فصل: قال أبو السعود في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والغرض من هذا التعريض الإيماء بالموصول إلى وجه أمر المؤمنين أن يغفِروا للمشركين ويصفحوا عن أذى المشركين ولا يتكلفوا الأنتصار لأنفسهم لأن الله ضمن لهم النصر.
وقد يطلق {أيام الله} في القرآن على الأيام التي حصل فيها فضله ونعمته على قوم. وهو أحد تفسيرين لقوله تعالى: {وذَكِّرهم بأيام الله} [إبراهيم: 5].
ومعنى {لا يرجون أيام الله} على هذا التأويل أنهم في شغل عن ترقب نعم الله بما هم فيه من إسناد فعل الخير إلى أصنامهم بانكبابهم على عبادة الأصنام دون عبادة الله ويأتي في هذا الوجه من التعريض والتحريض مثل ما ذكر في الوجه الأول لأن المؤمنين هم الذين يرجون نعمة الله.
وفسر به قوله تعالى: {وقال الذين لا يرجون لقاءنا} [الفرقان: 21] وقوله: {ما لكم لا تَرْجَون لله وقارًا} [نوح: 13]. فيكون المراد بـ {أيام الله}: أيام جزائه في الآخرة لأنها أيام ظهور حكمه وعزته فهي تقارب الأيام بالمعنى الأول. ومنه قوله تعالى: {ذلك اليوم الحقّ} [النبأ: 39]. أي ذلك يوم النصر الذي يحق أن يطلق عليه (يوم) فيكون معنى هذه الآية: أنهم لا يخافون تمكن الله من عقابهم لأنهم لا يؤمنون بالبعث.
ومعنى الآية أن المؤمنين أمروا بالعفوعن أذى المشركين وقد تكرر ذلك في القرآن قال تعالى: {ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرًا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور} [ال عمران: 186].
وفي (صحيح البخاري) عن أسامة بن زيد في هذه الآية: وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب كما أمرهم الله ويصبرون على الأذى.
وقوله: {ليجزي قومًا بما كانوا يكسبون} تعليل للأمر المستفاد من قوله: {يغفروا} أي ليغفروا ويصفحوا عن أذى المشركين فلا ينتصروا لأنفسهم ليجزيهم الله على إيمانهم وعلى ما أوذوا في سبيله فإن الأنتصار للنفس توفية للحق وماذا عساهم يبلغون من شفاء أنفسهم بالتصدّي للأنتقام من المشركين على قلتهم وكثرة أولئك فإذا توكلوا على نصر ربّهم كان نصره لهم أتم وأخضد لشوكة المشركين كما قال نوح {إني مغلوب فانتصر} [القمر: 10].
وهذا من معنى قوله تعالى: {وإن الساعة لاتية فاصفح الصفح الجميل} [الحجر: 85].
وكان مقتضى الظاهر أن يقال ليجزيهم بما كانوا يكسبون. فعدل إلى الإظهار في مقام الإضمار ليكون لفظُ {قومًا} مشعرًا بأنهم ليسوا بمضيعة عند الله فإن لفظ (قوم) مشعر بفريق له قِوامه وعزته {ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا} [محمد: 11].
وتنكير {قومًا} للتعظيم. فكأنه قيل: ليجزي أيما قوم. أي قومًا مخصوصين.
وهذا مدح لهم وثناء عليهم.
ونحْوُه ما ذكر الطيبي عن ابن جنِّي عن أبي علي الفارسي في قول الشاعر:
أفات بنومروان ظلمًا دماءنا ** وفي الله إن لم يعدلوا حكم عدل

قال أبو علي: هو تعالى أعرف المعارف وسماه الشاعر: حكمًا عدلًا وأخرج اللفظ مخرج التنكير. ألا ترى كيف ال الكلام من لفظ التنكير إلى معنى التعريف. اهـ.
قيل: والأظهر أن {قومًا} مراد به الإبهام وتنوينه للتنكير فقط.
