فصل: تفسير الآيات (16- 20):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآيات (16- 20):

قوله تعالى: {ولقد آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (16) وَآتيناهم بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (17) ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا ولا تَتَّبِعْ أَهواءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أوليَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وليُّ الْمُتَّقِينَ (19) هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (20)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما علم بهذه الحكم ما افتتحت به السورة من أن منزل هذا الكتاب عزيز حكيم. فكان التقدير فذلكة لذلك: لفقد آتيناك الكتاب والحكم والنبوة وفضلناك وأمتك على العالمين وأرسلناك لتنبه الناس على ما أمامهم وكان قومه بعد ائتلافهم على الضلال قد اختلفوا بهذا الكتاب الذي كان ينبغي لهم أن يشتد اجماعهم به واستنصارهم من أجله. عطف عليه مسليًا قوله: {ولقد آتينا} أي على ما لنا من العظمة والقدرة الباهرة {بني إسرائيل} نبي الله ابن عمكم إسحاق نبي الله ابن أبيكم إبراهيم خليل الله عليهم الصلاة والسلام {الكتاب} الجامع للخيرات وهو يعم التوارة والأنجيل والزبور وغيرها مما أنزل على أنبيائهم {والحكم} أي العلم والعمل الثابتين ثبات الاحكام بحيث لا يتطرق إليهما فساد بما للعلم من الزينة بالعمل. وللعمل من الإتقان بالعلم {والنبوة} التي تدرك بها الأخبار العظيمة التي لا يمكن اطلاع الخلق عليها بنوع اكتساب منهم. فأكثرنا فيهم من الأنبياء {ورزقناهم} بعظمتنا لإقامة أبدانهم {من الطيبات} من المن والسلوى وغيرهما من الأرزاق اللدنية وغيرها {وفضلناهم} بما لنا من العزة {على العالمين} وهم الذين تحقق إيجادنا لهم في زمانهم وما قبله فإنا آتيناهم من الآيات المرئية والمسموعة وأكثرنا فيهم من الأنبياء ما لم نفعله لغيرهم ممن سبق. وكل ذلك فضيلة ظاهرة {وآتيناهم} مع ذلك {بينات من الأمر} الموحى به إلى أنبيائهم من الأدلة القطعية والأحكام والمواعظ المؤيدة بالمعجزات. ومن صفات الأنبياء الاتين بعدهم وغير ذلك مما هو في غاية الوضوح لمن قضينا بسعادته. وذلك أمر يقتضي الألفة والاجتماع وقد كانوا متفقين وهم في زمن الضلال لا يختلفون إلا اختلافًا يسيرًا لا يضر مثله ولا يعد اختلافًا.
ولما كان حالهم بعد هذا الإيتاء مجملًا. فصله فقال تعالى: {فما اختلفوا} أي أوقعوا الاختلاف والافتراق بغاية جهدهم. ولما لم يكن اختلافهم مستغرقًا لجميع الزمن الذي بعد الإيتاء. أثبت الجار فقال: {إلا من بعد ما جاءهم العلم} الذي من شأنه الجمع على المعلوم. فكان ما هو سبب الاجتماع سببًا لهم في الافتراق لأن الله تعالى أراد ذلك وهو عزيز.
ولما كان هذا عجبًا. بين علته محذرًا من مثلها فقال: {بغيًا} أي للمجاوزة في الحدود التي اقتضاها لهم طلب الرئاسة والحسد وغيرهما من نقائص النفوس.
ولما كان البغي على البعيد مذمومًا. زاده عجبًا بقوله: {بينهم} واقعًا فيهم لم يعدهم إلى غيرهم. وقد كانوا قبل ذلك وهم تحت أيدي القبط في غاية الاتفاق واجتماع الكلمة على الرضا بالذل. ولذلك استأنف قوله الذي اقتضاه الحال على ما يشاهده العباد من أفعال الملوك فيمن خالف أوامرهم. مؤكدًا لأجل إنكارهم.
