فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وفي المؤمنين: {ولدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بالحق وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} [المؤمنون: 62] وقد تقدّم.
و{يَنْطِقُ} في موضع الحال من الكتاب. أو من ذا. أو خبر ثان لذا. أو يكون {كِتَابُنَا} بدلًا من {هَذَا} و{يَنْطِقُ} الخبر.
{إِنَّ كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} أي نأمر بنسخ ما كنتم تعملون.
قال عليّ رضي الله عنه: إن للّه ملائكة ينزلون كل يوم بشيء يكتبون فيه أعمال بني آدم.
وقال ابن عباس: إن الله وكّل ملائكة مطهرين فينسخون من أم الكتاب في رمضان كل ما يكون من أعمال بني آدم فيعارضون حفظة الله على العباد كل خميس. فيجدون ما جاء به الحفظة من أعمال العباد موافقًا لما في كتابهم الذي استنسخوا من ذلك الكتاب لا زيادة فيه ولا نقصان.
قال ابن عباس: وهل يكون النسخ إلا من كتاب.
الحسن: نستنسخ ما كتبته الحفظة على بني آدم؛ لأن الحفظة ترفع إلى الخزنة صحائف الأعمال.
وقيل: تحمل الحفظة كل يوم ما كتبوا على العبد. ثم إذا عادوا إلى مكانهم نسخ منه الحسنات والسيئات؛ ولا تحو ل المباحات إلى النسخة الثانية.
وقيل: إن الملائكة إذا رفعت أعمال العباد إلى الله عز وجل أمر بأن يثبت عنده منها ما فيه ثواب وعقاب. ويسقط من جملتها ما لا ثواب فيه ولا عقاب.
قوله تعالى: {فَأَمَّا الذين آمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ} أي الجنة {ذَلِكَ هو الفوز المبين وَأَمَّا الذين كفروا أَفَلَمْ تَكُنْ آياتي تتلى عَلَيْكُمْ} أي فيقال لهم ذلك.
وهواستفهام توبيخ.
{فاستكبرتم} عن قبو لها.
{وَكُنتُمْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ} أي مشركين تكسبون المعاصي.
يقال: فلان جريمة أهله إذا كان كاسِبهم؛ فالمجرم من أكسب نفسه المعاصي.
وقد قال الله تعالى: {أَفَنَجْعَلُ المسلمين كالمجرمين} [القلم: 5 3] فالمجرم ضدّ المسلم فهو المذنب بالكفر إذًا.
قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وعْدَ الله حَقٌّ} أي البعث كائن.
{والساعة لاَ رَيْبَ فِيهَا} وقرأ حمزة {وَالسَّاعَةَ} بالنصب عطفًا على {وَعْدَ}.
الباقون بالرفع على الاْبتداء. أو العطف على موضع {إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ}.
ولا يحسن على الضمير الذي في المصدر؛ لأنه غير مؤكد. والضمير المرفوع إنما يعطف عليه بغير تأكيد في الشعر.
{قُلْتُم مَّا نَدْرِي مَا الساعة} هل هي حق أم باطل.
{إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنًّا} تقديره عند المبَرِّد: إن نحن إلا نظن ظنًّا.
وقيل: التقدير: إن نظن إلا أنكم تظنون ظنًا.
وقيل: أي وقلتم إن نظن إلا ظنًا {وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} أن الساعة اتية. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وللَّهِ مُلْكُ السموات والأرض}.
بيانٌ لاختصاصِ المُلكِ المطلقِ والتَّصرفِ الكُليِّ فيهمَا وفيمَا بينهُمَا بالله عزَّ وجلَّ إثرَ بيانِ تصرفِه تعالى في النَّاسِ بالإحياءِ والإماتةِ والبعثِ والجمعِ للمُجازاةِ.
{وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ المبطلون} العاملُ في يومَ يَخْسرُ ويومئذٍ بدلٌ منه.
{وترى كُلَّ أُمَّةٍ} منَ الأُممِ المجموعةِ {جَاثِيَةً} باركةً على الركبِ مُستوفزةً. وقرئ {جاذيةً} أي جالسةً على أطرافِ الأصابعِ والجَذْوأشدُّ استيفازًا منَ الجُثُوّ. وعنِ ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهُمَا جائيةً مجتمعةً وقيلَ: جماعاتٍ من الجُثْوةِ وهيَ الجماعةُ.
