فصل: قال الشنقيطي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج أحمد. وابن المنذر. وابن أبي حاتم. والطبراني. وابن مردويه من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: {أو أثارة من علم} قال: الخط. وروي ذلك أيضًا موقوفًا على ابن عباس. وفسر بعلم الرمل كما في حديث أبي هريرة مرفوعًا «كان نبي من الأنبياء يخط فمن صادف مثل خطه علم» وفي رواية عن الحبر أنه قال: أن أثارة من علم {خط} كان يخطه العرب في الأرض. وهذا ظاهر في تقوية أمر علم الرمل وأنه شيء له وجه ويرشد إلى بعض الأمور. وفي ذلك كلام يطلب من محله.
وفي (البحر) قيل: إن صح تفسير ابن عباس الآثارة بالخط في التراب كان ذلك من باب التهكم بهم وبأقوالهم ودلائلهم. والتنوين للتقليل و{بِهِ مِنْ عِلْمٍ} صفة أي أوائتوني بأثارة قليلة كائنة من علم {إِن كُنتُمْ صادقين} في دعواكم فإنها لا تكاد تصح ما لم يقم عليها برهان عقلي أودليل نقلي وحيث لم يقم عليها شيء منهما وقد قاما على خلافها تبين بطلانها.
وقرىء {أثارة} بكسر الهمز وفسرت بالمناظرة فإنها تثير المعاني. قيل: وذلك من باب الاستعارة على تشبيه ما يبرز ويتحقق بالمناظرة بما يثور من الغبار الثائر من حركات الفرسان.
وقرأ علي. وابن عباس رضي الله تعالى عنهم بخلاف عنهما. وزيد بن علي. وعكرمة. وقتادة. والحسن. والسلمي. والأعمش. وعمرو بن ميمون {أثارة} بغير ألف وهي واحدة جمعها أثر كقترة وقتر. وعلي كرم الله تعالى وجهه. والسلمي وقتادة أيضًا بإسكان الثاء وهي الفعلة الواحدة مما يؤثر أي قد قنعت منكم بخبر واحد أوأثر واحد يشهد بصحة قولكم؛ وعن الكسائي ضم الهمزة وإسكان الثاء فهي اسم للمقدار كالغرفة لما يغرف باليد أي ائتوني بشيء ما يؤثر من علم. وروي عنه أيضًا أنه قرأ {أثارة} بكسر الهمزة وسكون الثاء وهي بمعنى الأثرة بفتحتين.
{وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُواْ مِن دُونِ الله مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ} إنكار لأن يكون أضل من المشركين. وذكر بعض الفضلاء أن المراد نفي أن يكون أحد يساويهم في الضلالة وإن كان سبك التركيب لنفي الأضل. وقد مر ما يتعلق بذلك فتذكر أي هو أضل من كل ضال حيث ترك دعاء المجيب القادر المستجمع لجميع صفات الكل كما يشعر بذلك الاسم الجليل ودعا من ليس شأنه الاستجابة له وإسعافه بمطلوبه {إلى يَوْمِ القيامة} أي ما دامت الدنيا. وظاهره أنه بعدها تقع الاستجابة وليس بمراد لتحقق ما يدل على خلافه. فهذه الغاية على ما في الأنتصاف من الغايات المشعرة بأن ما بعدها وإن وافق ما قبلها إلا أنه أزيد منه زيادة بينة تلحقه بالمباين حتى كأن الحالتين وإن كانتا نوعًا واحدًا لتفاوت ما بينهما كالشيء وضده. وذلك أن الحالة الأولى التي جعلت غايتها القيامة لا تزيد على عدم الاستجابة. والحالة الثانية التي في القيامة زادت على عدم الاستجابة بالعداوة وبالكفر بعبادتهم إياهم كما ينطق به ما بعد فهو من وادي قوله تعالى في سورة [الزخرف: 29] {بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلاَء وَءابَاءهُمْ} الآية. ونحوه قوله سبحانه في إبليس: {إِنْ عَلَيْكَ لَعْنَتِى إلى يَوْمِ الدين} [ص: 78] وقد يقال: المراد بهذه الغاية التأبيد كما قيل في قوله تعالى: {خالدين فِيهَا مَا دَامَتِ السموات} [هود: 107] وقولهم: ما دام ثبير. وقال بعضهم: لا إشكال في الآية لأن الغاية مفهو م فلا تعارض المنطوق. وفيه بحث. ففي (الدرر) و(الينبوع) عن البديع أن الغاية عندنا من قبيل إشارة النص لا المفهوم.