{إن ربك} أي المحسن إليك بإرسالك وتكثير أمتك وحفظهم مما ضل به القرون الأولى وبيان يوم الفصل الذي هو محط الحكمة بيانًا لم يبينه على لسان أحد ممن سلف {يقضي بينهم} بإحصاء الأعمال والجزاء عليها. لأن هذا مقتضى الحكمة والعزة {يوم القيامة} الذي ينكره قومك الذين شرفناهم برسالتك مع أنه لايجوز في الحكمة إنكاره {فيما كانوا} أي بما هو لهم كالجبلة {فيه يختلفون} بغاية الجهد متعمدين له بخلاف ما كان يقع منهم خطأ فإنه يجوز في الحكمة أن يتفضل عليهم بالعفوعنه فقد علم أنه لا يجوز في الحكمة أصلًا أن يترك المختلفون من غير حكم بينهم لأن هذا لا يرضاه أقل الملوك فإنه لايعرف الملك إلا بالقهر والعزة ولا يعرف كونه حكيمًا إلا بالعدل. وإذا كان هذا لا يرضاه ملك فكيف يرضاه ملك الملوك. وإذا كان هذا القضاء مقتضى الحكمة كان لا فرق فيه بين ناس وناس. فهو يقتضي بينكم أيضًا كذلك. ومن التأكيد للوعد بذلك اليوم التعبير باسم الرب مضافًا إليه صلى الله عليه وسلم.
ولما كان معنى هذا أنه سبحانه وتعالى جعل بني إسرائيل على شريعة وهددهم على الخلاف فيها. فكان تهديدهم تهديدًا لنا. قال مصرحًا بما اقتضاه سوق الكلام وغيره من تهديدنا منبهًا على علوشريعتنا: {ثم} أي بعد فترة من رسلهم ومجاوزة رتب كثيرة عالية على رتبة شريعتهم {جعلناك} أي بعظمتنا {على شريعة} أي طريقة واسعة عظيمة ظاهرة مستقيمة سهلة موصلة إلى المقصود هي جديرة بأن يشرع الناس فيها ويخالطوها مبتدئة {من الأمر} الذي هو وحينا وهو حياة الأرواح كما أن الأرواح حياة الأشباح.
ولما بين بهذه العبارة بعض فضلها على ما كان قبلها. سبب عنه قوله موجهًا الخطاب إلى الإمام بما أراد به المأمومين ليكون أدعى إلى اجتهادهم. فإن أمرهم تكليف وأمر إمامهم تكوين: {فاتبعها} أي بغاية جهدك.
ولما كانت الشريعة العقل المحفوظ الذي أخبر الله أنه به يأخذ وبه يعطي. كان الإعراض عنها إلى غيرها إنما هو هوى. ولما كان أحاد الأمة غير معصومين أشار إلى العفوعن هفواتهم بقوله تعالى: {ولا تتبع} أي تتعمدا أن تتبعوا {أهواء الذين لا يعلمون} أي لا علم لهم أولهم علم ولكنهم يعملون عمل من ليس لهم علم أصلًا من كفار العرب وغيرهم. فإن من تعمد اتباعهم فعلت بهم ما فعلت ببني إسرائيل حيث لعنتهم على لسان داود وعيسى ابن مريم عليهما الصلاة والسلام بعد ما لعنتهم على لسان موسى عليه الصلاة والسلام. ثم علل هذا النهي مهددًا بقوله: مؤكدًا تنبيهًا على أن من خالف أمر الله لأجل أحد كان عمله عمل من يظن أنه يحميه: {إنهم} وأكد النفي فقال تعالى: {لن يغنوا عنك} أي لا يتجدد لهم نوع إغناء مبتدئ {من الله} المحيط بكل شيء قدرة وعلمًا واصل إليه. وكل ما لا يكون ذا وصلة به فهو عدم {شيئًا} من إغناء إن تبعتهم كما أنهم لن يقدروا لك على شيء من أذى إن خالفتهم وناصبتهم.
ولما كان التقدير: فإنهم ظلمة لا يضعون شيئًا في موضعه. ومن اتبعهم فهو منهم قال تعالى عاطفًا عليه: {وإن} وكان الأصل: وإنهم ولكنه أظهر للاعلام بوصفهم فقال: {الظالمين} أي العريقين في هذا الوصف الذميم {بعضهم أولياء بعض} فلا ولاية- أي قرب- بينهم وبين الحكيم أصلًا لتباعد ما بين الوصفين فكانت أعمالهم كلها باطلة لبنائها على غير أساس خلافًا لمن يظن بها غير ذلك تقيدًا بالأمور الظاهرة في هذه الدار {والله} أي الذي له جميع صفات الجلال والجمال والعز والكمال {ولي المتقين} الذين همهم الأعظم الاتصاف بالحكمة باتخاذ الوقايات المنجية لهم من سخط الله ولا ولاية بينه وبين الظالمين.
ولما أوصل سبحانه إلى هذا الحد من البيان. الفائت لقوى الإنسان. قال مترجمًا عنه: {هذا} أي الوحي المنزل.
