فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فآمن وَاسْتَكْبَرْتُمْ}.
قوله: {قُلْ أَرَءيْتُمْ} أي: أخبروني {إِن كَانَ مِنْ عِندِ الله} يعني: ما يوحى إليه من القرآن. وقيل المراد: محمد صلى الله عليه وسلم. والمعنى: إن كان مرسلًا من عند غير الله. وقوله: {وَكَفَرْتُمْ بِهِ} في محل نصب على الحال بتقدير قد. وكذلك قوله: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مّن بَنِى إسراءيل على مِثْلِهِ} والمعنى: أخبروني إن كان ذلك في الحقيقة من عند الله والحال أنكم قد كفرتم به. وشهد شاهد من بني إسرائيل العالمين بما أنزل الله في التوراة على مثله. أي: القرآن من المعاني الموجودة في التوراة. المطابقة له من إثبات التوحيد. والبعث والنشور وغير ذلك. وهذه المثلية هي باعتبار تطابق المعاني. وإن اختلفت الألفاظ.
وقال الجرجاني: مثل صلة. والمعنى: وشهد شاهد عليه أنه من عند الله. وكذا قال الواحدي. {فَئَامَنَ} الشاهد بالقرآن لما تبين له أنه من كلام الله. ومن جنس ما ينزله على رسله. وهذا الشاهد من بني إسرائيل هو عبد الله بن سلام. كما قال الحسن. ومجاهد. وقتادة. وعكرمة وغيرهم. وفي هذا نظر فإن السورة مكية بالإجماع. وعبد الله بن سلام كان إسلامه بعد الهجرة. فيكون المراد بالشاهد: رجلًا من أهل الكتاب قد امن بالقرآن في مكة وصدقه. واختار هذا ابن جرير. وسيأتي في آخر البحث ما يترجح به أنه عبد الله بن سلام. وأن هذه الآية مدنية لا مكية.
وروي عن مسروق أن المراد بالرجل: موسى عليه السلام. وقوله: {واستكبرتم} معطوف على شهد. أي: امن الشاهد. واستكبرتم أنتم عن الآيمان {إِنَّ الله لاَ يَهْدِى القوم الظالمين} فحرمهم الله سبحانه الهداية؛ لظلمهم لأنفسهم بالكفر بعد قيام الحجة الظاهرة على وجوب الآيمان. ومن فقد هداية الله له ضلّ.
وقد اختلف في جواب الشرط ماذا هو؟ فقال الزجاج: محذوف. تقديره: أتؤمنون. وقيل: قوله: {فآمن واستكبرتم} وقيل: محذوف. تقديره: فقد ظلمتم لدلالة {إِنَّ الله لاَ يَهْدِى القوم الظالمين} عليه. وقيل تقديره: فمن أضلّ منكم. كما في قوله: {أَرَءيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ الله ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أضل} الآية [فصلت: 52].
وقال أبو علي الفارسي تقديره: أتأمنون عقوبة الله؟ وقيل: التقدير: ألستم ظالمين؟ ثم ذكر سبحانه نوعًا آخر من أقاويلهم الباطلة فقال: {وَقال الذين كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءآمنوا} أي: لأجلهم. ويجوز أن تكون هذه اللام هي لام التبليغ {لَو كَانَ خَيْرًا مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} أي: لوكان ما جاء به محمد من القرآن والنبوّة خيرًا ما سبقونا إليه؛ لأنهم عند أنفسهم المستحقون للسبق إلى كل مكرمة. ولم يعلموا أن الله سبحانه يختصّ برحمته من يشاء. ويعزّ من يشاء. ويذلّ من يشاء. ويصطفي لدينه من يشاء {وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ} أي: بالقرآن. وقيل: بمحمد صلى الله عليه وسلم. وقيل: بالإيمان {فَسَيَقولونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ}. فجاوزوا نفي خيرية القرآن إلى دعوى أنه كذب قديم. كما قالوا أساطير الأولين. والعامل في (إذ) مقدّر. أي: ظهر عنادهم. ولا يجوز أن يعمل فيه {فَسَيَقولونَ} لتضادّ الزمانين. أعني: المضيّ والاستقبال ولاجل الفاء أيضًا. وقيل: إن العامل فيه فعل مقدّر من جنس المذكور. أي: لم يهتدوا به. وإذ لم يهتدوا به فسيقولون: {وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ موسى} قرأ الجمهور بكسر الميم من (من) على أنها حرف جرّ. وهي مع مجرورها خبر مقدّم. وكتاب موسى مبتدأ مؤخر. والجملة في محل نصب على الحال. أوهي مستأنفة. والكلام مسوق لردّ قولهم: {هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ} فإن كونه قد تقدّم القرآن كتاب موسى. وهو التوراة وتوافقا في أصو ل الشرائع يدلّ على أنه حقّ. وأنه من عند الله. ويقتضي بطلأن قولهم.