وقال الزركشي في شرح جمع الجوامع: ذهب القاضي أبو بكر إلى أن الحكم في الغاية منطوق وادعى أن أهل اللغة صرحوا بأن تعليق الحكم بالغاية موضوع على أن ما بعدها خلاف ما قبلها لأنهم اتفقوا على أنها ليست كلامًا مستقلًا فإن قوله تعالى: {حتى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} (البقرة؛ 230) وقوله سبحانه: {حتى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] لابد فيه من إضمار لضرورة تتميم الكلام؛ وذلك أن المضمر إما ضد ما قبله أولا والثاني باطل لأنه ليس في الكلام ما يدل عليه فيقدر حتى يطهرن فاقربوهن. حتى تنكح زوجًا غيره فتحل. قال: والمضمر بمنزلة الملفوظ فإنه إنما يضمر لسبقه إلى ذهن العارف باللسان. وعليه جرى صاحب البديع من الحنفية فقال: هو عندنا من دلالة الإشارة لا من المفهو م. لكن الجمهور على أنه مفهو م ومنعوا وضع اللغة لذلك انتهى. ويعلم من هذا أن قوله في التلويح: إن مفهو م الغاية متفق عليه لا يخلومن الخلل {وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ} الضمير الأول: لمفعول {يَدْعُواْ} أعني {مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ} والثاني: لفاعله. والجمع فيهما باعتبار معنى {مِنْ} كما أن الإفراد فيما سبق باعتبار لفظها أي والذين يدعون من لا يستجيبون لهم عن دعائهم إياهم {غافلون} لا يسمعون ولا يدرون. أما إن كان المدعوجمادًا فظاهر. وأما إن كان من ذوي العقول فإن كان من المقبو لين المقربين عند الله تعالى فلاشتغاله عن ذلك بما هو فيه من الخير أوكونه في محل ليس من شأن الذي فيه أن يسمع دعاء الداعي للبعد كعيسى عليه الصلاة والسلام اليوم أولأن الله تعالى يصون سمعه عن سماع ذلك لأنه لكونه مما لا يرضي الله تعالى يؤلمه لوسمعه. وإن كان من أعداء الله تعالى كشيئاطين الجن والإنس الذين عبدوا من دون الله تعالى فإن كان ميتًا فلاشتغاله بما هو فيه من الشر. وقيل: لأن الميت ليس من شأنه السماع ولا يتحقق منه سماع إلا معجزة كسماع أهل القليب. وفي هذا كلام تقدم بعضه؛ وإن كان حيًا فإن كان بعيدًا مثلًا فالأمر ظاهر. وإن كان قريبًا سليم الحاسة فقيل: الكلام بالنسبة إليه بعد تأويل الغفلة بعدم السماع وعلى التغليب لندرة هذا الصنف.
ومن الناس من أول الغفلة بعدم الفائدة وتعقب بأنه حينئذٍ لا يكون لوصفهم بالغفلة بعد وصفهم بعدم الاستجابة كثير فائدة. واعتبر بعضهم التغليب من غير تأويل بمعنى أنه غلب من يتصور منه الغفلة حقيقة على غيره. وهذا كالتغليب في التعبير عن تلك الالهة بما هو موضوع لأن يستعمل في العقلاء. وإن كانت الآية في عبدة الأصنام ونحوها مما لا يعقل تجوز في الغفلة وكان التعبير بما هوللعاقل لإجراء العبدة إياها مجرى العقلاء.
وقال بعضهم: على جعلها في عبدة الأصنام.
إن وصفها بما ذكر من ترك الاستجابة والغفلة مع ظهور حالها للتهكم بها فتدبر ولا تغفل.
{وَإِذَا حُشِرَ الناس} عند قيام القيامة {كَانُواْ} أي المعبودون {لَهُمْ} أي العابدين {أَعْدَاء} شديدي العداوة {وَكَانُواْ} أي المعبودون أيضًا {بِعِبَادَتِهِمْ} أي بعبادة الكفرة إياهم {كافرين} مكذبين. والأمر ظاهر في ذوي العقول.
وأما في الأصنام فقد روي أن الله تعالى يخلق لها إدراكًا وينطقها فتتبرأ عن عبادتهم وكذا تكون أعداء لهم. وجوز كون تكذيب الأصنام بلسان الحال لظهور أنهم لا يصلحون للعبادة وأنهم لا نفع لهم كما توهموه أولا حيث قالوا: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرّبُونَا إِلَى الله} [الزمر: 3] ورجوا الشفاعة منهم.
