فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقيل: إن الشاهد موسى بن عمران عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام. وقيل غير ذلك.
قوله تعالى: {وَقال الذين كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمنوا لَو كَانَ خَيْرًا مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ}.
أظهر أقوال العلماء في هذه الآية الكريمة. أن الكافرين الذين قالوا للمؤمنين لوكان خيرًا ما سبقونا إليه. أنهم كفار مكة. وأن مرادهم أن فقراء المسلمين. وضعفاءهم كبلال وعمار وصهيب وخباب ونحوهم. أحق عند الله من أن يختار لهم الطريق التي فيها الخير.
وأنهم هم الذين لهم عند الله عظمة وجاه واستحقاق السبق لكل خير لزعمهم أن الله أكرمهم في الدنا بالمال والجاه. وأن أولئك الفقراء لا مال لهم ولا جاه. وأن ذلك التفضيل في الدنيا يستلزم التفضيل في الآخرة.
وهذا المعنى الذي استظهرناه في هذه الآية الكرمية تدل له آيات كثيرة من كتاب الله. وخير ما يفسر به القرآن القرآن.
أما ادعاؤهم أن ما أعطوا من المال. والأولاد والجاه. في الدنيا دليل على أنهم سيعطون مثله في الآخرة. ةتكذيب الله لهم في ذلك. فقد جاء موضحًا في آيات كثيرة كقوله تعالى: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الخيرات بَل لاَّ يَشْعُرُونَ} [المؤمنون: 55- 56] وقوله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ الذي كَفَرَ بآياتنا وَقال لأُوتَيَنَّ مَالًا وولدًا أَطَّلَعَ الغيب أَمِ اتخذ عِندَ الرحمن عَهْدًا كَلاَّ سَنَكْتُبُ مَا يَقول وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ العذاب مَدًّا} [مريم: 77- 79] الآية.
وقوله تعالى: {وَقالواْ نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأولاَدًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} [سبأ: 35] مع قوله: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ ولا أولاَدُكُمْ بالتي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى} [سبأ: 37] الآية.
وقوله تعالى: {ولئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقولنَّ هذا لِي وَمَا أَظُنُّ الساعة قَائِمَةً ولئِن رُّجِّعْتُ إلى ربي إِنَّ لِي عِندَهُ للحسنى فَلَنُنَبِّئَنَّ الذين كَفَرُواْ بِمَا عَمِلُواْ ولنُذِيقَنَّهُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ} [فصلت: 50].
وقد أوضحنا الآيات الدالة على هذا في سورة الكهف في الكلام على قوله تعالى: {ولئِن رُّدِدتُّ إلى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنْقَلَبًا} [الكهف: 36].
وأما احتقار الكفار لضعفاء المؤمنين وفقرأئهم. وزعمهم أنهم أحقر عند الله. من أن يصيبهم بخير. وأتما هم عليه لوكان خيرًا لسبقهم إليه أصحاب الغنى. والجاه والولد. من الكفار فقد دلت عليه آيات أخر كقوله تعالى في الأنعام: {وكذلك فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ ليقولوا أهؤلاء مَنَّ الله عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا} [الأنعام: 53].
فهمزة الأنكار في قوله: أهؤلاء من الله عليهم من بيننا. تدل على إنكارهم أن الله يمن على أولئك الضعفاء بخير.
وقد رد الله عليهم بقوله: {أَلَيْسَ الله بِأَعْلَمَ بالشاكرين وَإِذَا جَاءَكَ الذين يُؤْمِنُونَ بآياتنا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 53- 54] الآية.
وقوله تعالى في الأعراف: {ونادى أَصْحَابُ الأعراف رِجَالاٍ يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قالواْ مَا أغنى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ أهؤلاء الذين أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ الله بِرَحْمَةٍ ادخلوا الجنة لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ ولا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ}.
[الأعراف: 48- 49] وقوله تعالى في ص {وَقالواْ مَا لَنَا لاَ نرى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِّنَ الأشرار أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأبصر} [ص: 62- 63].
فقد قال غير واحد: إن الرجال الذين كانوا يعدونهم من الأشرار هم ضعفاء المسلمين الذين كانوا يسخرون منهم في دار الدنيا ويزعمون أنهم أحقر من أن ينالهم إله بخير ويدل له قوله: {أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا} [ص: 63] وسيسخر ضعفاء المسلمين في الجنة من الكفار الذين كانوا يسخرون منهم في الدنيا وهم في النار. كما قال تعالى: {إِنَّ الذين أَجْرَمُواْ كَانُواْ مِنَ الذين آمنوا يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ} [المطففين: 29- 30] إلى قوله تعالى: {فاليوم الذين آمنوا مِنَ الكفار يَضْحَكُونَ عَلَى الأرائك يَنظُرُونَ هَلْ ثُوِّبَ الكفار مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} [المطففين: 34- 36].
