فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولما أريد تعميم التصديق بجميع الكتب الإلهية والحقوق الشرعية. حذف المتعلق فقال: {مصدق} أي لكتاب موسى عليه الصلاة والسلام وغيره من الكتب التي تصح نسبتها إلى الله تعالى فإن جميع الكتب التي جاءت به الرسل ناطقة بتوحد الله وأن هذا الكتاب لم يخرج عن هذا فأنّى يصح فيما هذا شأنه أن يكون إفكًا. إنما الإفك ما كذب كتب الله التي أتت بها أنبياؤه وتوارثها أولياؤه.
ولما كان الكتاب قد تقوم الأدلة على مصادقته لكتب الله ويكون بغير لسان المكذب به فيكون في التكذيب أقل ملامة. احترز عن ذلك بقوله: {لسانًا} أي أشير إلى هذا المصدق القريب منكم زمانًا ومكانًا وفهمًا حال كونه {عربيًّا} في أعلى طبقات اللسان العربي مع كونه أسهل الكتب تناولا وأبعدها عن التكليف. ليس هو بحيث يمنعه علوه بفخامة الألفاظ وجلالة المعاني وعلوالنظم ورصافة السبك و وجازة العبارة. وظهور المهاني ودقة الإشارة مع سهو لة الفهم وقرب المتناول بعد بعد المغزى.
ولما دل على أن الكتاب حق. بين ثمرته فقال: {لينذر} أي أشير إلى الكتاب في هذا الحال لينذر الكتاب بحسن بيانه وعظيم شأنه {الذين ظلموا} سواء كانوا عريقين في الظلم أم لا. فأما العريقون فهولهم نذري كاملة. فإنهم لا يهتدون كما تقدم. وأما غيرهم فيهتدي بنذارته ويسعد بعبارته وإشارته. وليبشر الذين أحسنوا في وقت ما {ما} هو {بشرى} كاملة {للمحسنين} لا نذارة لهم لا في الدنيا ولا في الآخرة. فالآية من الاحتباك: أثبت أولا {ينذر} و{الذين ظلموا} دلالة على حذف نحوه ثانيًا. {وبشرى} و{للمحسنين} ثانيًا دلالة على {نذري} {وللظالمين} أولا. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي ولا بِكُمْ}.
اعلم أنه تعالى لما حكى عنهم أنهم في كون القرآن معجزًا. بأن قالوا إنه يختلقه من عند نفسه ثم ينسبه إلى أنه كلام الله على سبيل الفرية. حكى عنهم نوعًا آخر من الشبهات. وهو أنهم كانوا يقترحون منه معجزات عجيبة قاهرة. ويطالبونه بأن يخبرهم عن المغيبات. فأجاب الله تعالى عنه بأن قال: {قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ الرسل} والبدع والبديع من كل شيء المبدأ والبدعة ما اخترع مما لم يكن موجودًا قبله بحكم السنة. وفيه وجوه الأول: {مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ الرسل} أي ما كنت أولهم. فلا ينبغي أن تنكروا إخباري بأني رسول الله إليكم. ولا تنكروا دعائي لكم إلى التوحيد. ونهيي عن عبادة الأصنام. فإن كل الرسل إنما بعثوا بهذا الطريق الوجه الثاني: أنهم طلبوا منه معجزات عظيمة وأخبارًا عن الغيوب فقال: {قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ الرسل} والمعنى أن الإتيان بهذه المعجزات القاهرة والإخبار عن هذه الغيوب ليس في وسع البشر. وأنا من جنس الرسل واحد منهم لم يقدر على ما تريدونه فكيف أقدر عليه؟ الوجه الثالث: أنهم كانوا يعيبونه أنه يأكل الطعام ويمشي في الأسواق وبأن أتباعه فقراء فقال: {قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ الرسل} وكلهم كانوا على هذه الصفة وبهذه المثابة فهذه الأشيئاء لا تقدح في نبوتي كما لا تقدح في نبوتهم.
