فصل: قال البيضاوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وغيرهما بالرفع مثل قولك إن زيدًا في الدار وعمرًا في السوق أو وعمرو في السوق {لِِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ واختلاف الليل والنهار وَمَا أَنَزَلَ الله مِنَ السماء مَّن رِزْقٍ} أي مطر وسمي به لأنه سبب الرزق {فَأَحْيَا بِهِ الأرض بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرياح} {الريح} حمزة وعلي.
{ءايات لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} بالنصب: علي وحمزة. وغيرهما بالرفع. وهذا من العطف على عاملين سواء نصبت أو رفعت فالعاملان إذا نصبت (إن) و(في).
أقيمت الواو مقامهما فعملت الجر في {واختلاف الليل والنهار} والنصب في {ءايات}.
وإذا رفعت فالعاملان الابتداء و(في).
عملت الواوالرفع في آيات والجر في {واختلاف} هذا مذهب الأخفش لأنه يجوز العطف على عاملين. وأما سيبويه فإنه لا يجيزه وتخريج الآية عنده. أن يكون على اضمار (في) والذي حسنه تقديم ذكر (في) في الآيتين قبل هذه الآية ويؤيده قراءة ابن مسعود رضي الله عنه {وَفِى اختلاف الليل والنهار} ويجوز أن ينتصب {ءايات} على الاختصاص بعد انقضاء المجرور معطوفًا على ما قبله. أو على التكرير توكيدًا لآيات الأولى كأنه قيل: آيات آيات. ورفعها بإضمار هي.
والمعنى في تقديم الإيمان على الإيقان وتوسيطه وتأخير الآخر. أن المنصفين من العباد إذا نظروا في السماوات والأرض نظرًا صحيحًا علموا أنها مصنوعة وأنه لابد لها من صانع فآمنوا بالله. فإذا نظروا في خلق أنفسهم وتنقلها من حال إلى حال وفي خلق ما ظهر على الأرض من صنوف الحيوان ازدادوا إيمانًا وأيقنوا. فإذا نظروا في سائر الحوادث التي تتجدد في كل وقت كاختلاف الليل والنهار ونزول الأمطار وحياة الأرض بها بعد موتها. وتصريف الرياح جنوبًا وشمالًا وقبو لا ودبورًا. عقلوا واستحكم علمهم وخلص يقينهم {تِلْكَ} إشارة إلى الآيات المتقدمة أي تلك الآيات {ءايات الله} وقوله: {نَتْلُوهَا} في محل الحال أي متلوة {عَلَيْكَ بالحق} والعامل ما دل عليه {تِلْكَ} من معنى الإشارة {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ الله وءاياته} أي بعد آيات الله كقولهم (أعجبني زيد وكرمه) يريدون أعجبني كرم زيد {يُؤْمِنُونَ} حجازي وأبو عمرو وسهل وحفص. وبالتاء غيرهم على تقدير قل يا محمد.
{وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ} كذاب {أَثِيمٍ} متبالغ في اقتراف الاثام {يَسْمَعُ ءايات الله} في موضع جر صفة {تتلى عَلَيْهِ} حال من آيات الله {ثُمَّ يُصِرُّ} يقبل على كفره ويقيم عليه {مُسْتَكْبِرًا} عن الإيمان بالآيات والإذعان لما تنطق به من الحق مزدريًا لها معجبًا بما عنده.
قيل: نزلت في النضر بن الحرث وما كان يشتري من أحاديث العجم ويشغل بها الناس عن استماع القرآن.
والآية عامة في كل من كان مضارًا لدين الله.
وجيء بـ: (ثم) لأن الإصرار على الضلالة والاستكبار عن الإيمان عند سماع آيات القرآن مستبعد في العقول {كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا} (كأن) مخففة والأصل كأنه لم يسمعها والضمير ضمير الشأن ومحل الجملة النصب على الحال أي يصر مثل غير السامع {فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} فأخبره خبرًا يظهر أثره على البشرة.
