فصل: تفسير الآيات (21- 23):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال الضحاك: بعد توحيد الله.
وقال الزمخشري: بعد الله وآياته. أي بعد آيات الله. كقولهم: أعجبني زيد وكرمه. يريدون: أعجبني كرم زيد. انتهى.
وهذا ليس بشيء. لأن فيه من حيث المعنى إقحام الأسماء من غير ضرورة؛ والعطف والمراد غير العطف من إخراجه إلى باب البدل. لأن تقدير كرم زيد إنما يكون في: أعجبني زيد كرمه. بغير وأو على البدل؛ وهذا قلب لحقائق النحو.
وإنما المعنى في: أعجبني زيد وكرمه. أن ذات زيد أعجبته. وأعجبه كرمه؛ فهما إعجابان لا إعجاب واحد. وقد رددنا عليه مثل قوله هذا فيما تقدم.
وقرأ أبو جعفر. والأعرج. وشيبة. وقتادة. والحرميان. وأبو عمرو. وعاصم في رواية: يؤمنون. بالياء من تحت؛ والأعمش. وباقي السبعة: بتاء الخطاب؛ وطلحة: توقنون بالتاء من فوق. والقاف من الإيقان.
{ويل لكل أفاك أثيم}. قيل: نزلت في أبي جهل؛ وقيل: في النضير بن الحارث وما كان يشتري من أحاديث الأعاجم ويشغل بها الناس عن استماع القرآن.
والآية عامة فيمن كان مضارًا لدين الله؛ وأفاك أثيم. صفتا مبالغة؛ وألفاظ هذه الآية تقدم الكلام عليها.
وقرأ الجمهور: علم؛ وقتادة ومطر الوراق: بضم العين وشد اللام؛ مبنيًا للمفعول. أي عرف.
وقال الزمخشري: فإن قلت: ما معنى: ثم. في قوله: {ثم يصر مستكبرًا}؟ قلت: كمعناه في قول القائل:
يرى غمرات الموت ثم يزورها

وذلك بأن غمرات الموت حقيقة بأن ينجورائبها بنفسه ويطلب الفرار منها. وأما زيارتها والإقدام على مزاو لتها. فأمر مستبعد.
فمعنى ثم: الإيذان بأن فعل المقدم عليها. بعدما راها وعاينها. شيء يستبعد في العادة والطباع. وكذلك آيات الله الواضحة القاطعة بالحق. من تليت عليه وسمعها. كان مستبعدًا في العقول إصراره على الضلالة عندها واستكباره عن الإيمان بها.
{اتخذها هزوًا}. ولم يقل: اتخذه. إشعارًا بأنه إذا أحس بشيء من الكلام أنه من جملة الآيات التي أنزلها الله على محمد صلى الله عليه وسلم. خاض في الاستهزاء بجميع الآيات. ولم يقتصر على الاستهزاء بما بلغه.
وقال الزمخشري: ويحتمل {وإذا علم من آياتنا شيئًا}. يمكن أن يتشبث به المعاند ويجعله محملًا يتسلق به على الطعن والغميزة. افترضه واتخذ آيات الله هزوًا. وذلك نحوافترص ابن الزبعري قوله عز وجل: {إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم} ومغالطته رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله: خصمتك؛ ويجوز أن يرجع الضمير إلى شيء. لأنه في معنى الآية كقول أبي العتاهية:
نفسي بشيء من الدنيا معلقة ** الله والقائم المهدي يكفيها

حيث أراد عتبة. انتهى.
وعتبة جارية كان أبو العتاهية يهواها وينتسب بها.
والإشارة بأولئك إلى كل أفاك. لشموله الأفاكين.
حمل أولا على لفظ كل. وأفرد على المعنى فجمع. كقوله: {كل حزب بما لديهم فرحون} {من ورائهم جهنم}: أي من قدامهم. والوراء: ما توارى من خلف وأمام.
{ولا يغني عنهم ما كسبوا شيئًا} من الأموال في متاجرهم. {ولا ما اتخذوا من دون الله} من الأوثان.
{هذا}. أي القرآن. {هدًى}. أي بالغ في الهداية. كقولك: هذا رجل. أي كامل في الرجو لية.
قرأ طلحة. وابن محيصن. وأهل مكة. وابن كثير. وحفص: {أليم}. بالرفع نعتًا لعذاب؛ والحسن. وأبو جعفر. وشيبة. وعيسى. والأعمش. وباقي السبعة: بالجر نعتًا لرجز.