ثم قال: {وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي ولا بِكُمْ} وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
في تفسير الآية وجهان:
أحدهما: أن يحمل ذلك على أحوال الدنيا والثاني: أن يحمل على أحوال الآخرة أما الأول: ففيه وجوه الأول: لا أدري ما يصير إليه أمري وأمركم. ومن الغالب منا والمغلوب والثاني: قال ابن عباس في رواية الكلبي: لما اشتد البلاء بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بمكة رأى في المنام أنه يهاجر إلى أرض ذات نخل وشجر وماء. فقصها على أصحابه فاستبشروا بذلك ورأوا أن ذلك فرج مما هم فيه من أذى المشركين. ثم إنهم مكثوا برهة من الدهر لا يرون أثر ذلك.. فقالوا يا رسول الله ما رأينا الذي قلت ومتى نهاجر إلى الأرض التي رأيتها في المنام؟ فسكت النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى: {مَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي ولا بِكُمْ} وهو شيء رأيته في المنام. وأنا لا أتبع إلا ما أوحاه الله إليّ الثالث: قال الضحاك لا أدري ما تؤمرون به ولا أؤمر به في باب التكاليف والشرائع والجهاد ولا في الابتلاء والامتحان وإنما أنذركم بما أعلمني الله به من أحوال الآخرة في الثواب والعقاب والرابع: المراد أنه يقول لا أدري ما يفعل بي في الدنيا أأموت أم أقتل كما قتل الأنبياء قبلي ولا أدري ما يفعل بكم أيها المكذبون. أترمون بالحجارة من السماء. أم يخسف بكم أم يفعل بكم ما فعل بسائر الأمم. أما الذين حملوا هذه الآية على أحوال الآخرة. فروي عن ابن عباس أنه قال: لما نزلت هذه الآية فرح المشركون والمنافقون واليهود وقالوا كيف نتبع نبيًا لا يدري ما يفعل به وبنا؟ فأنزل الله تعالى:
{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا لّيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ} [الفتح: 1_ 2] إلى قوله: {وَكَانَ ذَلِكَ عِندَ الله فَوْزًا عَظِيمًا} [الفتح: 5] فبيّن تعالى ما يفعل به وبمن أتبعه ونسخت هذه الآية. وأرغم الله أنف المنافقين والمشركين.
وأكثر المحققين استبعدوا هذا القول واحتجوا عليه بوجوه الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم لابد وأن يعلم من نفسه كونه نبيًا ومتى علم كونه نبيًا علم أنه لا تصدر عنه الكبائر وأنه مغفور له. وإذا كان كذلك امتنع كونه شاكًا في أنه هل هو مغفور له أم لا الثاني: لا شك أن الأنبياء أرفع حالًا من الأولياء. فلما قل في هذا {إِنَّ الذين قالواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولا هُمْ يَحْزَنُونَ} [الأحقاف: 13] فكيف يعقل أن يبقى الرسول الذي هو رئيس الأتقياء وقدوة الأنبياء والأولياء شاكًا في أنه هل هو من المغفورين أو من المعذبين؟ الثالث: أنه تعالى قال: {الله أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: 124] والمراد منه كمال حاله ونهاية قربه من حضرة الله تعالى. ومن هذا حاله كيف يليق به أن يبقى شاكًا في أنه من المعذبين أو من المغفورين؟ فثبت أن هذا القول ضعيف.
المسألة الثانية:
قال صاحب الكشاف قرئ {مَّا يُفْعَلُ} يفتح الياء أي يفعل الله عزّ وجلّ فإن قالوا {مَّا يَفْعَلُ} مثبت وغير منفي وكان وجه الكلام أن يقال: ما يفعل بي وبكم؟ قلنا التقدير ما أدري ما يفعل بي وما أدري ما يفعل بكم.