وفسرت العداوة بالضر على أنها مجاز مرسل عنه فمعنى {كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَاء} كانوا لهم ضارين. وما ذكرناه في بيان الضمائر هو الظاهر. وقيل: ضمير {هُمْ} المرفوع البارز والمستتر في قوله تعالى: {وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غافلون} [الأحقاف: 5] للكفرة الداعين وضمير {دُعَائِهِمْ} لهم أوللمعبودين. والمعنى أن الكفار عن ضلالهم بأنهم يدعون من لا يستجيب لهم غافلون لا يتأملون ما عليهم في ذلك. وفيه من ارتكاب خلاف الظاهر ما فيه. وفي الضمائر بعد نحوذلك. والمعنى إذا حشر الناس كان الكفار أعداء لالهتهم الباطلة لما يرون من ترتب العذاب على عبادتهم إياها وكانوا لذلك منكرين أنهم عبدوا غير الله تعالى كما حكى الله تعالى عنهم أنهم يقولون: {والله رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: 23] وتعقب بأن السياق لبيان حال الالهة معهم لا عكسه. ولأن كفرهم حينئذٍ إنكار لعبادتهم وتسميته كفرًا خلاف الظاهر. اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ الله أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ الأرض أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السماوات ائتوني بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هاذا أو أثارة مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}.
قد ذكرنا قريبًا أن قوله: {مَا خَلَقْنَا السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بالحق} يتضمن البرهان القاطع على صحة معنى لا إله إلا الله. وأن العلامة الفارقة بين المعبود بحق. وبين غيره هى كونه خالقًا. وأول سورة الأحقاف هذه يزيد ذلك إيضاحًا. لأنه ذكر من صفات المعبود بحق أنه خلق السماوات والأرض وما بينهما بالحق. وذكر من المعبودات الآخرى التي عبادتها كفر. مخلد في النار أنها لا تخلق شيئًا.
فقوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ الله} أي هذه المعبودات التي تعبدونها من دون الله. أروني ماذا خلقوا من الأرض.
فقوله: أروني. يراد بها التعجيز والمبالغة في عدم خلقهم شيئًا. وعلى أن {ما} استفهامية.
{وذا} موصولة.
فالمعنى أروني ما الذي خلقوه من الأرض. وعلى أن {ما} و{ذا} بمنزلة كلمة واحدة يراد بها الاستفهام.
فالمعنى: أروني أي شيء خلقوه من الأرض؟
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من أن من لم يخلق شيئًا في الأرض ولم يكن له شرك في السماوات. لا يضح أن يكون معبودًا بحال جاء موضحًا في آيات كثيرة. كقوله تعالى في فاطر {قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الذين تَدْعُونَ مِن دُونِ الله أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ الأرض أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السماوات أَمْ آتيناهم كِتَابًا} [فاطر: 40] الآية.
وقوله في لقمان: {هذا خَلْقُ الله فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الذين مِن دُونِهِ} [لقمان: 11] وقوله في سبأ {قُلِ ادعوا الذين زَعَمْتُمْ مِّن دُونِ الله لاَ يَمْلِكُونَ مِثُقال ذَرَّةٍ فِي السماوات ولا فِي الأرض وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِّن ظَهِيرٍ} [سبأ: 22] والآيات بمثل ذلك كثيرة معلومة.
وقد قدمنا طرفًا منها قريبًا.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة {ائتوني بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هاذا}. قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة الزخرف في الكلام على قوله تعالى: {أَمْ آتيناهم كِتَابًا مِّن قَبْلِهِ فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ} [الزخرف: 21].
قوله: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُومِن دُونِ الله مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إلى يَوْمِ القيامة وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُون وَإِذَا حُشِرَ الناس كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَاءً}.
قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة الجاثية في الكلام على قوله تعالى: {ولاَ يُغْنِي عَنْهُم مَّا كَسَبُواْ شَيْئًا ولا مَا اتخذوا مِن دُونِ الله أوليَاءَ} [الجاثية: 10] الآية. وفى سورة مريم في الكلام على قوله تعالى: {واتخذوا مِن دُونِ الله الِهَةً لِّيَكُونُواْ لَهُمْ عِزًّا} [مريم: 81]. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ}.
انتقل إلى الاستدلال على بطلأن نفي صفة الإلهية عن أصنامهم.
فجملة {قل أرأيتم ما تدعون} أمر بإلقاء الدليل على إبطال الإشراك وهو أصل ضلالهم.
وجَاء هذا الاستدلالُ بأسلوب المناظرة فجُعل النبي صلى الله عليه وسلم مواجهًا لهم بالاحتجاج ليكون إلجاءً لهم إلى الاعتراف بالعجز عن معارضة حجته. وكذلك جرى الاحتجاج بعده ثلاث مرات بطريقة أمر التعجيز بقوله: {أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات أيتوني بكتاب} الآية.
و{أرأيتم} استفهام تقريري فهو كناية عن معنى: أخبروني. وقد تقدم في سورة الأنعام (40) قوله: {قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أوأتتكم الساعة أغير الله تدعون}.
وقوله: {أروني} تصريح بما كنى عنه طريق التقرير لقوله: {أرأيتم ما تدعون} وموقع جملة {أروني} في موقع المفعول الثاني لفعل {أرأيتم}.
والأمر في {أروني ماذا خلقوا من الأرض} مستعمل في التسخير والتعجيز كناية عن النفي إن لم يخلقوا من الأرض شيئًا فلا تستطيعوا أن تُروني شيئًا خلقوه في الأرض. وهذا من رءوس مسائل المناظرة. وهو مطالبة المدّعي بالدليل على إثبات دعواه.
و{ماذا} بمعنى ما الذي خلقوه. فـ: (ما) استفهامية. و (ذا) بمعنى الذي.
وأصله اسم إشارة ناب عن الموصول.
وأصل التركيب: ماذا الذي خلقوا. فاقتصر على اسم الإشارة وحذف اسم الموصول غالبًا في الكلام وقد يظهر كما في قوله تعالى: {من ذَا الذي يشفع عنده} [البقرة: 255].
و لهذا قال النحاة: إن (ذا) بعد (ما) أو (مَن) الاستفهاميتين بمنزلة (مَا) الموصولة.
والاستفهامُ في {ماذا خلقوا} إنكاري.
وجملة {ماذا خلقوا} بدل من جملة {أروني} وفعل الرؤية معلق عن العمل بورود {ما} الاستفهامية بعده. وإذا لم يكن شيء من الأرض مخلوقًا لهم بطل أن يكونوا الهة لِخروج المخلوقات عن خَلقهم. وإذا بطل أن يكون لها خلق بطل أن يكون لها تصرف في المخلوقات كما قال تعالى: {أيشركون ما لا يخلق شيئًا وهم يُخلقون ولا يستطيعون لهم نصرًا ولا أنفسَهم ينصرون} في سورة الأعراف (191. 192).
و{أم} حرف إضراب انتقالي.
والاستفهام المقدر بعد {أم} المنقطعة استفهام إنكاري أي ليس لهم شرك مع الله في السماوات.
وإنما أوثر انتفاء الشِركة بالنسبة للشركة في السماوات دون انتفاء الخلق كما أوثر انتفاء الخلق بالنسبة إلى الأرض لأن مخلوقات الأرض مشاهدة للناس ظاهر تطورها وحدوثها وأن ليس لما يدعونهم دون الله أدنى عمل في إيجادها. وأما الموجودات السماوية فهي محجوبة عن العيون لا عهد للناس بظهور وجودها ولا تطورها فلا يحسن الاستدلال بعدم تأثير الأصنام في إيجاد شيء منها ولكن لمّا لم يدّع المشركون تصرفًا للأصنام إلا في أحوال الناس في الأرض من جلب نفع أودفع ضر اقتصر في نفي تصرفهم في السماوات على الاستدلال بنفي أن يكون للأصنام شركة في أمور السماوات لأن انتفاء ذلك لا ينازعون فيه.
وتقدم نظير هذه الآية في سورة فاطر (40) {قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله} الآية فانظر ذلك.
ثم انتقل من الاستدلال بالمشاهدة وبالإقرأر إلى الاستدلال بالأخبار الصادقة بقوله: {ائتوني بكتاب من قبل هذا} فجملة {ائتوني بكتاب} في موقع مفعول ثان لفعل {أرأيتم}. كرر كما يتعدد خبر المبتدأ.
ومناط الاستدلال أنه استدلال على إبطال دعوى المدعي بانعدام الحجة على دعواه ويسمى الإفحام كما تقدم.
والمعنى: نفي أن يكون لهم حجة على إلهية الأصنام لا بتأثيرها في المخلوقات. ولا بأقوال الكتب. فهذا قريب من قوله في سورة فاطر (40) {أم آتيناهم كتابًا فهم على بينة منه} والمراد بـ (كتاب) أيُّ كتاب من الكتب المقروءة.
وهذا قاطع لهم فإنهم لا يستطيعون ادعاء أن لأصنامهم في الكتب السابقة ذِكرًا غير الإبطال والتحذير من عبادتها. فلا يوجد في الكتب إلا أحد أمرين: إمّا إبطال عبادة الأصنام كما في الكتب السماوية. وإمّا عدم ذكرها البتة ويدل على أن المراد ذلك قوله بعده: {أو أثارة من علم}.
والإتيان مستعار للإحضار ولوكان في مجلسهم على ما تقدم في قوله تعالى: {فأتوا بسورة من مثله} في سورة البقرة (23).