فصل: قال الشوكاني في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقرأ الجمهور: أو أثارة. وهو مصدر. كالشجاعة والسماحة. وهي البقية من الشيء. كأنها أثرة.
وقال الحسن: المعنى: من علم استخرجتموه فتثيرونه.
وقال مجاهد: المعنى: هل من أحد يأثر علمًا في ذلك؟ وقال القرطبي: هو الإسناد. ومنه قول الأعشى:
إن الذي فيه تماريتما ** بين للسامع والاثر

أي: و للمستدعين غيره؛ ومنه قول عمر رضي الله عنه: فما خلفت به ذاكرًا ولا اثرًا.
وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن. وقتادة: المعنى: أوخاصة من علم. فاشتقاقها من الأثرة. فكأنها قد اثر الله بها من هي عنده.
وقال ابن عباس: المراد بالآثارة: الخط في التراب. وذلك شيء كانت العرب تفعله وتتكهن به وتزجر تفسيره.
الآثارة بالخط يقتضي تقوية أمر الخط في التراب. وأنه شيء ليس له وجه إذاية وقف أحد إليه.
وقيل: إن صح تفسير ابن عباس الآثارة بالخط في التراب. كان ذلك من باب التهكم بهم وبأقوالهم ودلائلهم.
وقرأ علي. وابن عباس: بخلاف عنهما. وزيد بن علي. وعكرمة. وقتادة. والحسن. والسلمي. والأعمش. وعمرو بن ميمون: أو أثرة بغير ألف. وهي واحدة. جمعها أثر؛ كقترة وقتر؛ وعلي. والسلمي. وقتادة أيضًا: بإسكان الثاء. وهي الفعلة الواحدة مما يؤثر. أي قد قنعت لكم بخبر واحد وأثر واحد يشهد بصحة قولكم.
وعن الكسائي: ضم الهمزة وإسكان الثاء.
وقال ابن خالويه. وقال الكسائي على لغة أخرى: إثرة وأثرة يعني بكسر الهمزة وضمها.
{ومن أضل ممن} يعبد الأصنام. وهي جماد لا قدرة لها على استجابة دعائهم ما دامت الدنيا. أي لا يستجيبون لهم أبدًا. و لذلك غيًا انتفاء استجابتهم بقوله: {إلى يوم القيامة}. ومع ذلك لا شعور لهم بعبادتهم إياهم. وهم في الآخرة أعداء لهم. فليس لهم في الدنيا بهم نفع. وهم عليهم في الآخرة ضرر. كما قال تعالى: {سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدًا} وجاء {من لا يستجيب}. لأنهم يسندون إليهم ما يسند لأولي العلم من الاستجابة والغفلة؛ أوكأن {من لا يستجيب} يراد به من عبد من دون الله من إنس وجن وغيرهما. وغلب من يعقل. وحمل أولا على لفظ {من لا يستجيب}. ثم على المعنى في: وهم من ما بعده.
والظاهر عود الضمير أولا على لفظ {من لا يستجيب}. ثم على المعنى في: وهم على معنى من في: {من لا يستجيب}. كما فسرناه.
وقيل: يعود على معنى من في: {ومن أضل}. أي والكفار عن ضلالهم بأنهم يدعون من لا يستجيب.
{غافلون}: لا يتأملون ما عليهم في دعائهم من هذه صفته.
{وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات}: جمع بينة. وهي الحجة الواضحة.
واللام في {للحق}. لام العلة. أي لأجل الحق.
وأتى بالظاهرين بدل المضمرين في {قال الذين كفروا للحق}. ولم يأت التركيب: قالوا لها. تنبيهًا على الوصفين: وصف المتلوعليهم بالكفر. ووصف المتلوعليهم بالحق. ولوجاء بهما الوصفين. لم يكن في ذلك دليل على الوصفين من حيث اللفظ. وإن كان من سمى الآيات سحرًا هو كافر. والآيات في نفسها حق. ففي ذكرهما ظاهرين. يستحيل على القائلين بالكفر. وعلى المتلوبالحق.
وفي قوله: {لما جاءهم} تنبيه على أنهم لم يتأملوا ما يتلى عليهم. بل بادروا أول سماعه إلى نسبته إلى السحر عنادًا وظلمًا. ووصفوه بمبين. أي ظاهر. إنه سحر لا شبهة فيه.
{أم يقولون افتراه}: أي بل يقولون افتراه. أي بل أيقولون اختلقه؟ انتقلوا من قولهم: {هذا سحر} إلى هذه المقالة الآخرى.