وقوله تعالى: {زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الحياة الدنيا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الذين آمنوا والذين اتقوا فَوْقَهُمْ يَوْمَ القيامة} [البقرة: 212].
قوله تعالى: {لِّيُنذِرَ الذين ظَلَمُواْ وبشرى لِلْمُحْسِنِينَ}.
قد قدمنا الآيات الموضحة له مع بيان أنواع الإنذار في القرآن في أول سورة الأعراف في الكلام على قوله تعالى: {فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وذكرى لِلْمُؤْمِنِينَ} [الأعراف: 2] الآية. وفي أول سورة الكهف في الكلام على قوله تعالى: {لِّيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِّن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ المؤمنين} [الكهف: 2] الآية. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي ولا بِكُمْ}.
أعيد الأمر بأن يقول ما هو حجة عليهم لما علمت آنفًا في تفسير قوله: {قل أرأيتم ما تدعون من دون الله} [الأحقاف: 4] الآيات.
وهذا جواب عما تضمنه قولهم: {افتراه} [الأحقاف: 8] من إحالتهم صدقه فيما جاء به من الرسالة عن الله إحالة دعتهم إلى نسبة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الافتراء على الله.
وإنما لم يعطف على جملة {قل إن افتريته} [الأحقاف: 8] لأن المقصود الارتقاء في الرد عليهم من ردّ إلى أقوى منه فكان هذا كالتعدد والتكرير. وسيأتي بعده قوله: {قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به} [الأحقاف: 10].
ونظير ذلك ما في سورة المؤمنين (81 84) {بل قالوا مثل ما قال الأولون إلى قل لمن الأرضُ ومَن فيها إن كنتم تعلمون وقوله قل من رب السماوات السبع} [المؤمنون: 86] وقوله: {قل من بيده ملكوت كل شيء} [المؤمنون: 88] الخ.
والبِدع بكسر الباء وسكون الدال. معناه البَديع مثل: الخِفّ يعني الخفيف قال امرؤ القيس:
يزل الغلام الخف عن صواته

ومنه: الخِلّ بمعنى الخليل.
فالبِدْع: صفة مشبهة بمعنى البَادع. ومن أسمائه تعالى: «البديع» خالق الأشيئاء ومخترعها.
فالمعنى: ما كنت محدثًا شيئًا لم يكن بين الرسل.
و{مِن} ابتدائية. أي ما كنت اتيًا منهم بديعًا غير مماثل لهم فكما سمعتم بالرسل الأولين أخبروا عن رسالة الله إياهم فكذلك أنا فلماذا يعجبون من دعوتي.
وهذه الآية صالحة للرد على نصارى زماننا الذين طعنوا في نبوته بمطاعن لا منشأ لها إلا تضليلٌ وتمويه على عامتهم لأن الطاعنين ليسوا من الغباوة بالذين يخفى عليهم بهتانهم كقولهم إنه تزوج النساء. أوأنه قاتل الذين كفروا. أوأنه أحبّ زينب بنت جحش.
وقوله: {وما أدري ما يُفعل بي ولا بكم} تتميم لقوله: {قل ما كنت بدعًا من الرسل} وهو بمنزلة الاعتراض فإن المشركين كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن مغيبات استهزاء فيقول أحدهم إذا ضلَّت ناقته: أين ناقتي؟ ويقول أحدهم: مَن أبي. أونحوذلك فأمر الله الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعلمهم بأنه لا يدري ما يفعل به ولا بهم. أي في الدنيا. وهذا معنى قوله تعالى: {قل لا أملك لنفسي نفعًا ولا ضرًا إلا ما شاء الله ولوكنتُ أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسّني السوء} [الأعراف: 188].
و لذلك كان قوله: {إن أتبع إلا ما يوحى} استئنافًا بيانيًا وإتمامًا لما في قوله: {وما أدرى ما يفعل بي ولا بكم} بأن قصارى ما يدريه هو اتباع ما يُعلمه الله به فهو تخصيص لعمومه. ومثل علمه بأنه رسول من الله وأن المشركين في النار وأن وراء الموت بعثا.