{وَإِذَا عَلِمَ مِنْ ءاياتنا شَيْئًا} وإذا بلغه شيء من آياتنا وعلم أنه منها {اتخذها} اتخذ الآيات {هُزُوًا} ولم يقل اتخذه للإشعار بأنه إذا أحس بشيء من الكلام أنه من جملة الآيات خاض في الاستهزاء بجميع الآيات ولم يقتصر على الاستهزاء بما بلغه. ويجوز أن يرجع الضمير إلى شيء لأنه في معنى الآية كقول أبي العتاهية:
نفسي بشيء من الدنيا معلقة ** الله والقائم المهدي يكفيها

حيث أراد عتبة {أولئك} إشارة إلى كل أفاك أثيم لشموله الأفاكين {لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ} مخز {مِّن وَرَائِهِمْ} من قدامهم الوراء اسم للجهة التي يواريها الشخص من خلف أوقدام {جَهَنَّمُ ولا يُغْنِى عَنْهُم مَّا كَسَبُواْ} من الأموال {شَيْئًا} من عذاب الله {ولاَ مَا اتخذوا} (ما) فيهما مصدرية أو موصلة {مِن دُونِ الله} من الأوثان {أوليَاءَ ولهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} في جهنم.
{هذا هُدًى} إشارة إلى القرآن ويدل عليه {والذين كَفَرُواْ بئايات رَبِّهِمْ} لأن آيات ربهم هي القرآن أي هذا القرآن كامل في الهداية كما تقول: زيد رجل أي كامل في الرجو لية {لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ} هو أشد العذاب {أَلِيمٌ} بالرفع: مكي ويعقوب وحفص صفة لـ: {عذاب} وغيرهم بالجر صفة لـ: {رجز} {الله الذي سَخَّرَ لَكُمُ البحر لِتَجْرِيَ الفلك فِيهِ بِأَمْرِهِ} بإذنه {ولتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ} بالتجارة أوبالغوص على اللؤلؤ والمرجان واستخراج اللحم الطري {ولعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا في السماوات وَمَا في الأرض جَمِيعًا} هو تأكيد ما في السموات وهو مفعول {سَخَّرَ} وقيل: {جَمِيعًا} نصب على الحال {مِّنْهُ} حال أي سخر هذه الأشيئاء كائنة منه حاصلة من عنده. أو خبر مبتدأ محذوف أي هذه النعم كلها منه. أو صفة للمصدر أي تسخيرًا منه {إِنَّ في ذلك لآيات لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ قُل لِّلَّذِينَ ءَآمنوا يَغْفِرُواْ} أي قل لهم اغفروا يغفروا فحذف المقول لأن الجواب يدل عليه.
ومعنى يغفروا يعفوا ويصفحوا.
وقيل: إنه مجزوم بلام مضمر تقديره ليغفروفهو أمر مستأنف وجاز حذف اللام للدلالة على الأمر {لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ الله} لا يتوقعون وقائع الله بأعدائه من قولهم لوقائع العرب أيام العرب.
وقيل: لا يؤملون الأوقات التي وقتها الله تعالى لثواب المؤمنين ووعدهم الفوز فيها.
قيل: نزلت في عمر رضي الله عنه حين شتمه رجل من المشركين من بني غفار فهم أن يبطش به {لِيَجْزِيَ} تعليل للأمر بالمغفرة أي إنما أمروا بأن يغفروا ليوفيهم جزاء مغفرتهم يوم القيامة.
وتنكير {قَوْمًا} على المدح لهم كأنه قيل: ليجزي أيما قوم و{قَوْمًا} مخصوصين بصبرهم على أذى أعدائهم.
{لنجزى} شامي وحمزة وعلي.
{ليُجْزَيَ قَوْمًا} يزيد أي ليجزى الخير قومًا فأضمر الخير لدلالة الكلام عليه كما أضمر الشمس في قوله: {حتى تَوَارَتْ بالحجاب} [ص: 32] لأن قوله: {إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بالعشى} دليل على تواري الشمس. وليس التقدير ليجزي الجزاء قومًا لأن المصدر لا يقوم مقام الفاعل ومعك مفعول صحيح. أما إقامة المفعول الثاني مقام الفاعل فجائز وأنت تقول جزاك الله خيرًا {بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} من الإحسان.
{مَّنْ عَمِلَ صالحا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} أي لها الثواب وعليها العقاب {ثُمَّ إلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} أي إلى جزائه.