ثم قال تعالى: {إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يوحى إِلَيَّ} يعني إني لا أقول قولا ولا أعمل عملًا إلا بمقتضى الوحي واحتج نفاة القياس بهذه الآية فقالوا النبي صلى الله عليه وسلم ما قال قولا ولا عمل عملًا إلا بالنص الذي أوحاه الله إليه. فوجب أن يكون حالنا كذلك بيان الأول: قوله تعالى: {إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يوحى إِلَيَّ} بيان الثاني: قوله تعالى: {واتبعوه} [الأعراف: 158] وقوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الذين يخالفون عَنْ أَمْرِهِ} [النور: 63].
ثم قال تعالى: {وَمَا أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} كانوا يطالبونه بالمعجزات العجيبة وبالإخبار عن الغيوب فقال قل: {وَمَا أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} والقادر على تلك الأعمال الخارجة عن قدرة البشر والعالم بتلك الغيوب ليس إلا الله سبحانه.
ثم قال تعالى: {قُلْ أَرَءيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ الله وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مّن بَنِى إسرائيل على مِثْلِهِ فَئَامَنَ واستكبرتم إِنَّ الله لاَ يَهْدِي القوم الظالمين} وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
جواب الشرط محذوف والتقدير أن يقال إن كان هذا الكتاب من عند الله ثم كفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على صحته ثم استكبرتم لكنتم من الخاسرين ثم حذف هذا الجواب. ونظيره قولك إن أحسنت إليك وأسأت إليّ وأقبلت عليك وأعرضت عني فقد ظلمتني. فكذا هاهنا التقدير أخبروني إن ثبت أن القرآن من عند الله بسبب عجز الخلق عن معارضته ثم كفرتم به وحصل أيضًا شهادة أعلم بني إسرائيل بكونه معجزًا من عند الله فلواستكبرتم وكفرتم ألستم أضل الناس وأظلمهم. واعلم أن جواب الشرط قد يحذف في بعض الآيات وقد يذكر. أما الحذف فكما في هذه الآية. وكما في قوله تعالى: {ولوأَنَّ قرآنا سُيّرَتْ بِهِ الجبال أَوقُطّعَتْ بِهِ الأرض أَوكُلّمَ بِهِ الموتى} [الرعد: 31] وأما المذكور. فكما في قوله تعالى: {قُلْ أَرَأيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ الله ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ} [فصلت: 52] وقوله: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ الله عَلَيْكُمُ الليل سَرْمَدًا إلى يَوْمِ القيامة مَنْ إله غَيْرُ الله يَآتِيكُمْ بِضِيَاء} [القصص: 71].
المسألة الثانية:
اختلفوا في المراد بقوله تعالى: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مّن بَنِي إسرائيل} على قولين الأول: وهو الذي قال به الأكثرون أن هذا الشاهد عبد الله بن سلاّم. روى صاحب (الكشاف) أنه لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة نظر إلى وجهه فعلم أنه ليس بوجه كذاب وتأمله وتحقق أنه هو النبي صلى الله عليه وسلم المنتظر. فقال له إني سائلك عن ثلاث ما يعلمهن إلا نبي ما أول أشراط الساعات. وما أول طعام يأكله أهل الجنة. والولد ينزع إلى أبيه أو الى أمه؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «أما أول أشراط الساعة فنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب. وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد الحوت. وأما الولد فإذا سبق ماء الرجل نزع له وإن سبق ماء المرأة نزع لها» فقال أشهد أنك لرسول الله حقًا. ثم قال يا رسول الله إن اليهود قوم بهت وإن علموا بإسلامي قبل أن تسألهم عني بهتوني عندك. فجاءت اليهود فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم أي رجل عبد الله فيكم؟ فقالوا خيرنا وابن خيرنا وسيدنا وابن سيدنا وأعلمنا وابن أعلمنا فقال أرأيتم إن أسلم عبد الله؟ فقالوا أعاذه الله من ذلك فخرج عبد الله فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله فقالوا شرنا وابن شرنا وانتقصوه فقال هذا ما كنت أخاف يا رسول الله فقال سعد بن أبي وقاص ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأحد يمشي على الأرض إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلاّم. وفيه نزل {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مّن بَنِي إسرائيل على مِثْلِهِ}.