وقرىء بفتح ميم (من) على أنها موصولة ونصب كتاب. أي: وآتينا من قبله كتاب موسى. ورويت هذه القراءة عن الكلبي {إَمَامًا وَرَحْمَةً} أي: يقتدى به في الدين. ورحمة من الله لمن امن به. وهما منتصبان على الحال. قاله الزجاج وغيره.
وقال الأخفش على القطع. وقال أبو عبيدة: أي: جعلناه إمامًا ورحمة {وهذا كتاب مُّصَدّقٌ} يعني: القرآن فإنه مصدّق لكتاب موسى الذي هو إمام ورحمة. و لغيره من كتب الله. وقيل: مصدّق للنبيّ صلى الله عليه وسلم. وانتصاب {لّسَانًا عربيًّا} على الحال الموطئة. وصاحبها الضمير في مصدّق العائد إلى كتاب. وجوّز أبو البقاء أن يكون مفعولا لمصدّق. والأول أولى. وقيل: هو على حذف مضاف أي: ذا لسان عربيّ. وهو النبيّ صلى الله عليه وسلم: {لّيُنذِرَ الذين ظَلَمُواْ} قرأ الجمهور {لينذر} بالتحتية على أن فاعله ضمير يرجع إلى الكتاب أي: لينذر الكتاب. الذين ظلموا. وقيل: الضمير راجع إلى الله. وقيل: إلى الرسول. والأول أولى.
وقرأ نافع. وابن عامر. والبزي بالفوقية على أن فاعله النبي صلى الله عليه وسلم. واختار هذه القراءة أبو حاتم. وأبوعبيد. وقوله: {وبشرى لِلْمُحْسِنِينَ} في محل نصب عطفًا على محل {لينذر}.
وقال الزجاج: الأجود أن يكون في محل رفع أي: وهو بشرى. وقيل: على المصدرية لفعل محذوف. أي: وتبشر بشرى. وقوله: {لّلْمُحْسِنِينَ} متعلق ببشرى {إِنَّ الذين قالواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا} أي: جمعوا بين التوحيد والاستقامة على الشريعة. وقد تقدّم تفسير هذا في سورة السجدة {فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} الفاء زائدة في خبر الموصول لما فيه من معنى الشرط {ولاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} المعنى: أنهم لا يخافون من وقوع مكروه بهم. ولا يحزنون من فوات محبوب. وأن ذلك مستمر دائم.
{أولئِكَ أصحاب الجنة} أي: أولئك الموصوفون بما ذكر أصحاب الجنة التي هي دار المؤمنين حال كونهم {خالدين فِيهَا}. وفي هذه الآية من الترغيب أمر عظيم. فإن نفي الخوف والحزن على الدوام. والاستقرار في الجنة على الأبد. مما لا تطلب الأنفس سواه. ولا تتشوّف إلى ما عداه {جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} أي: يجزون جزاء بسبب أعمالهم التي عملوها من الطاعات لله. وترك معاصيه.
{ووصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} قرأ الجمهور {حسنًا} بضم الحاء. وسكون السين.