{ولقد ءَآتَيْنَا بَنِى إسراءيل الكتاب} التوراة {والحكم} الحكمة والفقه أوفصل الخصومات بين الناس لأن الملك كان فيهم {والنبوة} خصها بالذكر لكثرة الأنبياء عليهم السلام فيهم {وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ الطيبات} مما أحل الله لهم وأطاب من الأرزاق {وفضلناهم عَلَى العالمين} على عالمي زمانهم {وءآتيناهم بينات} آيات ومعجزات {مِّنَ الأمر} من أمر الدين {فَمَا اختلفوا} فما وقع الخلاف بينهم في الدين {إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ العلم بَغْيًا بَيْنَهُمْ} أي إلا من بعد ما جاءهم ما هو موجب لزوال الخلاف وهو العلم وإنما اختلفوا لبغي حدث بينهم أي لعداوة وحسد بينهم {إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِى بَيْنَهُمْ يَوْمَ القيامة فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} قيل: المراد اختلافهم في أوامر الله ونواهيه في التوراة حسدًا وطلبًا للرياسة لا عن جهل يكون الإنسان به معذورًا.
{ثُمَّ جعلناك} بعد اختلاف أهل الكتاب {على شَرِيعَةٍ} على طريقة ومنهاج {مِّنَ الأمر} من أمر الدين {فاتبعها} فاتبع شريعتك الثابتة بالحجج والدلائل {ولاَ تَتَّبِعْ أَهواءَ الذين لاَ يَعْلَمُونَ} ولا تتبع ما لا حجة عليه من أهواء الجهال ودينهم المبني على هو ى وبدعة وهم رؤساء قريش حين قالوا: ارجع إلى دين ابائك {إِنَّهُمْ} إن هؤلاء الكافرين {لَن يُغْنُواْ عَنكَ مِنَ الله شَيْئًا وَإِنَّ الظالمين بَعْضُهُمْ أوليَاءُ بَعْضٍ والله وليُّ المتقين} وهم موالوه وما أبين الفضل بين الولايتين.
{هذا} أي القرآن جعل ما فيه من معالم الدين والشرائع بمنزلة البصائر في القلوب كما جعل روحًا وحياة {وَهُدَىً} من الضلالة {وَرَحْمَةٌ} من العذاب {لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} لمن امن وأيقن بالبعث {أَمْ حَسِبَ الذين} (أم) منقطعة ومعنى الهمزة فيها إنكار الحسبان {اجترحوا السيئات} اكتسبوا المعاصي والكفر ومنه الجوارح وفلأن جارحة أهله أي كاسبهم {أَن نَّجْعَلَهُمْ} أن نصيرهم وهو من (جعل) المتعدي إلى مفعولين فأولهما الضمير والثاني الكاف في {كالذين ءَآمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات} والجملة التي هي {سَوَاءً محياهم ومماتهم} بدل من الكاف لأن الجملة تقع مفعولا ثانيًا فكانت في حكم المفرد. {سَوَاء} علي وحمزة وحفص بالنصب على الحال من الضمير في {نَّجْعَلَهُمْ} ويرتفع {محياهم ومماتهم} بـ: {سَوَاء}.
وقرأ الأعمش {ومماتهم} بالنصب جعل {محياهم ومماتهم} ظرفين كمقدم الحاج أي سواء في محياهم وفي مماتهم.
والمعنى إنكار أن يستوي المسيئون والمحسنون محيًا وأن يستووا مماتًا لافتراق أحوالهم أحياء. حيث عاش هؤلاء على القيام بالطاعات وأولئك على اقتراف السيئات. ومماتًا حيث مات هؤلاء على البشرى بالرحمة والكرامة وأولئك على اليأس من الرحمة والندامة. وقيل: معناه إنكار أن يستووا في الممات كما استو وا في الحياة في الرزق والصحة. وعن تميم الداري رضي الله عنه أنه كان يصلي ذات ليلة عند المقام فبلغ هذه الآية فجعل يبكي ويردد إلى الصباح. وعن الفضيل أنه بلغها فجعل يرددها ويبكي ويقول: يا فضيل ليت شعري من أي الفريقين أنت {سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} بئس ما يقضون إذا حسبوا أنهم كالمؤمنين فليس من أقعد على بساط الموافقة كمن أقعد على مقام المخالفة بل نفرق بينهم فنعلي المؤمنين ونخزي الكافرين.
