فصل: قال ابن عطية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ثم قال تعالى: {وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ موسى إَمَامًا وَرَحْمَةً} كتاب موسى مبتدأ. ومن قبله ظرف واقع خبرًا مقدمًا عليه. وقوله: {إِمَامًا} نصب على الحال كقولك في الدار زيد قائمًا. وقرئ {وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ موسى} والتقدير: وآتينا الذي قبله التوراة. ومعنى {إِمَامًا} أي قدوة {وَرَحْمَةً} يؤتم به في دين الله وشرائعه. كما يؤتم بالإمام {وَرَحْمَةً} لمن امن به وعمل بما فيه. ووجه تعلق هذا الكلام بما قبله أن القوم طعنوا في صحة القرآن. وقالوا لوكان خيرًا ما سبقنا إليه هؤلاء الصعاليك. وكأنه تعالى قال: الذي يدل على صحة القرآن أنكم لا تنازعون في أن الله تعالى أنزل التوراة على موسى عليه السلام. وجعل هذا الكتاب إمامًا يقتدى به. ثم إن التوراة مشتملة على البشارة بمقدم محمد صلى الله عليه وسلم فإذا سلمتم كون التوراة إمامًا يقتدى به. فاقبلوا حكمه في كون محمد صلى الله عليه وسلم حقًا من الله.
ثم قال تعالى: {وهذا كتاب مُّصَدّقٌ لّسَانًا عربيًّا} أي هذا القرآن مصدق لكتاب موسى في أن محمدًا رسول حقًا من عند الله وقوله تعالى: {لّسَانًا عربيًّا} نصب على الحال. ثم قال: {لّيُنذِرَ الذين ظَلَمُواْ} قال ابن عباس مشركي مكة. وفي قوله: {لّتُنذِرَ} قرأءتان التاء لكثرة ما ورد من هذا المعنى بالمخاطبة كقوله تعالى: {لِتُنذِرَ بِهِ وذكرى لِلْمُؤْمِنِينَ} [الأعراف: 2] والياء لتقدم ذكر الكتاب فأسند الإنذار إلى الكتاب كما أسند إلى الرسول. وقوله تعالى: {الحمد لِلَّهِ الذي أَنْزَلَ على عَبْدِهِ الكتاب} إلى قوله: {لِّيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مّن لَّدُنْهُ} [الكهف: 1. 2].
ثم قال تعالى: {وبشرى لِلْمُحْسِنِينَ} قال الزجاج الأجود أن يكون قوله: {وبشرى} في موضع رفع. والمعنى وهو بشرى للمحسنين. قال ويجوز أن يكون في موضع نصب على معنى {لّيُنذِرَ الذين ظَلَمُواْ وبشرى لِلْمُحْسِنِينَ} وحاصل الكلام أن المقصود من إنزال هذا الكتاب إنذار المعرضين وبشارة المطيعين. اهـ.

.قال ابن عطية:

{قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مّنَ الرسل}.
ثم أمره تعالى أن يحتج عليهم بأنه لم يكن {بدعًا من الرسل}. أي قد جاء غيري قبلي. قاله ابن عباس والحسن وقتادة. والبدع والبديع من الأشيئاء ما لم ير مثله. ومنه قول ترجمة عدي بن زيد: الطويل:
فما أنا بدع من حوادث تعتري ** رجالًا عرت من بعد بؤسى وأسعد

وقرأ عكرمة وابن أبي عبلة وأبو حيوة: {بدَعًا} بفتح الدال. قال أبو الفتح. التقدير: ذا بدع فحذف المضاف كما قال النابغة الجعدي: المتقارب:
وكيف تواصل من أصبحت ** خلالته كأبي مرحب

واختلف الناس في قوله: {ما أدري ما يفعل بي ولا بكم}. فقال ابن عباس وأنس بن مالك والحسن وقتادة وعكرمة: معناه: في الآخرة. وكان هذا في صدر الإسلام. ثم بعد ذلك عرفه الله تعالى بأنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. وبأن المؤمنين لهم من الله فضل كبير وهو الجنة. وبأن الكافرين في نار جهنم. والحديث الذي وقع في جنازة عثمان بن مظعون يؤيده هذا وهو قوله: «فوالله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي». وفي بعض الرواية: «به». ولا حجة في الحديث على رواية «به». والمعنى عندي في هذا القول أنه لم تكشف له الخاتمة فقال لا أدري؟ وأما ان من وافى على الآيمان فقد أعلم بنجاته من أول الرسالة وإلا فكان للكفار أن يقولوا: وكيف تدعونا إلى ما لا تدري له عاقبة. وقال الحسن أيضًا وجماعة. معنى الآية: {ما أدري ما يفعل بي ولا بكم} في الدنيا من أن أنصر عليكم أو من أن تمكنوا مني. ونحوهذا من المعنى.