واعلم أن الشعبي ومسروقًا وجماعة آخرين أنكروا أن يكون الشاهد المذكور في هذه الآية هو عبد الله بن سلاّم قالوا لأن إسلامه كان بالمدينة قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعامين وهذه السورة مكية فكيف يمكن حمل هذه الآية المكية على واقعة حدثت في آخر عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة. وأجاب الكلبي بأن السورة مكية إلا هذه الآية فإنها مدنية وكانت الآية تنزل فيؤمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يضعها في سورة كذا فهذا الآية نزلت بالمدينة وإن الله تعالى أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يضعها في هذه السورة المكية في هذا الموضع المعين. و لقائل أن يقول إن الحديث الذي رويتم عن عبد الله بن سلاّم مشكل. وذلك لأن ظاهر الحديث يوهم أنه لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن المسائل الثلاثة. وأجاب النبي صلى الله عليه وسلم بتلك الجوابات من عبد الله بن سلاّم لأجل أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر تلك الجوابات وهذا بعيد جدًّا لوجهين الأول: أن الإخبار عن أول أشراط الساعة وعن أول طعام يأكله أهل الجنة إخبار عن وقوع شيء من الممكنات. وما هذا سبيله فإنه لا يعرف كون ذلك الخبر صدقًا إلا إذا عرف أولا كون المخبر صادقًا فلوأنا عرفنا صدق المخبر يكون ذلك الخبر صدقًا لزم الدور وإنه محال والثاني: أنا نعلم بالضرورة أن الجوابات المذكورة عن هذه المسائل لا يبلغ العلم بها إلى حد الإعجاز ألبتة. بل نقول الجوابات القاهرة عن المسائل الصعبة لما لم تبلغ إلى حد الإعجاز فأمثال هذه الجوابات عن هذه السؤالات كيف يمكن أن يقال إنها بلغت إلى حد الإعجاز والجواب: يحتمل أنه جاء في بعض كتب الأنبياء المتقدمين أن رسول آخر الزمان يسأل عن هذه المسائل وهو يجيب عنها بهذه الجوابات وكان عبد الله بن سلام عالمًا بهذا المعنى فلما سأل النبي صلى الله عليه وسلم وأجاب بتلك الأجوبة عرف بهذا الطريق كونه رسو لا حقًا من عند الله. وعلى هذا الوجه فلا حاجة بنا إلى أن نقول العلم بهذه الجوابات معجز. والله أعلم.
القول الثاني: في تفسير قوله تعالى: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مّن بَنِي إسرائيل} أنه ليس المراد منه شخصًا معينًا بل المراد منه أن ذكر محمد صلى الله عليه وسلم موجود في التوراة والبشارة بمقدمه حاصلة فيها فتقدير الكلام لوأن رجلًا منصفًا عارفًا بالتوراة أقر بذلك واعترف به. ثم إنه امن بمحمد صلى الله عليه وسلم وأنكرتم ألستم كنتم ظالمين لأنفسكم ضالين عن الحق؟ فهذا الكلام مقرر سواء كان المراد بذلك الشاهد شخصًا معينًا أولم يكن كذلك لأن المقصود الأصلي من هذا الكلام أنه ثبت بالمعجزات القاهرة أن هذا الكتاب من عند الله وثبت أن التوراة مشتملة على البشارة بمقدم محمد صلى الله عليه وسلم ومع هذين الأمرين كيف يليق بالعقل إنكار نبوته.