والضمير في افتراه عائد إلى الحق. والمراد به الآيات.
{قل إن افتريته}. على سبيل الفرض. فالله حسبي في ذلك. وهو الذي يعاقبني على الافتراء عليه. ولا يمهلني؛ {فلا تملكون لي} عقوبة الله بي شيئًا.
فكيف أفتريه وأتعرض لعقابه؟ يقال: فلان لا يملك إذا غضب. ولا يملك عنانه إذا صم؛ ومثله: {فمن يملك من الله شيئًا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم} {ومن يريد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئًا} ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: «لا أملك لكم من الله شيئًا» ثم استسلم إلى الله واستنصر به فقال: {هوأعلم بما تفيضون فيه}: أي تندفعون فيه من الباطل. ومراده الحق. وتسميته تارة سحرًا وتارة فرية.
والضمير في فيه يحتمل أن يعود على ما. أو على القرآن. وبه في موضع الفاعل يكفي على أصح الأقوال.
{شهيدًا بيني وبينكم}: شهيد إليّ بالتبليغ والدعاء إليه. وشهيد عليكم بالتكذيب.
{وهوالغفور الرحيم}: عدة لهم بالغفران والرحمة إن رجعوا عن الكفر. وإشعار بحلمه تعالى عليهم. إذ لم يعاجلهم بالعقاب. إذ كان ما تقدم تهديدًا لهم في أن يعاجلهم على كفرهم.
{قل ما كنت بدعًا من الرسل}: أي جاء قبلي غيري. قاله ابن عباس. والحسن. وقتادة. والبدع والبديع: من الأشيئاء ما لم ير مثله. ومنه قول عدي بن زيد. أنشده قطرب:
فما أنا بدع من حوادث تعتري ** رجالًا عرت من بعد بؤسي فأسعد

والبدع والبديع: كالخف والخفيف. والبدعة: ما اخترع مما لم يكن موجودًا. وأبدع الشاعر: جاء بالبديع. وشيء بدع. بالكسر: أي مبتدع. وفلان بدع في هذا الأمر: أي بديع. وقوم إبداع. عن الأخفش.
وقرأ عكرمة. وأبو حيوة. وابن أبي عبلة: بفتح الدال. جمع بدعة. وهو على حذف مضاف. أي ذا بدع.
وقال الزمخشري: ويجوز أن يكون صفة على فعل. كقولهم: دين قيم و لحم زيم. انتهى.
وهذا الذي أجازه. إن لم ينقل استعماله عن العرب. لم نجزه. لأن فعل في الصفات لم يحفظ منه سيبويه إلا عدى.
قال سيبويه: ولا نعلمه جاء صفة إلا في حرف معتل يوصف به الجمع. وهو قوم عدي. وقد استدرك. واستدراكه صحيح.
وأما قيم. فأصله قيام وقيم. مقصور منه. و لذلك اعتلت الواو فيه. إذ لو لم يكن مقصورًا لصحت. كما صحت في حول وعوض.
وأما قول العرب: مكان سوى. وماء روى. ورجل رضى. وماء صرى. وسبى طيبه. فمتأولة عند البصريين لا يثبتون بها فعلًا في الصفات.
وعن مجاهد. وأبي حيوة: بدعا. بفتح الباء وكسر الدال. كحذر.
{وما أدري ما يفعل بي ولا بكم}: أي فيما يستقبل من الزمان. أي لا أعلم مالي بالغيب. فأفعاله تعالى. وما يقدره لي و لكم من قضاياه. لا أعلمها.
وعن الحسن وجماعة: وما أدري ما يصير إليه أمري وأمركم في الدنيا. ومن الغالب منا والمغلوب؟ وعن الكلبي. قال له أصحابه. وقد ضجروا من أذى المشركين: حتى متى نكون على هذا؟ فقال: ما أدري ما يفعل بي ولا بكم أأنزل بمكة؟ أم أو مر بالخروج إلى أرض قد رفعت ورأيتها. يعني في منامه. ذات نخل وشجر؟ وقال ابن عباس. وأنس بن مالك. وقتادة. والحسن. وعكرمة: معناه في الآخرة. وكان هذا في صدر الإسلام. ثم بعد ذلك عرفه الله تعالى أنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. وأن المؤمنين لهم من الله فضل كبير وهو الجنة. وبأن الكافرين في نار جهنم؛ وهذا القول ليس بظاهر. بل قد أعلم سبحانه من أول الرسالة حال الكافر وحال المؤمن.
