فصل: التفسير الإشاري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والكلام في: {إِيِّاكَ نَسْتَعِينُ} كالكَلاَمِ في: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ}.
والواو: عاطِفَة، وهي من المشتركةِ في الإعرابِ والمعنَى، ولا تقتضي تَرْتِيبًا على قول الجمهور، خلافًا لطائفةٍ من الكوفيينَ ولها أحكام تختص بها تأتي إن شاء الله تعالى.
وأصل: {نَسْتَعِين} نَسْتَعْوِنُ؛ مَثْلُ: نَسْتَخْرِجُ في الصحيح؛ لأنه من العَوْنِ، فاسْتُثْقِلَتِ الكسرةُ على الوَاوِ، فنقلت إلى السّاكنِ قَبْلَها، فسكنت الواوُ بعد النَّقلِ وانكَسَر ما قبلها؛ فَقُلِبَتْ ياءً.
وهذه قاَعِدة مطّردَة؛ نَحْوَ: مِيزَان، وميِقَات، وهما من: الوَزْنِ، والوَقْتِ.
والسِّينُ فيه معناها: الطلبُ، أَيْ نَطْلُبُ منك العونَ على العِبَادَةِ، وهو أحد المعاني التي لاستفعل وله معَانٍ أُخَر:
الاتخاذُ: نحو: اسْتَحْجَرَ الطِّينُ، أَيْ: نَطْلُبُ منك العونَ على العِبَادَةِ، وهو أحد المعاني التي لاستفعل، وله مَعَانٍ أُخَر:
الاتخاذُ: نحو: اسْتَعْبِدْهُ أي: اتخذْهُ عبدًا.
والتحولُ؛ نحو: اسْتَحْجَرَ الطِّينُ أَيْ: صار حجرًا، ومنه قوله: إنَّ البُغَاثَ بأَرْضِنَا يَسْتَنْسِرُ أي: تتحولُ إلى صفة النُّسور.
ووجودُ الشَّيْءِ بمعنى ما صِيغَ منه؛ نحو: اسْتَعْظَمَهُ أَيْ: وجده عظيمًا.
وعَدُّ الشَّيْ كذلك، وإِن لم يكُنْ؛ نحو: اسْتَحْسَنَهُ.
ومطاوعةُ أَفْعَل؛ نحو: أَشْلاَه فَاسْتَشْلَى.
وموافقتُه له أيضًا؛ نحو: أَبَلَّ الْمَرِيضُ وَاسْتَبَلَّ.
وموافقةُ تَفَعَّلَ؛ نحو: اسْتَكْبَرَ بمعنى تكبر.
وموافقةُ افْتَعَلَ؛ نحو: اسْتَعْصَمَ بمعنى اعْتَصَمَ.
والإِغْنَاءُ عن المجرد؛ نحو: اسْتَكَفّ واسْتَحْيَا، لم يتلفظ لهما بمجردِ استغناء بهما عنه.
والإغْنَاءُ بهما عن فَعَلَ أي المجرد الملفوظ به نحو: اسْتَرْجَعَ واستعان، أيْ: رجع وحَلَق عانته.
وقرئ: {نِسْتَعِينُ} بكسرِ حرف المضارعة؛ وهي لُغَة مطردة في حروف المُضَارعة.
وذلك بشرط ألا يكن حرفُ المضَارعة ياءً؛ لثقل ذلك، على أنَّ بعضَهُم قال: ييجَلُ، مضارع وَجَلَ، وكأنه قصد إلى تَخْفِيفِ الواو إلى الياء، فكسر ما قبلها لتنقلب؛ وقد قرئ: {فإنَهم ييلَمُون} [النساء: 104]، وهي هادمة لهذا الاستثناءِ، وسيأتي تحقيقُ ذلك في موضعه إنْ شاء الله تعالى.
وأن يكونَ المُضَارع من ماضٍ مكسورِ العَيْنِ؛ نحو: تِعْلَمْ من عَلِمَ، أو في أوله همزةُ وصلٍ، نحو نِسْتَعِينُ من اسْتِعَانَ، أو تاءُ مُطَاوَعةٍ؛ نحو: نِتَعَلَّمُ من تَعَلَّمَ، فلا يجوزُ في يضْربُ ويقتلُ كشر حرف المُضَارعة؛ لعدم الشرُّوط المذكورة.
والاستعانة: طلبُ العَوْنَ: وهو المُظَاهرة والنصرة، وقدم العِبَادَةَ على الاستعانة؛ لأنها وصلة لطلب الحاجة.
وقال ابنُ الخَطيبِ: كأنه يقولُ: شَرَعْتُ في العِبَادَةِ: فأستعين بك في إتمامها، فلا تمنعني من إتمامها بالمَوْتِ، ولا بالمرضِ، ولا بقلب الدَّواعي وتَغَيُّرِها.
وقال البَغَوِيُّ: رحمه الله تعالى- فإن قيل: لم قدم ذِكْرُ العِبَادَةِ على الاستعانة، والاستعانة لا تكون إلاَّ قبل العبادة؟
قلنا: هذا يلزمُ من جَعَلَ الاستعانة قبلَ الفعل، ونحن نَجْعلُ التوفيقَ، والاستعانة مع الفعل، فلا فرق بيت التقديم والتأخير.
وقيل: الاستعانة نوعُ تعبُّدٍ، فكأنه ذكر جملة العبادَةِ أوّلًا، ثم ذكر ما هو من تفاصيلها وأطلق كُلًا من فِعْلَيْ العبادَةِ والاستعانة فلم يذكر لهما مفعولًا؛ ليتناول كل معبود به، وكلَّ مُسْتَعان عليه، أَوْ يكون المُرادُ وقوعَ الفعلِ من غير نظر إلى مفعول؛ نحو: {كُلُواْ واشربوا} [البقرة: 60] أي أوقعوا هذين الفِعْلَيْنِ. اهـ.. بتصرف يسير.

