فصل: قال نظام الدين النيسابوري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{وَبَدَا لَهُمْ} ظهر لهم.
{سَيّئَاتُ مَا عَمِلُواْ} على ما كانت عليه بأن عرفوا قبحها وعاينوا وخامة عاقبتها. أوجزاءها.
{وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ} وهو الجزاء.
{وَقِيلَ اليوم نَنسَاكُمْ} نترككم في العذاب ترك ما ينسى.
{كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هذا} كما تركتم عدته ولم تبالوا به. وإضافة لقاء إلى يوم إضافة المصدر إلى ظرفه.
{وَمَأْوَاكُمُ النار وَمَا لَكُمْ مّن ناصرين} يخلصونكم منها.
{ذَلِكُم بِأَنَّكُمُ اتخذتم ءايات الله هُزُوًا} استهزأتم بها ولم تتفكروا فيها.
{وَغَرَّتْكُمُ الحياة الدنيا} فحسبتم أن لا حياة سواها.
{فاليوم لاَ يُخْرَجُونَ مِنْهَا} وقرأ حمزة والكسائي بفتح الياء وضم الراء.
{ولاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} لا يطلب منهم أن يعتبوا ربهم أي يرضوه لفوات أوانه.
{فَلِلَّهِ الحمد رَبّ السموات وَرَبّ الأرض رَبّ العالمين} إذا لكل نعمة منه ودال على كمال قدرته.
{ولهُ الكبرياء في السموات والأرض} إذ ظهر فيها اثارها.
{وَهوالعزيز} الذي لا يغلب.
{الحكيم} فيما قدر وقضى فاحمدوه وكبروه وأطيعوا له. عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ حم الجاثية ستر الله عورته وسكن روعته يوم الحساب». اهـ.

.قال نظام الدين النيسابوري:

{حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لآيات لِلْمُؤْمِنِينَ (3)}.
التفسير: إعراب أول السورة وتفسيرها كإعراب أول (المؤمن) وتفسيره وقوله: {إن في السموات} إما أن يكون على ظاهره واياتها الشمس والقمر والنجوم وحركاتها وأوضاعها وكذا العناصر والمواليد التي في الأرض مما يعجز الحاصر عن إدراك أعدادها. وإما أن يراد إن في خلق السموات والأرض فالآيات تشمل ما عددنا مع زيادة هيئتهما وما يتعلق بتشخيصهما.
استدل الأخفش بالآية الثالثة على جواز العطف على عاملين. مختلفين وهما في قراءة النصب (إن) وفي أقيمت الواومقامها فعملت الجر في اختلاف الليل. والنصب في آيات وهما في قراءة الرفع الابتداء وفي. وخرج لسيبويه في جوابه وجهان: أحدهما أن قوله: {آيات} تكرار محض للتأكيد فقط من غير حاجة إلى ذكرها كما تقول: إن في الدار زيدًا وفي الحجرة زيدًا والمسجد زيدًا. وأنت تريد أن في الدار زيدًا والحجرة والمسجد. والثاني إضمار في لدلالة الأول عليه. ويحتمل أن ينتصب {آيات} على الاختصاص. ويرتفع بإضمار هي. وتفسير هذه الآيات قد مر في نظائرها مرارًا ولاسيما في أواسط (البقرة) ومما يختص بالمقام أنه خص المؤمنين بالذكر أولا ثم قال: {لقوم يوقنون} ثم {يعقلون} فما سبب هذا الترتيب؟ قال الإمام فخر الدين الرازي رحمه الله: أراد إن كنتم مؤمنين فافهموا هذه الدلائل وإلا فإن كنتم طلاب الحق واليقين فافهموا هذه الدلائل. وإن كنتم لستم من المؤمنين ولا من الموقنين فلا أقل من أن تكونوا من زمرة العاقلين. فاجتهدوا في معرفة هذه الدلائل. وقال جار الله: معناه إن المنصفين من العباد إذا نظروا في السموات والأرض النظر الصحيح علموا أنها لابد لها من صانع فآمنوا به وأقروا. فإذا نظروا في خلق أنفسهم وتنقلها من حال إلى حال. وفي خلق ما بث من الدواب على ظهر الأرض. ازدادوا إيمانًا وأيقنوا وانتفى عنهم اللبس. وإذا نظروا في سائر الحوادث كاختلاف الليل والنهار ونزول الأمطار التي هي سبب الأرزاق وحياة الأرض بعد موتها. وتصريف الرياح جنوبًا وشمالًا وقبو لا ودبورًا. عقلوا واستحكم عقلهم وخلص يقينهم. وأقول: الدلائل المذكورة في هذه الآيات قسمان: نفسية وخارجية. فالنفسية أولى بالإيقان لأنه لا شيء أقرب إلى الإنسان من نفسه. والخارجية بعضها فلكية وبعضها اثار علوية. فالفلكية لبعدها عن الإنسان اكتفى فيها بمجرد التصديق. وأما الآثار العلوية فكانت أولى بالنظر والاستدلال لقربها وللإحساس بها فلا جرم خصت بالتعقل والتدبر. وأما تقديم السموات على الأرض فلشمولها ولتقدمها في الوجود.
{تلك} مبتدأ والتبعيد للتعظيم والمشار إليها الآيات المتقدمة و{نتلوها} في محل الحال.
وقوله: {بعد الله وآياته} كقولهم: أعجبني زيد وكرمه. وأصله بعد آيات الله. والمعنى أن من لم يؤمن بكلام الله فلن يؤمن بحديث سواه. وقيل: معناه القرآن آخر كتب الله. ومحمد آخر رسله. فإن لم يؤمنوا به فبأي كتاب بعده يؤمنون ولا كتاب بعده ولا نبي. ثم أو عد الناس المبالغين في الإثم وقد مر ما في الآية في سورة لقمان. قوله: {وإذا علم} أي شعر وأحس بأنه من جملة القرآن المنزل خاض في الاستهزاء. وإذا وقف على آية لها محل في باب الطعن والقدح افترضه وحمله على الوجه الموجب للطعن كافتراض ابن الزبعري في قوله: {إنكم وما تعبدون من دون الله} [الأنبياء: 98] وإنما أنّث الضمير في قوله: {اتخذها} لأن الشيء في معنى الآية أولأنه أراد أن يتخذ جميع الآيات هزوًا ولا يقتصر على الاستهزاء بما بلغه. قوله: {من ورائهم جهنم} كل ما توارى عنك فهو وراء تقدم أوتأخر. وقد مر في سورة إبراهيم عليه السلام {هذا هدى} أي هذا القرآن كامل في باب الهداية والإرشاد. ثم ذكر دليلًا آخر على الوحدانية وهو تسخير البحر لبني آدم وقد سبق وجه الدلالة مرارًا.
وقوله: {ولتبتغوا} أي بسبب التجارة أوبالغوص على اللؤلؤ والمرجان أوباستخراج اللحم الطري. ثم عمم بعد التخصيص وقوله: {منه} في موضع الحال أي سخر جميع ما في السموات والأرض كائنة منه. يريد أنه أوجدها بقدرته وحكمته ثم سخرها لخلقه. ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف أي هذه النعم كلها منه. عن ابن عباس برواية عطاء أن الصحابة نزلوا في غزوة بني المصطلق على بئر- يقال لها المريسيع- فأرسل عبد الله بن أبيّ غلامه ليستقي الماء فأبطأ عليه فلما أتاه قال له: ما حبسك؟ قال: غلام عمر قعد على رأس البئر فما ترك أحدًا يستقي حتى ملأ قرب النبي وقرب أبي بكر وملأ لمو لاه. فقال عبد الله: ما مثلنا ومثل هؤلاء إلا كما قيل: سمن كلبك يأكلك فبلغ قوله عمر فاشتمل بسيفه يريد التوجه إليه فأنزل الله تعالى: {قل للذين آمنوا} يعني عمر {يغفروا للذين لا يرجون أيام الله} لا يتوقعون وقائعه بأعداء الله أولا يأملون قوة المؤمنين في أيام الله الموعودة لهم. والمراد الصفح والإعراض. عن عبد الله بن أبي وفي رواية ميمون بن مهران عن ابن عباس: لما نزلت {من ذا الذي يقرض الله} [البقرة: 245] قال اليهودي فنحاص بن عازوراء: احتاج رب محمد فبلغ ذلك عمر فأخذ سيفه فخرج في طلبه. فجاء جبرائيل وأنزل الآية هذه. وليس المقصود أن لا تقتلوا ولا تقاتلوا حتى يلزم نسخها بآية القتال كما ذهب إليه كثير من المفسرين. ولكن الأولى أن يحمل على ترك المنازعة في المحقرأت وفي أفعالهم الموحشة المؤذية. وإنما أنكر {قومًا} مع أنه أراد بقوم الذين آمنوا وهم معارف ليدل على مدحهم والثناء عليهم كأنه قيل: لنجزي قومًا كاملين في الصبر والإغضاء على أذى الأعداء {بما كانوا يكسبون} من الثواب العظيم بكظم الغيظ واحتمال المكروه. وقيل: القوم هم الكافرون الكاملون في النفاق. ثم فصل الجزاء وعمم الحكم بقوله: {من عمل صالحًا} الآية.
ثم بين أن للمتأخرين من الكفار أسوة بالمتقدمين منهم والكتاب التوراة والحكم بيان الشرائع والبينات من الأمر أدلة أمور الدين. وقال ابن عباس: يريد أنه تبين لهم من أمر النبي صلى الله عليه وسلم أنه مهاجر من تهامة إلى يثرب.
وقيل: هي المعجزات القاهرة على صحة نبوة موسى {فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم} فيه احتمالأن: أحدهما علموا ثم عاندوا. والثاني جاءهم أسباب المعرفة التي لوتأملوا فيها لعرفوا الحق ولكنهم أظهروا النزاع حسدًا.
{ثم جعلناك على شريعة} أي منهاج وطريقة {من الأمر} أمر الدين وقيل: من الأمر الذي أمرنا به من قبلك من رسلنا. قال الكلبي: إن رؤساء قريش قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم وهو بمكة ارجع إلى ملة ابائك وهم كانوا أفضل منك وأسن فزجره الله تعالى عن ذلك بقوله: {ولا تتبع} إلى آخِره أي لوملت إلى أديانهم الباطلة لصرت مستحقًا للعذاب وهم لا يقدرون على دفعه عنك. ثم أشار بعد النهي عن اتباع أهوائهم بقوله: {ولا تتبع} أتباعهم إلى الفرق بين ولاة الظالمين وهم أشكالهم من الظلمة. وبين ولي المتقين وهو الله سبحانه. ومن جملة اثار ولايته وبركة عنايته {هذا} القرآن. وقيل: ما تقدم من اتباع الشريعة وترك طاعة الظالم وجعل القرآن مشارًا إليه أولى لقوله إلى آخِره. وقد مر في آخر (الأعراف) مثله. ثم بين الفرق بين الظالمين والمتقين من وجه آخر قائلًا {أم حسب} قال جار الله: {أم} منقطعة والآية نظيرة ما سلف في (ص) {أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين} [الآية: 28] والاجتراح الاكتساب. من قرأ {سواء} بالنصب فمعناه مستويًا والظاهر بعده فاعله ويكون انتصابه على البدل من ثاني مفعولي {نجعل} وهو الكاف. من قرأ بالرفع بخبر {ومحياهم} مبتدأ والجملة بدل أيضًا لأن الجملة تقع مفعولا ثانيًا. والمعنى إنكار أن يستوي الفريقان حياة وموتًا. لأن المحسنين عاشوا على الطاعة وإنهم عاشوا على المعصية ومات أولئك على البشرى والرحمة. ومات هؤلاء على الضد. وقيل: معناه إنكار أن يستويا في الممات كما استو وا في الحياة من حيث الصحة والرزق. بل قد يكون الكافر أرجح حالًا من المؤمن. فالفرق المتقضي لسعادة المؤمن وشقاوة الكافر إنما يظهر بعد الوفاة. وقيل: إنه كلام مستأنف. والمراد أن كلًا من الفريقين يموت على حسب ما عاش عليه لقوله صلى الله عليه وسلم: «كما تعيشون تموتون» وحين أفتى بأن المؤمن لا يساويه الكافر في درجات السعادات استدل على صحة هذه الدعوى بقوله: {وخلق الله} الآية. قال جار الله: {ولتجزى} معطوف على {بالحق} لأنه في معنى التعليل أي للعدل. أوليدل بها على قدرته وللجزاء. ويجوز أن يكون المعلل محذوفًا وهو فعلنا ونحوه. والحاصل أن الغاية من خلق السماء والأرض كان هو الإنسان الكامل فكيف يترك الله جزاءه وجزاء من هو ضده والتميز بينهما بموجب العدالة.
ثم قرر أسباب ضلال المضلين قائلًا {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه} أي يتبع ما تدعوإليه نفسه الأمارة وقد مر في الفرقان {وأضله الله على علم} بحالة أنه من أهل الخذلان والقهر. أو على علم الضلال في سابق القضاء. أو على علم بوجوه الهداية وإحاطته بالألطاف المحصلة لها. وقيل: أراد به المعاند لأن ضلاله عن علم {فمن يهديه من بعد} إضلال {الله} قال بعض العلماء: قدم السمع على القلب في هذه الآية وبالعكس في (البقرة) لأن كفار مكة كانوا يبغضونه بقلوبهم وما كانوا يستمعون إليه وكفار المدينة. كانوا يلقون إلى الناس أن النبي صلى الله عليه وسلم شاعر وكاهن وأنه يطلب الملك والرياسة. فالسامعون إذا سمعوا ذلك أبغضوه ونفرت قلوبهم عنه. ففي هذه الصورة على هذا التقدير كان الأثر يصعد من البدن إلى جوهر النفس. وفي الصورة الأولى كان الأثر ينزل من جوهر النفس إلى قرأر البدن. فورد ما في كل سورة على ترتيبه. ثم ذكر من أسباب الضلال سببًا آخر وهو إنكارهم البعث معتقدين أن لا حياة لا هذه. وليس قولهم الدنيا تسلمًا لثانية وإنما هو قول منهم على لسان المقرين وبزعمهم {نموت ونحيى} فيه تقديم وتأخير على أن الواو لا توجب الترتيب. وقيل: يموت الآباء وتحيا الأبناء وحياة الأبناء حياة الآباء. أو يموت بعض. ويحيا بعض. أوأرادوا بكونهم أمواتًا حال كونهم نطفًا. أوهو على مذهب أهل التناسخ أي يموت الرجل ثم تجعل روحه في بدن آخر. ثم إنهم لم يقنعوا بإنكار المعاد حتى ضموا إليه إنكار المبدأ قائلين {وما يهلكنا إلا الدهر} اعتقدوا أن تو لد الأشخاص وكون الممتزجات وفسادها ليس إلا بسبب مزاوجات الكواكب. ولا حاجة في هذا الباب إلى مبدئ المبادئ فأجاب الله عن شبهتهم بقوله: {وما لهم بذلك من علم} أي ليس لهم على ما قالوه دليل وإنما ذكروا ذلك ظنًا تخمينًا واستبعادًا فلا ينبغي للعاقل أن يلتفت إلى قولهم. لأن الحجة قامت على نقيض ذلك وهي دليل المبدأ والمعاد المذكور مرارًا وأطورًا. وليس قولهم {ائتوا بآبائنا} من الحجة في شيء لأنه ليس كل ما لا يحصل في الحال فإنه يمتنع حصو له في الاستقبال بدليل الحادث اليومي الممتنع حصو له في الأمس. فوجه الاستثناء أنه في أسلوب قوله:
تحية بينهم ضرب وجيع

وحين بكتهم وسكتهم صرح بما هو الحق وقال: {قل الله يحييكم} إلى آخِره. ثم أراد أن يختم السورة بوصف يوم القيامة وما سيجري على الكفار فيه فقال: {ويوم تقوم الساعة} العامل فيه يخسر وقوله: {يومئذ} بدل من {يوم} وفيه تأكيد للحصر المستفاد من تقديم الظرف. قال ابن عباس: الجاثية المجتمعة للحساب المترقبة لما يعمل بها. وقيل: باركة جلسة المدعي عند الحاكم.