وقرأ عليّ. والسلمي بفتحهما. وقرأ ابن عباس. والكوفيون {إحسانًا} وقد تقدّم في سورة العنكبوت: {ووصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} [العنكبوت: 8] من غير اختلاف بين القراء. وتقدّم في سورة الأنعام. وسورة بني إسرائيل {وبالوالدين إحسانا} [الإسراء: 23. الأنعام: 151] فلعل هذا هو وجه اختلاف القراء في هذه الآية. وعلى جميع هذه القراءات. فانتصابه على المصدرية. أي: وصيناه أن يحسن إليهما حسنًا. أوإحسانًا. وقيل: على أنه مفعول به بتضمين وصينا معنى: ألزمنا. وقيل: على أنه مفعول له {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا ووضعتهُ كُرْهًا} قرأ الجمهور {كرها} في الموضعين بضم الكاف.
وقرأ أبو عمرو. وأهل الحجاز بفتحهما.
قال الكسائي: وهما لغتان بمعنى واحد.
قال أبو حاتم: الكره بالفتح لا يحسن؛ لأنه الغضب والغلبة. واختار أبو عبيد قراءة الفتح قال: لأن لفظ الكره في القرآن كله بالفتح إلاّ التي في سورة البقرة: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ القتال وهو كُرْهٌ لَّكُمْ} [البقرة: 216] وقيل: إن الكره بالضم ما حمل الإنسان على نفسه. وبالفتح ما حمل على غيره.
وإنما ذكر سبحانه حمل الأمّ و وضعها تأكيدًا لوجوب الإحسان إليها الذي وصى الله به. والمعنى: أنها حملته ذات كره. ووضعته ذات كره. ثم بيّن سبحانه مدّة حمله وفصاله فقال: {وَحَمْلُهُ وفصاله ثَلاَثُونَ شَهْرًا} أي: مدتهما هذه المدّة من عند ابتداء حمله إلى أن يفصل من الرضاع. أي: يفطم عنه.
وقد استدلّ بهذه الآية على أن أقلّ الحمل ستة أشهر؛ لأن مدّة الرضاع سنتان. أي: مدّة الرضاع الكامل. كما في قوله: {حوليْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرضاعة} [البقرة: 233] فذكر سبحانه في هذه الآية أقل مدّة الحمل. وأكثر مدّة الرضاع.
وفي هذه الآية إشارة إلى أن حق الأم اكد من حق الأب؛ لأنها حملته بمشقة. ووضعته بمشقة. وأرضعته هذه المدّة بتعب ونصب. ولم يشاركها الأب في شيء من ذلك.
قرأ الجمهور {وفصاله} بالألف. وقرأ الحسن. ويعقوب. وقتادة. والجحدري {وفصله} بفتح الفاء. وسكون الصاد بغير ألف. والفصل والفصال بمعنى: كالفطم والفطام. والقطف والقطاف {حتى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ} أي: بلغ استحكام قوّته وعقله. وقد مضى تحقيق الأشد مستوفى. ولا بدّ من تقدير جملة تكون حتى غاية لها. أي: عاش واستمرّت حياته حتى بلغ أشدّه. قيل: بلغ عمره ثماني عشرة سنة. وقيل: الأشد: الحلم قاله الشعبي. وابن زيد.
وقال الحسن: هو بلوغ الأربعين. والأول أولى لقوله: {وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً}. فإن هذا يفيد أن بلوغ الأربعين هو شيء وراء بلوغ الأشد.
قال المفسرون: لم يبعث الله نبيًا قط إلاّ بعد أربعين سنة {قال رَبّ أَوْزِعْنِى} أي: ألهمني.
قال الجوهري: استوزعت الله فأوزعني. أي: استلهمته فألهمني {أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ التي أَنْعَمْتَ عَلَىَّ وعلى وَالِدَىَّ} أي: ألهمني شكر ما أنعمت به عليّ من الهداية. وعلى والديّ من التحنن عليّ منهما حين ربياني صغيرًا.