المسألة الثالثة:
قوله تعالى: {على مِثْلِهِ} ذكروا فيه وجوهًا. والأقرب أن نقول إنه صلى الله عليه وسلم قال لهم أرأيتم إن كان هذا القرآن من عند الله كما أقول وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثل ما قلت فآمن واستكبرتم ألستم كنتم ظالمين أنفسكم.
ثم قال تعالى: {إِنَّ الله لاَ يَهْدِي القوم الظالمين} وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
أنه تهديد وهو قائم مقام الجواب المحذوف والتقدير قل أرأيتم إن كان من عند الله ثم كفرتم به فإنكم لا تكونون مهتدين بل تكونون ضالين.
المسألة الثانية:
قالت المعتزلة هذه الآية تدل على أنه تعالى إنما منعهم الهداية بناء على الفعل القبيح الذي صدر منهم أولا. فإن قوله تعالى: {إِنَّ الله لاَ يَهْدِي القوم الظالمين} صريح في أنه تعالى لا يهديهم لكونهم ظالمين أنفسهم فوجب أن يعتقدوا في جميع الآيات الواردة في المنع من الآيمان والهداية أن يكون الحال فيها كما ههنا. والله أعلم.
ثم قال تعالى: {وَقال الذين كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءَآمنوا لَو كَانَ خَيْرًا مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
هذه شبهة أخرى للقوم في إنكار نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم. وفي سبب نزوله وجوه: الأول: أن هذا كلام كفار مكة قالوا إن عامة من يتبع محمدًا الفقراء والأراذل مثل عمار وصهيب وابن مسعود. ولوكان هذا الدين خيرًا ما سبقنا إليه هؤلاء الثاني: قيل لما أسلمت جهينة ومزينة وأسلم وغفار. قالت بنو عامر وغطفان وأسد وأشجع لوكان هذا خيرًا ما سبقنا إليه رعاء البهم الثالث: قيل إن أمة لعمر أسلمت وكان عمر يضربها حتى يفتر. ويقول لولا أني فترت لزدتك ضربًا. فكان كفار قريش يقولون لوكان ما يدعومحمد إليه حقًا ما سبقتنا إليه فلانة.
الرابع: قيل كان اليهود يقولون هذا الكلام عند إسلام عبد الله بن سلاّم.
المسألة الثانية:
اللام في قوله تعالى: {لِلَّذِينَ ءَآمنوا} ذكروا فيه وجهين: الأول: أن يكون المعنى: وقال الذين كفروا للذين آمنوا. على وجه الخطاب كما تقول قال زيد لعمرو. ثم تترك الخطاب وتنتقل إلى الغيبة كقوله تعالى: {حتى إِذَا كُنتُمْ في الفلك وَجَرَيْنَ بِهِم} [يونس: 22] الثاني: قال صاحب (الكشاف) {لِلَّذِينَ ءَآمنوا} لأجلهم يعني أن الكفار قالوا لأجل إيمان الذين آمنوا لوكان خيرًا ما سبقونا إليه. وعندي فيه وجه الثالث: وهو أن الكفار لما سمعوا أن جماعة آمنوا برسو ل الله صلى الله عليه وسلم خاطبوا جماعة من المؤمنين الحاضرين. وقالوا لهم لوكان هذا الدين خيرًا لما سبقنا إليه أولئك الغائبون الذين أسلموا.
واعلم أنه تعالى لما حكى عنهم هذا الكلام أجاب عنه بقوله: {وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ فَسَيَقولونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ} والمعنى أنهم لما لم يقفوا على وجه كونه معجزًا. فلا بد من عامل في الظرف في قوله: {وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ} ومن متعلق لقوله: {فَسَيَقولونَ} وغير مستقيم أن يكون {فَسَيَقولونَ} هو العامل في الظرف لتدافع دلالتي المضي والاستقبال. فما وجه هذا الكلام؟ وأجاب عنه بأن العامل في إذ محذوف لدلالة الكلام عليه. والتقدير {وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ} ظهر عنادهم {فَسَيَقولونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ}.