{كُلُّ أمَّةٍ تدعى إلى كتابها} إلى صحيفةِ أعمالها. وقرئ {كُلَّ} بالنصبِ على أنَّه بدل من الأول وَتُدْعَى صفةٌ أو حال أو مفعول ثانٍ.
{اليوم تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} أي يقال لهم ذلكَ وقوله تعالى: {هذا كتابنا} الخ من تمامِ ما يُقال حينئذٍ وحيثُ كانَ كتابُ كلِّ أمةٍ مكتوبًا بأمرِ الله تعالى أضيفَ إلى نونِ العظمةِ تفخيمًا لشأنِه وتهويلًا لأمرِه فهذَا مبتدأٌ وكتابُنا خبرُهُ.
وقوله تعالى: {يَنطِقُ عَلَيْكُم} أيْ يشهد عليكُم {بالحق} من غيرِ زيادةٍ ولا نقصٍ. خبرٌ آخر أو حال وبالحقِّ حالٌ من فاعلِ ينطقُ.
وقوله تعالى: {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ} الخ تعليلٌ لنطقهِ عليهم بأعمالِهم من غيرِ إخلالٍ بشيءٍ منَها أي إنَّا كُنَّا فيما قبلُ نستكتبُ الملائكةَ {مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} في الدُّنيا منَ الأعمالِ حسنةً كانتْ أوسيئةً.
وقوله تعالى: {فَأَمَّا الذين ءآمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ في رَحْمَتِهِ} أي في جنتِه. تفصيلٌ لما يُفعلُ بالأممِ بعد بيانِ ما خُوطِبوا بهِ من الكلامِ المُنطوي على الوعدِ والوعيدِ.
{ذلك} أي الذي ذُكرَ من الإدخالِ في رحمتِه تعالى: {هوالفوز المبين} الظاهرُ كونُه فوزًا لا فوزَ وراءَهُ {وَأَمَّا الذين كَفَرُواْ أَفَلَمْ تَكُنْ ءاياتى تتلى عَلَيْكُمْ} أي فيقال لهم بطريقِ التوبيخِ والتقريعِ ألم يكنُ يأتيكم رُسلي فلم تكُنْ آياتي تُتلى عليكمُ فخذفَ المعطوفُ عليه ثقةً بدلالةِ القريبةِ عليهِ.
{فاستكبرتم} عن الإيمانِ بها {وَكُنتُمْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ} أي قومًا عادتُهم الإجرامُ {وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وعْدَ الله} أي ما وعدَهُ من الأمورِ الآتية أو وعدُه بذلكَ {حَقّ} أي واقعٌ لا محالةَ أو مطابقٌ للواقعِ {والساعة} التي هيَ أشهرُ ما وعدَهُ {لاَ رَيْبَ فِيهَا} أي في وقوعِها. وقرئ {والساعةَ} بالنصبِ عطفًا على اسمِ إنَّ وقراءة الرفعِ للعطفِ على محلِّ إنَّ واسمِها.
{قُلْتُمْ} لغايةِ عُتوِّكُم {مَّا نَدْرِى مَا الساعة} أيْ أيُّ شيءٍ هي استغرابًا لَها {إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنًّا} أيْ ما نفعلُ إلا ظنًا وقد مرَّ تحقيقُه في قوله تعالى: {إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يوحى إِلَيَّ} وقيلَ: ما نعتقدُ إلا ظنًا أي لا علمًا وقيلَ: ما نحنُ إلا نظنُّ ظنًا وقيلَ: ما نظنُّ إلا ظنًا ضعيفًا ويردُّه قوله تعالى: {وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} أي لإمكانِه فإنَّ مقابلَ الاستيقانِ مطلقُ الظنِّ لا الضعيفُ منه ولعلَّ هؤلاءِ غيرُ القائلينَ ما هيَ إلا حياتُنا الدُّنيا. اهـ.

.قال الألوسي:

{وللَّهِ مُلْكُ السموات والأرض}.
بيان للاختصاص المطلق والتصرف الكلي فيهما وفيما بينهما بالله عز وجل إثر بيان تصرفه تعالى بالإحياء والإماتة والبعث والجمع للمجازاة فهو تعميم للقدرة بعد تخصيص.
{وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ المبطلون} قال الزمخشري: العامل في {يَوْمٍ تَقُومُ} يخسر ويومئذٍ بدل من يوم تقوم وحكاه ابن عطية عن جماعة. وتقديم الظرف على الفعل للحصر لأن كل خسران عند الخسران في ذلك اليوم كلا خسران. وفيه أيضًا رعاية الفواصل على ما قيل. وتعقب حديث الإبدال بأن التنوين في {يَوْمَئِذٍ} عوض عن الجملة المضاف إليها. والظاهر أنها تقدر بقرينة ما قبل {تَقُومُ الساعة} فيقال ويوم تقوم الساعة يوم إذ تقوم الساعة يخسر المبطلون فيكون تأكيدًا لا بدلًا إذ لا وجه له. ولذا قيل: إنه بالتأكيد أشبه. وقول أبي حيان: إن كان بدلًا توكيديًا وهو قليل جاز وإلا فلا لا يسمن ولا يغني؛ وتكلف بعضهم فزعم أن اليوم الثاني بمعنى الوقت الذي هو جزء من يوم قيام الساعة فهو بدل بعض معه عائد مقدر ولما كان فيه ظهور خسرانهم كان هو المقصود بالنسبة. وقالت فرقة: العامل في {يَوْمٍ تَقُومُ} ما يدل عليه الملك قالوا: وذلك أن يوم القيامة أمر ثالث ليس بالسماء ولا بالأرض لتبدلهما فكأنه قيل: ولله ملك السموات والأرض والملك يوم تقوم الساعة. و{يَوْمَئِذٍ} منصوب بيخسر والجملة استئناف وإن كان لها تعلق بما قبلها من جهة تنوين العوض. وقيل: يجوز أن يكون عطفًا على ظرف معمول لملك المذكور كأنه قيل: لله ملك السموات والأرض اليوم ويوم تقوم الساعة وهو كما ترى. و{المبطلون} الداخلون في الباطل. ولعل المراد به أعظم أنواعه وهو الكفر.
{وترى كُلَّ أُمَّةٍ} من الأمم المجموعة {جَاثِيَةً} باركة على الركب مستوفزة وهي هيئة المذنب الخائف المنتظر لما يكره. وعن ابن عباس جاثية مجتمعة. وعن قتادة جماعات من الجثوة مثلثة الجيم وهي الجماعة تجتمع على جثي أي تراب مجتمع. وعن مؤرج السدوسي جاثية خاضعة بلغة قريش. والخطاب في {تَرَى} لمن يصح منه الرؤية أولسيد المخاطبين عليه الصلاة والسلام وهي بصرية. و{جَاثِيَةً} حال وجوز أن تكون صفة ولوكانت علمية كانت مفعولا ثانيًا. وقرئ {جاذية} بالذال والجذوأشد استيفازًا من الجثو لأن الجاذي هو الذي يجلس على أطراف أصابعه. وجوز أن يكون الجاذي بمعنى الجاثي أبدلت ثاؤه ذالًا فإن الثاء والذال متقارضان كما قيل شحاث وشحاذ {جَاثِيَةً كُلُّ أمَّةٍ تدعى إلى كتابها} إلى صحيفة أعمالها التي كتبتها الحفظة لتحاسب. وأفرد على إرادة الجنس وإلا فلكل واحد من كل أمة صحيفة فيها أعماله. وقيل: المراد كتاب نبيها تدعى إليه لينظر هل عملت به أولا وحكي ذلك عن يحيى بن سلام إلا أنه حمل كل أمة على كل أمة كافرة والظاهر العموم. وقيل: المراد بذلك اللوح المحفوظ أي تدعى إلى ما سبق لها فيه. وقرأ يعقوب {كُلٌّ} بالنصب وخرج على أنه بدل من كل الأول. وجملة {تدعى} صفة. وإبدال الأمة المدعوة إلى كتابها من الأمة الجاثية حسن وجاء ذلك من الوصف. ويقال مثل ذلك فيما إذا كان الجملة حالًا. وإذا كانت الرؤية علمية وجملة {تدعى} مفعولا ثانيًا فالظاهر أنه تأكيد. وجعله تأكيدًا مع كون الجملة صفة فيه تخلل التأكيد بين الوصفين وهو كما في (الكشف) غير مستحسن {اليوم تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} مقول قول مقدر هو حال أو خبر بعد خبر.