{الله الذين سخر} الآية: آية اعتبار في تسخير هذا المخلوق العظيم. والسفن الجارية فيه بهذا المخلوق الحقير. وهو الإنسان.
{بأمره}: أي بقدرته.
أناب الأمر مناب القدرة. كأنه يأمر السفن أن تجري.
{من فضله} بالتجارة وبالغوص على اللؤلؤ والمرجان. واستخراج اللحم الطري.
{ما في السموات} من الشمس والقمر والنجوم والسحاب والرياح والهواء. والأملاك الموكلة بهذا كله.
{وما في الأرض} من البهائم والمياه والجبال والنبات.
وقرأ الجمهور: {منه}. وابن عباس: بكسر الميم وشد النون ونصب التاء على المصدر.
قال أبو حاتم: نسبة هذه القراءة إلى ابن عباس ظلم.
وحكاها أبو الفتح. عن ابن عباس. وعبد الله بن عمر. والجحدري. وعبد الله بن عبيد بن عمير. وحكاها أيضًا عن هؤلاء الأربعة صاحب اللوامح. وحكاها ابن خالويه. عن ابن عباس. وعبيد بن عمير.
وقرأ سلمة بن محارب كذلك. إلا أنه ضم التاء. أي هو منه. وعنه أيضًا فتح الميم وشد النون. وهاء الكناية عائد على الله. وهو فاعل سخر على الإسناد المجازي. أو على أنه خبر مبتدأ محذوف. أي ذلك. أوهو منه.
والمعنى. على قراءة الجمهور: أنه سخر هذه الأشيئاء كائنة منه وحاصلة عنده. إذ هو موجدها بقدرته وحكمته. ثم سخرها لخلقه.
وقال الزمخشري: ويجوز أن يكون يعني منه خبر مبتدأ محذوف تقديره: هي جميعًا منه. وأن يكون: وما في الأرض. مبتدأ. ومنه خبره.
انتهى.
ولا يجوز هذان الوجهان إلا على قول الأخفش. لأن جميعًا إذ ذاك حال. والعامل فيها معنوي. وهو الجار والمجرور؛ فهو نظير: زيد قائمًا في الدار. ولا يجوز على مذهب الجمهور.
{قل للذين آمنوا يغفروا}: نزلت في صدر الإسلام.
أمر المؤمنين أن يتجاوزوا عن الكفار. وأن لا يعاقبوهم بذنب. بل يصبرون لهم. قاله السدّي ومحمد بن كعب. قيل: وهي محكمة. والأكثر على أنها منسوخة بآية السيف.
يغفروا. في جزمه أوجه للنحاة. تقدّمت في: {قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة} في سورة إبراهيم.
{لا يرجون أيام الله}: أي وقائعه بأعدائه ونقمته منهم.
وقال مجاهد: وقيل أيام إنعامه ونصره وتنعيمه في الجنة وغير ذلك.
وقيل: لا يأملون الأوقات التي وقتها الله لثواب المؤمنين ووعدهم الفوز.
قيل: نزلت قبل آية القتال ثم نسخ حكمها.
وتقدم قول ابن عباس أنها نزلت في عمر بن الخطاب؛ قيل: سبه رجل من الكفار. فهم أن يبطش به. وقرأ الجمهور: ليجزي الله. وزيد بن عليّ. وأبوعبد الرحمن. والأعمش. وأبوعلية. وابن عامر. وحمزة. والكسائي: بالنون؛ وشيبة. وأبو جعفر: بخلاف عنه بالياء مبنيًا للمفعول.
وقد روي ذلك عن عاصم. وفيه حجة لمن أجاز بناء الفعل للمفعول. على أن يقام المجرور. وهو بما. وينصب المفعول به الصريح. وهو قومًا؛ ونظيره: ضرب بسوط زيدًا؛ ولا يجير ذلك الجمهور.
وخرجت هذه القراءة على أن يكون بني الفعل للمصدر. أي وليجزي الجزاء قومًا.
وهذا أيضًا لا يجوز عند الجمهور. لكن يتأول على أن ينصب بفعل محذوف تقديره يجزى قومًا. فيكون جملتان. إحداهما: ليجزي الجزاء قومًا. والآخرى: يجزيه قومًا؛ وقومًا هنا يعني به الغافرين. ونكره على معنى التعظيم لشأنهم. كأنه قيل: قومًا. أي قوم من شأنهم التجاوز عن السيئات والصفح عن المؤذيات وتحمل الوحشة.