{وَخَلَقَ الله السماوات والأرض بالحق} ليدل على قدرته {ولتجزى} معطوف على هذا المعلل المحذوف {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتخذ إلهه هواه} أي هو مطواع لهوى النفس يتبع ما تدعوه إليه فكأنه يعبده كما يعبد الرجل إلهه {وَأَضَلَّهُ الله على عِلْمٍ} منه باختياره الضلال أوأنشأ فيه فعل الضلال على علم منه بذلك {وَخَتَمَ على سَمْعِهِ} فلا يقبل وعظًا {وَقَلْبِهِ} فلا يعتقد حقًا {وَجَعَلَ على بَصَرِهِ غشاوة} فلا يبصر عبرة. {غشاوة} حمزة وعلي {فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ الله} من بعد إضلال الله إياه {أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ} بالتخفيف: حمزة وعلي وحفص. وغيرهم بالتشديد.
فأصل الشر متابعة الهوى والخير كله في مخالفته فنعم ما قال:
إذا طلبتك النفس يومًا بشهوة ** وكان إليها للخلاف طريق

فدعها وخالف ما هو يت فإنما ** هو اك عدو والخلاف صديق

{وَقالواْ مَا هِيَ} أي ما الحياة لأنهم وعدوا حياة ثانية {إِلاَّ حَيَاتُنَا الدنيا} التي نحن فيها {نَمُوتُ وَنَحْيَا} نموت نحن ونحيا ببقاء أولادنا. أو يموت بعض ويحيا بعض. أونكون مواتًا نطفًا في الأصلاب ونحيا بعد ذلك. أو يصيبنا الأمران الموت والحياة يريدون الحياة في الدنيا والموت بعدها وليس وراء ذلك حياة.
وقيل: هذا كلام من يقول بالتناسخ أي يموت الرجل ثم تجعل روحه في موات فيحيا به {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدهر} كانوا يزعمون أن مرور الأيام والليالي هو المؤثر في هلاك الأنفس وينكرون ملك الموت وقبضه الأرواح بإذن الله. وكانوا يضيفون كل حادثة تحدث إلى الدهر والزمان. وترى أشعارهم ناطقة بشكوى الزمان ومنه قوله عليه السلام: «لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر» أي فإن الله هو الاتي بالحوادث لا الدهر {وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ} وما يقولون ذلك من علم ويقين ولكن من ظن وتخمين.
{وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ ءاياتنا} أي القرآن يعني ما فيه من ذكر البعث {بينات مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ} وسمى قولهم حجة وإن لم يكن حجة لأنه في زعمهم حجة {إِلاَّ أَن قالواْ ائتوا بِأَبَاءِنَا} أي أحيوهم.
{الله إِن كُنتُمْ صادقين} في دعوى البعث. و{حُجَّتَهُمْ} خبر (كان) واسمها {أَن قالواْ} والمعنى ما كان حجتهم إلا مقالتهم: {ائتوا بِآبائنا} وقرئ {حُجَّتَهُمْ} بالرفع على أنها اسم (كان) و{أَن قالواْ} الخبر.
{قُلِ الله يُحْيِيكُمْ} في الدنيا {ثُمَّ يُمِيتُكُمْ} فيها عند انتهاء أعماركم {ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إلى يَوْمِ القيامة} أي يبعثكم يوم القيامة جميعًا ومن كان قادرًا على ذلك كان قادرًا على الإتيان بآبائكم ضرورة {لاَ رَيْبَ فِيهِ} أي في الجمع {ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ} قدرة الله على البعث لإعراضهم عن التفكر في الدلائل {وللَّهِ مُلْكُ السماوات والأرض وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ المبطلون} عامل النصب في {يَوْمٍ تَقُومُ} {يَخْسَرُ} و{يَوْمَئِذٍ} بدل من {يَوْمٍ تَقُومُ} {وترى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً} جالسة على الركب. يقال: جثا فلان يجثوإذا جلس على ركبتيه وقيل جاثية مجتمعة {كُلُّ أُمَّةٍ} بالرفع على الابتداء {كُلَّ} بالفتح: يعقوب على الإبدال من {كُلَّ أُمَّةٍ} {تدعى إلى كتابها} إلى صحائف أعمالها فاكتفى باسم الجنس فيقال لهم {اليوم تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} في الدنيا.
