فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقرأ الأعرج وعمرو بن فائد {إن} بفتح الهمزة على تقدير لأن أوامن بأن وعد الله حق. ورجح الأول بأن فيه توافق القراءتين {فَيَقول} مكذبًا لهما {مَا هذا} الذي تسميانه وعد الله تعالى: {إِلاَّ أساطير الأولين} أباطيلهم التي سطروها في الكتب من غير أن يكون لها حقيقة.
{أولئك} القائلون ذلك. وقيل: أي صنف هذا المذكور بناءً على زعم خصوص {الذى} [الأحقاف: 17] وليس بشيء.
{الذين حَقَّ عَلَيْهِمُ القول} وهو قوله تعالى لإبليس: {لاَمْلأن جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص: 85] وقد مر تمام الكلام في ذلك.
ورد بهذا على من زعم أن الآية في عبد الرحمن بن أبي بكر لأنه رضي الله تعالى عنه أسلم وجب عنه ما قبل وكان من أفاضل الصحابة. ومن حق عليه القول هو من علم الله تعالى أنه لا يسلم أبدًا.
وقيل: الحكم هنا على الجنس فلا ينافي خروج البعض من أحكامه الآخروية. وقيل: غير ذلك مما لا يلتفت إليه.
{فِى أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ} في مقابلة {فِى أصحاب الجنة} [الأحقاف: 16] فهو مثله إعرابًا ومبالغة ومعنى. وقوله تعالى: {مّنَ الجن والأنس} بيان للأمم {أَنَّهُمْ} جميعًا {كَانُواْ خاسرين} قد ضيعوا فطرتهم الأصلية الجارية مجرى رءوس أموالهم باتباع الشيطان. والجملة تعليل للحكم بطريق الاستئناف.
وقرأ العباس عن أبي عمرو{أَنَّهُمْ} بفتح الهمزة على تقدير لأنهم.
واستدل بقوله عز وجل: {فِى أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ} الخ على أن الجن يموتون قرنًا بعد قرن كالأنس.
وفي (البحر) قال الحسن في بعض مجالسه: الجن لا يموتون فاعترضه قتادة بهذه الآية فسكت. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَالَّذِي قال لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي}.
هذا الفريق المقصود من هذه الآيات المبدوءة بقوله تعالى: {ووصينا الإنسان} [الأحقاف: 15].
وهذا الفريق الذي كفر بربه وأساء إلى والديه. وقد عُلم أن والديه كانا مؤمنين من قوله: {أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي} الآية.
فجملة {والذي قال لوالديه} الأحسن أن تكون معطوفة على جملة {وإذا تُتْلى عليهم آياتنا بينات} [الأحقاف: 7] الخ انتقال إلى مقالة أخرى من أصو ل شركهم وهي مقالة إنكار البعث.
وأما قوله: {الذي قال لوالديه} فالوجه جعله مفعولا لفعل مقدر تقديره: واذكر الذي قال لوالديه. لأن هذا الوجه يلائم كل الوجوه.
ويجوز جعله مبتدأ وجملة {أولئك الذين حق عليهم القول في أمم} [الأحقاف: 18] خبرًا عنه على أحد الوجهين الاثنين في مرجع اسم الإشارة من قوله: {أولئك الذين حق عليهم القول}.
و{الذي} هنا اسم صادق على الفريق المتصف بصلته.
وهذا وصف لفئة من أبناء من المشركين أسلم اباؤهم ودعوهم إلى الإسلام فلم يستجيبوا لهم وأغلظوا لهم القول فضمّوا إلى الكفر بشنيع عقوق الوالدين وهو قبيح لمنافاته الفطرة التي فطر الله الناس عليها لأن حال الوالدين مع أبنائهما يقتضي معاملتهما بالحسنى. ويدل لعدم اختصاص قوله في آخِرها {أولئك الذين حق عليهم القول} إلى آخِره.
والذي عليه جمهور المفسرين: أن الآية لا تعْني شخصًا معينا وأن المراد منها فريق أسلم اباؤهم ولم يسلموا حينئذٍ.
وعن ابن عباس ومروانَ بن الحكم ومجاهد والسدّي وابن جريج أنّها نزلت في ابنٍ لأبي بكر الصديق واسمه عبد الكعبة الذي سماه النبي صلى الله عليه وسلم عبدَ الرحمان بعد أن أسلم عبد الرحمان قالوا: كان قبل الهجرة مُشركًا وكان يدعوه أبوه أبو بكر وأمه أم رُومان إلى الإسلام ويذكّرانه بالبعث. فيردّ عليهما بكلام مثل ما ذكره في هذه الآية.