ومثل أنه سيهاجر إلى أرض ذات نخل بين حرتين. ومثل قوله تعالى: {إنّا فتحنا لك فتحًا مبينًا} [الفتح: 1]. ونحوذلك مما يرجع إلى ما أطلعه الله عليه. فدع ما أطال به بعض المفسرين هنا من المراد بقوله: {وما أدري ما يفعل بي ولا بكم} ومن كونها منسوخة أو محكمة ومن حُكم نسخ الخبر.
و وجه عطف {ولا بكم} على {بي} بإقحام (لا) النافية مع أنهما متعلقان بفعل صلة {ما} الموصولة وليس في الصلة نفي. فلماذا لم يقل: ما يفعل بي وبكم لأن الموصول وصلته لما وقعا مفعولا للمنفي في قوله: {وما أدري} تناول النفي ما هو في حيّز ذلك الفعل المنفي فصار النفي شاملًا للجميع فحسّن إدخال حرف النفي على المعطوف. كما حسُن دخول الباء التي شأنها أن تزاد فيجرَّ بها الاسم المنفي المعطوف على اسم (إن) وهو مُثبت في قوله تعالى: {أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يَعْىَ بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى} [الأحقاف: 33] لوقوع {أنّ} العاملة فيه في خبر النفي وهو {أولم يروا} وكذلك زيادة (مِن) في قوله تعالى: {ما يَودّ الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن يُنزّل عليكم من خير} [البقرة: 105] فإن {خيرٍ} وقع معمو لا لفعل {يُنزَّل} وهو فعل مثبت ولكنه لما انتفت ودادتهم التنزيلَ صار التنزيل كالمنفي لديهم.
وعطف {وما أنا إلا نذير مبين} على جملة {ما كنت بدعا من الرسل} لأنه الغرض المسوق له الكلام بخلاف قوله: {وما أدري ما يفعل بي ولا بكم}.
والمعنى: وما أنا نذير مبين لا مُفْتَرٍ. فالقصر قصر إضافي. وهو قصر قلب لردّ قولهم {افتراه}.
{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فآمن وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10)}.
أعيد الأمر بأن يقول لهم حجة أخرى لعلها تردهم إلى الحق بعد ما تقدم من قوله: {قل أرأيتم ما تَدعون من دون الله} [الأحقاف: 4] الآية وقوله: {قل إن افتريته فلا تملكون لي من الله شيئًا} [الأحقاف: 8] وقوله: {قل ما كنت بدعا من الرسل} [الأحقاف: 9] الآية.
وهذا استدراج لهم للوصو ل إلى الحق في درجات النظر فقد بادأهم بأن ما أحالوه من أن يكون رسو لا من عند الله ليس بمحال إذ لم يكن أول الناس جاء برسالة من الله.
ثم أعقبه بأن القرآن إذا فرضنا أنه من عند الله وقد كفرتم بذلك كيف يكون حالكم عند الله تعالى.
وأقحم في هذا أنه لوشهد شاهد من أهل الكتاب بوقوع الرسالات ونزول الكتب على الرسل. وامن برسالتي كيف يكون انحطاطكم عن درجته. وقد جاءكم كتاب فأعرضتم عنه. فهذا كقوله: {أوتقولوا لوأنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدَى منهم} [الأنعام: 157]. وهذا تحريك للهمم.
ونظير هذه الآية آية سورة فصّلت (52) {قل أرأيتم إن كان من عند الله ثم كفرتم به من أضل ممن هو في شقاق بعيد} سوى أن هذه أقحم فيها قوله: {وشهد شاهد من بني إسرائيل} فإن المشركين كانت لهم مخالطة مع بعض اليهود في مكة و لهم صلة بكثير منهم في التجارة بالمدينة وخيبر فلما ظهرت دعوة النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يسألون من لَقوه من اليهود عن أمر الأديان والرسل فكان اليهود لا محالة يخبرون المشركين ببعض الأخبار عن رسالة موسى وكتابه وكيف أظهره الله على فرعون.
فاليهود وإن كانوا لا يقرّون برسالة محمد صلى الله عليه وسلم فهم يتحدثون عن رسالة موسى عليه السلام بما هو مماثل لحال النبي صلى الله عليه وسلم مع قومه وفيه ما يكفي لدفع إنكارهم رسالته.
فالاستفهام في {أرأيتم} تقريري للتوبيخ ومفعولا {أرأيتم} محذوفان.