وقيل: هم الذين لا يرجون أيام الله. أي بما كانوا يكسبون من الإثم. كأنه قيل: لم تكافئوهم أنتم حتى نكافئهم نحن.
{من عمل صالحًا} كهؤلاء الغافرين. {ومن أساء} كهؤلاء الكفار. وأتى باللام في فلنفسه. لأن المحاب والحظوظ تستعمل فيها على الدالة على العلو والقهر. كما تقول: الأمور لزيد متأتية وعلى عمرومستصعبة.
والكتاب: التوراة. والحكم: القضاء. وفصل الأمور لأن الملك كان فيهم.
قيل: والحكم: الفقه.
ويقال: لم يتسع فقه الأحكام على نبي. كما اتسع على لسان موسى من الطيبات المستلذات الحلال. وبذلك تتم النعمة. وذلك المن والسلوى وطيبات الشام. إذ هي الأرض المباركة.
بينات: أي دلائل واضحة من الأمر. أي من الوحي الذي فصلت به الأمور.
وعن ابن عباس: من الأمر. أي من أمر النبي صلى الله عليه وسلم. وأنه يهاجر من تهامة إلى يثرب.
وقيل معجزات موسى.
{فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيًا بينهم}: تقدم تفسيره في الشورى. اهـ.

.تفسير الآيات (21- 23):

قوله تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمنوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21) وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ولتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (22) أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هواه وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان التقدير بعد هذا البيان الذي لم يدع لبسًا في أمر الحساب بما حده من الملك الذي يوجب ما له من العظمة والحكمة أن يحاسب عبيده لثواب المحسن وعقاب المسيء: أعلم هؤلاء المخاطبون- لأنهم لا يعدون أن يكونوا من الناس أو من الذين يوقنون بهذه البصائر لما لهم من حسن الغرائز المعلية لهم عن حضيض الحيوان إلى أوج الإنسان أنا نفرق بين المسيئين الذين بعضهم أولياء بعض وبين المحسنين الذين نحن أولياؤهم. عطف عليه سبحانه وتعالى قوله: {أم} قال الأصبهاني: قال الإمام: كلمة وضعت للاستفهام عن شيء حال كونه معطوفًا على آخر سواء كان المعطوف مذكورًا أو مضمرًا- انتهى.
وكان الأصل: حسبوا. ولكنه عدل عنه للتنبيه على أن ارتكاب السوء معم للبصيرة مضعف للعقل كما أفاده التعبير بالحسبان كما تقدم بيانه في البقرة فقال: {حسب الذين اجترحوا} أي فعلوا بغاية جهدهم ونزوع شهواتهم {السيئات أن نجعلهم} مع ما لنا من العظمة المانعة من الظلم المقتضية للحكمة {كالذين آمنوا وعملوا} تصديقًا لإقرأرهم ظاهرًا وباطنًا وسرًا وعلأنية {الصالحات} بأن نتركهم بلا حساب للفصل بين المحسن والمسيء.
ولما كانت المماثلة مجملة. بينهما استئنافًا بقوله مقدمًا ما هو عين المقصود من الجملة الأولى: {سواء} أي مستواستواء عظيمًا {محياهم ومماتهم} أي حياتهم وموتهم وزمان ذلك ومكانه في الارتفاع والسفو ل واللذة والكدر وغير ذلك من الأعيان والمعاني.
ولما كان هذا مما لا يرضاه أحد لمن تحت يده ولا لغيره. قال معبرًا بمجمع الذم: {ساء ما يحكمون} أي بلغ حكمهم هذا في نفسه ولاسيما وهم بإصرارهم عليه في تجديد له كل ساعة أقصى نهايات السوء. فهو مما يتعجب منه. لأنه لا يدري الحامل عليه. وذلك أنه نسبوا الحكيم الذي لا حكيم في الحقيقة غيره إلى ما لا يفعله أقل الناس فيمن تحت يده.
