فصل: فوائد بلاغية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد بلاغية:

قال في صفوة التفاسير:
البلاغة:
1- {تلك الرسل} الإشارة بالبعيد {تلك} لبعد مرتبتهم في الكمال.
2- {منهم من كلم الله} الآية تفصيل لذلك التفضيل ويسمى هذا في البلاغة التقسيم، وكذلك في قوله: {فمنهم من آمن ومنهم من كفر} وبين لفظ آمن وكفر طباق.
3- الإطناب وذلك في قوله: {ولو شاء الله ما اقتتلوا} حيث كرر جملة {ولو شاء الله}.
4- {والكافرون هم الظالمون} فيه قصر الصفة على الموصوف، وقد أكدت بالجملة الاسمية وبضمير الفصل، فكأن الظلم قاصر عليهم لا يجاوزهم إلى غيرهم. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله تعالى: {الله لاَ إله إِلاَّ هُوَ الحي} مبتدأٌ وخبرٌ وهو مرفوعٌ محمولٌ على المعنى، أي: ما إله إلاَّ هو، ويجوز في غير القرآن لا إله إلاَّ إيَّاه، نصب على الاستثناء.
وقيل: {الله} مبتدأٌ، و{لاَ إله} مبتدأ ثان، وخبره محذوف تقديره معبود أو موجود.
و{الحي} فيه سبعة أوجه:
أحدها: أن يكون خبرًا ثانيًا للجلالة.
الثاني: أن يكون خبرًا لمبتدأ محذوف، أي: هو الحيُّ.
الثالث: بدل من موضع: {لاَ إله إِلاَّ هُوَ} فيكون في المعنى خبرًا للجلالة، وهذا في المعنى كالأول، إلا أنَّه هنا لم يخبر عن الجلالة إلاَّ بخبرٍ واحدٍ بخلاف الأول.
الرابع: أن يكون بدلًا من هو وحده، وهذا يبقى من باب إقامة الظاهر مقام المضمر، لأنَّ جملة النَّفي خبرٌ عن الجلالة، وإذا جعلته بدلًا حلَّ محلَّ الأول، فيصير التقدير: الله لا إله إلا الله.
الخامس: أن يكون مبتدأٌ وخبره {لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ}.
السادس: أنه بدلٌ من اللهِ.
السابع: أنه صفة لله، وهو أجودها، لأنه قرئ بنصب {الحيَّ القَيُّومَ} على القطع، والقطع إنَّما هو في باب النَّعت، ولا يقال في هذا الوجه الفصل بين الصِّفة والموصوف بالخبر، لأنَّ ذلك جائزٌ حسن تقول: قائمٌ العاقلُ.
و{الحي} فيه قولان:
أحدهما: أن أصله حييٌ بياءين من حيي يحيا فهو حيٌّ، وإليه ذهب أبو البقاء.
والثاني: أنَّ أصله حيوٌ فلامه واو فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها متطرِّفة، وهذا لا حاجة إليه، وكأنَّ الذي أحوج هذا القائل إلى ادِّعاء ذلك أنَّ كون العين، واللام من واد واحدٍ هو قليل في كلامهم بالنسبة إلى عدم ذلك فيه، ولذلك كتبوا الحَيَاةَ بواوٍ في رسم المصحف العزيز تنبيهًا على هذا الأصل، ويؤيده الحَيَوَانُ لظهور الواو فيه. ولناصر القول الأول أن يقول: قلبت الياء الثانية واوًا تخفيفًا؛ لأنَّه لمَّا زيد في آخره ألفٌ ونونٌ استثقل المثلان.
وفي وزنه أيضًا قولان:
أحدهما: أنه فعل.
والثاني: أنَّه فيعل فخُفِّف، كما قالوا ميْت، وهيْن، والأصل: هيّن وميّت.
قال السُّدِّيُّ المراد بالحَيّ الباقي؛ قال لبيدٌ: الطويل:
فَإِمَّا تَرَيْنِي اليَوْمَ أَصْبَحْتُ سَالِمًا ** فَلَسْتُ بِأَحْيَا مِنْ كِلاَبٍ وَجَعْفَرِ