وقالت فرقة: معنى الآية: {ما يفعل بي ولا بكم} من الأوامر والنواهي وما تلزم الشريعة من أعراضها. وحكى الطبري عن بعضهم أنه قال: نزلت الآية في أمر كان النبي صلى الله عليه وسلم ينتظره من الله في غير الثواب والعقاب. وروي عن ابن عباس أنه لما تأخر خروج النبي عليه السلام من مكة حين رأى في النوم أنه يهاجر إلى أرض ذات نخل وسبخة. قلق المسلمون لتأخر ذلك. فنزلت هذه الآية.
وقوله: {إن أتبع إلا ما يوحى إليَّ} معناه: الاستسلام والتبري من علم المغيبات والوقوف مع النذارة من عذاب الله عز وجل.
{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فآمن وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10)}.
هذه الآية توقيف على الخطر العظيم الذي هم بسبيله في أن يكذبوا بأمر نافع لهم منج من العذاب دون حجة ولا دليل لهم على التكذيب. فالمعنى كيف حالكم مع الله. وماذا تنتظرون منه وأنتم قد كفرتم بما جاء من عنده. وجواب هذا التوقيف محذوف تقديره: أليس قد ظلمتم. ودل على هذا المقدار قوله تعالى: {إن الله لا يهدي القوم الظالمين} و: {أرأيتم} في هذه الآية يحتمل أن تكون منبهة. فهي لفظ موضوع للسؤال لا يقتضي مفعولا. ويحتمل أن تكون الجملة {كان} وما عملت فيه تسد مسد مفعوليها.
واختلف الناس في المراد بـ: {الشاهد} فقال الحسن ومجاهد وابن سيرين: هذه الآية مدنية. والشاهد عبد الله بن سلام.
وقوله: {على مثله} الضمير فيه عائد على قول محمد عليه السلام في القرآن أنه من عند الله. وقال الشعبي: الشاهد رجل من بني إسرائيل غير عبد الله بن سلام كان بمكة. والآية مكية وقال سعد بن أبي وقاص ومجاهد وفرقة: الآية مكية. والشاهد عبد الله بن سلام. وهي من الآيات التي تضمنت غيبًا أبرزه الوجود. وقد روي عن عبد الله بن سلام أنه قال: فيَّ نزلت. وقال مسروق بن الأجدع والجمهور: الشاهد موسى بن عمران عليه السلام. والآية مكية. ورجحه الطبري.
وقوله: {على مثله} يريد بالمثل: التوراة. والضمير عائد في هذا التأويل على القرآن. أي جاء شاهد من بني إسرائيل بمثله وشهد أنه من عند الله تعالى.
وقوله: {فآمن} على هذا التأويل. يعني به تصديق موسى بأمر محمد وتبشيره به. فذلك إيمان به. وأما من قال: الشاهد عبد الله بن سلام. فإيمانه بين. وكذلك إيمان الإسرائيلي الذي كان بمكة في قول من قاله. وحكى بعضهم أن الفاعل بـ: {آمن}. هو محمد عليه السلام. وهذا من القائلين بأن الشاهد هو موسى بن عمران عليه السلام. وإنما اضطر إلى هذا لأنه لم ير وجه إيمان موسى عليه السلام. ثم قرر تعالى استكبارهم وكفرهم بإيمان هذا المذكور. فبان ذنبهم وخطؤهم.
وقوله تعالى: {وقال الذين كفروا للذين آمنوا لوكان خيرًا ما سبقونا إليه} قال قتادة: هي مقالة قريش. يريدون عمارًا وصهيبًا وبلالًا ونحوهم ممن أسلم وامن بالنبي عليه السلام. وقال الزجاج والكلبي وغيره: هي مقالة كنانة وعامر وسائر قبائل العرب المجأو رة. قالت ذلك حين أسلمت غفار ومزينة وجهينة. وقال الثعلبي: هي مقالة اليهود حين أسلم ابن سلام وغيره منهم. والإفك: الكذب. ووصفوه بالقدم. بمعنى أنه في أمور متقادمة. وهذا كما تقول لرجل حدثك عن أخبار كسرى وقيصر. هذا حديث قديم. ويحتمل أن يريدوا أنه إفك قيل قديمًا.
{وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عربيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ (12)}.