{هذا كتابنا} أضيف الكتاب إليهم لملابسته إياهم لأن أعمالهم مثبتة فيه وإلى الله تعالى لأنه مالكه والامر ملائكته أن يكتبوا فيه أعمال عباده {يَنطِقُ عَلَيْكُم} يشهد عليكم بما عملتم {بالحق} من غير زيادة ولا نقصان {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} أي نستكتب الملائكة أعمالكم.
وقيل: نسخت واستنسخت بمعنى وليس ذلك بنقل من كتاب بل معناه نثبت {فَأَمَّا الذين ءَآمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ في رَحْمَتِهِ} جنته {ذَلِكَ هو الفوز المبين وَأَمَّا الذين كَفَرُوا} فيقال لهم {أَفَلَمْ تَكُنْ ءاياتى تتلى عَلَيْكُمْ} والمعنى ألم يأتكم رسلي فلم تكن آياتي تتلى عليكم فحذف المعطوف عليه {فاستكبرتم} عن الإيمان بها {وَكُنتُمْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ} كافرين {وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وعْدَ الله} بالجزاء {حَقٌّ والساعة} بالرفع عطف على محل (إن) واسمها.
{والساعة}: حمزة عطف على {وَعَدَ الله} {لاَ رَيْبَ فِيهَا قُلْتُم مَّا نَدْرِى مَا الساعة} أي شيء الساعة {إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنًّا} أصله نظن ظنًا ومعناه إثبات الظن فحسب فأدخل حرف النفي والاستثناء ليفاد إثبات الظن مع نفي ما سواه. وزيد نفي ما سوى الظن توكيدًا بقوله: {وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ وَبَدَا لَهُمْ} ظهر لهؤلاء الكفار {سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ} قبائح أعمالهم أو عقوبات أعمالهم السيئات كقوله: {وَجَزَاء سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ مّثْلُهَا} [الشورى: 40] {وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ} ونزل بهم جزاء استهزائهم.
{وَقِيلَ اليوم نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هذا} أي نترككم في العذاب كما تركتم عدة لقاء يومكم وهي الطاعة. وإضافة اللقاء إلى اليوم كإضافة المكر في قوله: {بَلْ مَكْرُ الليل والنهار} [سبأ: 33] أي نسيتم لقاء الله تعالى في يومكم هذا ولقاء جزائه {وَمَأْوَاكُمُ النار} أي منزلكم {وَمَا لَكُمْ مِّن ناصرين ذلكم} العذاب {بِأَنَّكُمُ} بسبب أنكم {اتخذتم ءايات الله هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الحياة الدنيا فاليوم لاَ يُخْرَجُونَ مِنْهَا} {لاَ يَخْرُجُونَ} حمزة وعلي {ولاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} ولا يطلب منهم أن يعتبوا ربهم أي يرضوه {فَلِلَّهِ الحمد رَبِّ السماوات وَرَبِّ الأرض رَبِّ العالمين} أي فاحمدوا الله الذي هو ربكم ورب كل شيء من السماوات والأرض والعالمين. فإن مثل هذه الربوبية العامة توجب الحمد والثناء على كل مربوب {ولهُ الكبرياء في السماوات والأرض} وكبّروه فقد ظهرت اثار كبريائه وعظمته في السماوات والأرض {وَهوالعزيز} في انتقامه {الحكيم} في أحكامه. اهـ.

.قال البيضاوي:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.
{حم تَنزِيلُ الكتاب} إن جعلت {حم} مبتدأ خبره {تَنزِيلُ الكتاب} احتجت إلى إضمار مثل ذلك {تَنزِيلُ} {حم}. وإن جعلتها تعديدًا للحروف كان {تَنزِيلُ} مبتدأ خبره: {مِنَ الله العزيز الحكيم} وقيل {حم} مقسم به و{تَنزِيلُ الكتاب} صفته وجواب القسم: