فصل: قال الفراء:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



أ- قال مسروق ليس هو عبد الله بن سلام لأن السورة مكية والمعنى لموسى صلى الله عليه وسلم والتوراة وأهل الكتاب أنزل الله جل وعز التوراة على موسى فآمن بها أهل الكتاب (وكفرتم به) مخاطبة لقريش قال (وسبقونا إليه) يعني أهل الكتاب.
بـ:- روى ابن عون عن الشعبي في قوله تعالى: {وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله} قال هو رجل من أهل الكتاب وليس بعبد الله بن سلام لأن السورة مكية وإنما اسلم عبد الله بن سلام قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بعامين قال أبو جعفر هذا الاعتراض لا يلزم وسئل محمد بن سيرين عن هذا بعينه فقال كانت الآية تنزل فيقال لهم ألحقوها في سورة كذا وكذا قال أبو جعفر فهذا جواب عن ذاك ويجوز أن تكون الآية نزلت بمكة ويكون المعنى أرأيتم إن كان من عند الله وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله أتؤمنون؟ وقال الحسن نزل هذا بمكة فآمن عبد الله بن سلام بالمدينة.
6- ثم قال جل وعز: {وقال الذين كفروا لوكان خيرا ما سبقونا إليه} (آية 11) قال مسروق هم أهل الكتاب وقال الحسن اسلم وغفار فقالت قريش لوكان خيرا ما سبقونا إليه.
7- وقوله جل وعز: {وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين} (آية 12)؛ فيه جوابان:
أحدهما أن المعنى مصدق له أي لكتاب موسى صلى الله عليه وسلم ثم حذف لأن قبله {ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة} و {عربيا} حال و لسانا توطئه للحال أي توكيد كما يقال جاءني زيد رجلا صالحا ويقوي هذا أنه في قراءة عبد الله: {وهذا كتاب مصدق لما بين يديه لسانا عربيا}.
والجواب الآخر: أن يكون لسانا مفعولا يراد به النبي صلى الله عليه وسلم ويكون المعنى ذا لسان عربي ثم قال: {لتنذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين} (آية 12) يجوز أن يكون المعنى وهو بشرى وأن يكون المعنى وتبشر المحسنين بشرى.
8- وقوله جل وعز: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون} (آية 13) قد بينا معنى {ثم استقاموا} فيما تقدم.
9- وقوله جل وعز: {ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا} (آية 15) {إحسانا} أي يحسن إليهما إحسانا.
10- ثم قال تعالى: {حملته أمه كرها ووضعته كرها} (آية 15) ويقرأ {كرها} بفتح الكاف وهو عند بعض العربية لحن لأنه يفرق بينهما قال الحسن ومجاهد وقتادة الكره المشقة والفراء وجماعة من أهل العربية يذهبون إلى أن الكره بفتح الكاف القهر والغصب فعلى هذا القول يكون لحنا وقال الكسائي الكره والكره بمعنى واحد وكذلك هو عند البصريين جميعا لا اعلم بينهم اختلافا لأن الكره المصدر والكره اسم بمعناه.
11- وقوله جل وعز: {حتى إذا أبلغ أشده وبلغ أربعين سنة} (آية 15) قال مجاهد سالت ابن عباس عن قوله تعالى: {حتى إذا بلغ أشده} فقال بضعا وثلاثين سنة قال مجاهد ثلاثا وثلاثين.
قال أبو جعفر وقيل الأشد ثماني عشرة سنة والأول أشبه لاتساق الكلام الا ترى أن بعده {وبلغ أربعين سنة}؟ وأيضا فإن البالغ ثلاثا وثلاثين سنة أولى بهذا الاسم لأنه أكمل.
12- وقوله جل وعز: {قال رب أوزعني ان اشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي} (آية 15) روى أحمد بن عبد الله بن يونس عن أبي بكر بن عياش في قوله تعالى: {أوزعني ان اشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي} قال هو أبو بكر الصديق فلم يكفر له أب ولا أم قال: {وأوزعني} ألهمني.
13- وقوله جل وعز: {والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي} (آية 17) قال الفراء أف لكما أي قذرا لكما {أتعدانني أن أخرج} روى سعيد عن قتادة قال هذا عبد سوء نعته الله جل وعز قال لوالديه أتعدانني أن أبعث.
14- وقوله جل وعز: {ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا} (آية 20) وقرأ يزيد بن القعقاع {أأذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا} بالاستفهام قال أبو جعفر العرب تقرر وتوبخ بالاستفهام وغير الاستفهام ويروى ان عمر رضي الله عنه رأى جابر بن عبد الله ومعه إنسان يحمل شيئا فقال ما هذا فقال لحم اشتريته بدرهم فقال أكلما قام أحدكم اشترى لحما بدرهم والله لو شئت أن أكون أطيبكم طعاما والينكم ثوبا لفعلت ولكن الله يقول: {أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا} فأنا اترك طيباتي.
15- وقوله جل وعز: {فاليوم تجزون عذاب الهون} (آية 20) قال مجاهد الهون الهوان.
16- وقوله جل وعز: {واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه} (آية 21) قال قتادة كانت عاد أحياء من اليمن منازلهم عند الرمال والدكاوات قال أبو جعفر الحقف عند أهل اللغة الرمل المنحني وجمعه حقفة محمد وأحقاف وفي الحديث «أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بظبي حاقف» أي منحن متثن.
17- إلى وقوله جل وعز: {قالوا أجئتنا لتأفكنا عن الهتنا} (آية 23) معنى {لتأفكنا} لتصرفنا.
18- وقوله جل وعز: {فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا} (آية 24) أي فلما رأوا الذي أو عدوا كسحاب عارض قد اعترض فيه عذاب ولم يعلموا أن فيه عذابا قالوا هذا عارض ممطرنا روى طاو وس عن ابن عباس قال كان لعاد واد إذا جاء المطر أو الغيم من ناحيته كان غيثا فأرسل الله عليهم العذاب من ناحيته فلما وعدهم هود صلى الله عليه وسلم بالعذاب ورأوا العارض قالوا (هذا عارض ممطرنا) قال لهم هود عليه السلام {بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب اليم} فقالوا كذبت كذبت فقال الله جل وعز: {فاصبحوا لا يرى إلا مساكنهم}.
19- وقوله جل وعز: {ولقد مكناهم في ما إن مكناكم فيه وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة} (آية 26) قال قتادة أنبأنا الله أنه قد مكنهم في شيء لم يمكنا فيه.
قال أبو جعفر فإن على هذا القول بمعنى ما وقد قيل انها زائدة والأول أولى لأنه لا يعرف زيادتها إلا في النفي وفي الآيجاب أن بالفتح.
20- وقوله جل وعز: {وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن} (آية 29) قال زر بن حبيش كانوا تسعة نفر.
21- وقوله جل وعز: {فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل} (آية 35) قال قتادة هم أربعة نوح وإبراهيم وموسى وعيسى صلى الله عليهم.
وقال مجاهد وعطاء الخرساني أولو العزم من الرسل خمسة نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليهم.
22- وقوله جل وعز: {بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون} (آية 35) أي ذلك بلاغ وقرأ عيسى بن عمر (بلاغا) وقرأ أبو مجلز (بلغ) على الأمر.
23- ثم قال جل وعز: {فهل يهلك إلا القوم الفاسقون} (آية 35) أي فهل يهلك مع رحمة الله وتفضله إلا القوم الفاسقون؟
تم تفسير سورة الأحقاف. اهـ.

.قال الفراء:

سورة الأحقاف:
{قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَاذَا أو أثارة مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}.
قوله عز وجل: {أَرَأَيْتُمْ مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ}. ثم قال: {أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ} ولم يقل: خلقت. ولا خلقن؛ لأنه إنما أراد الأصنام. فجعل فعلهم كفعل الناس وأشباههم؛ لأن الأصنام تُكلّم وتُعبد وتعتاد وتعظم كما تعظم الأمراء وأشباههم. فذهب بها إلى مثل الناس. وهى في قراءة عبد الله: بن مسعود: {مَن تعبدون من دون الله}. فجعلها (مَن). فهذا تصريح بشبه الناس في الفعل وفى الاسم. وفى قراءة عبد الله: {أريتكم}. وعامة ما في قراءته من قول الله أريت. وأريتم فهي في قراءة عبد الله بالكاف. حتى إن في قراءته: {أرَيْتك الذي يُكذِّب بالدين}.
وقوله: {أو أثارة مِّنْ عِلْمٍ}.
قرأها العوامّ: {أثارة}. وقرأها بعضهم قال: قرأ أبو عبدالرحمن فيما أعلم و{أثْرةً} خفيفة. وقد ذكر عن بعض القراء {أثَرة}. والمعنى فيهن كلهن: بقية من علم. أو شيء مأثور من كتب الأولين.
فمن قرأ {أثارة} فهو كالمصدر مثل قولك: السماحة. والشجاعة.
ومن قرأ {أَثَرة} فإنه بناه على الأثر. كما قيل: قَتَرة.
ومن قرأ {أَثْرة} كأن أراد مثل قوله: {إلا من خطِف الخطفة}. والرَّجفة.
{وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُواْ مِن دُونِ اللَّهِ مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ}.
وقوله: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُواْ مِن دُونِ اللَّهِ مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ}.
عنى بـ (من) الأصنام. وهى في قراءة عبد الله: {ما لا يستجيب له}. فهذا مما ذكرت لك فى: من. وما.
{قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي ولا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ}.
وقوله: {قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ الرُّسُلِ}.
يقول: لم أكن أول من بُعث. قد بُعث قبلي أنبياء كثير.
وقوله: {وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي ولا بِكُمْ}.
نزلت في أصحاب النبي صلى الله عليه. وذلك أنهم شكوا إليه ما يلقون من أهل مكة قبل أن يؤمر بقتالهم. فقال النبي صلى الله عليه: «إني قد رأيت في منامي أنى أهاجر إلى أرض ذات نخل وشجر وماء». فاستبشَروا بذلك. ثم إنهم مكثوا برهة لا يرون ذلك؛ فقالوا للنبي صلى الله عليه: ما نرى تأويل ما قلت: وقد اشتد علينا الأذى؟ فأنزل الله عز وجل: {قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي ولا بِكُمْ} أَخرُج إلى الموضع الذي أُريته في منامي أم لا؟ ثم قال لهم: «إنما هو شيء أُريته في منامي. وما أتبع إلا ما يوحى إلىّ». يقول: لم يوح إلىّ ما أخبرتكم به. ولوكان وحيا لم يقل صلى الله عليه: {وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي ولا بِكُمْ}.
{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فآمن وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}.
وقوله: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ}.
شهد رجل من اليهود على مثل ما شهد عليه عبد الله بن سلام من التصديق بالنبي صلى الله عليه وأنه موصوف في التوراة. فآمن ذلك الرجل واستكبرتم.
{وَقال الَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمنوا لَو كَانَ خَيْرًا مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ فَسَيَقولونَ هَاذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ}.
وقوله: {وَقال الَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمنوا لَو كَانَ خَيْرًا مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ}.
لمّا أسلمت: مزينة. وجهينة. وأسلم. وغِفَار. قالت بنو عامر بن صعصعة وغطفانُ. وأشجع وأسد: لوكان هذا خيرا ما سبقنا إِليه رعاة الْبَهْمِ. فهذا تأويل قوله: {لَو كَانَ خَيْرًا مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ}.
{وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَاذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَانًا عربيًّا لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ}.
وقوله: {وَهَاذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَانًا عربيًّا}.
وفى قراءة عبد الله: {مصدق لما بين يديه لسانا عربيا}. فنَصْبُه في قراءتنا على تأويل قراءة عبد الله. أى هذا القرآن يصدق التوارة عربيا مبينا. وهى في قراءة عبد الله يكون نصبا من {مصدق} على ما فسرت لك. ويكون قطعا من الهاء في بين يديه.
وقوله عز وجل: {لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ}.
البشرى تكون رفعا ونصبا. الرفع على: وهذا كتاب مصدق وبشرى. والنصب على لتنذر الذين ظلموا وتبشر. فإذا أسقطت تبشر. ووضعت في موضعه بشرى أوبشارة نصبتَ. ومثله في الكلام: أعوذ بالله منك. وسقيا لفلأن. كأنه قال: وسقى الله فلانا. وجئت لأكرمك وزيارة لك وقضاء لحقك. معناه: لأزورك وأقضى حقك. فنصبت الزيارة والقضاء بفعل مضمر.
{ووصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا ووضعتهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قال رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}.
وقوله: {ووصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا}.
قرأها أهل الكوفة بالألف. وكذلك هى في مصاحفهم. وأهل المدينة وأهل البصرة يقرءون: {حُسنًا} وكذلك هى في مصاحفهم. ومعناهما واحد والله أعلم.
وقوله: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً}.
وفى قراءة عبد الله: {حتّى إذا استوى وبلغ أشده وبلغ أربعين سنة}. والمعنى فيه كالمعنى في قراءتنا؛ لأنه جائز في العربية أن تقول: لمَّا و لد لك وأدركت مدرك الرجال عققت وفعلت. والإدراك قبل الولادة. ويقال: إِن الأشد هاهنا هو الأربعون.
وسمعت بعض المشيخة يذكر بإسناد له في الأشد: ثلاث وثلاثون. وفى الاستواء: أربعون.
وسمعت أن الأشد في غير هذا الموضع: ثمانى عشرة. والأول أشبه بالصواب؛ لأن الأربعين أقرب في النسق إل ثلاث وثلاثين ومنها إِلى ثمانى عشرة؛ ألا ترى أنك تقول: أخذت عامة المال أوكلَّه. فيكون أحسن من أن تقول: أخذت أقلّ المال أوكلّه. ومثله قوله: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلمُ أَنّكَ تقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَىِ الّليْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ}. فبعضُ ذا قريب من بعض. فهذا سبيل كلام العرب. والثانى يعنى ثمانى عشرة. ولو ضم إِلى الأربعين كان وجها.
وقوله: {أَوْزِعْنِي أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ}.
نزلت هذه الآية: في أبى بكر الصديق رحمه الله.
حدثنا محمد قال حدثنا الفراء قال: حدثنى به حبان بن على العنزىّ عن الكلبى عن أبى صالح عن ابن عباس قال: نزلت في أبى بكر رحمه الله إِلى قوله: {أولئِكَ الَّذِين نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ} إلى آخر الآية.
وقرأ يحيى بن وثاب. وذُكرت عن بعض أصحاب عبد الله: {نتقبَّلُ عنهم أحْسَنَ ما عَمِلوا ونتجاوز عن سيئاتهم} بالنون. وقرءاة العوام: {يُتقبل عنهم أحسن ما عملوا ويُتجاوز عن سيئاتهم} بالياء وضمها. ولو قرئت {تُتَقبَّل عنهم أحسن ما عملوا وتُتجاوز} كان صوابًا.
{أولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ}.
وقوله: {وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي}.
كقولك: وعدا صدقا. أضيف إلى نفسه. وما كان من مصدر في معنى حقا فهو نصب معرفة كان أونكرة. مثل قوله في يونس: {وَعد الله حقًّا}.