وفي الكلام مضاف مقدر أي جزاء ما كنتم الخ أو هو من المجاز.
{هذا كتابنا} إلى آخِره من تمام ما يقال حينئذٍ. والإشارة إلى الكتاب التي تدعي إليه الأمة المقول لها ذلك. وهو إذا كان صحيفة الأعمال فإضافته إلى ضميره جل شأنه لأدنى ملابسة على التجوز في النسبة الإضافية فإنه تعالى الذي أمر الكتبة أن يكتبوا فيه أعمالهم. وإن كان الكتاب المنزل على نبي تلك الأمة أو اللوح المحفوظ فأمر الإضافة ظاهر. وضمير العظمة على سائر الأوجه لتفخيم شأن الكتاب. وجوز أن يكون الضمير للكتبة والإضافة فيه حقيقية قيل: ويأباه {نَسْتَنسِخُ} إلا أن يجعل بمعنى ننسخ ونكتب وستعلم إن شاء الله تعالى ما فيه. واوظهر عندي حمل الكتاب في الموضعين على صحيفة الأعمال واسم الإشارة مبتدأ وما بعده خبر. وقوله سبحانه: {يَنطِقُ عَلَيْكُم} أي يشهد عليكم {بالحق} من غير زيادة ولا نقص خبر آخر أو حال أو مستأنف. و{بالحق} حال من فاعل {يَنطِقُ} وقوله تعالى: {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ} إلى آخِره تعليل لنطقه عليهم بأعمالهم من غير إخلال بشيء منها أي إنا كنا فيما قبل نستنسخ الملائكة أي نجعلها تنسخ وتكتب {مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} في الدنيا من الأعمال حسنة كانت أوسيئة. وحقيقة النسخ كتابة من أصل ينظر فيه فكان أفعال العباد هي الأصل على ما في (البحر). وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: إن الله تعالى خلق النون وهي الدواة وخلق القلم فقال: اكتب قال: ما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة من عمل معمول بر أوفاجر ورزق مقسوم حلال أوحرام ثم الزم كل شيء من ذلك بيانه دخو له في الدنيا متى ومقامه فيها كم وخروجه منها كيف ثم جعل على العباد حفظه وعلى الكتاب خزانًا فالحفظة يستنسخون كل يوم من الخوان عمل ذلك اليوم فإذا فني الرزق وانقطع الأمر وانقضى الأجل أتت الحفظة الخزنة يطلبون عمل ذلك اليوم فتقول الخزنة ما نجد لصاحبكم عندنا شيئًا فترجع فيجدونه قد مات ثم قال ابن عباس ألستم قومًا عربًا تسمعون الحفظة يقولون إن كنا نستنسخ ما كنتم تعملون وهل يكون الاستسناخ إلا من أصل؟
وفي رواية ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه رضي الله تعالى عنه أنه سئل عن الآية فذكر نحو ما سمعت ثم قال: هل يستنسخ الشيء إلا من كتاب. وكون الاستنساخ من اللوح قد رواه جماعة عنه. وما ذكرناه يصحح أن يكون هذا القول من الملائكة بدون تأويل {نَسْتَنسِخُ} بننسخ كما لا يخفى.
وقوله تعالى: {فَأَمَّا الذين ءآمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ في رَحْمَتِهِ} إلى آخِره تفصيل للمجمل المفهو م من قوله تعالى: {يَنطِقُ عَلَيْكُم بالحق} [الجاثية: 29] أو يجزون من الوعد والوعيد. والمراد بالرحمة الجنة مجازًا والظرفية على ظاهرها. وقيل: المراد بالرحمة ما يشمل الجنة وغيرها والأول أظهر {ذلك} الذي ذكر من الإدخال في رحمته تعالى: {هوالفوز المبين} الظاهر كونه فوزًا لا فوز وراءه.