ولما أنكر التسوية وذمهم على الحكم بها. أتبع ذلك الدليل القطعي على أن الفريقين لا يستويان وإلا لما كان الخالق لهذا الوجود عزيزًا ولا حكيمًا. فقال دالًا على إنكار التسوية وسوء حكمهم بها. عاطفًا على ما تقديره: فقد خلق الله الناس كلهم بالحق وهو الأمر الثابت الذي يطابقه الواقع. وهو ثبات أعمال المحسنين وبطلأن أفعال المسيئين. عطف عليه قوله: {وخلق الله} أي الذي له جميع أوصاف الكمال ولا يصح ولا يتصور أن يحلقه نوع نقص {السماوات والأرض} اللتين هما ظرف لكم وابتدئت السورة بالتنبيه على آياتهما. خلقًا ملتبسًا {بالحق} فلا يطابق الواقع فيهما أبدًا شيئًا باطلًا. فمتى وجد سبب الشيء وانتفى مانعه وجد. ومتى وجد مانع الشيء وانتفى سببه انتفى. لا يتخلف ذلك أصلًا. ولذلك جملة ما وقع من خلقهما طابقه الواقع الذي هو قدرة الله وعلمه وحكمته وجميع ما له من صفات الكمال التي دل خلقهما عليها. فإذا كان الظرف على هذا الإحكام فما الظن بالمظروف الذي ما خلق الظرف إلا من أجله. هل يمكن في الحكمة أن يكون على غير ذلك فيكون الواقع الذي هو تفضيل المحسن على المسيء غير مطابق لأحوالهم. ومن جملة المظروف ما بينهما فلذا لم يذكر هنا. ولوكان ذلك من غير بعث ومجازاة بحسب الأعمال لما كان هذا الخلق العظيم بالحق بل بالباطل الذي تعالى عنه الحكيم فكيف وهو أحكم الحاكمين.
ولما كان التقدير: ليكون كل مسبب مطابقًا لأسبابه. عطف عليه قوله: {ولتجزى} بأيسر أمر {كل نفس} أي منكم ومن غيركم {بما} أي بسبب الأمر الذي.
ولما كان السياق للعموم. وكان المؤمن لا يجزى إلا بما عمله على عمد منه وقصد ليكتب في أعماله. عبر بالكسب الذي هو أخص من العمل فقال: {كسبت} أي كسبها من خير أوشر. فيكون ما وقع الوعد به مطابقًا لكسبها {وهم} أي والحال أنهم {لا يظلمون} أي لا يوجد من موجد ما في وقت من الأوقات جزاء لهم في غير موضعه. وهذا على ما جرت به عوائدكم في العدل والفضل. ولو وجد منه سبحانه غير ذلك لم يكن ظلمًا منه لأنه المالك المطلق والملك الأعظم. فلوعذب أهل سماواته وأهل أرضه كلهم لكان غير ظالم لهم في نفس الأمر. فهذا الخطاب إنما هو على ما نتعارفه من إقامة الحجة بمخالفة الأمر.
ولما بين غاية البيان أنه الإله وحده بما له من الإحاطة بجميع صفات الكمال. وأنه لابد من جمعه الخلائق ليوم الفصل للحكم بينهم بما له من الحكمة والقدرة. وحقر الهوى ونهى عن اتباعه. وكانوا هم قد عظموه بحيث جعلوه معبودًا. فلزم من ذلك تحقيرهم الإله. ولم يرجعوا عن ضلالهم. تسبب عن ذلك التعجيب ممن يظن أنه يقدر على رد أحد منهم عن غيه بشيء من الأشيئاء فقال: {أفرءيت} أي أعلمت علمًا هو في تيقنه كالمحسوس بحاسة البصر التي هي أثبت الحواس {من اتخذ} أي بغاية جهده واجتهاده {إلهه هواه} أي حو ل وصف الإله حتى صار هو ى لنفسه. فهو تابع لهواه ليس غير. فهو في أودية الضلال يهيم على غير سنن فهو معرّض لكل بلاء. فخسر أكثر من ربحه لكونه بلا دليل. والدليل على أنهم لا يعبدون إلا مجرد الهوى ما رواه البخاري في وفد بني حنيفة من المغازي من صحيحه عن أبي رجاء العطاردي وهو مخضرم ثقة أدرك الجاهلية ومات سنة خمس ومائة عن مائة وعشرين سنة. قال: كنا نعبد الحجر. فإذا وجدنا حجرًا أحسن منه ألقيناه وأخذنا الآخر. فإذا لم نجد حجرًا جمعنا جثوة من تراب ثم جئنا بالشاة فحلبنا عليه ثم طفنا به- انتهى.