والتقدير: أرأيتم أنفسكم ظالمين.
والضمير المستتر في {إن كان} عائد إلى القرآن المعلوم من السياق أو الى ما يُوحَى إليّ في قوله آنفًا {إن أتبع إلا ما يُوحَى إليّ} [الأحقاف: 9].
وجملة {وكفرتم به} في موضع الحال من ضمير {أرأيتم}.
ويجوز أن يكون عطفًا على فعل الشرط.
وكذلك جملة {وشهد شاهد من بني إسرائيل} لأن مضمون كلتا الجملتين واقع فلا يدخل في حيز الشرط. وجواب الشرط محذوف دل عليه سياق الجدل.
والتقدير: أفترون أنفسكم في ضلال.
وجملة {إن الله لا يهدي القوم الظالمين} تذييل لجملة جواب الشرط المقدرة وهي تعليل أيضًا.
والمعنى: أتظنون إن تبين أن القرآن وحي من الله وقد كفرتم بذلك فشهد شاهد على حَقّية ذلك تُوقنوا أن الله لم يهدكم لأنكم ظالمون وأن الله لا يهدي الظالمين.
وضميرا {كان} و{مثله} عائدان إلى القرآن الذي سبق ذكره مرّات من قوله: {تنزيل الكتاب من الله} [الأحقاف: 2] وقوله: {ائتوني بكتاب من قبل هذا} [الأحقاف: 4].
وجملة {واستكبرتم} عطف على جملة {وشهد شاهد} الخ وجملة {وشهد شاهد} عطف على جملة {إن كان من عند اللَّه}.
والمِثل: المماثل والمشابه في صفة أوفعل. وضمير {مثله} للقرآن فلفظ {مثله} هنا يجوز أن يحمل على صريح الوصف. أي على مماثل للقرآن فيما أنكروه مما تضمنه القرآن من نحوتوحيد الله وإثبات البعث وذلك المثل هو كتاب التوراة أو الزبور من كتب بني إسرائيل يومئذٍ.
ويجوز أن يحمل المِثل على أنه كناية عما أضيف إليه لفظ (مثل). فيكون لفظ (مثل) بمنزلة المقحم على طريقة قول العرب: (مثلك لا يبخل). وكما هو أحد محملين في قوله تعالى: {ليس كمثله شيء} [الشورى: 11].
فالمعنى: وشهد شاهد على صدق القرآن فيما حواه.
ويجوز يكون ضمير {مثله} عائدًا على الكلام المتقدم بتأويل المذكور. أي على مثل ما ذكر في أنه {من عند الله} وأنه ليس بدعا من كتب الرسل.
فالمراد بـ {شاهد من بني إسرائيل} شاهدٌ غيرُ معين. أي أيَّ شاهد. لأن الكلام إنباء لهم بما كانوا يتساءلون به مع اليهود.
وبهذا فسر الشعبي ومسروق واختاره ابن عبد البر في (الاستيعاب) في ترجمة عبد الله بن سلام فالخطاب في قوله: {أرأيتم} وما بعده موجه إلى المشركين من أهل مكة. وقال ابن عباس والحسن وقتادة ومجاهد وعكرمة: المراد بـ {شاهد من بني إسرائيل} عبدُ الله بن سلاَم.
وروى الترمذي عن عبد الله بن سلام أنه قال: فيَّ نزلت آيات من كتاب الله {وشهد شاهد من بني إسرائيل} الآية.
ومثل قول قتادة ومجاهد وعكرمة روي عن ابن زيد ومالك بن أنس وسفيان الثوري و وقع في (صحيح البخاري) في باب فضل عبد الله بن سلام حديث عبد الله بن يوسف عن مالك عن سعد بن أبي وقاص قال: وفيه نزلت هذه الآية {وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله} الآية. قال عبد الله بن يوسف: لا أدري قال مالك: الآية أو في الحديث.
قال مسروق: ليس هو ابن سلام لأنه أسلم بالمدينة والسورة مكية. وقال الشعبي مثلَه.
ويجوز أن تكون الآية نزلت بالمدينة وأمر بوضعها في سورة الأحقاف. وعلى هذا يكون الخطاب في قوله: {أرأيتم} وما بعده لأهل الكتاب بالمدينة وما حولها.
وعندي أنه يجوز أن يكون هذا إخبارًا من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم بما سيقع من إيمان عبد الله بن سَلام فيكون هو المراد بـ {شاهد من بني إسرائيل} وإن كانت الآية مكية.