.التفسير الإشاري:

قال الألوسي:
ومن باب الإشارة أن يوم الدين تلويح إلى مقام الفناء لأنه موت النفس عن شهواتها وخروجها عن جسد تعلقها بالأغيار والتفاتها ومن مات فقد قامت قيامته فعند ذلك يحصل البقاء في جنة الشهود ويتحقق الجمع في مقام صدق عند المليك المعبود وفوق هذا مقام آخر لا يفي بتقريره الكلام ولا تقدر على تحريره الأقلام بل لا يزيده البيان إلا خفاء ولا يكسبه التقريب إلا بعدًا واعتلاء.
ولو أن ثوبًا حيك من نسج تسعة ** وعشرين حرفًا في علاه قصير

اللهم أغرقنا في بحار مشاهدتك ومن علينا بخندريس وحدتك حتى لا نحدث إلا عنك ولا نسمع إلا منك ولا نرى إلا إياك، هذا وقد ذكر الإمام السيوطي نقلًا عن الشيخ بهاء الدين أنه قال اتفقوا على أن فيما نحن فيه التفاتًا واحدًا وفيه نظر لأن الزمخشري ومن تابعه على أن الالتفات خلاف الظاهر مطلقًا فإن كان التقدير قولوا الحمد لله ففي الكلام المأمور به التفاتان، أحدهما في لفظ الجلالة وأصله الحمد لك لأنه تعالى حاضر، والثاني في: {إِيَّاكَ} لمجيئه على خلاف أسلوب ما قبله وإن لم يقدر كان في الحمد لله التفات من التكلم للغيبة لأنه تعالى حمد نفسه ولا يكون في: {إِيَّاكَ} التفات لتقدير قولوا معها قطعًا فأحد الأمرين لازم للزمخشري والسكاكي إما أن يكون في الآية التفاتان أو لا يكون التفات أصلًا هذا إن قلنا برأي السكاكي كما يشعر به كلام الزمخشري في الكشاف لأنه جعل في الشعر الذي ذكره ثلاث التفاتات وإن قلنا برأي الجمهور ولم نقدر قولوا إياك نعبد فإن قدر قولوا قبل الحمد لله كان فيه التفات واحد وبطل قول الزمخشري إن في البيت ثلاث التفاتات انتهى.
وهو كلام يغني النظر فيه عن شرح حاله فليفهم.