وقيل: أنعمت عليّ بالصحة والعافية. وعلى والديّ بالغنى والثروة. والأولى عدم تقييد النعمة عليه. وعلى أبويه بنعمة مخصوصة {وَأَنْ أَعْمَلَ صالحا ترضاه} أي: وألهمني أن أعمل عملًا صالحًا ترضاه مني {وَأَصْلِحْ لِى في ذُرّيَّتِى} أي: اجعل ذرّيتي صالحين راسخين في الصلاح متمكنين منه.
وفي هذه الآية دليل على أنه ينبغي لمن بلغ عمره أربعين سنة أن يستكثر من هذه الدعوات. وقد روي أنها نزلت في أبي بكر. كما سيأتي في آخر البحث {إِنّى تُبْتُ إِلَيْكَ} من ذنوبي {وَإِنّى مِنَ المسلمين} أي: المستسلمين لك المنقادين لطاعتك المخلصين لتوحيدك.
والإشارة بقوله: {أولئك} إلى الإنسان المذكور. والجمع لأنه يراد به الجنس. وهو مبتدأ. وخبره: {الذين نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ} من أعمال الخير في الدنيا. والمراد بالأحسن: الحسن. كقوله: {واتبعوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم} [الزمر: 55] وقيل: إن اسم التفضيل على معناه. ويراد به: ما يثاب العبد عليه من الأعمال. لاما لا يثاب عليه كالمباح فإنه حسن. وليس بأحسن {وَنَتَجَاوَزُ عَن سيئاتهم} فلا نعاقبهم عليها.
قرأ الجمهور {يتقبل ويتجاوز} على بناء الفعلين للمفعول. وقرأ حمزة. والكسائي بالنون فيهما على إسنادهما إلى الله سبحانه. والتجاوز الغفران. وأصله من جزت الشئ: إذا لم تقف عليه. ومعنى {فِى أصحاب الجنة}: أنهم كائنون في عدادهم منتظمون في سلكهم. فالجارّ والمجرور في محل النصب على الحال كقولك: أكرمني الأمير في أصحابه أي: كائنًا في جملتهم. وقيل: إن (في) بمعنى (مع) أي: مع أصحاب الجنة. وقيل: إنهما خبر مبتدأ محذوف أي: هم في أصحاب الجنة {وَعْدَ الصدق الذي كَانُواْ يُوعَدُونَ} وعد الصدق مصدر مؤكد لمضمون الجملة السابقة؛ لأن قوله: {أولئِكَ الذين نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ} إلخ في معنى الوعد بالتقبل والتجاوز. ويجوز أن يكون مصدرًا لفعل محذوف. أي: وعدهم الله وعد الصدق الذي كانوا يوعدون به على ألسن الرسل في الدنيا.
وقد أخرج أبويعلى. وابن جرير. والطبراني. والحاكم وصححه عن عوف بن مالك الأشجعي: انطلق النبيّ صلى الله عليه وسلم. وأنا معه حتى دخلنا كنيسة اليهود يوم عيدهم. فكرهوا دخولنا عليهم. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«يا معشر اليهود. أروني اثني عشر رجلًا منكم يشهدون أن لا إله إلاّ الله. وأن محمدًا رسول الله. يحطّ الله تعالى عن كل يهوديّ تحت أديم السماء الغضب الذي عليه». فسكتوا. فما أجابه منهم أحد. ثم ردّ عليهم فلم يجبه أحد ثلاثًا. فقال: «أبيتم فوالله لأنا الحاشر. وأنا العاقب. وأنا المقفى امنتم أوكذبتم». ثم انصرف وأنا معه حتى كدنا أن نخرج. فإذا رجل من خلفه. فقال: كما أنت يا محمد فأقبل. فقال ذلك الرجل: أيّ رجل تعلموني فيكم يا معشر اليهود. فقالوا: والله ما نعلم فينا رجلًا أعلم بكتاب الله. ولا أفقه منك ولا من أبيك ولا من جدّك. قال: فإني أشهد بالله أنه النبيّ الذي تجدونه مكتوبًا في التوراة والأنجيل. قالوا: كذبت. ثم ردّوا عليه وقالوا شرًا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كذبتم لن يقبل منكم قولكم». فخرجنا ونحن ثلاثة: رسول الله وأنا وابن سلام. فأنزل الله {قُلْ أَرَءيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ الله} إلى قوله: {لاَ يَهْدِى القوم الظالمين} وصححه السيوطي.