وقال قتادة: والحيُّ الذي لا يموتُ والحيُّ اسمٌ من أسمائه الحسنى، ويقال إنه اسم الله الأعظم.
والقيُّوم: فيعولٌ من: قام بالأمر يقوم به، إذا دبَّره؛ قال أميَّة: الرجز:
لَمْ تُخْلَقِ السَّمَاءُ والنُّجُومُ ** وَالشَّمْسُ مَعْهَا قَمَرٌ يَعُومُ

قَدَّرَهُ مُهَيْمِنٌ قَيُّومُ ** وَالحَشْرُ وَالجَنَّةُ والنَّعِيمُ

إلاَّ لأَمْرٍ شَأْنُهُ عَظِيمُ

وأصله قَيْوُومٌ، فاجتمعت الياء والواو وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت فيها الياء فصار قيُّومًا.
وقرأ ابن مسعود والأعمش ويروى عن عمر: {الحَيُّ القَيَّام}، وقرأ علقمة: {القَيِّم} وهذا كما يقولون: ديُّور، وديار، وديِّر. ولا يجوز أن يكون وزنه فعُّولًا كسَفُّود إذ لو كان كذلك؛ لكان لفظه قوُّومًا؛ لأنَّ العين المضاعفة أبدًا من جنس الأصليَّة كسُبُّوح، وقُدُّوس، وضرَّاب، وقتَّال، فالزَّائد من جنس العين، فلمَّا جاء بالياء دون الواو؛ علمنا أنَّ أصله فيعول، لا فعُّول، وعدَّ بعضهم فيعولًا من صيغ المبالغة كضروبٍ، وضرَّاب.
قال بعضهم: هذه اللَّفظة عبريَّة؛ لأنَّهم يقولون حيًا قيامًا، وليس الأمر كذلك؛ لأنا قد بيَّنا أن له وجهًا صحيحًا في اللُّغة.
قوله: {لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ} في هذه الجملة خمسة أوجه:
أحدها: أنها في محلِّ رفع خبرًا للحيّ كما تقدَّم في أحد أوجه رفع الحيّ.
الثاني: أنَّها خبرٌ عن الله تعالى عند من يجيز تعدُّد الخبر.
الثالث: أنها في محلِّ نصبٍ على الحال من الضَّمير المستكنِّ في القَيُّومِ كأنَّه قيل: يقوم بأمر الخلق غير غافل، قاله أبو البقاء رحمه الله تعالى.
الرابع: أنها استئناف إخبارٍ، أخبر تبارك وتعالى عن ذاته القديمة بذلك.
الخامس: أنها تأكيد للقيُّوم؛ لأن من جاز عليه ذلك استحال أن يكون قيُّومًا، قاله الزَّمخشريُّ، فعلى قوله إنَّها تأكيدٌ يجوز أن يكون محلُّها النصب على الحال المؤكَّدة، ويجوز أن تكون استئنافًا، وفيها معنى التأكيد، فتصير الأوجه أربعةً.
والسِّنة: النُّعاس، وهو ما يتقدَّم النَّوم من الفتور؛ قال عديّ بن الرقاع: الكامل:
وَسْنَانُ أَقْصَدَهُ النُّعَاسُ فَرَنَّقَتْ ** في عَيْنِهِ سِنَةٌ وَلَيْسَ بِنَائِمِ