.تفسير الآية رقم (6):

قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)}.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

فصل في قوله: {اهدنا الصراط المستقيم}:

.فوائد: في قوله: {اهدنا الصراط المستقيم}:

معنى قوله: {اهدنا الصراط المستقيم}.

.الفائدة الأولى: معنى {الصراط المستقيم}:

لقائل أن يقول: المصلي لابد وأن يكون مؤمنًا، وكل مؤمن مهتد، فالمصلي مهتد، فإذا قال: اهدنا كان جاريًا مجرى أن من حصلت له الهداية فإنه يطلب الهداية فكان هذا طلبًا لتحصيل الحاصل، وأنه محال، والعلماء أجابوا عنه من وجوه:
الأول: المراد منه صراط الأولين في تحمل المشاق العظيمة لأجل مرضاة الله تعالى.
يحكى أن نوحًا عليه السلام كان يضرب في كل يوم كذا مرات بحيث يغشى عليه، وكان يقول في كل مرة: اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون.
فإن قيل: إن رسولنا عليه الصلاة والسلام ما قال ذلك إلا مرة واحدة، وهو كان يقول كل يوم مرات فلزم أن يقال إن نوحًا عليه السلام كان أفضل منه، والجواب لما كان المراد من قوله {اهدنا الصراط المستقيم} طلب تلك الأخلاق الفاضلة من الله تعالى والرسول عليه السلام كان يقرأ الفاتحة في كل يوم كذا مرة كان تكلم الرسول صلى الله عليه وسلم بهذه الكلمة أكثر من تكلم نوح عليه السلام بها.
الوجه الثاني في الجواب: أن العلماء بينوا أن في كل خلق من الأخلاق طرفي تفريط وإفراط، وهما مذمومان، والحق هو الوسط، ويتأكد ذلك بقوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143] وذلك الوسط هو العدل والصواب، فالمؤمن بعد أن عرف الله بالدليل صار مؤمنًا مهتديًا، أما بعد حصول هذه الحالة فلابد من معرفة العدل الذي هو الخط المتوسط بين طرفي الإفراط والتفريط في الأعمال الشهوانية وفي الأعمال الغضبية وفي كيفية إنفاق المال، فالمؤمن يطلب من الله تعالى أن يهديه إلى الصراط المستقيم الذي هو الوسط بين طرفي الإفراط والتفريط في كل الأخلاق وفي كل الأعمال، وعلى هذا التفسير فالسؤال زائل.
الوجه الثالث: أن المؤمن إذا عرف الله بدليل واحد فلا موجود من أقسام الممكنات إلا وفيه دلائل على وجود الله وعلمه وقدرته وجوده ورحمته وحكمته، وربما صح دين الإنسان بالدليل الواحد وبقي غافلًا عن سائر الدلائل، فقوله: {اهدنا الصراط المستقيم} معناه عرفنا يا إلهنا ما في كل شيء من كيفية دلالته على ذاتك وصفاتك وقدرتك وعلمك، وعلى هذا التقدير فالسؤال زائل.
الوجه الرابع: أنه تعالى قال: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِى إلى صراط مُّسْتَقِيمٍ صراط الله الذي لَهُ مَا في السموات وَمَا فِي الأرض} [الشورى: 52، 53] وقال أيضًا لمحمد عليه السلام: {وَأَنَّ هذا صراطي مُسْتَقِيمًا فاتبعوه} [الأنعام: 153] وذلك الصراط المستقيم هو أن يكون الإنسان معرضًا عما سوى الله مقبلًا بكلية قلبه وفكره وذكره على الله، فقوله: {اهدنا الصراط المستقيم} المراد أن يهديه الله إلى الصراط المستقيم الموصوف بالصفة المذكورة، مثاله أن يصير بحيث لو أمر بذبح ولده لأطاع كما فعله إبراهيم عليه السلام، ولو أمر بأن ينقاد ليذبحه غيره لأطاع كما فعله إسماعيل عليه السلام؛ ولو أمر بأن يرمي نفسه في البحر لأطاع كما فعله يونس عليه السلام، ولو أمر بأن يتلمذ لمن هو