وقيل: {ما يفعل بي ولا بكم} من الأوامر والنواهي. وما يلزم الشريعة.
وقيل: نزلت في أمر كان النبي صلى الله عليه وسلم ينتظره من الله في غير الثواب والعقاب.
{إن أتبع إلا ما يوحى إليّ}: استسلام وتبرؤ من علم المغيبات. و وقوف مع النذارة إلا من عذاب الله.
وقرأ الجمهور: ما يفعل بضم الياء مبنيًا للمفعول؛ وزيد بن عليّ. وابن أبي عبلة: بفتحها.
والظاهر أن ما استفهامية. وأدري معلقة؛ فجملة الاستفهام موصولة منصوبة. انتهى.
والفصيح المشهور أن دَرَى يتعدى بالباء. و لذلك حين عدي بهمزة النقل يتعدى بالباء. نحو قوله: {ولا أدراكم به} فجعل ما استفهامية هو الأولى والأجود. وكثيرًا ما علقت في القرآن نحو: {وإن أدري أقريب}. ويفعل مثبت غير منفي. لكنه قد انسحب عليه النفي. لاشتماله على ما ويفعل؛ فلذلك قال: {ولا بكم}.
ولولا اعتبار النفي. لكان التركيب {ما يفعل بي ولا بكم}.
ألا ترى زيادة من في قوله: {أن ينزل عليكم من خير} لأنسحاب قوله: {ما يود الذين كفروا} على يود وعلى متعلق يود. وهو أن ينزل. فاذا انتفت ودادة التنزيل انتفى التنزيل.
وقرأ ابن عمير: ما يوحي. بكسر الحاء. أي الله عز وجل.
{قل أرأيتم}: مفعولا أرأيتم محذوفان لدلالة المعنى عليهما. والتقدير: أرأيتم حالكم إن كان كذا؟ ألستم ظالمين؟ فالأول حالكم. والثاني ألستم ظالمين. وجواب الشرط محذوف؛ أي فقد ظلمتم. و لذلك جاء فعل الشرط ماضيًا.
وقال الزمخشري: جواب الشرط محذوف تقديره: إن كان هذا القرآن من عند الله وكفرتم به. ألستم ظالمين؟ ويدل على هذا المحذوف قوله: {إن الله لا يهدي القوم الظالمين}. انتهى.
وجملة الاستفهام لا تكون جوابًا للشرط إلا بالفاء.
فإن كانت الأداة الهمزة. تقدمت الفاء نحو: إن تزرنا. أفما نحسن إليك؟ أو غيرها تقدمت الفاء نحو: إن تزرنا. فهل ترى إلا خيرًا؟ فقول الزمخشري: ألستم ظالمين؟ بغير فاء. لا يجوز أن يكون جواب الشرط.
وقال ابن عطية: وأرأيتم يحتمل أن تكون منبهة. فهي لفظ موضوع للسؤال لا يقتضي مفعولا.
ويحتمل أن تكون الجملة: كان وما عملت فيه. تسد مسد مفعوليها. انتهى.
وهذا خلاف ما قرره محققوالنحاة في أرأيتم.
وقيل: جواب الشرط.
{فآمن واستكبرتم}: أي فقد امن محمد به. أو الشاهد. واستكبرتم أنتم عن الآيمان.
وقال الحسن: تقديره فمن أضل منكم.
وقيل: فمن المحق منا ومنكم. ومن المبطل؟ وقيل: إنما تهلكون. والضمير في به عائد على ما عاد عليه اسم كان. وهو القرآن.
وقال الشعبي: يعود على الرسول. والشاهد عبد لله بن سلام. قاله الجمهور. وابن عباس. والحسن. وعكرمة. ومجاهد. وقتادة. وابن سيرين؛ والآية مدنية.
وعن عبد الله بن سلام: نزلت في آيات من كتاب الله. نزلت في {وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم}.
وقال مسروق: الشاهد موسى عليه السلام. لا ابن سلام. لأنه أسلم بالمدينة. والسورة مكية. والخطاب في {وكفرتم به} لقريش.
وقال الشعبي: الشاهد من امن من بني إسرائيل بموسى والتوارة. لأن ابن سلام أسلم قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بعامين. والسورة مكية.
وقال سعد بن أبي وقاص. ومجاهد. وفرقة: الآية مكية. والشاهد عبد الله بن سلام. وهي من الآيات التي تضمنت غيبًا أبرزه الوجود. وعبد الله بن سلام مذكور في الصحيح. وفيه بهت لليهود لعنهم الله.
