فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولهذا أعقبه بقوله: {وهم لا يظلمون} فضمير {وهم} عائد إلى {كل نفس}. فإن ذلك الجزاء مما اقتضاه العدل الذي جُعل سببًا أو ملابسًا لخلق السماوات والأرض وما فيهما. فهو عدل. فليس من الظلم في شيء فالمُجازَى غير مظلوم. وبالجزاء أيضًا ينتفي أثر ظلم الظالم عن المظلوم إذ لوترك الجزاء لاستمر المظلوم مظلومًا.
{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هواه}.
لما كان الذين حسبوا أن يكونوا في الآخرة في نعمة وعزة كما كانوا في الدنيا قالوا ذلك عَنْ غير دليل ولا نظر ولكن عن اتباع ما يشتهون لأنفسهم من دوام الحال الحسن تفرع على حسبانهم التعجيب من حالهم. فعطف بالفاء الاستفهامُ المستعملُ في التعجيب. وجعل استفهامًا عن رؤية حالهم. للإشارة إلى بلوغ حالهم من الظهور إلى حد أن تكون مرئية.
وأصل التركيب: {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه} الخ. فقدمت همزة الاستفهام. والخطاب للنبيء صلى الله عليه وسلم والمقصود من معه من المسلمين. أو الخطاب لغير معيّن. أي تناهت حالهم في الظهور فلا يختص بها مخاطب.
و{مَنْ} الموصولة صادقة على فريق المستهزئينَ الذين حسبوا أن يكون مَحْياهم ومماتهم سواء بقرينة ضمير الجمع في الجملة المعطوفة بقوله: {وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا} [الجاثية: 24] الخ.
والمعنى: أن حجاجهم المسلمين مركَّز على اتباع الهوى والمغالطةِ. فلا نهوض لحجتهم لا في نفس الأمر ولا فيما أرادوه. على فرض وقوع البعث من أن يكونوا آمنين من أهوال البعث. وأنهم لا يرجى لهم اهتداء لأن الله خلقهم غير قابلين للهدَى فلا يستطيع غيره هداهم.
و{إلهه} يجوز أن يكون أطلق على ما يلازم طاعته حتى كأنه معبود فيكون هذا الإطلاق بطريقة التشبيه البليغ. أي اتخذ هواه كإله له لا يخالف له أمرًا.
ويجوز أن يبقى {إلهه} على الحقيقة ويكون {هواه} بمعنى مَهويَّهُ. أي عبد إلها لأنه يحب أن يعبده. يعني الذين اتخذوا الأصنام الهة لا يقلعون عن عبادتها لأنهم أحبوها. أي ألِفوها وتعلقت قلوبهم بعبادتها. كقوله تعالى: {وأُشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم} [البقرة: 93].
ومعنى {أضلّه الله} أنه حفّهم بأسباب الضلالة من عقول مكابرة ونفوس ضعيفة. اعتادت اتباع ما تشتهيه لا تستطيع حَمل المصابرة والرضى بما فيه كراهية لها.
فصارت أسماعهم كالمختوم عليها في عدم الأنتفاع بالمواعظ والبراهين. وقلوبُهم كالمختوم عليها في عدم نفوذ النصائح ودلائل الأدلة إليها. وأبصارُهم كالمغطاة بغشاوات فلا تنتفع بمشاهدة المصنوعات الإلهية الدالة على انفراد الله بالإلهية وعلى أنَّ بعد هذا العالم بعثًا وجزاء.
ومعنى {على علم} أنهم أحاطت بهم أسباب الضلالة مع أنهم أهل علم. أي عقول سليمةٍ أو مع أنهم بلغهم العِلم بما يهديهم وذلك بالقرآن ودعوة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام.
فحرف {على} هنا معناه المصاحبة بمعنى (مع) وأصل هذا المعنى استعارة معنى الاستعلاء للاستعلاء المجازي وهو التمكن بين الوصف والموصوف.
وشاع ذلك حتى صار معنى من معاني (على) كما في قول الحارث بن حلزة:
فيَقينًا على الشَّنَاءة تَنْمينا ** حُصون وعِزّة قعساء