الضمير في قوله: {ومن قبله} للقرآن. و: {كتاب موسى} هو التوراة. وقرأ الكلبي: {كتابَ موسى} بنصب الباء على إضمار أنزل الله أونحوذلك. والإمام: خيط البناء. وكل ما يهتدي ويقتدى به فهو إمام. ونصب {إمامًا} على الحال. {ورحمة} عطف على إمام. والإشارة بقوله: {وهذا كتاب} إلى القرآن. و: {مصدق} معناه للتوراة التي تضمنت خبره وأمر محمد. فجاء هو مصدقًا لذلك الإخبار. وفي مصحف عبد الله بن مسعود: {مصدق لما بين يديه لسانًا}. واختلف الناس في نصب قوله: {لسانًا} فقالت فرقة من النحاة. هو منصوب على الحال. وقالت فرقة: {لسانًا} توطئة مؤكدة. و: {عربيًّا} حال. وقالت فرقة: {لسانًا} مفعول بـ: {مصدق}. والمراد على هذا القول باللسان: محمد رسول الله و لسانه. فكان القرآن بإعجازه وأحواله البارعة يصدق الذي جاء به. وهذا قول صحيح المعنى جيد وغيره مما قدمناه متجه.
وقرأ نافع وابن عامر وابن كثير فيما روي عنه. وأبو جعفر والأعرج وشيبة وأبو رجاء والناس: {لتنذر} بالتاء. أي أنت يا محمد. ورجحها أبو حاتم. وقرأ الباقون والأعمش {لينذر} أي القرآن و: {الذين ظلموا} هم الكفار الذين جعلوا العبادة في غير موضعها في جهة الأصنام والأوثان.
وقوله: {وبشرى} يجوز أن تكون في موضع رفع عطفًا على قوله: {مصدق}. ويجوز أن تكون في موضع نصب. واقعة موقع فعل عطفًا على {لتنذر} أي وتبشر المحسنين. ولما عبر عن الكفار بـ: {الذين ظلموا}. عبر عن المؤمنين بـ: {المحسنين} لتناسب لفظ الإحسان في مقابلة الظلم. ثم أخبر تعالى عن حسن حال المسلمين المستقيمين ورفع الظلم. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ الرسل}.
أي أول من أرسل. قد كان قبلي رسل؛ عن ابن عباس وغيره.
والبِدْعُ: الأول.
وقرأ عكرمة وغيره {بِدَعًا} بفتح الدال. على تقدير حذف المضاف؛ والمعنى: ما كنت صاحب بدَع.
وقيل: بِدْع وبديع بمعنًى؛ مثلُ نصف ونصيف.
وأبدع الشاعر: جاء بالبديع.
وشيء بِدْع (بالكسر) أي مبتدَع.
وفلان بِدْعٌ في هذا الأمر أي بديع.
وقوم أبداع؛ عن الأخفش.
وأنشد قُطْرُب قول عديّ بن زيد:
فلا أنا بدع من حوادث تعتري ** رجالًا غدت من بعد بؤسي بأسعد

{وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي ولا بِكُمْ} يريد يوم القيامة.
ولما نزلت فرح المشركون واليهود والمنافقون وقالوا: كيف نتبع نبيًا لا يدري ما يُفعل به ولا بنا. وأنه لا فضل له علينا. ولولا أنه ابتدع الذي يقوله من تلقاء نفسه لأخبره الذي بعثه بما يفعل به؛ فنزلت: {لِّيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: 2] فنسخت هذه الآية. وأرغم الله أنف الكفار.
وقالت الصحابة: هنيئًا لك يا رسول الله. لقد بيّن الله لك ما يفعل بك يا رسول الله. فليت شعرنا ما هو فاعل بنا؟ فنزلت: {لِّيُدْخِلَ المؤمنين والمؤمنات جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار} [الفتح: 5] الآية.
ونزلت: {وَبَشِّرِ المؤمنين بِأَنَّ لَهُمْ مِّنَ الله فَضْلًا كِبِيرًا} [الأحزاب: 47].
قاله أنس وابن عباس وقتادة والحسن وعكرمة والضحاك.
وقالت أم العلاء امرأةٌ من الأنصار: اقتسمنا المهاجرين فطار لنا عثمان بن مَظْعُون بن حُذافة بن جُمَح. فأنزلناه أبياتنا فَتُوفِّيَ. فقلت: رحمة الله عليك أبا السائب! إن الله أكرمك.
فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «وما يدريك أن الله أكرمه»؟ فقلت: بأبي وأمي يا رسول الله! فمن؟! قال: «أمّا هو فقد جاءه اليقين وما رأينا إلا خيرًا فوالله إني لأرجو له الجنة ووالله إني لرسول الله وما أدري ما يفعل بي ولا بكم» قالت: فوالله لا أزكّي بعده أحدًا أبدًا.
ذكره الثعلبي. وقال: وإنما قال هذا حين لم يعلم بغفران ذنبه. وإنما غفر الله له ذنبه في غَزْوَة الحُدَيْبِيَةِ قبل موته بأربع سنين.