ولما كان في عظم بيانه وإزالة اللبس عن كل ملبس دق أوجل بحيث لا يلحقه شيء من خفاء. جعله نفس البصيرة. مجموعة جمع كثرة بصيغة منتهى الجموع كما جعله روحًا فقال: أي الذين هم في أدنى المراتب. يبصرهم بما يضرهم وما ينفعهم. فما ظنك بمن فوقهم من الذين آمنوا ثم الذين يؤمنون ومن فوقهم.
ولما بين ما هو لأهل السفو ل. بين ما هو لأهل العلوفقال تعالى: {وهدى} أي قائد إلى كل خير. مانع من كل زيغ {ورحمة} أي كرامة وفوز ونعمة {لقوم يوقنون} أي ناس فيهم قوة القيام بالوصو ل إلى العلم الثابت وتجديد الترقي في درجاته إلى ما لا نهاية له أبدًا. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{ولقد آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ}.
اعلم أنه تعالى بيّن أنه أنعم بنعم كثيرة على بني إسرائيل. مع أنه حصل بينهم الاختلاف على سبيل البغي والحسد: والمقصود أن يبين أن طريقة قومه كطريقة من تقدم.
واعلم أن النعم على قسمين: نعم الدين. ونعم الدنيا. ونعم الدين أفضل من نعم الدنيا. فلهذا بدأ الله تعالى بذكر نعم الدين. فقال: {ولقد ءآتَيْنَا بَنِى إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة} والأقرب أن كل واحد من هذه الثلاثة يجب أن يكون مغايرًا لصاحبه. أما الكتاب فهو التوراة. وأما الحكم ففيه وجوه. يجوز أن يكون المراد العلم والحكمة. ويجوز أن يكون المراد العلم بفصل الحكومات. ويجوز أن يكون المراد معرفة أحكام الله تعالى وهو علم الفقه. وأما النبوة فمعلومة. وأما نعم الدنيا فهي المراد من قوله تعالى: {وَرَزَقناهم مِّنَ الطيبات} وذلك لأنه تعالى وسع عليهم في الدنيا. فأو رثهم أموال قوم فرعون وديارهم ثم أنزل عليهم المن والسلوى. ولما بيّن تعالى أنه أعطاهم من نعم الدين ونعم الدنيا نصيبًا وافرًا. قال: {وفضلناهم عَلَى العالمين} يعني أنهم كانوا أكبر درجة وأرفع منقبة ممن سواهم في وقتهم. فلهذا المعنى قال المفسرون المراد: وفضلناهم عن عالمي زمانهم.
ثم قال تعالى: {وءآتيناهم بينات مّنَ الأمر} وفيه وجوه الأول: أنه اتاهم بينات من الأمر. أي أدلة على أمور الدنيا الثاني: قال ابن عباس: يعني بيّن لهم من أمر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يهاجر من تهامة إلى يثرب. ويكون أنصاره أهل يثرب الثالث: المراد {وءآتيناهم بينات} أي معجزات قاهرة على صحة نبوتهم. والمراد معجزات موسى عليه السلام.
ثم قال تعالى: {فَمَا اختلفوا إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ العلم بَغْيًا بَيْنَهُمْ} وهذا مفسر في سورة {حم عسق} [الشورى: 1. 2] والمقصود من ذكر هذا الكلام التعجب من هذه الحالة. لأن حصو ل العلم يوجب ارتفاع الخلاف. وههنا صار مجيء العلم سببًا لحصو ل الاختلاف. وذلك لأنهم لم يكن مقصودهم من العلم نفس العلم. وإنما المقصود منه طلب الرياسة والتقدم. ثم ههنا احتمالات يريد أنهم علموا ثم عاندوا. ويجوز أن يريد بالعلم الدلالة التي توصل إلى العلم. والمعنى أنه تعالى وضع الدلائل والبينات التي لوتأملوا فيها لعرفوا الحق. لكنهم على وجه الحسد والعناد اختلفوا وأظهروا النزاع.
ثم قال تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ يَقْضي بَيْنَهم يَوْمَ القيامة فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} والمرد أنه لا ينبغي أن يغتر المبطل بنعم الدنيا. فإنها وإن ساوت نعم المحق أوزادت عليها. فإنه سيرى في الآخرة ما يسؤوه. وذلك كالزجر لهم. ولما بيّن تعالى أنهم أعرضوا عن الحق لأجل البغي والسحد. أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يعدل عن تلك الطريقة. وأن يتمسك بالحق. وأن لا يكون له غرض سوى إظهار الحق وتقرير الصدق. فقال تعالى: {ثُمَّ جعلناك على شَرِيعَةٍ مّنَ الأمر} أي على طريقة ومنهاج من أمر الدين. فاتبع شريعتك الثابتة بالدلائل والبينات. ولا تتبع ما لا حجة عليه من أهواء الجهال وأديانهم المبنية على الأهواء والجهل. قال الكلبي: إن رؤساء قريش قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم وهو بمكة: ارجع إلى ملة ابائك فهم كانوا أفضل منك وأسن. فأنزل الله تعالى هذه الآية.