وهي مصدر وسن يَسِنُ؛ مثل: وَعَد، يَعِد، وقد تقدَّم علة الحذف عند قوله: {سَعَةً مِّنَ المال} [البقرة: 247].
قوله: {لَّهُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض} هي كالتي قبلها إلاَّ في كونها تأكيدًا، وما للشُّمول، واللاّم في لَهُ للملك، وكرَّر مَا تأكيدًا، وذكرها هنا المظروف دون الظرف؛ لأنَّ المقصود نفي الإلهيَّة عن غير الله تعالى، وأنه لا ينبغي أن يعبد إلاّ هو، لأنَّ ما عبد من دونه في السَّماء كالشَّمس، والقمر، والنجوم أو في الأرض كالأصنام وبعض بني آدم، فكلُّهم ملكه تعالى تحت قهره، واستغنى عن ذكر أنَّ السَّموات، والأرض ملكٌ له بذكره قبل ذلك أنه خالق السَّموات والأرض.
قوله: {مَن ذَا الذي يَشْفَعُ عِنْدَهُ} كقوله: {مَّن ذَا الذي يُقْرِضُ الله} [البقرة: 245].
قال القرطبيُّ: مَنْ رفع بالابتداء، وذا خبره، والَّذِي نعتٌ لذا، أو بدل ولا يجوز أن تكون ذا زائدة كما زيدت مع مَا؛ لأنَّ ما مبهمة، فزيدت ذا معها لشبهها بها.
ومَنْ، وإن كان لفظها استفهامًا فمعناه النَّفي، ولذلك دخلت إلاَّ في قوله: {إِلاَّ بِإِذْنِهِ}.
وعِنْدَهُ فيه وجهان:
أحدهما: أنَّه متعلِّق بيشفع.
والثاني: أنه متعلِّق بمحذوف لكونه حالًا من الضَّمير في يَشْفَعُ، أي: يشفع مستقرًا عنده، وقوي هذا الوجه بأنه إذا لم يشفع عنده من هو عنده وقريبٌ منه فشفاعة غيره أبعد وضعَّف بعضهم الحاليَّة بأنَّ المعنى: يشفع إليه.
و{إِلاَّ بِإِذْنِهِ} متعلِّققٌ بمحذوف، لأنَّه حال من فاعل، يَشْفَع فهو استثناءٌ مفرَّغ، والباء للمصاحبة، والمعنى: لا أحد يشفع عنده إلاَّ مأذونًا له منه، ويجوز أن يكون مفعولًا به، أي: بإذنه يشفعون كما تقول: ضَرَب بِسَيْفِهِ، أي: هو آلةٌ للضَّرب، والباء للتعدية.
ويَعْلَمُ هذه الجملة يجوز أن تكون خبرًا لأحد المبتدأين المتقدمين، أو استئنافًا، أو حالًا. والضَّمير فِي أيْدِيهم وخَلْفَهُم يعود على مَا في قوله تعالى: {لَّهُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض} إلا أنَّه غلَّب من يعقل على غيره. وقيل: يعود على العقلاء ممَّن تضمَّنه لفظ ما دون غيرهم. وقيل: يعود على ما دلَّ عليه مَنْ ذَا من الملائكة والأنبياء. وقيل: من الملائكة خاصّةً.
قوله: {بِشَيْءٍ} متعلِّقٌ ب {يحيطون}. والعلم عنا بمعنى المعلوم؛ لأنَّ علمه تعالى الذي هو صفةٌ قائمةٌ بذاته المقدَّسة لا يتبعَّض، ومن وقوع العلم موقع المعلوم قولهم: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا عِلْمَكَ فِينَا وحديث موسى، والخَضِر عليهما الصَّلاة والسَّلام مَا نَقَص علمي وعلمُك من علمه إلاَّ كَمَا نقص العُصْفُورُ من هذا البَحْر ولكون العلم بمعنى المعلوم، صحَّ دخول التَّبعيض، والاستثناء عليه. و{مِنْ عِلْمِهِ} يجوز أن يتعلَّق ب {يحيطون}، وأن يتعلَّق بمحذوف لأنه صفة لشيء، فيكون في محلِّ جر. و{بمَا شَاءَ} متعلِّقٌ ب {يحيطون} أيضًا، ولا يضرُّ تعلُّق هذين الحرفين المتَّحدين لفظًا ومعنًى بعاملٍ واحدٍ؛ لأنَّ الثاني ومجروره بدلان من الأول، بإعادة العامل بطرق الاستثناء، كقولك: مَا مَرَرْتُ بأحدٍ إلاَّ بِزَيْدٍ، ومفعول شَاءَ محذوفٌ تقديره: إلا بما شَاءَ أن يحيطوا به، وإنما قدَّرته كذلك لدلالة قوله: {وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ}. اهـ. بتصرف.

.التفسير الإشاري:

قال الألوسي:
ومن باب الإشارة في الآيات: {تِلْكَ آيات الله} أي أسراره وأنواره ورموزه وإشاراته {نَتْلُوهَا} بلسان الوحي {عَلَيْكَ} ملابسة للحق الثابت الذي لا يعتريه تغيير {وَإِنَّكَ لَمِنَ المرسلين} [البقرة: 252] الذين عبروا هذه المقامات وصح لهم صفاء الأوقات {تِلْكَ الرسل فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ} بمقتضى استعلاء أنوار استعداداتهم {مّنْهُمْ مَّن كَلَّمَ الله} عند تجليه على طور قلبه وفي وادي سره {وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ درجات} بفنائه عن ظلمة الوجود بالكلية وبقائه في حضرة الأنوار الإلهية وبلوغه مقام قاب قوسين وظفره بكنز فأوحى إلى عبده ما أوحى من أسرارهم النشأتين حتى عاد وهو نور الأنوار والمظهر الأعظم عند ذوي الأبصار {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الكتاب وَقَفَّيْنَا} والآيات الباهرات من إحياء أموات القلوب والأخبار عما يدخر في خزائن الأسرار من الغيوب {وأيدناه بِرُوحِ القدس} الذي هو روح الأرواح المنزه عن النقائص الكونية والمقدس عن الصفات الطبيعية {وَلَوْ شَاء الله مَا اقتتل الذين} جاءوا {مّن بَعْدِهِمْ} بسيوف الهوى ونبال الضلال {مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ} من أنوار الفطرة وإرشاد الرسل الآيات الواضحات {ولكن اختلفوا} حسبما اقتضاه استعدادهم الأزلي {فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ} بما جاء به الوحي {وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاء الله مَا اقتتلوا} عن اختلاف بأن يتحد استعدادهم {ولكن الله يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} [البقرة: 253] ولا يريد إلا ما في العلم وما كان فيه سوى هذا الاختلاف {يُرِيدُ يا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رزقناكم} ببذل الأرواح وإرشاد العباد {مّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ يَوْمٌ} القيامة الكبرى {لاَّ بَيْعٌ فِيهِ} ولا تبدل صفة بصفة فلا يحصل تكميل النشأة {وَلاَ خُلَّةٌ} لظهور الحقائق {وَلاَ شفاعة} للتجلي الجلالي، {والكافرون هُمُ} [البقرة: 254] الذين ظلموا أنفسهم بنقص حظوظها وما ظلمناهم إذ لم نقض عليهم سوى ما اقتضاه استعدادهم الغير المجعول {الله لا إله} في الوجود العلمي {إِلاَّ هُوَ الحى} الذي حياته عين ذاته وكل ما هو حي لم يحي إلا بحياته {القيوم} الذي يقوم بنفسه ويقوم كل ما يقوم به، وقيل: الحي الذي ألبس حياته أسرار الموحدين فوحدوا به، والقيوم الذي ربي بتجلي الصفات وكشف الذات أرواح العارفين ففنوا في ذاته واحترقوا بنور كبريائه.
{لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ} بيان لقيوميته وإشارة إلى أن حياته عين ذاته له ما في سموات الأرواح وأرض الأشباح فلا يتحرك متحرك ولا يسكن ساكن ولا يخطر خاطر في بر أو بحر وسر أو جهر إلا بقدرته وإرادته وعلمه ومشيئته {مَن ذَا الذي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} إذ كلهم له ومنه وإليه وبه {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} من الخطرات {وَمَا خَلْفَهُمْ} من العثرات، أو ما بين أيديهم من المقامات وما خلفهم من الحالات، أو يعلم منهم ما قبل إيجادهم من كمية استعدادهم وما بعد إنشائهم من العمل بمقتضى ذلك {وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْء مّنْ} معلوماته التي هي مظاهر أسمائه {إِلاَّ بِمَا شَاء} كما يحصل لأهل القلوب من معاينات أسرار الغيوب وإذا تقاصرت الفهوم عن الإحاطة بشيء من معلوماته فأي طمع لها في الإحاطة بذاته هيهات هيهات أني لخفاش الفهم أن يفتح عينه في شمس هاتيك الذات؟ا {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ} الذي هي قلب العارف {السموات والأرض} لأنه معدن العلوم الإلهية والعلم اللدني الذي لا نهاية له ولا حد، ومن هنا قال أبو يزيد البسطامي: لو وقع العالم ومقدار ما فيه ألف ألف مرة في زاوية من زوايا قلب العارف ما أحس به، وقيل: كرسيه عالم الملكوت وهو مطاف أرواح العارفين لجلال الجبروت {وَلاَ يُؤَدّهِ} ولا يثقله {حِفْظُهُمَا} في ذلك الكرسي لأنهما غير موجودين بدونه {وَهُوَ العلى} الشأن الذي لا تقيده الأكوان {العظيم} [البقرة: 255] الذي لا منتهى لعظمته ولا يتصور كنه ذاته لإطلاقه حتى عن قيد الإطلاق. اهـ.