وقيل: مستوفزًا لا يصيب الأرض إلا ركبتاه وأطراف أنامله. والجثو للكفار خاصة. وقيل: عام بدليل قوله بعد ذلك {فأما الذين آمنوا} {وأما الذين كفروا} {تدعى إلى كتابها} يريد كتاب الحفظة ليقرؤه. وقال الجاحظ: إلى كتاب نبيها فينظر هل عملوا به أم لا. ويقال: يا أهل التوراة يا أهل القرآن.
{اليوم تجزون} بتقدير القول ومما يؤيد القول الأول قوله: {هذا كتابنا} إلى قوله: {إنا كنا نستنسخ} أي نأمر بالنسخ. وإضافة الكتاب تارة إليهم وأخرى إلى الله عز وجل صحيحة لأن الإضافة يكفي فيها أدنى ملابسة. فأضيف إليهم لأن أعمالهم مثبتة فيه. وأضيف إلى الله سبحانه لأنه أمر ملائكته بكتبه. قوله: {أفلم تكن} القول فيه مقدر أي فيقال لهم ذلك قوله: {إن نظن إلا ظنًا} قال أبو علي والأخفش: هذا الكلام جار على غير الظاهر لأن كل من يظن فإنه لا يظن إلا الظن. فتأويله أن ينوي به التقديم أي ما نحن إلا نظن ظنًا. وقال المازني: تقديره إن نظن نحن إلا ظنًا منكم أي أنتم شاكون فيما تزعمون وما نحن بمستيقنين أنكم لا تظنون. وقال جار الله: أصله نظن ظنًا ومعناه إثبات الظن فحسب. فأدخل أداة الحصر ليفيد إثبات الظن مع نفي ما سواه وأقول: الظن قد يطلق على ما يقرب من العلم. ولا ريب أن لهذا الرجحان مراتب وكأنهم نفوا كل الظنون إلا الذي لا ثبوت علم فيه وأكدوا هذا المعنى بقوله: {وما نحن بمستيقنين} وباقي السورة واضح مما سلف والله أعلم. اهـ.

.قال الخطيب الشربيني:

سورة الجاثية مكية إلا {قل للذين آمنوا يغفروا} الآية هي سبع وثلاثون آية وأربعمائة وثمان وثمانون كلمة. وألفان ومائة وواحد وتسعون حرفًا.
{بِسْمِ الله} الذي تفرد بتمام العز والكبرياء {الرحمن} الذي أحكم رحمته بالبيان العام للسعداء والأشقياء {الرحيم} الذي خص بملابسة طاعته الأولياء وتقدم الكلام على قوله تعالى: {حم} ثم إن جعلتها اسمًا مبتدأ مخبرًا عنه بقوله تعالى: {تنزيل الكتاب} أي: الجامع لكل خير لم يكن بد من حذف مضاف تقديره. تنزيل حم تنزيل الكتاب.
وقوله تعالى: {من الله} أي: المحيط بصفات الكمال صلة للتنزيل. وإن جعلتها تعديدًا للحروف كان تنزيل الكتاب مبتدأ والظرف خبرًا {العزيز} في ملكه {الحكيم} في صنعه.
ولما كانت الحواميم كما روى أبو عبيدة في كتاب الفضائل عن ابن عباس لبيان القرآن حذف ما ذكر في البقرة من قوله تعالى: {خلق} ليكون ما هنا أشمل فقال تعالى: {إن في السموات} أي: ذواتها بما لها من الدلالة على صانعها وخلقها على ما فيها من العبر بما فيها من المنافع وعظيم الصنعة وما لها من الشفوف الدال على تعددها بما فيها من الكواكب {والأرض} كذلك وبما حوت من المعادن والمعاش {لآيات} أي: دلالات على وجود الإله القادر الفاعل المختار فإن من المعلوم أنه لابد لكل ذلك من صانع متصف بذلك وقال تعالى: {للمؤمنين} لأنهم برسوخهم في هذا الوصف الشريف أهل للنظر لأن ربهم يهديهم بإيمانهم. فشواهد الربوبية لهم منهما لائحة وأدلة الإلهية فيهما واضحة.