والمعنى: ليجزي الله كل قوم بما كانوا يكسبون من خير أوشر بما يناسب كسبهم فيكون وعيدًا للمشركين المعتدين على المؤمنين ووعدًا للمؤمنين المأمورين بالصفح والتجاوز عن أذى المشركين. وهذا وجه عدم تعليق الجزاء بضمير الموقنين لأنه أريد العموم فليس ثمة إظهار في مقام الإضمار ويؤيد هذا قوله: {من عمل صالحًا فلنفسه ومن أساء فعليها} [فصلت: 46].
وهذا كالتفصيل للإجمال الذي في قوله: {ليجزي قومًا بما كانوا يكسبون}.
ولذلك فصلت الجملة ولم تعطف على سابقتها. وتقدم نظيره في سورة فصّلت.
وقرأ الجمهور {ليجزي قومًا} بتحتية في أوله. والضمير المستتر عائد إلى اسم الجلالة في قوله: {يَرْجُونَ أَيَّامَ}.
وقرأه ابن عامر وحمزة والكسائي وخلف بنون العظمة في أوله على الالتفات.
وقرأه أبو جعفر بتحتية في أوله مضمومة وبفتح الزاي على البناء للمجهول ونَصبَ {قومًا}.
وتأويلها أن نائب الفاعل مصدر مأخوذ من فعل (يُجْزي).
والتقدير: ليجزَى الجزاءُ.
{وقومًا} مفعول ثان لفعل (يجزى) من باب كسا وأعطى.
وليس هذا من إنابة المصدر الذي هو مفعول مطلق وقد منعه نحاة البصرة بل جعل المصدر مفعولا أول من باب أعطى وهو في المعنى مفعول ثان لفعل جزى. وإنابة المفعول الثاني في باب كسا وأعطى متفق على جوازه وإن كان الغالب إنابة المفعول الأول كقوله تعالى: {ثم يُجزاه الجزاءَ الأوفى} [النجم: 41].
وقوله: {ثم إلى ربّكم ترجعون} أي بعد الأعمال في الدنيا تصيرون إلى حكم الله تعالى فيجازيكم على أعمالكم الصالحة والسيئة بما يناسب أعمالكم.
وأطلق على المصير إلى حكم الله أنه رجُوع إلى الله على طريقة التمثيل بحال من كان بعيدًا عن سيده أوأميره فعمل ما شاء ثم رجع إلى سيده أوأميره فإنه يلاقي جزاء ما عمله. وقد تقدمت نظائره. اهـ.

.قال أبو السعود في الآيات السابقة:

{حم} الكلامُ فيه كما مرَّ في فاتحةِ سورةِ المؤمنِ فإنْ جُعلَ اسمًا للسورةِ. فمحلُّه الرفعُ على أنَّه خبرٌ لمبتدأٍ محذوفٍ أي هذا مُسمَّى بحم. والإشارةُ إلى السورةِ قبل جريانِ ذكرِها قد وقفتَ على سرِّه مرارًا. وإنْ جُعلَ مسرودًا على نمطِ التعديدِ فلا حظَّ له من الإعرابِ.
وقوله تعالى: {تَنزِيلُ الكتاب} على الأول خبرٌ بعدَ خبرٍ. على أنَّه مصدرٌ أطلقَ على المفعول مبالغةً. وعلى الثانِي خبرٌ لمبتدأٍ مضمرٍ يلوحُ به ما قبلَهُ أي المؤلفُ من جنسِ ما ذُكِرَ تنزيلُ الكتابِ وقيلَ: هو خبرٌ لحم أي المُسمَّى به تنزيلُ الخ وقد مرَّ مرارًا أنَّ الذي يُجعلُ عُنوانًا للموضوعِ حقَّه أنْ يكونَ قبلَ ذلكَ معلومَ الأنتسابِ إليه. وإذ لا عهدَ بالتسميةِ بعدُ فحقُّها الإخبارُ بَها. وأما جعلُه خبرًا له بتقديرِ المضافِ وإبقاءِ التنزيلِ على أصلِه أي تنزيلُ حم تنزيلُ الكتابِ فمعَ عرائهِ عن إفادةِ فائدةٍ يُعتدُّ بها تمحلٌ على تمحلٍ.