ويقول: فأيْن عبد الله بن جُدعان. وأين عثمان بن عمرو. وأيْنَ عامر بن كعب. ومشايخُ قريش حتى أسألهم عمّا يقول محمد.
لكن ليست الآية خاصة به حتى تكون نازلة فيه. وبهذا يؤول قول عائشة رضي الله عنها لما قال مروان بن الحكم لعبد الرحمان هو الذي يقول الله فيه: {والذي قال لوالِدَيْه أفّ لكما}.
وذلك في قصة إشارة عبد الرحمان على مروان أخذه البيعة ليزيد بن معاوية بالعهد له بالخلافة.
ففي (صحيح البخاري) في كتاب التفسير عن يوسف بن ماهك أنه قال: كان مروان ابن الحكم على الحجاز استعمله معاوية فخطب فجعل يذكر يزيد بن معاوية لكي يبايَع له بعد أبيه أي بو لاية العهد فقال له عبد الرحمان بن أبي بكر أهِرَقْليَّة أي اجعلتموها وراثة مثل سلطنة هرقل فقال: خذوه فدخل بيت عائشة فلم يقدروا عليه. فقال مروان: إن هذا الذي أنزل الله فيه {والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني}. فقالت عائشة من وراء الحجاب: ما أنزل الله فينا شيئًا من القرآن إلا أن الله أنزل عذري أي براءتي.
وكيف يكون المراد بـ {الذي قال لوالديه أف لكما} عبد الرحمان بن أبي بكر واخر الآية يقول: {أولئك الذين حق عليهم القول إلى خاسرين} [الأحقاف: 18] فذَكر اسم الإشارة للجَمع. وقضى على المتحدَّث عنهم بالخسران. ولم أقف على من كان مشركًا وكان أبواه مؤمنين.
وأيَّامًا كان فقد أسلم عبد الرحمان قبل الفتح فلما أسلم جبّ إسلامُه ما قبله وخرج من الوعيد الذي في قوله: {أولئك الذين حق عليهم القول} الآية. لأن ذلك وعيد وكل وعيد فإنما هو مقيد تحققه بأن يموت المتوعَّد به غير مؤمن وهذا معلوم بالضرورة من الشريعة.
وتلقب عند الأشاعرة بمسألة الموافاة. على أنه قيل إن الإشارة بقوله: {أولئك} عائدة إلى {الأولين} من قوله: {ما هذا إلا أساطير الأولين} كما سيأتي.
وأفَ: اسم فعل بمعنى: أتضجَّر. وتقدم الكلام عليه في سورة الإسراء وفي سورة الأنبياء. وهو هنا مستعمل كناية عن أقل الأذى فيكون الذين يؤذون والديهم بأكثر من هذا أوغلُ في العقوق الشنيع وأحرى بالحكم بدلالة فحوى الخطاب على ما تقرر في قوله تعالى: {فلا تقل لهما أُفّ} في سورة الإسراء (23).
وقرأ نافع وحفص عن عاصم {أفَ} بكسر الفاء منونًا.
وقرأه ابن كثير وابن عامر ويعقوب {أفَّ} بفتح الفاء غير منون.
وقرأه الباقون أفِّ بكسر الفاء غير منون. وهي لغات ثلاث فيه.
واعلم أن في قوله تعالى: {والذي قال لوالديه أفّ لكما} مُحَسّنَ الاتزان فإنه بوزن مصراع من الرمل عَروضه محذوفة. وضَربه محذوف. وفيه الخبن والقبض. ويزاد فيه الكف على قراءة غير نافع وحفص.
والاستفهام في {أتعدانِني أن أخرج} إنكار وتعجب.
والآخراج: البعث بعد الموت.
وجعلت جملة الحال وهي {وقد خلت القرون من قبلي} قيدًا لمنتهى الأنكار. أي كيف يكون ذلك في حال مُضيّ القرون.
والقرون: جمع قرن وهو الأمة التي تَقاربَ زمان حياتها. وفي الحديث «خير القرون قرني ثم الذين يلونهم» الحديث. وقال تعالى: {أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القُرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعًا} [القصص: 78].
والمعنى: أنه أحال أن يخرج هو من الأرض بعد الموت. وقد مضت أمم كثيرة وطال عليها الزمن فلم يخرج منهم أحد.
وهذا من سوء فهمه في معنى البعث أو من المغالطة في الاحتجاج لأن وعد البعث لم يوقت بزمن معين ولا أنه يقع في هذا العالم.
وقرأ الجمهور {أتعدانِني} بنونين مفكّكين وقرأه هشام عن ابن عامر بإدغام النونين.
ومعنى {يستغيثان الله} يطلبان الغوث من الله. أي يطلبان من الله الغوث بأن يهديه. فالمعنى: يستغيثان الله له.
وليست جملة {ويلك آمن} بيانًا لمعنى استغاثتهما ولكنها مقول قول محذوف يدل عليه معنى الجملة.
وكلمة {ويلك} كلمة تهديد وتخويف.
والويل: الشر.
وأصل ويلك: ويْل لك كما في قوله تعالى: {فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم} [البقرة: 79]. فلما كثر استعماله وأرادوا اختصاره حذفوا اللام ووصلوا كاف الخطاب بكلمة (ويل) ونصبوه على نزع الخافض.
وفعل {امِن} منزل منزلة اللازم. أي اتصف بالإيمان وهودعوة الإسلام. وجملة {إن وعد الله حق} تعليل للأمر بالإيمان وتعريض له بالتهديد من أن يحق عليه وعد الله.
والأساطير: جمع أسطورة وهي القصة وغلب إطلاقها على القصة الباطلة أو المكذوبة كما يقال: خرافة. وتقدم في قوله تعالى: {وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين} في سورة النحل (24) وفي قوله: {وقالوا أساطير الأولين} اكتتبها في سورة الفرقان (5).
{أولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ القول فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ والإنس إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (18)}.
يجوز أن يكون اسم الإشارة مشيرًا إلى الذي قال لديه هذه المقالة لما علمت أن المراد به فريق. فجاءت الإشارة إليه باسم إشارة الجماعة بتأويل الفريق.
ويجوز أن يكون {أولئك} إشارة إلى {الأولين} من قوله: {فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين} [الأحقاف: 17]. وهم الذين روي أن ابنَ أبي بكر ذكرَهم حين قال: فأين عبد الله بن جُدعان. وأيْنَ عثمان بن عمرو. ومشائخ قريش كما تقدم آنفًا.
واستحضار هذا الفريق بطريق اسم الإشارة لزيادة تمييز حالهم العجيبة.
وتعريف {القول} تعريف العهد وهو قول معهود عند المسلمين لما تكرر في القرآن من التعبير عنه بالقول في نحوآية {قال فالحق والحق أقول لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين} [ص: 84. 85]. ونحو قوله: {أفمن حقّ عليه كلمة العذاب} [الزمر: 19]. فإن الكلمة قول. ونحو قوله: {لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون} [يس: 7] الآية.
وإطلاقه في هذه الآية رشيق لصلوحية.
وإقحام {كانوا خاسرين} دون أن يقال: إنهم خاسرون. للإشارة إلى أن خسرانهم محقق فكني عن ذلك بجعلهم كائنين فيه.
وتأكيد الكلام بحرف (إنَّ) لأنهم يظنون أن ما حصل لهم في الدنيا من التمتع بالطيبات فوزًا ليس بعده نكد لأنهم لا يؤمنون بالبعث والجزاء. فشبهت حالة ظنهم هذا بحال التاجر الذي قل ربحه من تجارته فكان أمره خسرًا. وقد تقدم غير مرة منها قوله تعالى: {فما ربحت تجارتهم} في البقرة (16).
وإيراد فعل الكون بقوله: {كانوا خاسرين} دون الاقتصار على {خاسرين} لأن (كان) تدل على أن الخسارة متمكنة منهم. اهـ.

.تفسير الآيات (19- 20):

قوله تعالى: {ولكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وليوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (19) وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (20)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما قسمهم في الأعمال. جمعهم في العدل والإفضال فقال: {ولكل} أي من فريقي السعداء والبعداء من القبيلتين: الجن والإنس. في الدنيا والآخرة {درجات} أي دركات أي منازل ومراتب متفاضلين فيها {من} أجل {ما عملوا} أو من جوهره ونوعه من الأعمال الصالحة والطالحة.
ولما كان التقدير: ليظهر ظهورًا بينًا أنه سبحانه فاعل بالاختيار بالمفاوته بين العقلاء ويظهر بينًا لا وقفة فيه أن الحقائق على غير ما كان يتراءى لهم في الدنيا. فإن حجب المكاره والشهوات كانت ترى الأمور على خلاف ما هي عليه. عطف عليه قوله في قراءة البصريين وعاصم وهشام عن ابن عامر بخلاف عنه: {وليوفيهم} أي ربهم الذي تقدم إقبال المحسن عليه ودعاؤه له. وقراءة الباقين بالنون أنسب لمطلع السورة ولما يشير إليه من كشف حجب الكبرياء في يوم الفصل.