والمعنى: أنه ضال مع مَا له من صفة العلم. فالعلم هنا من وصف من اتخذ إلهه هواه وهو متمكن من العلم لوخلع عن نفسه المكابرة والميل إلى الهوى.
وقرأ الجمهور {غشاوة} بكسر الغين وفتح الشين بعدها ألف.
وقرأه حمزة والكسائي وخلف {غَشْوةٌ} بفتح الغين وسكون الشين وهو من التسمية بالمصدر وهي لغة.
وتقدم معنى الختم والغشاوة في أول سورة البقرة.
وفرع على هذه الصلة استفهام إنكاري أن يكون غيرُ الله يستطيع أن يهديهم. والمراد به تسلية النبي صلى الله عليه وسلم لشدة أسفه لإعراضهم وبقائهم في الضلالة.
و{من بعد الله} بمعنى: دون الله. وتقدم عند قوله تعالى: {فبأيّ حديثثٍ بعده يؤمنون} آخر سورة الأعراف (185).
وفرع على ذلك استفهام عن عدم تذكر المخاطبين لهذه الحقيقة. أي كيف نَسُوها حتى ألحُّوا في الطمع بهداية أولئك الضالّين وأسفوا لعدم جدوى الحجة لديهم وهو استفهام إنكاري.
ومن المفسرين من حمل {مَن} الموصولة في قوله: {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه} على معيَّن فقال مقاتل: هو أبو جهل بسبب حديث جرى بينَه وبين الوليد بن المغيرة كانا يطوفان ليلة فتحدثا في شأن النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو جهل: والله إني لأعْلَم إنه لصادق فقال له المغيرة: مَهْ. وما دَلَّكَ على ذلك. قال: كنّا نسميه في صباه الصادق الأمين فلما تمّ عقله وكمل رشده نسميه الكذاب الخائن قال: فما يمنعك أن تؤمن به قال: تتحدث عني بنات قريش أني قد اتبعت يتيم أبي طالب من أجل كِسرَة. واللاتتِ والعُزّى إنْ اتبعتُه أبدًا فنزلت هذه الآية.
وإذا صح هذا فإن مطابقة القصة لقوله تعالى: {وأضله الله على علم} ظاهرة.
وعن مقاتل أيضًا: أنها نزلت في الحارث بن قيس السهمي أحد المستهزئين كان يَعْبُد من الأصنام ما تهواه نفسه.
وهذه الآية أصل في التحذير من أن يكون الهوى الباعث للمؤمنين على أعمالهم ويتركوا اتباع أدلة الحق. فإذا كان الحق محبوبًا لأحد فذلك من التخلق بمحبة الحق تبعًا للدليل مثل ما يهوى المؤمن الصلاة والجماعة وقيامَ رمضان وتلاوة القرآن وفي الحديث «أرِحْنا بها يا بلال» يعني الإقامة للصلاة.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاصي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئتُ به» وعن أبي الدرداء «إذا أصبح الرجل اجتمع هواه وعَمله وعلمه فإن كان عمَلُه تبعًا لهواه فيومه يوم سوء وإن كان عمله تبعًا لِعلمه فيومه يوم صالح».
وأما اتباع الأمر المحبوب لإرضاء النفس دون نظر في صلاحه أوفساده فذلك سبب الضلال وسوء السيرة.
قال عمرو بن العاصي:
إذا المرء لم يترك طعامًا يحبه ** ولم ينْه قلبًا غاويًا حيثُ يَمَّمَا

فيوشك أن تَلقَى له الدهرَ سبَّة ** إذا ذُكرت أمثالها تَمْلأ الفما

ومن الكلمات المأثورة «ثلاث من المهلكات: شُحّ مطاع. وهو ى متبع. وإعجاب المرأ بنفسه» ويروى حديثًا ضعيف السند.
وقدم السمع على القلب هنا بخلاف آية سُورة البقرة {ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة} [البقرة: 7] لأن المخبَر عنهم هنا لما أخبر عنهم بأنهم اتخذوا إلههم هواهم. فقد تقرر أنهم عقدوا قلوبهم على الهوى فكان ذلك العَقد صَارفًا السمع عن تلقي الآيات فَقُدِّمَ لإفَادةِ أنهم كالمختوم على سمعهم. ثم عطف عليه {وقلبِه} تكميلًا وتذكيرًا بذلك العقد الصارف للسمع ثم ذكر ما {على بصره} من شبهِ الغشاوة لأن ما عقد عليه قلبه بصره عن النظر في أدلة الكائنات.
وأما آية سورة البقرة فإن المتحدث عنهم هم هؤلاء أنفسهم ولكن الحديث عنهم ابتدئ بتساوي الأنذار وعدمه في جانبهم بقوله: {سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون} [البقرة: 6] فلما أريد تفصيله قدم الختم على قلوبهم لأنه الأصل كما كان اتخاذ الهوى كالإله أصلًا في وصف حالهم في آية سورة الجاثية.
فحالة القلوب هي الأصل في الأنصراف عن التلقي والنظر في الآيتين ولكن نظم هذه الآية كان على حسب ما يقتضيه الذكر من الترتيب ونظم آية البقرة كان على حسب ما يقتضيه الطبْع.
وقرأ الجمهور {أفلا تذكرون} بتشديد الذال.
وقرأه عاصم بتخفيف الذال وأصله عند الجميع {تتذكرون}.
فأما الجمهور فقرأءتهم بقلب التاء الثانية ذالًا لتقارب مخرجيهما قصدًا للتخفيف. وأما عاصم فقرأءته على حذف إحدى التاءين. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