وقوله تعالى: {مِنَ الله العزيز الحكيم} كما مرَّ في صدرِ سورةِ الزمرُ على التفصيلِ. وقيلَ: حم مقسمٌ به. وتنزيلُ الكتابِ صفتُه. وجوابُ القسمِ قوله تعالى: {إِنَّ في السموات والأرض لآيات لِّلْمُؤْمِنِينَ} وهو على الوجوهِ المتقدمةِ كلامٌ مسأنفٌ مسوقٌ للتنبيهِ على الآيات التكوينيةِ الافاقيةِ والأنفسيةِ. ومحلُّ الآيات إمَّا نفسُ السمواتِ والأرضِ فإنَّهما منطويتانِ من فنونِ الآيات على ما يقصرُ عنه البيانُ وإما خلقُهما كما في قوله تعالى: {إِنَّ في خَلْقِ السموات والأرض} وهو الأوفقُ بقوله تعالى: {وَفِى خَلْقِكُمْ} أي من نطفةٍ ثم من علقةٍ متقلبةٍ في أطوارٍ مختلفةٍ إلى تمامِ الخلقِ {وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ} عطفٌ على المضافِ دونَ المضافِ إليه أي وفيمَا ينشرُه ويفرّقُه من دابةٍ.
{ءايات} بالرفعِ على أنَّه مبتدأٌ خبرُهُ الظرفُ المقدمُ. والجملةُ معطوفةُ على ما قبلَها من الجملةِ المصدرةِ بإنَّ وقيلَ: آيات عطفٌ على ما قبلَها من آيات باعتبارِ المحلِّ عندَ من يُجوِّزُه وقُرِيَء آية بالتوحيدِ. وقرئ {آيات} بالنصب عطفًا على ما قبلها من اسم إنَّ والخبر هو الخبر كأنه قيل: وإن في خلقكم ما يبث من دابة آيات {لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} أي من شأنِهم أنْ يُوقنوا بالأشيئاءِ على ما هيَ عليهِ.
{واختلاف الليل والنهار} بالجرِّ على إضمارِ الجارِّ المذكورِ في الآيتين قبلَهُ. وقد قرئ بذكرِه. والمرادُ باختلافِهما إمَّا تعاقُبهما أوتفاوتُهما طو لا وقِصَرًا.
{وَمَا أَنزَلَ الله مِنَ السماء} عطفٌ على اختلافِ {مِن رّزْقِ} أي من مطرٍ. وهو سببُ للرزقِ عُبرَ عنهُ بذلكَ تنبيهًا على كونِه آية من جِهتَيْ القُدرةِ والرحمةِ.
{فَأحْيَا بِهِ الأرض} بأنْ أخرجَ منها أصنافَ الزروعِ والثمراتِ والنباتِ.
{بَعْدَ مَوْتِهَا} وعرائها عن اثارِ الحياةِ وانتقاءِ قوةِ التنميةِ عنها وخُلوأشجارِها عن الثمارِ.
{وَتَصْرِيفِ الرياح} من جهةٍ إلى أُخرى. ومن حالٍ إلى حالٍ. وقرئ بتوحيدِ الريحِ. وتأخيرُه عن إنزالِ المطرِ مع تقدمِه عليهِ في الوجودِ. إمَّا للإيذانِ بأنه آية مستقلةٌ حيثُ لورُوعيَ الترتيبُ الوجوديُّ لربما تُوهم أنَّ مجموعَ تصريفِ الرياحِ وإنزالِ المطرِ آية واحدةٌ. وإمَّا لأن كونَ التصريفِ آية ليسَ لمجردِ كونِه مبدًا لأنشاءِ المطرِ بل لهُ ولسائرِ المنافعِ التي من جُملتها سوقُ السفنِ في البحارِ.
{ءَايَاتٌ لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} بالرفعِ على أنَّه مبتدأٌ خبرُهُ ما تقدمَ من الجارِّ والمجرورِ. والجملةُ معطوفةٌ على ما قبلَها. وقرئ بالنصبِ على الاختصاصِ. وقيلَ: على أنَّها اسمُ أنَّ والمجرورُ المتقدمُ خبرُها بطريقِ العطفِ على معمولي عاملينِ مختلفينِ هُمَا أنَّ وفي أقيمتِ الواو مقامهما فعملتِ الجرَّ في اختلافِ والنصبَ في آيات. وتنكيرُ آيات في المواقعِ الثلاثةِ للتفخيمِ كمًا وكيفًا واختلافُ الفواصلِ لاختلافِ مراتبِ الآيات في الدقةِ والجلاءِ.