أعلم منه بعد بلوغه في المنصب إلى أعلى الغايات لأطاع كما فعله موسى مع الخضر عليهما السلام، ولو أمر بأن يصبر في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على القتل والتفريق نصفين لأطاع كما فعله يحيى وزكريا عليهما السلام، فالمراد بقوله {اهدنا الصراط المستقيم} هو الاقتداء بأنبياء الله في الصبر على الشدائد والثبات عند نزول البلاء؛ ولا شك أن هذا مقام شديد هائل؛ لأن أكثر الخلق لا طاقة لهم به، إلا أنا نقول: أيها الناس، لا تخافوا ولا تحزنوا، فإنه لا يضيق أمر في دين الله إلا اتسع؛ لأن في هذه الآية ما يدل على اليسر والسهولة؛ لأنه تعالى لم يقل صراط الذين ضربوا وقتلوا بل قال: {صِرَاطَ الذين أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} فلتكن نيتك عند قراءة هذه الآية أن تقول: يا إلهي، إن والدي رأيته ارتكب الكبائر، كما ارتكبتها وأقدم على المعاصي كما أقدمت عليها، ثم رأيته لما قرب موته تاب وأناب فحكمت له بالنجاة من النار والفوز بالجنة فهو ممن أنعمت عليه بأن وفقته للتوبة، ثم أنعمت عليه بأن قبلت توبته.
فأنا أقول: اهدنا إلى مثل ذلك الصراط المستقيم طلبًا لمرتبة التائبين، فإذا وجدتها فاطلب الاقتداء بدرجات الأنبياء عليهم السلام، فهذا تفسير قوله {اهدنا الصراط المستقيم}.
الوجه الخامس: كأن الإنسان يقول في الطريق: كثرة الأحباب يجرونني إلى طريق، والأعداء إلى طريق ثانٍ، والشيطان إلى طريق ثالث، وكذا القول في الشهوة والغضب والحقد والحسد، وكذا القول في التعطيل والتشبيه والجبر والقدر والإرجاء والوعيد والرفض والخروج، والعقل ضعيف، والعمر قصير، والصناعة طويلة، والتجربة خطرة، والقضاء عسير، وقد تحيرت في الكل فاهدني إلى طريق أخرج منه إلى الجنة.
والمستقيم: السوي الذي لا غلظ فيه.
يحكى عن إبراهيم بن أدهم أنه كان يسير إلى بيت الله، فإذا أعرابي على ناقة له فقال: يا شيخ إلى أين؟ فقال إبراهيم إلى بيت الله، قال كأنك مجنون لا أرى لك مركبًا؛ ولا زادًا، والسفر طويل، فقال إبراهيم: إن لي مراكب كثيرة ولكنك لا تراها، قال: وما هي؟ قال: إذا نزلت على بلية ركبت مركب الصبر، وإذا نزل على نعمة ركبت مركب الشكر وإذا نزل بي القضاء ركبت مركب الرضا، وإذا دعتني النفس إلى شيء علمت أن ما بقي من العمر أقل مما مضى فقال الأعرابي: سر بإذن الله فأنت الراكب وأنا الراجل.
الوجه السادس: قال بعضهم: الصراط المستقيم: الإسلام، وقال بعضهم: القرآن، وهذا لا يصح؛ لأن قوله: {صِرَاطَ الذين أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} بدل من: {الصراط المستقيم} وإذا كان كذلك كان التقدير اهدنا صراط من أنعمت عليهم من المتقدمين، ومن تقدمنا من الأمم ما كان لهم القرآن والإسلام، وإذا بطل ذلك ثبت أن المراد إهدنا صراط المحقين المستحقين للجنة، وإنما قال الصراط ولم يقل السبيل ولا الطريق وإن كان الكل واحدًا ليكون لفظ الصراط مذكرًا لصراط جهنم فيكون الإنسان على مزيد خوف وخشية.
القول الثاني في تفسير اهدنا: أي ثبتنا على الهداية التي وهبتها منا، ونظيره قوله تعالى: {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} [آل عمران: 80] أي ثبتنا على الهداية فكم من عالم وقعت له شبهة ضعيفة في خاطره فزاغ وذل وانحرف عن الدين القويم والمنهج المستقيم.