وأخرج البخاري. ومسلم. وغيرهما عن سعد بن أبي وقاص قال: ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأحد يمشي على وجه الأرض: «إنه من أهل الجنة» إلاّ لعبد الله بن سلام. وفيه نزلت: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مّن بَنِى إسراءيل على مِثْلِهِ} وأخرج الترمذي وابن جرير وابن مردويه عن عبد الله بن سلام قال: نزل فيّ آيات من كتاب الله نزلت فيّ: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مّن بَنِى إسراءيل}. ونزل فيّ {قُلْ كفى بالله شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الكتاب} [الرعد: 43].
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مّن بَنِى إسراءيل} قال: عبد الله بن سلام.
وقد روي نحوهذا عن جماعة من التابعين.
وفيه دليل على أن هذه الآية مدنية. فيخصص بها عموم قولهم إن سورة الأحقاف كلها مكية.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال: قال ناس من المشركين: نحن أعزّ ونحن ونحن. فلوكان خيرًا ما سبقنا إليه فلان وفلان. فنزل: {وَقال الذين كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءآمنوا لَو كَانَ خَيْرًا مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ}.
وأخرج ابن المنذر عن عون بن أبي شداد قال: كانت لعمر بن الخطاب أمة أسلمت قبله: يقال لها: زنيرة. وكان عمر يضربها على الإسلام. وكان كفار قريش يقولون: لوكان خيرًا ما سبقتنا إليه زنيرة. فأنزل الله في شأنها: {وَقال الذين كَفَرُواْ} الآية.
وأخرج الطبراني عن سمرة بن جندب؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«بنوغفار وأسلم كانوا لكثير من الناس فتنة. يقولون: لوكان خيرًا ما جعلهم الله أول الناس فيه».
وأخرج ابن عساكر من طريق الكلبي عن أبي صالح. عن ابن عباس قال: نزل قوله: {ووصَّيْنَا الإنسان بوالديه} الآية إلى قوله: {وَعْدَ الصدق الذي كَانُواْ يُوعَدُونَ} في أبي بكر الصديق.
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن نافع بن جبير أن ابن عباس أخبره قال: إني لصاحب المرأة التي أتى بها عمر وضعت لستة أشهر فأنكر الناس ذلك. فقلت لعمر: لم تظلم؟ قال: كيف؟ قلت اقرأ: {وَحَمْلُهُ وفصاله ثَلاَثُونَ شَهْرًا} {والوالدات يُرْضِعْنَ أولادهن حوليْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: 233] كم الحول؟ قال: سنة. قلت: كم السنة؟ قال: اثنا عشر شهرًا. قلت: فأربعة وعشرون شهرًا حولأن كاملأن؛ ويؤخر الله من الحمل ما شاء. ويقدّم ما شاء. فاستراح عمر إلى قولي.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عنه أنه كان يقول: إذا و لدت المرأة لتسعة أشهر كفاها من الرضاع أحد وعشرون شهرًا. وإذا و لدت لسبعة أشهر كفاها من الرضاع ثلاثة وعشرون شهرًا. وإذا وضعت لستة أشهر. فحولأن كاملأن. لأن الله يقول: {وَحَمْلُهُ وفصاله ثَلاَثُونَ شَهْرًا}.
وأخرج ابن مردويه عنه أيضًا قال: أنزلت هذه الآية في أبي بكر الصدّيق {حتى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قال رَبّ أَوْزِعْنِى} الآية. فاستجاب الله له. فأسلم والداه جميعًا وإخوته. و و لده كلهم. ونزلت فيه أيضًا {فَأَمَّا مَنْ أعطى واتقى} إلى آخر السورة. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2)}.