{تِلْكَ آيات الله} مبتدأٌ وخبرٌ.
وقوله تعالى: {نَتْلُوهَا عَلَيْكَ} حالٌ عاملُها معنى الإشارةِ وقيلَ: هو الخبرُ وآيات الله بدلٌ أو عطفُ بيانٍ {بالحق} حالٌ من فاعلِ نتلُو ومن مفعوله أي نتلُوها مُحِقينَ أو ملتبسةً بالحقِّ {فَبِأَيّ حَدِيثٍ} من الأحاديثِ {بَعْدَ الله وءاياته} أي بعد آيات الله. وتقديمُ الاسمِ الجليلِ لتعظيمِها. كَما في قولهم: أعجبنِي زيدٌ وكرمُه. أوبعدَ حديثِ الله الذي هو القرآن حسبما نطقَ به قوله تعالى: {الله نَزَّلَ أَحْسَنَ الحديث} وهو المرادُ بآياته أيضًا ومناطُ العطفِ التغايرُ العُنوانِي.
{يُؤْمِنُونَ} بصيغةِ الغَيبةِ وقرئ بالتاءِ.
{وَيْلٌ لّكُلّ أَفَّاكٍ} كذابٍ {أَثِيمٍ} كثيرِ الاثامِ.
{يَسْمَعُ ءايات الله} صفةٌ أخرى لأفَّاكٍ وقيلَ: حالٌ من الضميرِ في أثيمٍ.
{تتلى عَلَيْهِ} حالٌ من آيات الله ولا مساغَ لجعلِه مفعولا ثانيًا ليسمعُ. لأن شرطَهُ أنْ يكونَ ما بعَدهُ ممَّا لا يُسمعُ كقولكَ سمعتُ زيدًا يقرأ.
{ثُمَّ يُصِرُّ} أي يقيمُ على كُفره. وأصلُه من إصرارِ الحمارِ على العانة.
{مُسْتَكْبِرًا} عن الإيمانِ بما سمعهُ من آيات الله تعالى والإذعانِ لما تنطقُ بهِ من الحقِّ مُزدريًا لها مُعجَبًا بما عندَهُ من الأباطيلِ. وقيلَ: نزلتْ في النَّضرِ بنِ الحارثِ وكان يشترِي من أحاديثِ الأعاجمِ ويشغلُ بها النَّاسَ عن استماعِ القرآن. لكنَّها وردتْ بعبارةٍ عامةٍ ناعية عليهِ وعلى كلِّ من يسيرُ سيرتَهُ ما هم فيه من الشرِّ والفسادِ. وكلمةُ ثمَّ لاستبعادِ الإصرارِ والاستكبارِ بعد سماعِ الآيات التي حقُّها أنْ تُذعنَ لها القلوبُ وتخضعَ لها الرقابُ كَما في قول مَنْ قال:
يَرَى غَمَراتِ الموتِ ثمَّ يزورُهَا

{كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا} أي كأنَّه لم يسمعْهَا فخففَ وحُذفَ ضميرَ الشأنِ. والجملةُ حالٌ من يُصرُّ أي يصرُّ شبيهًا بغيرِ السامعِ.
{فَبَشّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} على إصرارِه واستكبارِه.
{وَإِذَا عَلِمَ مِنْ ءاياتنا شَيْئًا} أي إذا بلغَهُ من آياتنا شيءٌ وعلم أنَّه من آياتنا لا أنه علمهُ كما هو عليهِ فإنَّه بمعزلٍ عن ذلك العلمِ. وقيلَ: إذا علم منها شيئًا يمكنُ أنْ يتشبثَ به المعاندُ ويجدَ له محملًا فاسدًا يتوصلُ به إلى الطعنِ والغميزةِ {اتخذها} أي الآيات كلَّها {هُزُوًا} أي مَهْزُوءًا بَها لا ما سمَعهُ فقطْ. وقيلَ: الضميرُ للشيءِ. والتأنيثُ لأنه في معنى الآية.