ثم قال تعالى: {إِنَّهُمْ لَن يُغْنُواْ عَنكَ مِنَ الله شَيْئًا} أي لوملت إلى أديانهم الباطلة فصرت مستحقًا للعذاب. فهم لا يقدرون على دفع عذاب الله عنك. ثم بيّن تعالى أن الظالمين يتو لى بعضهم بعضًا في الدنيا وفي الآخرة. ولا ولي لهم ينفعهم في إيصال الثواب وإزالة العقاب. وأما المتقون المهتدون. فالله وليهم وناصرهم وهم موالوه. وما أبين الفرق بين الولايتين. ولما بيّن الله تعالى هذه البيانات الباقية النافعة. قال: {هذا بصائر لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} وقد فسرناه في آخر سورة الأعراف. والمعنى هذا القرآن بصائر للناس جعل ما فيه من البيانات الشافية. والبينات الكافية بمنزلة البصائر في القلوب. كما جعل في سائر الآيات روحًا وحياة. وهو هدى من الضلالة. ورحمة من العذاب لمن امن وأيقن. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {ولقد آتَيْنَا بني إِسْرَائِيلَ الكتاب}.
يعني التوراة.
{والحكم والنبوة} الحكم: الفهم في الكتاب.
وقيل: الحكم على الناس والقضاء.
{والنُّبُوّةَ} يعني الأنبياء من وقت يوسف عليه السلام إلى زمن عيسى عليه السلام.
{وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ الطيبات} أي الحلال من الأقوات والثمار والأطعمة التي كانت بالشام.
وقيل: يعني المَنّ والسَّلْوَى في التِّيه.
{وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى العالمين} أي على عالَمِي زمانهم؛ على ما تقدّم في (الدخان) بيانه.
{وَآتيناهم بَيِّنَاتٍ مِّنَ الأمر} قال ابن عباس: يعني أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم. وشواهد نبوّته بأنه يهاجر من تِهامة إلى يَثْرِب. وينصره أهل يثرب.
وقيل: بيّنات الأمرِ شرائعُ واضحات في الحلال والحرام ومعجزات.
{فَمَا اختلفوا إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ العلم} يريد يُوشَع بن نُون؛ فامن بعضهم وكفر بعضهم؛ حكاه النقاش.
وقيل: {إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ} نبوّة النبيّ صلى الله عليه وسلم فاختلفوا فيها.
{بَغْيًا بَيْنَهُمْ} أي حسدًا على النبيّ صلى الله عليه وسلم؛ قال معناه الضحاك.
قيل: معنى {بَغْيًا} أي بغى بعضهم على بعض يطلب الفضل والرياسة. وقتلوا الأنبياء؛ فكذا مشركوعصرك يا محمد. قد جاءتهم البيّنات ولكن أعرضوا عنها للمنافسة في الرياسة.
{إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بِيْنَهُمْ} أي يحكم ويفصِل.
{يَوْمَ القيامة فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} في الدنيا.
{ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا ولا تَتَّبِعْ أَهواءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18)}.
فيه مسألتان:
الأولى قوله تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ على شَرِيعَةٍ مِّنَ الأمر} الشريعة في اللغة: المذهب والمِلّة.
ويقال لمشرعة الماء وهي مورد الشاربة: شريعة.
ومنه الشارع لأنه طريق إلى المقصد.
فالشريعة: ما شرع الله لعباده من الدين؛ والجمع الشرائع.
والشرائع في الدين: المذاهب التي شرعها الله لخلقه.
فمعنى: {جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ اْلأَمْرِ} أي على منهاج واضح من أمر الدين يشرع بك إلى الحق.
وقال ابن عباس: {عَلَى شَرِيعَةٍ} أي على هدًى من الأمر.
قتادة: الشريعة الأمر والنهي والحدود والفرائض.
مقاتل: البيّنة؛ لأنها طريق إلى الحق.
الكلبي: السُّنة؛ لأنه يُستن بطريقة مَن قبله من الأنبياء.
ابن زيد: الدِّين؛ لأنه طريق النجاة.
قال ابن العربي: والأمر يرِد في اللغة بمعنيين: أحدهما بمعنى الشأن كقوله: {فاتبعوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ} [هود: 97].