ومن كذب اليهود وجهلهم بالتاريخ. ما يعتقدونه في عبد الله بن سلام. أنه صلى الله عليه وسلم حين سافر إلى الشام في تجارة لخديجة رضي الله عنها. اجتمع بأحبار اليهود وقص عليهم أحلامه. فعلموا أنه صاحب دو لة. وعموا. فأصحبوه عبد الله بن سلام. فقرأ علوم التوراة وفقهها مدة. زعموا وأفرطوا في كذبهم. إلى أن نسبوا الفصاحة المعجزة التي في القرآن إلى تأليف عبد الله بن سلام. وعبد الله هذا لم تعلم له إقامة بمكة ولا تردد إليها.
فما أكذب اليهود وأبهتهم لعنهم الله.
وناهيك من طائفة. ما ذم في القرآن طائفة مثلها. اهـ.

.قال الشوكاني في الآيات السابقة:

قوله: {حم تَنزِيلُ الكتاب مِنَ الله العزيز الحكيم}.
قد تقدّم الكلام على هذا في سورة غافر وما بعدها مستوفى. وذكرنا وجه الإعراب. وبيان ما هو الحقّ من أن فواتح السور من المتشابه الذي يجب أن يوكل علمه إلى من أنزله {مَا خَلَقْنَا السموات والارض وَمَا بَيْنَهُمَا} من المخلوقات بأسرها {إِلاَّ بالحق} هو استثناء مفرّغ من أعمّ الأحوال. أي: إلاّ خلقًا ملتبسًا بالحقّ الذي تقتضيه المشيئة الإلهية. وقوله: {وَأَجَلٌ مُّسَمًّى} معطوف على الحقّ. أي: إلاّ بالحقّ. وبأجل مسمى. على تقدير مضاف محذوف. أي: وبتقدير أجل مسمى. وهذا الأجل هو يوم القيامة. فإنها تنتهي فيه السموات والأرض وما بينهما. وتبدّل الأرض غير الأرض والسموات.
وقيل: المراد بالأجل المسمى: هو انتهاء أجل كلّ فرد من أفراد المخلوقات. والأول أولى. وهذا إشارة إلى قيام الساعة. وانقضاء مدّة الدنيا. وأن الله لم يخلق خلقه باطلًا وعبثًا لغير شيء. بل خلقه للثواب والعقاب.
{والذين كَفَرُواْ عَمَّا أُنذِرُواْ مُعْرِضُونَ} أي: عما أنذروا وخوّفوا به في القرآن من البعث والحساب والجزاء معرضون مولون غير مستعدّين له. والجملة في محل نصب على الحال. أي: والحال أنهم معرضون عنه غير مؤمنين به. و(ما) في قوله: {مَا أَنْذِرُواْ} يجوز أن تكون الموصولة. ويجوز أن تكون المصدرية.
{قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ الله} أي: أخبروني ما تعبدون من دون الله من الأصنام {أَرُونِى مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ الأرض} أي: أيّ شيء خلقوا منها. وقوله: {أَرُونِىَ} يحتمل أن يكون تأكيدًا لقوله: {أَرَءيْتُمْ}. أي: أخبروني أروني. والمفعول الثاني لأرأيتم {ماذا خلقوا}. ويحتمل أن لا يكون تأكيدًا. بل يكون هذا من باب التنازع؛ لأن أرأيتم يطلب مفعولا ثانيًا. وأروني كذلك {أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ في السموات} أم هذه هي المنقطعة المقدّرة ببل والهمزة. والمعنى: بل ألهم شركة مع الله فيها؟ والاستفهام للتوبيخ والتقريع {ائتونى بكتاب مّن قَبْلِ هذا} هذا تبكيت لهم. وإظهار لعجزهم. وقصورهم عن الإتيان بذلك. والإشارة بقوله: {هذا} إلى القرآن. فإنه قد صرّح ببطلأن الشرك. وأن الله واحد لا شريك له. وأن الساعة حقّ لا ريب فيها. فهل للمشركين من كتاب يخالف هذا الكتاب. أوحجة تنافي هذه الحجة.
{أو أثارة مّنْ عِلْمٍ}.
قال في الصحاح: {أو أثارة من علم}: بقية منه. وكذا الأثرة بالتحريك.
قال ابن قتيبة: أي: بقية من علم الأولين.
وقال الفراء. والمبرد: يعني: ما يؤثر عن كتب الأولين.