قال ابن القيم:
قوله تعالى: {وجعل على بصره غشاوة}.
وهذا الغطاء سري إليها من غطاء القلب فإن ما في القلب يظهر على العين من الخير والشر فالعين مراة القلب تظهر ما فيه وأنت إذا أبغضت رجلا بغضا شديدا أوأبغضت كلامه ومجالسته تجد على عينك غشاوة عند رؤيته ومخالطته فتلك أثر البغض والإعراض عنه وغلظت على الكفار عقوبة لهم على إعراضهم ونفورهم عن الرسول وجعل الغشاوة عليها يشعر بالإحاطة على ما تحته كالعمامة ولما عشوا عن ذكره الذي أنزله صار ذلك العشاء غشاوة على أعينهم فلا تبصر مواقع الهدى. اهـ.

.تفسير الآيات (24- 26):

قوله تعالى: {وَقالوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (24) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آياتنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قالوا ائْتُوا بِآبائنا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (25) قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ ولكن أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (26)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان التقدير للدلالة على الختم على مشاعرهم. فقد قالوا مع اعترافهم بتفرده تعالى بخلقهم ورزقهم وخلق جميع الموجدات في إنكار الوحدانية: إن له شركاء. عطف عليه قوله: {وقالوا} أي في إنكارهم البعث مع اعترافهم بأنه قادر على كل شيء ومعرفتهم أنه قد وعد بذلك في الأساليب المعجزة وأنه لا يليق بحكيم أصلًا أن يدع من تحت يده يتهارجون من غير حكم بينهم: {ما هي} أي الحياة {إلا حياتنا} أي أيها الناس {الدنيا} أي هذه التي نحن فيها مع أن تذكر مدلو ل هذا الوصف الذي هو أمر نسي لا يعقل إلا بالإضافة إلى حياة أخرى بُعدى كافٍ في إثبات البعث.
ولما أثبتوا بادعائهم الباطل هذه الحياة أتبعوها حالها فقالوا: {نموت ونحيا} أي تنزع الروح من بعض فيموت. وتنفخ في بعض آخر فيحيى. وليس وراء الموت حياة أخرى للذي مات. فقد أسلخوا أنفسهم بهذا القول من الإنسانية إلى البهيمية لوقوفهم مع الجزئيات. ولما كان هلاكهم في زعمهم لا آخر له. عدوا الحياة في جنبه عدمًا فلم يذكروها وقالوا بجهلهم: {وما يهلكنا} أي بعد هذه الحياة {إلا الدهر} أي الزمان الطويل بغلبته علينا بتجدد إقباله وتجدد إدبارنا بنزول الأمور المكروهة بنا. من دهره- إذا غلبة.
ولما أسند إليهم هذا القول الواهي. بين حالهم عند قوله فقال تعالى: {وما} أي قالوه والحال أنه ما {لهم بذلك} أي القول البعيد من الصواب وهو أنه لا حياة بعد هذه. وأن الهلاك منسوب إلى الدهر على أنه مؤثر بنفسه. وأعرق في النفي فقال: {من علم} أي كثير ولا قليل {إن} أي ما {هم إلا يظنون} بقرينة أن الإنسان كلما تقدم في السن ضعف. وأنه لم يرجع أحد من الموتى.
ولما كان هذا من قولهم عجبًا. زاده عجبًا بحالهم عند سماعهم للبراهين القطعية. فقال عاطفًا على {قالوا}: {وإذا تتلى} أي تتابع بالقراءة من أيّ تال كان {عليهم آياتنا} أي على ما لها من العظمة في نفسها وبالإضافة إلينا حال كونها {بينات} أي في غاية المكنة في الدلالة على البعث. فلا عذر لهم في ردها {ما كان} أي بوجه من وجوه الكون {حجتهم} أي قولهم الذي ساقوه مساق الحجة. وهو لا يستحق أن يسمى شبهة {إلا أن قالوا} قولا ذميمًا ولم ينظروا إلى مبدئهم {ائتوا} أيها التالون للحجج البينة من النبي- صل الله عليه وسلم- وأتباعه الذين اهتدوا بهداه {بآبائنا} الموتى. وحاصل هذا أنه ما كان لهم حجة إلا أن أتوا بكلام معناه: ليس لنا حجة لأنه ليس فيه شبهة فضلًا عن حجة. وما كفاهم مناداتهم على أنفسهم بالجهل حتى عرضوا لأهل البينات بالكذب فقالوا: {إن كنتم صادقين} أي عريقين في الكون في أهل الصدق الراسخين فيه من أنه سبحانه وتعالى يبعث الخلق بعد موتهم. وذلك استبعاد منهم لأن يقدر على جمع الجسم بعد ما يلي. وهم يقرون بأنه الذي خلق ذلك الجسم ابتداء. ومن المعلوم قطعًا أن من قدر على إنشاء شيء من العدم قدر على إعادته بطريق الأولى.
ولما كان سبحانه وتعالى إنما يقبل الإيمان عند إمكان تصوره. وذلك إذا كان بالغيب لم يجبهم إلى إحياء آبائهم إكرامًا لهذه الأمة لشرف نبيها عليه أفضل الصلاة والسلام لأن سنته الإلهية جرت بأن من لم يؤمن بعد كشف الأمر بإيجاد الآيات المقترحات أهلكه كما فعل بالأمم الماضية. فرفعهم عن الحس إلى التدريب على الحجج العقلية فقال امرًا له- صلى الله عليه وسلم- بالجواب بقوله تعالى: {قل الله} أي المحيط بكل شيء قدرة وعلمًا وحكمة {يحييكم} أي يجدد هذا تجديدًا لا يحصى كما أنتم به مقرون إحياء لأجساد يخترعها من غير أن يكون لها أصل في الحياة {ثم يميتكم} بأن يجمع أرواحكم من أجسادكم فيستلها منها لا يدع شيئًا منها في شيء من الجسد وما ذلك على الله بعزيز فإذا هو كما كان قبل الإحياء كما تشاهدون. ومن قدر على هذا الإبداء على هذا الوجه من التكرر ثم على تمييز ما بث من الروح في حال سلها من تلك الأعضاء الظاهر عادة مستمرة كان المخبر عنه بأنه يجمع الخلق بعد موتهم من العريقين في الصدق. فلذلك قال من غير تأكيد: {ثم يجمعكم} أي بعد التمزق فيعيد فيكم أرواحكم كما كانت بعد طو ل مدة الرقاد. منتهين {إلى يوم القيامة} أي القيام الأعظم لكونه عامًا لجميع الخلائق الذين أماتهم.
ولما صح بهذا الدليل القطعي المدعى. أنتج قوله: {لا ريب} أي شك بوجه من الوجوه {فيه} بل هو معلوم علمًا قطعيًا ضروريًا {ولكن أكثر الناس} بما لهم من السفو ل بما ركبنا فيهم من الحظوظ والشهوات التي غلبت على غريزة العقل فردوا بها أسفل سافلين في حد النوس وهو التردد لم يرتقوا إلى الإيمان {لا يعلمون} أي لا يتجدد لهم علم لما لهم من النوس والتردد والسفو ل عن أوج العقل إلى حضيض الجهل. فهم واقفون مع المحسوسات. لا يلوح لهم ذلك مع ما له من الظهور لتظهر قدرتنا ويتحقق اسمنا الباطن كما تحقق الظاهر عند من هديناه لعلم ذلك. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