{وَأَمَّا الذين كَفَرُواْ أَفَلَمْ تَكُنْ ءاياتي تتلى عَلَيْكُمْ} أي فيقال لهم بطريق التقريع والتوبيخ: ألم تكن تأتيكم رسلي فلم تكن آياتي تتلى عليكم فجواب أما القول المقدر. وحذف اكتفاءً بالمقصود وهو المقول وحذفه كثير مقيس حتى قيل هو البحر حدث عنه. وحذف المعطوف عليه لقرينة الفاء العاطفة وأن تلاوة الآيات تستلزم إتيان الرسل معنى. وهذا على ما ذهب إليه الزمخشري والجمهور على أن الهمزة مقدمة من تأخير لصدارتها والفاء على نية التقدير. والتقدير فيقال لهم: ألم تكن الخ فليس هناك سوى حذف القول. وفي (الكشف) لوحمل على أن المحذوف فيوبخون لدلالة ما بعده عليه. وفائدة هذا الأسلوب مع أن الأصل فيدخلهم في عذابهم الدلالة على أن المؤمنين يدخلون الجنة والكافرون بعد في الموقف معذبون بالتوبيخ لكان وجهًا {فاستكبرتم} عن الإيمان بها {وَكُنتُمْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ} قومًا عادتهم الإجرام.
{وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وعْدَ الله} أي وما وعده سبحانه من الأمور الآتية أو وعده تعالى بذلك {حَقّ} أي كائن هو أو متعلقه لا محالة ففي الكلام تجوز إما في الطرف أو في النسبة.
وقرأ الأعرج. وعمرو بن قائد {وَإِذَا قِيلَ إِنَّ} بفتح الهمزة على لغة سليم {والساعة لاَ رَيْبَ فِيهَا} برفع {الساعة} في قراءة الجمهور على العطف على محل إن واسمها على ما ذهب إليه أبو علي وتبعه الزمخشري. ومن زعم أن لاسم إن موضعًا جوز العطف عليه هنا. وزعم أبو حيان أن الصحيح أنه لا يجوز كلا الوجهين وعليه فجملة {الساعة لاَ رَيْبَ فِيهَا} عطف على الجملة السابقة. وقرأ حمزة {والساعة} بالنصب عطفًا على اسم أن وروي ذلك عن الأعمش. وأبي عمرو. وأبي حيوة. وعيسى. والعبسي. والمفضل. وذكر أمر الساعة وإنها لا ريب في وقوعها مع أنها من جملة ما وعد الله تعالى اعتناءً بأمر البعث المقصود بالمقام {قُلْتُمْ} لغاية عتوكم: {مَّا نَدْرِى مَا الساعة} أي أي شيء هي استغرابًا لها جدًّا كما يؤذن به جمع {مَّا نَدْرِى} مع الاستفهام.
{إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنًّا} استشكل ذلك لما أنه استثناء مفرغ وقد قالوا: لا يجوم تفريغ العامل إلى المفعول المطلق المؤكد فلا يقال: ما ضربت إلا ضربًا لأنه بمنزلة ما ضربت إلا ضربت. وقال الرضي: إن الاستثناء المفرغ يجب أن يستثنى من متعدد مقدر معرب بإعراب المستثنى مستغرق لذلك الجنس حتى يدخل فيه المستثنى بيقين ثم يخرج بالاستثناء وليس مصدر نظن محتملًا مع الظن غيره حتى يخرج الظن منه. وكذا يقال في ما ضربت إلا ضربًا ونحوه وهذا مراد من قال: إنه من قبيل استثناء الشيء من نفسه. واختلفوا في حله فقيل: إن معنى ما نظن ما نفعل الظن كما في نحوقيم وقعد وحينئذٍ يصح الاستثناء ويتغاير مورد النفي والإيجاب من حيث التقدير والتجوز في الاستثناء من العام المقدر وجعل {نَّظُنُّ} في معنى الفعل لا نفعل الظن كأنه قيل: ما نفعل فعلًا إلا الظن. وكذا يقال في أمثاله ومنها قوله الأعشى:
وحل به الشيب أثقاله ** وما اغتره الشيب إلا اغترار

وارتضاه صاحب الكشف. وقيل: ما نظن بتأويل ما نعتقد ويكون {ظَنّا} مفعولا به أي ما نعتقد شيئًا إلا ظنًا. وارتضاه أبو حيان.