قلت: حديثُ أمِّ العلاء خرّجه البخاري. وروايتي فيه: «وما أدري ما يُفعل به» ليس فيه «بي ولا بكم» وهو الصحيح إن شاء الله. على ما يأتي بيانه.
والآية ليست بمنسوخة؛ لأنها خبر.
قال النحاس: محال أن يكون في هذا ناسخ ولا منسوخ من جهتين: أحدهما أنه خبر. والآخر أنه من أول السورة إلى هذا الموضع خطاب للمشركين واحتجاج عليهم وتوبيخ لهم؛ فوجب أن يكون هذا أيضًا خطابًا للمشركين كما كان قبله وما بعده. ومحال أن يقول النبيّ صلى الله عليه وسلم للمشركين: {ما أدري ما يفعل بي ولا بكم} في الآخرة؛ ولم يزل صلى الله عليه وسلم من أول مبعثه إلى مماته يخبر أن من مات على الكفر مخلّد في النار. ومن مات على الآيمان واتبعه وأطاعه فهو في الجنة؛ فقد رأى صلى الله عليه وسلم ما يفعل به وبهم في الآخرة.
وليس يجوز أن يقول لهم ما أدري ما يفعل بي ولا بكم في الآخرة؛ فيقولون كيف نتبعك وأنت لا تدري أتصير إلى خفض ودَعة أم إلى عذاب وعقاب.
والصحيح في الآية قول الحسن. كما قرأ علي بن محمد بن جعفر بن حفص عن يوسف بن موسى قال حدّثنا وكيع قال حدّثنا أبو بكر الهذلي عن الحسن: (وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي ولا بِكُمْ فِي الدُّنْيَا) قال أبو جعفر: وهذا أصح قول وأحسنه. لا يدري صلى الله عليه وسلم ما يلحقه وإياهم من مرض وصحة ورخص وغلاء وغنى وفقر.
ومثله: {ولوكُنتُ أَعْلَمُ الغيب لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الخير وَمَا مَسَّنِيَ السواء إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ} [الأعراف: 188].
وذكر الواحدي وغيره عن الكلبي عن أبي صالح أن ابن عباس «لما اشتدّ البلاء بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في المنام أنه يهاجر إلى أرض ذات نخل وشجر وماء؛ فقصّها على أصحابه فاستبشروا بذلك. ورأوا فيها فرجًا مما هم فيه من أذى المشركين. ثم إنهم مكثوا برهة لا يرون ذلك فقالوا: يا رسول الله. متى نهاجر إلى الأرض التي رأيت؟ فسكت النبيّ صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى: {وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي ولا بِكُمْ} أي لا أدري أأخرج إلى الموضع الذي رأيته في منامي أم لا. ثم قال: إنما هو شيء رأيته في منامي ما أتبع إلا ما يُوحَى إلي» أي لم يوح إليّ ما أخبرتكم به.
قال القُشَيري: فعلى هذا لا نسخ في الآية.
وقيل: المعنى لا أدري ما يفرض عليّ وعليكم من الفرائض.
واختار الطبري أن يكون المعنى: ما أدري ما يصير إليه أمري وأمركم في الدنيا. أتؤمنون أم تكفرون. أم تعاجلون بالعذاب أم تؤخّرون.
قلت: وهو معنى قول الحسن والسُّدِّي وغيرهما.
قال الحسن: ما أدري ما يفعل بي ولا بكم في الدنيا. أما في الآخرة فمعاذ الله! قد علم أنه في الجنة حين أخذ ميثاقه في الرسل. ولكن قال ما أدري ما يفعل بي في الدنيا أأخرج كما أخرجت الأنبياء قبلي. أوأقتل كما قُتلت الأنبياء قبلي؛ ولا أدري ما يفعل بكم؛ أأمّتي المصدّقة أم المكذّبة. أم أمتي المرمية بالحجارة من السماء قَذْفًا. أو مخسوفٌ بها خَسْفًا؛ ثم نزلت: {هوالذي أَرْسَلَ رسوله بالهدى وَدِينِ الحق لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدين كُلِّهِ} [الصف: 9].
يقول: سيظهر دينه على الأديان.
ثم قال في أمته: {وَمَا كَانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ} [الأنفال: 33] فأخبره تعالى بما يصنع به وبأمته؛ ولا نسخ على هذا كله. والحمد لله.
وقال الضحاك أيضًا: (ما أدري ما يفعل بي ولا بكم) أي ما تؤمرون به وتنهون عنه.
وقيل: أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول للمؤمنين ما أدري ما يفعل بي ولا بكم في القيامة؛ ثم بين الله تعالى ذلك في قوله: {لِّيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} وبيّن فيما بعد ذلك حال المؤمنين ثم بيّن حال الكافرين.