{أولئك} إشارةٌ إلى كلِّ أفاكٍ من حيثُ الاتصافُ بما ذُكرَ من القبائِحِ. والجمعُ باعتبارِ الشمو ل للكلِّ كما في قوله تعالى: {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} كما أنَّ الإفرادَ فيما سبقَ من الضمائرِ باعتبارِ كلِّ واحدٍ واحدٍ.
{لَهُمْ} بسببِ جناياتِهم المذكورةِ {عَذَابٌ مُّهِينٌ} وصفٌ العذابِ بالإهانةِ توفيةً لحقِّ استكبارِهم واستهزائِهم بآيات الله سبحانه وتعالى.
{مّن وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ} أي من قُدامِهم لأنهم متوجهونَ إلى ما أُعدَّ لهُم. أو من خلفِهم لأنهم معرضونَ عن ذلكَ مقبلونَ على الدُّنيا فإن الوراءَ اسمٌ للجهةِ التي يُواريها الشخصُ من خلفٍ وقُدامٍ.
{ولاَ يُغْنِى عَنْهُم} ولا يدفعُ {مَّا كَسَبُواْ} من الأموالِ والأولادِ {شَيْئًا} من عذابِ الله تعالى أوشيئًا من الإغناءِ {ولاَ مَا اتخذوا مِن دُونِ الله أوليَاء} أي الأصنامَ. وتوسيطُ حرفِ النفي بينِ المعطوفينِ مع أنَّ عدمَ إغناءِ الأصنامِ أظهرُ وأجلى من عدمِ إغناءِ الأموالِ والأولادِ قطعًا مبنيٌّ على زعمِهم الفاسدِ حيثُ كانُوا يطمعونَ في شفاعتِهم وفيه تهكمٌ.
{ولهُمْ} فيما وراءَهُم من جهنمَ {عَذَابٌ عظِيمٌ} لا يُقادرُ قدرُه.
{هذا} أي القرآن {هُدًى} في غايةِ الكمالِ من الهدايةِ كأنَّه نفسُها {والذين كَفَرُواْ} أي بالقرآن وإنما وضعَ موضعَ ضميرِه في قوله تعالى: {بآيات رَبّهِمْ} لزيادةِ تشنيعِ كفرِهم به وتفظيعِ حالِهم {لَهُمْ عَذَابٌ مّن رّجْزٍ} أي من أشدِّ العذابِ {أَلِيمٌ} بالرفعِ صفةُ {عذابٌ} وقرئ بالجرِّ على أنَّه صفة رجزٍ. وتنوينُ {عذابٌ} في المواقعِ الثلاثةِ للتفخيمِ. ورفعُه إما على الابتداء وإما على الفاعلية.
{الله الذي سَخَّرَ لَكُمُ البحر} بأنْ جعلَه أملسَ السطحِ يطفُو عليهِ ما يتخللُ كالأخشابٍ ولا يمنعُ الغوضَ والخرقَ لمَيَعانه.
{لِتَجْرِيَ الفلك فِيهِ بِأَمْرِهِ} وأنتم راكبوها {ولتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ} بالتجارةِ والغوصِ والصيدِ وغيرِها {ولعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} ولكيْ تشكرُوا النعَم المترتبةَ على ذلكَ {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا في السموات وَمَا في والأرض} من الموجوداتِ بأنْ جعلَها مدارًا لمنافعِكم {جَمِيعًا} إما حالٌ مِنْ ما في السمواتِ والأرضِ. أوتوكيدٌ له {مِنْهُ} متعلقٌ بمحذوفٍ هو صفة لجميعًا أو حال منْ مَا. أيْ جميعًا كائنًا منْهُ تعالى. أوسخَّر لكُم هذهِ الأشيئاءَ كائنةً منه مخلوقةً له تعالى أو خبر لمحذوفٍ أيْ هي جميعًا منْهُ تعالى. وقرئ منه عَلى المفعول لَهُ ومنه على أنه فاعلُ {سخَّر} على الإسنادِ المجازيِّ أو خبر مبتدأٍ محذوفٍ أي ذلكَ منْهُ {إِنَّ في ذَلِكَ} أي فيما ذُكِرَ من الأمورِ العظامِ {لآيات} عظيمةَ الشأنِ كثيرةَ العددِ {لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} في بدائعِ صُنْعِ الله تعالى فإنَّهم يقفونَ بذلكَ على جلائلِ نعمهِ تعالى ودقائِقها ويوفقونَ لشكرِها.