واعلم أنه تعالى حكى عنهم بعد ذلك شبهتهم في إنكار القيامة وفي إنكار الإله القادر. أما شبهتهم في إنكار القيامة فهي قوله تعالى: {وَقالواْ مَا هي إِلاَّ حَيَاتُنَا الدنيا نَمُوتُ وَنَحْيَا} فإن قالوا الحياة مقدمة على الموت في الدينا فمنكروالقيامة كان يجب أن يقولوا نحيا ونموت. فما السبب في تقديم ذكر الموت على الحياة؟ قلنا فيه وجوه الأول: المراد بقوله: {نَمُوتُ} حال كونهم نطفًا في أصلاب الآباء وأرحام الأمهات. وبقوله: {نحيا} ما حصل بعد ذلك في الدينا الثاني: نموت نحن ونحيا بسبب بقاء أولادنا الثالث: يموت بعض ويحيا بعض الرابع: وهو الذي خطر بالبال عند كتابة هذا الموضع أنه تعالى قدم ذكر الحياة فقال: {مَا هي إِلاَّ حَيَاتُنَا الدنيا} ثم قال بعده: {نَمُوتُ وَنَحْيَا} يعني أن تلك الحياة منها ما يطرأ عليها الموت وذلك في حق الذين ماتوا. ومنها ما لم يطرأ الموت عليها. وذلك في حق الأحياء الذين لم يموتوا بعد. وأما شبهتهم في إنكار الإله الفاعل المختار. فهو قولهم {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدهر} يعني تو لد الأشخاص إنما كان بسبب حركات الأفلاك الموجبة لامتزاجات الطبائع. وإذا وقعت تلك الامتزاجات على وجه خاص حصلت الحياة. وإذا وقعت على وجه آخر حصل الموت. فالموجب للحياة والموت تأثيرات الطبائع وحركات الأفلاك. ولا حاجة في هذا الباب إلى إثبات الفاعل المختار. فهذه الطائفة جمعوا بين إنكار الإله وبين إنكار البعث والقيامة.