ولما كان سبحانه يعلم مثاقيل الذر وما دونها وما فوقها ويجعل الجزاء على حسبها في المقدار والشبه والجنس والنوع والشخص حتى يكاد يظن العامل أن الجزاء هو العمل قال: {أعمالهم} أي جزاءها من خير وشر وجنة ونار- وهذا ظاهر. أونص في أن الجن يثابون بالإحسان كما يعاقبون بالعصيان. وسورة الرحمن كلها خطاب للثقلين بالثواب لأهل الطاعة. والعقاب لأهل المعصية من كل من القبيلتين؛ كما سيأتي إن شاء الله تعالى بيانه. ويجزى مطيعهم بالثواب كما يجازى عاصيهم بالعقاب- قاله مالك وابن أبي ليلى والضحاك وغيرهم كما نقله البغوي {وهم} أي والحال أنهم {لا يظلمون} أي لا يتجدد لهم شىء من ظالم ما من ظلم في جزاء أعمالهم بزيادة في عقاب أونقص من ثواب. بل الرحمانية كما كانت لهم في الدنيا فهي لهم في الآخرة فلا يظلم ربك أحدًا بأن يعذبه فوق ما يستحقه من العقاب. أو ينقصه عما يستأهل من الثواب.
ولما كان الظاهر في هذه السورة الإنذار كما يشهد به مطلعها. قال ذاكرًا بعض ما يبكت به المجرمون يوم البعث الذي كانوا به يكذبون ويكون فيه توفية جزاء الأعمال. عاطفًا على ما تقديره: اذكر لهم هذا لعلهم يأنفون أن يكونوا المسيئين فيكونوا من المحسنين: {ويوم} أي واذكر لهم يوم يعرضون- هكذا كان الأصل ولكنه أظهر الوصف الذي أوجب لهم الجزاء إشارة إلى أن الأمر كان ظاهرًا لهم ولكنهم ستروا. أنوار عقولهم فقال: {يعرض الذين كفروا} أي من الفريقين المذكورين {على النار} أي يصلون لهبها ويقلبون فيها كما يعرض اللحم الذي يشوى. مقولا لهم على سبيل التنديم والتقريع والتوبيخ والتشنيع لأنهم لم يذكروا الله حق ذكره عند شهواتهم بل نالوها مع مخالفة أمره سبحانه ونهيه: {أذهبتم} في قراءة نافع وأبي عمرو والكوفيين بالإخبار. وقراءة الباقين بالاستفهام لزيادة الأنكار والتوبيخ {طيباتكم} أي لذاتكم باتباعكم الشهوات {في حياتكم} ونفر منها بقوله تعالى: {الدنيا} أي القريبة الدنية المؤذن وصفها لمن يعقل بحياة أخرى بعدها. فكان سعيكم في حركاتكم وسكناتكم لأجلها حتى نلتموها {واستمتعتم} أي طلبتم وأوجدتم انتفاعكم {بها} وجعلتموها غاية حظكم في رفعتكم ونعمتكم.
ولما كان ذلك استهانة بالأوامر والنواهي للاستهانة بيوم الجزاء. سبب عنه قوله تعالى: {فاليوم تجزون} أي على إعراضكم عنا بجزاء من لا تقدرون التقصي من جزائه بأيسر أمر منه {عذاب الهون} أي الهوان العظيم المجتمع الشديد الذي فيه ذلك وخزي {بما كنتم} جبلة وطبعًا {تستكبرون} أي تطلبون الترفع وتوجدونه على الاستمرار {في الأرض} التي هي لكونها ترابًا وموضوعة على الزوال والخراب. أحق شيء بالتواضع والذل والهوان.
ولما كان الاستكبار يكون بالحق لكونه على الظالمين فيكون ممدوحًا. قيده بقوله: {بغير الحق} أي الأمر الذي يطابقه الواقع وهو أوامرنا ونواهينا. ودل بأداة الكمال على أنه لا يعاقب على الاستكبار مع الشبهة {وبما كنتم} على الاستمرار {تفسقون} أي تجددون الخروج عن محيط الطاعة الذي تدعوإليه الفطرة الأولى العقل إلى نوازع المعاصي. اهـ.