{قُل لّلَّذِينَ ءآمنوا} حُذفَ المقول لدلالةِ {يَغْفِرُواْ} عليهِ فإنَّه جوابٌ للأمرِ باعتبارِ تعلقهِ به لا باعتبارِ نفسِه فقطْ أي قُلْ لهم اغفِروا يغفروا.
{لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ الله} أي يعفُوا ويصفحوا عنِ الذينَ لا يتوقعونَ وقائعَهُ تعالى بأعدائِه من قولهم أيامُ العربِ لوقائِعها. وقيلَ: لا يأملون الأوقاتَ التي وقَّتها الله تعالى لثوابِ المؤمنينَ ووعدهم الفوزَ فيها. قيلَ: نزلتْ قبلَ آية القتالِ ثمَّ نُسختْ بها. وقيلَ: نزلتْ في عمرَ رضيَ الله عنه حينَ شتمَهُ غفاريٌّ فهَّم أنْ يبطشَ بهِ. وقيلَ: حينَ قال ابنُ أُبيِّ ما قال. وذلكَ أنَّهم نزلُوا في غزوةِ بني المصطلِقِ على بئرٍ يقال لها المرُ يْسِيْعُ فأرسلَ ابنُ أُبيَ غلامَهُ يستَقي فأبطأَ عليهِ فلمَّا أتاهُ قال له: ما حبسكَ؟ قال: غلامُ عمرَ قعدَ على طرفِ البئرِ فما تركَ أحدًا يستَقي حتى ملأَ قُرَبَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وقُرَبَ أبي بكرٍ. فقال ابنُ أُبيَ: ما مثلُنا ومثلُ هؤلاءِ إلا كَما قيلَ: سمِّنْ كلْبكَ يأكلْكَ فبلغَ ذلكَ عمرَ رضيَ الله عنه فاشتملَ سيفَهُ يريدُ التوجَه إليهِ فأنزلَها الله تعالى.
{لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} تعليلٌ للأمرِ بالمغفرةِ. والمرادُ بالقومِ المؤمنونَ والتنكيرِ لمدحِهم والثناءِ عليهم. أي أُمروا بذلكَ ليجزيَ يومَ القيامةِ قومًا أيَّما قومٍ قومًا مخصوصينَ بما كسبوا في الدُّنيا من الأعمالِ الحسنةِ التي من جُملتها الصبرُ على أذيةِ الكفارِ والإغضاءُ عنهم بكظمِ الغيظِ واحتمالِ المكروهِ ما يقصرُ عنه البيانُ من الثوابِ العظيمِ. هذا وقد جُوِّزَ أنْ يرادَ بالقومِ الكفرةُ وبما كانُوا يكسبونَ سيئاتُهم التي من جُملتها ما حُكِيَ من الكلمةِ الخبيثةِ. والتنكيرُ للتحقيرِ. وفيهِ أنَّ مطلقَ الجزاءِ لا يصلحُ تعليلًا للأمرِ بالمغفرةِ لتحققِه على تقديريْ المغفرةِ وعدمِها فلابد من تخصيصِه بالكلِّ بأنْ لا يتحققَ بعضٌ منه في الدُّنيا أوبما يصدرُ عنه تعالى بالذاتِ وفي ذلكَ من التكلفِ ما لا يخفِى وأنْ يرادَ كلا الفريقينِ وهو أكثرُ تكلفًا وأشدُّ تمحلًا. وقرئ {ليُجْزَى قومٌ} و{ليُجْزَى قومًا} أي ليُجْزَى الجزاءُ قومًا. وقرئ {لنَجْزِي} بنونِ العظمةِ.