}.
{بسم الله} باسم ملك لا يستظهر بجيشه. أحد لا يستمسك بعيشه. جبار ارتدى بكبريائه. قهار اتصف بعز سنائه.
{بسم الله} باسم كريم صمد. لا يستغرق وجوده أمد. أبدى عظيم أحد. لا يوجد من دونه مفر ولا ملتحد.
قوله جلّ ذكره: {حم تَنزِيلُ الكِتَابِ مِنَ اللَّهِ العَزِيزِ الْحَكِيمِ}.
{الْعِزِيزِ}: في جلاله. {الْحَكِيمِ}: في أفعاله.
{العْزِيزِ}: في ازاله. {الْحِكِيمِ}: في لطفه بالعبد بوصف إقباله.
قوله جل ذكره: {إِنَّ في السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لآيات لِّلْمُؤْمِنِينَ}.